علجية عيش - صرخات الحق المظلوم (قراءة في كتاب)

مع العلّامة محمد نسيب الجزائري

هو كتاب أهداه صاحبه إلى كل المظلومين و المضطهدين الذين أرهقتهم الأيام و داستهم أقدام الطغاة، كان كما قال عبارة عن صرخة مدوية لا يملك سواها، إنها صرخة القلب الجريح، مذكرا لهم بأن لكل بداية نهاية، و لكل ليل فجرا مهما طال و تمدد، لقد جفّ ريق الكاتب و هو ينادي المسلمين الذي تفرقوا و يدعوهم إلى العودة لكتاب الله، فهو يخاطبهم قائلا: " يا مسلمين متى تقفون على أقدامكم و لا تزحفون على بطونكم.. يا مسلمين تعالوا إلى كتاب الله هو الحكم فينا بينكم و نبراس ينير طريقكم المظلم فلا تهملوه فتظلوا الطريق..، يا مسلمون هل من عقل يفكر و ضمير يستيقظ، و حركة تنبعث..؟..الخ، و لكن لا احد يسمع فيستجيب، و قد كتب العلامة محمد نسيب الجزائري في أولى صفحات الكتاب عبارة مثيرة جدا قال فيها: " أيها الظلم المصغر خده رويدك إن الدهر يبني و يهدم، هو الحق يعفي.. ثم يعرض ساخطا فيهدم"


العلّامة محمد نسيب مفكر و محلل سياسي جزائري من مواليد 1924 بمنطقة القبائل ناحية بوغني ولاية تيزي وزو، بدأ تعليمه على يد والده في المنزل ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبد الرحمن اليلولي، قبل أن يشد رحاله إلى جامعة الزيتونة بتونس لمواصلة الدراسة، اشتغل في الصحافة بعد حصوله على شهادة ليسانس في الفلسفة من جامعة الجزائر، تولى إدارة المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة، ثم مديرا لمجلة "الرسالة" ، و ظل يناضل بقلمه و فكره إلى أن وافته المنية في سنة 2003 ، و كتابه صرخات الحق المظلوم عبارة عن مجموعة مقالات مختلفة نشرها الكاتب في صحف و مجلات جزائرية، نظمها في شكل كتاب، و هذه المقالات تعالج أمراضا و مشاكل اجتماعية، و ماهي سوى صرخات النفس المعذبة، و دخانا تصاعدا من قلب محترق، و قد قسم المؤلف كتابه إلى أربعة محاور: تناول في المحور الأول السيرة النبوية، و تناول في المحور الثاني بعض الشخصيات العلمية الجزائرية المتخرجين من مدرسة محمد، و تحدث في المحور الثالث عن الرافضون عبر التاريخ الذين اختاروا الدروب الوعرة المغروسة بالأشواك، الرافضون للعبودية و التبعية، أما المحور الرابع ركز فيها صاحب الكتاب على قضية التبشير الإستعماري الصليبي و الإعلام الغربي الصهيوني و خطرهم على الأمة الإسلامية، و إن كان صاحب الكتاب من أصول أمازيغية، فقد أبى إلا أن يدافع على لغة "الضاد" و هو يؤلف كتابه بلسان عربيّ، يستظهر بطولات الشعب الجزائري الذي تصدى للإستعمار الفرنسي مدافعا عن دينه و لغته و قيمه، من قال أن الأمازيغي لا يتكلم العربية، من قال أن الأمازيغي لا يعرف الكتابة باللغة العربية، فهاهو الأمازيغي يتحدث عن الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية العلامة ابن باديس، و يدعو جيل الإستقلال بأن يتعلم من هذا الإمام المصلح و يأخذ عنه، و أن لا يتسامح و لا يتنازل عن ثقافة وطنه و لسان قومه، وقد أسهب محمد نسيب في وصف مأساة الإنسان المعاصر الذي يقوده العميان و المجانين، إنه الإنسان المادي الذي صنعته الحضارة المادية فحولته إلى حيوان مفترس، و فيما يتساءل الكاتب عن الحرية و الديمقراطية المزعومة التي صنعها الغربيون، يصف محمد نسيب تجار الحروب بأعداء الإنسانية..

لقد جفّ ريق الكاتب و هو ينادي المسلمين الذي تفرقوا و يدعوهم إلى العودة لكتاب الله، فهو يخاطبهم قائلا: " يا مسلمين متى تقفون على أقدامكم و لا تزحفون على بطونكم.. يا مسلمين تعالوا إلى كتاب الله هو الحكم فينا بينكم و نبراس ينير طريقكم المظلم فلا تهملوه فتظلوا الطريق..، يا مسلمون هل من عقل يفكر و ضمير يستيقظ، و حركة تنبعث..؟..الخ، و لكن لا احد يسمع فيستجيب، فلا يجد العزاء إلا من البحر يحدثه و يناجيه، و هو مقال عنونها الكاتب بالصيغة التالية: " متى تثور يا بحر؟"، إذ يقول: " يا بحر متى تغضب و تثور، و تغرق القرود و الخنافس، و تطهر شواطئك من الأمواج و الأشلاء المبعثرة التي ينخرها الدود و يحوم حولها الذباب و ينقل منها الجراثيم و الأمراض و يهلك الأحياء"، و يضيف قائلا: " يا بحر لو أرسلت موجة واحدة لغسلت رمالك و أزلت من وجهك الأوساخ التي تجمعت حولك، و طفت على سطحك فشوهت جمالك و غيرت لونك و رائحتك، يا بحر كنت ثائرا و كان هديرك يملأ الدنيا رعبا و خوفا، و صرت جامدا ساكنا لا تدافع عن شرفك المهان و كرامتك المداسة، كان شاطئك يا بحر مأوى الأحرار و ملتقى الأبطال و مرتع الأسود و الأشبال..، لعلهم قالوا لك إننا جيل ثائر على الأخلاق و العادات و التقاليد و على كل مبادئ الإنسانية؟، فصرت يا بحر لا تتأثر ، تغضب و لا تثور..الخ..
و يرحل الكاتب مع الرافضين عبر التاريخ، للإشارة أن " الرافضون عبر التاريخ" هو في الحقيقة كتاب ألفه الأستاذ محمد الصالح الصديق، جمع فيه بين الأولين و الآخرين، و عرّف بعظماء الشرق و الغرب الذين قالوا " لا" في كل زمان و مكان، و رفضوا العبودية و قاوموا الظلم و الإستبداد و صاحوا في وجوه الجبابرة و الطغاة و دافعوا عن الحرية و الكرامة الإنسانية، و الحقيقة أنني بحثت عن كتاب الرافضون عبر التاريخ و لم أعثر عليه، يقول محمد نسيب : لولا الرافضون لابتلعتنا هذه الأفاعي التي تزحف في كل مكان لتثير الرعب و الفزع في قلوب البشر.
قراءة علجية عيش
التفاعلات: هجيرة نسرين بن جدو

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...