تتابع صفاء اللوكي هوايتها/غواياتها في كتابة القصة القصيرة بإصدارعملها الثاني، بعد مجموعتها «تراتيل الغسق»؛ وقد اختارت له عنوانا رمزيا «جفون التيه» الصادر عن مطبعة وراقة بلال/فاس في طبعته الأولى سنة 2023. وقد جاء في 99 صفحة متضمنا خمس عشرة قصة مختلفة الأحجام.
اعتمدت الكاتبة في عملها على الواقعي؛ وقد جاء في صورتين: جواني وبراني، فالجواني اعتمد البوح باستخراج ما يجول في داخل الشخصية بلغة شاعرية تعتمد المجاز والصور البلاغية؛ في حين، جاء البراني بنظرة خارجية تروم نقل الواقع باعتماد الموضوعية بلغة نقدية ساخرة، من مرتكزاتها الوصف والحوار وسرد أفعال الشخصيات، وإظهار أنواع العلاقات الجامعة بينها.
القصص التي من النوع الأول تنقلنا من الخارج إلى الداخل دون أن يفقد هذا الخارج حضوره لأنه يعبر عن تأثيره في الذات التي استبطنته؛ وفي حين، تنقلنا القصص التي من النوع الثاني من الداخل إلى الخارج لنتابع أعطابه، ونواقصه بكثير من النقد والسخرية.
وفي كلتا الطريقتين نجد أنفسنا في رحلة مختلفة المسار، تعبر عن التيه الذي يملأ أجواء القصص، ويكاد يكون الثيمة الكبرى للعمل. انطلاقا من العنوان الأكبر مرورا بالقصص كل واحدة على حدة، وصولا إلى المعجم الذي يحتوي هذا الضلال الذي ينشد الخلاص بالعثور على طريق السلامة والنور.
سلطت الكاتبة الضوء على مفارقات مجتمعية وفكرية ووجودية، وتقوم بتنظيم السرد، بخطاب يقوم على النقد اللاذع للمنطق المختل، في علاقة الإدارة بمرتاديها، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وفي علاقة الشخصيات في ما بينها، وعلى السخرية المرة.
العنوان
جاء مركبا إضافيا، يشتمل على اسمين متضايفين يضيئان بعضهما بعضا، في تركيب إضافي يشي بانزياحه كون التيه لا أجفان له، وإنما هي صورة بلاغية معبرة لتقوية معنى الضياع الملتصق بالإنسان والمرتبط به. واللافت للانتباه أن العنوان كان مظلة للمجموعة، إذ لم نعثر على أي قصة في داخل المجموعة تحمله، وبالمقابل نجد ثيمة التيه بنوعيها المادي والمعنوي هي الخيط الناظم للعمل، وهو ما تؤكده بطريقة ما كلمة الشكر التي ذيلت بها المجموعة، إذ وجهت لعبد الجبار الخطاب على لوحته المعبرة عنها، ولكل من ألهم الساردة في إنضاجه؛ أقصد التيه. وبالعودة إلى معجم لسان العرب الإلكتروني لفك معاني الكلمتين، نجد أن جفن تحمل معاني عدة، منها:
جفن
الجَفْنُ: جَفْنُ العَين، وفي المحكم: الجَفْنُ غطاءُ العين من
أَعلى وأَسفل، والجمع أَجْفُنٌ وأَجفان وجُفونٌ. والجَفْنُ: عمْدُ السيف.
وجَفْنُ السيف: غِمده؛ والجَفْنة: معروفة، أَعظمُ ما يكونُ من القِصاع، والجمع
جِفانٌ وجِفَنٌ؛ والجَفْنة: ضرْبٌ من العنب.
والجَفْنة: الكَرْم، وقيل: الأَصلُ من أُصول الكَرْم، وقيل: قضيب من
قُضْبانه، وقيل: ورَقُه، والجمع من ذلك جَفْنٌ؛ والجَفْنةُ الخمرةُ.
والذي يهمنا في هذا المجال هو أن الجفن غطاء العين، وأما التيه فهو الضياع والسير في الأرض من غير هدى، لا بمعنى الكبر والصلف.
تتنوع ثيمات القصص على المستوى الموضوعاتي بين ما يتعلق بما هو ذاتي كقصة «بصمة على بحر الظلمات» و»خفافا ثقالا» وبين ما هو موضوعي وواقعي «رخصة سفر» و»أشعة سينية» و»أقبلك عشرا عشرا» على سبيل المثال، وما هو فانتازتيكي كقصة «موت المؤلف» الذي ينتهي بقفلة مثيرة، حيث يقول السارد: «ربما علمت الآن ما عليّ فعله، سأخرج.. سأخرج من هذا النص قبل أن أتورط أكثر!».
