د. أحمد الحطاب - اسم المغرب يرفرِف عاليا في السماء لكن…

كم تمنَّيتُ أن يكونَ اسمُ بلادي، على الدوام، مُرفرِفا في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي. كم تمنَّيتُ وانا طفلُ وأنا مراهق وأنا شاب وأنا كهلٌ وأنا مُسنٌّ ولا أزال اتمنى أن تكونَ بلادي في أرقى درجات العلاَ والازدهار والسمو. كم تمنَّيتُ أن تتصدَّرَ بلادي كل بلدان العالم من حيث الإنجازات الإنسانية، الاجتماعية، العلمية، التكنولوجية، الاقتصادية، الثقافية… وأخيرا، كم تمَّيتُ أن أرى بلادي مزدهرةً ومتقدِّمة في جميع المجالات وكم تمنَّيتُ أن يُذكَرَ اسمُ بلادي على جميع ألسِنة البشر وأن يقترِنَ هذا الذكرُ بدفعةٍ من الفخر والاعتزاز.

وأخيرا، تحقَّق هذا التَّمنِّي وفرِحتُ به كما فرِح به كل المواطنات والمواطنين المُحِبات والمُحبِّين لبلدهم ويسعدون لرؤيتِه في أبهى حُلَلِ العِزَّة والافتخار. لكن فرَحي واعتزازي، أنا شخصيا، كان مشوبا بنوعٍ من القلق وعدم الرِّضا بما يحدثُ! لماذا؟ لأن الرياضةَ، بصفة عامة، وكرة القدم، بصفة خاصة، هما اللتان، حصريا، تحملان إلى قلوب و وِجدان المواطنات والمواطنين المغاربة جٌرعةً عاليةً، ولو مرحليا، من الفرح والسعادة.

أنا الذي قلتُ، في بداية هذه المقالة : "كم تمنَّيتُ أن يكونَ اسمُ بلادي، على الدوام، مُرفرِفا في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي"، شيءٌ طبيعي أن تكون سعادتي وفرحي بإنجازات كرة القدم الوطنية مشوبين "بنوع من القلق وعدم الرضا". أولا، لأن السعادةَ والفرحةَ اللتين تحملهما إنجازاتُ كرة القدم الوطنية إلى قلوب و وِجدان المواطنات والمواطنين، سرعان ما تختفيان أمام ضخامة وضغط هموم الحياة اليومية. ثانيا، لاني اتمنى بل أريد أن أرى "اسمَ بلادي، على الدوام، مُرفرِفا في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي" وليس بكيفية عابرة لا تصمد أمام ثِقَل الحياة اليومية.

والضامنُ الوحيد، النافع والناجح لاستمرارية رفرفة "اسم بلادي، على الدوام، في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي"، هو التَّدبيرُ الجيِّد، العقلاني، المواطن والمسؤول للشأن العام. تدبيرٌ يعود بالنفع على البلاد والعباد تكون نتائجُه ملموسة ولها وقعٌ إيجابي على كرامة عيش المواطنات والمواطنين. وأكبر سعادة تخالج وِجدانَ الشعب المغربي هي أن يُحسَّ بأن تدبيرَ شأنه العام يعود عليه بالنفع.

وهذا يعني أنه، كان من المقروض، أن يكونَ تدبيرُ َالشأن العام هو المصدر الرئيسي لحمل السعادة والفرحة إلى قلوب المواطنات والمواطنين. وتدبير الشأن العام مرتبط ارتباطا وثيقا بالمشهد السياسي. ومشهدنا السياسي منخورٌ بالفساد حتى النُّخاع. ومُكوِّنات هذا المشهد هي الأحزاب السياسية. وفساد المشهد السياسي من فساد الأحزاب السياسية والسياسيين. والأحزاب السياسية والسياسيون يحملون معهم فسادَهم إلى قبَّة البرلمان وإلى الحكومة وإلى الجماعات التُّرابية. والفساد يُولِّد الفسادَ أين ما حلَّ وارتحل. بل إن جلَّ مَن يُسمُّون أنفسَهم سياسيين دخلوا معركةَ السياسة لتوسيع دائرة فسادِهم. فهل مشهدٌ سياسي من هذا النوع سيُفضِّل المصلحة العامة على مصالحِه الخاصة؟ وهل مسهدٌ سياسي من هذا النوع سينشغِل بتوفير السعادة والفرحة للمواطنات والمواطنين؟ لو كان هذا المشهد السياسي مُخلصا لوطنه ومُقدِّرا لمسئولياتِه، لوفَّرَ هاتين السعادة والفرحة منذ أكثر من 65 سنة مضت! لكنه لم يفعل ولا يفعل ولن يفعلَ ما دامت مكوِّناتُه فاسدة.

فمرحبا وألف مرحبا بالسعادة وبالفرحة اللتين توفِّرهما للمواطنات والمواطنين الرياضة، بصفة عامة (مثلا، إنجازات سفيان البقالي في ألعاب القوى، وإنجازات الدراجات الهوائية على الصعيد الإفريقي وإنجازات الرياضيين من ذوي الحاجات الخاصة وإنجازات التِّكواندو والكاراطي والكيك بوكسينك…) وكرة القدم الوطنية، بصفة خاصة، (مثلا، إنجازات الفريق الوطنى الأول في مونديال قطر، إنجازات الفريقين الوطنيين تحت ١7 سنة وتحت 23 سنة، إنجازات كرة القدم النسوية وإنجازات كرة القدم داخل القاعة…).

السياسة، في هذا البلد السعيد، أفسدت كل شيء! أفرغها السياسيون أنفسُهم من معناها النبيل ليجعلوا منها، حصريا، مجرَّدَ مَطِيَّةٍ يركبها قاقدو الضمائر لتحقيق مآرِبهم الدنيئة على حساب طموحات وتطلعات المواطنات. المواطنين.

هناك فرق شاسع بين رياضيين يحققون الإنجازات تِلو الأخرى حبّاً في وطنهم ورغبةً منهم في إسعاد الناس وبين سياسيين يكرهون وطنَهم ويستغلونه أبشع استغلال وعلى حساب المصلحة العامة لهذا الوطن. إنهم يفضِّلون نهشَه من كل الجوانب نهشا وحشيا إرضاءً لجشعهم وطلعهم وملء جيوبهم التي لا تمتلء ولن تمتلءَ ما دام الفساد والإفساد هما المسيِّران الحصريان لتصرفاتهم وسلوكاتهم وأعمالهم.

لك الله يا وطني!!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...