عن لوحة الغلاف الأمامي
تحمل اللوحة بين طياتها دلالة العنوان، فهي تشغل الواجهة الأمامية كاملة، وجاءت في صورتين، بارزة وباهتة، فالباهتة بمثابة ظل للبارزة، وكأنها تسير نحو الضياع، وتؤكد ثيمة التيه، إنها تسير نحو الانمحاء، وقد تكون على العكس من ذلك، قدومها من التيه إلى اليقين لتسرد علينا ما اختزنه من ذكريات وأحداث. والصورة لوجه امرأة قد أغلقت جفنيها، وتمسكت بيديها، وليس غريبا أن تكون المرأة هي العنصر الفاعل في العمل، ساردة وشخصية. أما العنوان فيكاد يفصل بين الصورة وظلها الباهت، أما في الأعلى فنجد اسم صاحبة العمل وقد جاء بخط صغير بخلاف العنوان البارز، وأما التجنيس فقد جاء في الأسفل على هامش اليمين وكأنه فضلة غير لازمة، أو أنه من باب تحصيل الحاصل.
يبدو كأن تلك المرأة تغلق جفنيها هروبا من الواقع ومن الأحلام أيضا.. ربما تحاول أن تغلق أذنيها لتجنب ما يدور حولها من أحاديث وحقائق وأكاذيب، دون محاولة للفهم .. لكنها تظل مستيقظة تلتقط ما تراه مهما وقابلا للسرد. وهذه اللوحة ستصير صغيرة الحجم حين تنتقل إلى ظهر الغلاف، الذي تستحوذ عليه صورة المبدعة ومقتطف من إحدى القصص، فضلا عن لوغو المطبعة والرمز السري صحبة الثمن.
التحبيك السردي
وأقصد به القدرة على الجمع بين مشاهد قصصية في تركيبة واحدة، بنسيج منظم للنص، تجعل من تلك الأمساج مشهدا واحدا؛ من ذلك، قصة «دعوة» فقصة الرجل الملتحي وزوجته تشكل بؤرة رؤية الساردة، ونواة القصة الصلبة، لكن قصصا فرعية جاءت لتشكل منعرجات قصصية تتضافر وإياها لتشكل مجموع النص وكليته، دون إغفال القصة الرئيسية التي كانت سببا في توليد كل هذه الأمساج، ألا وهي قصة الساردة التي تلقت دعوة لحضور لقاء ثقافي لم تتمكن من حضوره بسبب سلوكات تعبر عن فوضى وقلة ذوق. فغياب نظام النزول والصعود فوّت عليها النزول من القطار الذي تحرك بعد حين انضباطا لوقته، رغم أن بعض الركاب لم يتمكن من الهبوط. ويتبين أن الساردة وهي المشاركة في أحداث القصة قد تناولت تلك الظواهر السلبية بنوع من النقد اللاذع بغاية تقويمها.
كما اعتمدت المبدعة في قصص أخرى على تقطيع النص الكلي إلى وحدات أو فقرات، أو مقاطع أو قصيصات مستقلة بفواصل رقمية، وبصرية، وفضائية. بمعنى أن تلك الوحدات لها استقلالية تامة على مستوى الكتابة والتموضع البصري. ومن ثم، فهناك كتابة قصصية يعقبها الفراغ، وكلام يخلفه الصمت، وسواد يليه البياض، من ذلك قصة «إلى صديق..» التي قطعت إلى فقرات بواسطة أرقام. وكذلك الشأن في قصة رخصة سفر» بخلاف قصة «سينوغرافيا» التي اعتمدت الترقيم والعنونة في عملية تقطيع مشاهدها.
تعتمد الكتابة القصصية في بعض قصص هذا العمل إذن، على آلية التقطيع البصري، ويلاحظ على هذه القصة أنها متسقة ومنسجمة على مستوى الدلالة الموضوعاتية الكلية، حيث تحضر في هذه القصص المتناسلة، التي تتوالد عن النواة الكلية أو البؤرة الجوهرية، ثيمات رئيسثة ذات ارتباط بالثيمة الأم ولا تنفصل عنها. وهو ما يعني امتلاك القصة لخيط ناظم يشكل الوحدة الدلالية الكلية لها .
تقنية الحوار المسرحي
ولعل أقوى دليل على هذا الحضور هو المقتطف لصاحبه علي أبو الحسن، الذي جاء بعد الإهداء المكتوب بخط بارز والموجه إلى الذات الكاتبة كنوع من الاعتراف بها كاتبة وإيقونة وإنسانة، اعتمد سطرين عبارة عن سؤال وجواب، يقول النصيص:
سألته: متى يكون المرء أصفى؟
أجابني: إذا لم يصغ إلى كل ادعاء.
ونجد العمل، في مجمل قصصه قد وظف تقنية الحوار بنوعيه؛ الداخلي والخارجي.
والنوعان معا يعبران عما يختلج في نفس الشخصيات، وما يعتمل في داخلها جراء عوامل العالم الخارجي، ويشيان بموقف الساردة منها. فبالنسبة للحوار الداخلي، نجد الذات المتكلمة تعبر بأسئلتها عن هواجسها وما يشغل بالها نتيجة أحداث عناصر الواقع الذي تعيش فيه. من ذلك تلك الأسئلة التي تولدت بفعل تشكلات سطح ماء الكوب. والحقيقة أنه لا يمكن فصل تلك التشكلات عن الفوضى العارمة الطافية فوق رأسها. فعالمها الداخلي ما هو إلا استجابة لعالمها الخارجي، فهما معا يتشكلان وفق هموم وانشغالات الساردة.
أما الحوار الخارجي الذي يجري بين ذاتين متكلمتين، فتبسط فيه مواقف الشخصيات، ورؤيتها للحياة، وطرق تفكيرها واتخاذها للقرارات، من ذلك قصة «سينوغرافيا» التي تعد نقدا للبيروقراطية وما تمثله من تسلط وعبثية.
وظفت المبدعة في بعض نصوصها اللغة المحكية أثناء حوار الشخصيات لتجعلها أكثر واقعية، كما استثمرت الأغنية المحلية، فضلا عن الرسائل، مع الإشارة إلى اللغة الأجنبية الحاضرة في قصة « Bonne journee»!.
تظل قراءتي للمجموعة قاصرة في الإحاطة بكل جوانبها الثيماتية والأسلوبية، وبتقنياتها الموظفة في بسط القصص وعرض أحداثها، وتدعو باقي القراء/النقاد إلى المساهمة في عرض ما تزخر به على المستويين القضوي والفني.
كاتب وقاص من المغرب
اعتمدت الكاتبة في عملها على الواقعي؛ وقد جاء في صورتين: جواني وبراني، فالجواني اعتمد البوح باستخراج ما يجول في داخل الشخصية بلغة شاعرية تعتمد المجاز والصور البلاغية؛ في حين، جاء البراني بنظرة خارجية تروم نقل الواقع باعتماد الموضوعية بلغة نقدية ساخرة، من مرتكزاتها الوصف والحوار وسرد أفعال الشخصيات، وإظهار أنواع العلاقات الجامعة بينها.
القصص التي من النوع الأول تنقلنا من الخارج إلى الداخل دون أن يفقد هذا الخارج حضوره لأنه يعبر عن تأثيره في الذات التي استبطنته؛ وفي حين، تنقلنا القصص التي من النوع الثاني من الداخل إلى الخارج لنتابع أعطابه، ونواقصه بكثير من النقد والسخرية.
وفي كلتا الطريقتين نجد أنفسنا في رحلة مختلفة المسار، تعبر عن التيه الذي يملأ أجواء القصص، ويكاد يكون الثيمة الكبرى للعمل. انطلاقا من العنوان الأكبر مرورا بالقصص كل واحدة على حدة، وصولا إلى المعجم الذي يحتوي هذا الضلال الذي ينشد الخلاص بالعثور على طريق السلامة والنور.
سلطت الكاتبة الضوء على مفارقات مجتمعية وفكرية ووجودية، وتقوم بتنظيم السرد، بخطاب يقوم على النقد اللاذع للمنطق المختل، في علاقة الإدارة بمرتاديها، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وفي علاقة الشخصيات في ما بينها، وعلى السخرية المرة.
العنوان
جاء مركبا إضافيا، يشتمل على اسمين متضايفين يضيئان بعضهما بعضا، في تركيب إضافي يشي بانزياحه كون التيه لا أجفان له، وإنما هي صورة بلاغية معبرة لتقوية معنى الضياع الملتصق بالإنسان والمرتبط به. واللافت للانتباه أن العنوان كان مظلة للمجموعة، إذ لم نعثر على أي قصة في داخل المجموعة تحمله، وبالمقابل نجد ثيمة التيه بنوعيها المادي والمعنوي هي الخيط الناظم للعمل، وهو ما تؤكده بطريقة ما كلمة الشكر التي ذيلت بها المجموعة، إذ وجهت لعبد الجبار الخطاب على لوحته المعبرة عنها، ولكل من ألهم الساردة في إنضاجه؛ أقصد التيه. وبالعودة إلى معجم لسان العرب الإلكتروني لفك معاني الكلمتين، نجد أن جفن تحمل معاني عدة، منها:
جفن
الجَفْنُ: جَفْنُ العَين، وفي المحكم: الجَفْنُ غطاءُ العين من
أَعلى وأَسفل، والجمع أَجْفُنٌ وأَجفان وجُفونٌ. والجَفْنُ: عمْدُ السيف.
وجَفْنُ السيف: غِمده؛ والجَفْنة: معروفة، أَعظمُ ما يكونُ من القِصاع، والجمع
جِفانٌ وجِفَنٌ؛ والجَفْنة: ضرْبٌ من العنب.
والجَفْنة: الكَرْم، وقيل: الأَصلُ من أُصول الكَرْم، وقيل: قضيب من
قُضْبانه، وقيل: ورَقُه، والجمع من ذلك جَفْنٌ؛ والجَفْنةُ الخمرةُ.
والذي يهمنا في هذا المجال هو أن الجفن غطاء العين، وأما التيه فهو الضياع والسير في الأرض من غير هدى، لا بمعنى الكبر والصلف.
تتنوع ثيمات القصص على المستوى الموضوعاتي بين ما يتعلق بما هو ذاتي كقصة «بصمة على بحر الظلمات» و»خفافا ثقالا» وبين ما هو موضوعي وواقعي «رخصة سفر» و»أشعة سينية» و»أقبلك عشرا عشرا» على سبيل المثال، وما هو فانتازتيكي كقصة «موت المؤلف» الذي ينتهي بقفلة مثيرة، حيث يقول السارد: «ربما علمت الآن ما عليّ فعله، سأخرج.. سأخرج من هذا النص قبل أن أتورط أكثر!».
عن لوحة الغلاف الأمامي
تحمل اللوحة بين طياتها دلالة العنوان، فهي تشغل الواجهة الأمامية كاملة، وجاءت في صورتين، بارزة وباهتة، فالباهتة بمثابة ظل للبارزة، وكأنها تسير نحو الضياع، وتؤكد ثيمة التيه، إنها تسير نحو الانمحاء، وقد تكون على العكس من ذلك، قدومها من التيه إلى اليقين لتسرد علينا ما اختزنه من ذكريات وأحداث. والصورة لوجه امرأة قد أغلقت جفنيها، وتمسكت بيديها، وليس غريبا أن تكون المرأة هي العنصر الفاعل في العمل، ساردة وشخصية. أما العنوان فيكاد يفصل بين الصورة وظلها الباهت، أما في الأعلى فنجد اسم صاحبة العمل وقد جاء بخط صغير بخلاف العنوان البارز، وأما التجنيس فقد جاء في الأسفل على هامش اليمين وكأنه فضلة غير لازمة، أو أنه من باب تحصيل الحاصل.
يبدو كأن تلك المرأة تغلق جفنيها هروبا من الواقع ومن الأحلام أيضا.. ربما تحاول أن تغلق أذنيها لتجنب ما يدور حولها من أحاديث وحقائق وأكاذيب، دون محاولة للفهم .. لكنها تظل مستيقظة تلتقط ما تراه مهما وقابلا للسرد. وهذه اللوحة ستصير صغيرة الحجم حين تنتقل إلى ظهر الغلاف، الذي تستحوذ عليه صورة المبدعة ومقتطف من إحدى القصص، فضلا عن لوغو المطبعة والرمز السري صحبة الثمن.
التحبيك السردي
وأقصد به القدرة على الجمع بين مشاهد قصصية في تركيبة واحدة، بنسيج منظم للنص، تجعل من تلك الأمساج مشهدا واحدا؛ من ذلك، قصة «دعوة» فقصة الرجل الملتحي وزوجته تشكل بؤرة رؤية الساردة، ونواة القصة الصلبة، لكن قصصا فرعية جاءت لتشكل منعرجات قصصية تتضافر وإياها لتشكل مجموع النص وكليته، دون إغفال القصة الرئيسية التي كانت سببا في توليد كل هذه الأمساج، ألا وهي قصة الساردة التي تلقت دعوة لحضور لقاء ثقافي لم تتمكن من حضوره بسبب سلوكات تعبر عن فوضى وقلة ذوق. فغياب نظام النزول والصعود فوّت عليها النزول من القطار الذي تحرك بعد حين انضباطا لوقته، رغم أن بعض الركاب لم يتمكن من الهبوط. ويتبين أن الساردة وهي المشاركة في أحداث القصة قد تناولت تلك الظواهر السلبية بنوع من النقد اللاذع بغاية تقويمها.
كما اعتمدت المبدعة في قصص أخرى على تقطيع النص الكلي إلى وحدات أو فقرات، أو مقاطع أو قصيصات مستقلة بفواصل رقمية، وبصرية، وفضائية. بمعنى أن تلك الوحدات لها استقلالية تامة على مستوى الكتابة والتموضع البصري. ومن ثم، فهناك كتابة قصصية يعقبها الفراغ، وكلام يخلفه الصمت، وسواد يليه البياض، من ذلك قصة «إلى صديق..» التي قطعت إلى فقرات بواسطة أرقام. وكذلك الشأن في قصة رخصة سفر» بخلاف قصة «سينوغرافيا» التي اعتمدت الترقيم والعنونة في عملية تقطيع مشاهدها.
تعتمد الكتابة القصصية في بعض قصص هذا العمل إذن، على آلية التقطيع البصري، ويلاحظ على هذه القصة أنها متسقة ومنسجمة على مستوى الدلالة الموضوعاتية الكلية، حيث تحضر في هذه القصص المتناسلة، التي تتوالد عن النواة الكلية أو البؤرة الجوهرية، ثيمات رئيسثة ذات ارتباط بالثيمة الأم ولا تنفصل عنها. وهو ما يعني امتلاك القصة لخيط ناظم يشكل الوحدة الدلالية الكلية لها .
تقنية الحوار المسرحي
ولعل أقوى دليل على هذا الحضور هو المقتطف لصاحبه علي أبو الحسن، الذي جاء بعد الإهداء المكتوب بخط بارز والموجه إلى الذات الكاتبة كنوع من الاعتراف بها كاتبة وإيقونة وإنسانة، اعتمد سطرين عبارة عن سؤال وجواب، يقول النصيص:
سألته: متى يكون المرء أصفى؟
أجابني: إذا لم يصغ إلى كل ادعاء.
ونجد العمل، في مجمل قصصه قد وظف تقنية الحوار بنوعيه؛ الداخلي والخارجي.
والنوعان معا يعبران عما يختلج في نفس الشخصيات، وما يعتمل في داخلها جراء عوامل العالم الخارجي، ويشيان بموقف الساردة منها. فبالنسبة للحوار الداخلي، نجد الذات المتكلمة تعبر بأسئلتها عن هواجسها وما يشغل بالها نتيجة أحداث عناصر الواقع الذي تعيش فيه. من ذلك تلك الأسئلة التي تولدت بفعل تشكلات سطح ماء الكوب. والحقيقة أنه لا يمكن فصل تلك التشكلات عن الفوضى العارمة الطافية فوق رأسها. فعالمها الداخلي ما هو إلا استجابة لعالمها الخارجي، فهما معا يتشكلان وفق هموم وانشغالات الساردة.
أما الحوار الخارجي الذي يجري بين ذاتين متكلمتين، فتبسط فيه مواقف الشخصيات، ورؤيتها للحياة، وطرق تفكيرها واتخاذها للقرارات، من ذلك قصة «سينوغرافيا» التي تعد نقدا للبيروقراطية وما تمثله من تسلط وعبثية.
وظفت المبدعة في بعض نصوصها اللغة المحكية أثناء حوار الشخصيات لتجعلها أكثر واقعية، كما استثمرت الأغنية المحلية، فضلا عن الرسائل، مع الإشارة إلى اللغة الأجنبية الحاضرة في قصة « Bonne journee»!.
تظل قراءتي للمجموعة قاصرة في الإحاطة بكل جوانبها الثيماتية والأسلوبية، وبتقنياتها الموظفة في بسط القصص وعرض أحداثها، وتدعو باقي القراء/النقاد إلى المساهمة في عرض ما تزخر به على المستويين القضوي والفني.
كاتب وقاص من المغرب