علجية عيش - ما لم يكشفه المؤرخون و السيّاسيّون عن مؤتمر "باندونغ"المنعقد في أفريل 1955

باندونغ كانت مهرجان الشُّعُوبِ المُلَوَّنَة ومَحْكَمَةً لمقاضاة العنصريين

جمال عبد الناصر هاجم فكرة وجود إسرائيل في المؤتمر

هناك تناقضات و مغالطات تاريخية بين من مثل الجزائر في مؤتمر "باندونغ " فهذا الدكتور المؤرخ محمد لمين بلغيث يقول أن الشاذلي المكي هو من مثل الجزائر في مؤتمر باندوغ في الوقت الذي تشير تقارير إلى المشاركين في المؤتمر من الجزاريين و لم يرد اسم الشاذلي المكي ، فقدتشكل الوفد الجزائري من حسين آيت أحمد ، امحمد يزيد ،سعد دحلب والطيب بولحروف،وإلى جانب الوفد الجزائري مَثَّلَ كل من صالح بن يوسف عن تونس و علال الفاسي عن المغرب و كانت الوفود الثلاثة تمثل دول المغرب العربي، و لم يجد هؤلاء اية صعوبة في إدانة فرنسا مع أنه لم يكن لهم الحق في التحدث رسميا باعتبارهم ممثلين لأحزاب سياسية و ليسوا ممثلين لحكومات ، في هذا المؤتمر لم تكن فرنسا ترغب في أن تدرس القضايا الإفريقية في ، و هو ما حدث لما أدان معظم الوفود فرنسا و حكوماتها المتعاقبة، و أوضحوا أن حضورهم ليس لمناقشة مشكلات آسيا، بل ليناقشوا أيضا مشكلات افريقية التي أرسلت ممثلين لها، خاصة عندما أعلن نهرو أن آسيا تريد أن تساعد افريقية، و قد حضر المغاربة إلى باندونغ من أجل إدانة فرنسا، فإذا كنا نغالط القارئ في صغائر الأمور كيف نعالج المشكلات الكبيرة ، فهذه تناقضلات يمكن الترفع عنها ، وجب على المؤرخين أن يناقشوا القضية من جذورها و أن يعالجوا الفكرة المُخْتَلَفٌ فيها ، لامناقشة من حضر و من لم يحضر، و إن قلنا أن حضور فلان أو علان يعتبر شاهدا على الأحداث و بخاصة مواقف الذين شاركوا في هذا المؤتمر


قيل أن مدينة باندونغ باندونيسيا المكان المثالي لعقد أي مؤتمر دولي لما تتميز به هذه المدينة من جو منعش و مناظر جبالها الخلابة و غاباتها الكثيفة، و كل ما يحيط بها من حقول الأرز، فضلا عن كرم الإندونيسيين الذين اعتادوا على استقبال الوفود بابتسامة جميلة ، كان في شهر أفريل 1955 ، ارتفعت أصوات تسع و عشرين ( 29) دولة تحمل أعلاما تمثل دول أفريقيا و آسيا يتوسطها علم الصين و اليابان العدو اللدود للصين، حيث دعت هذه الدول لمؤتمر إفريقي آسيوي، و هي الدول التي تنتمي إلى مجموعة “كولومبو” و لم تكن هذه الدول أن يقتصر مؤتمر باندونغ على مهاجمة الولايات المتحدة فقط بل تحقيق نوع من التفاهم بين آسيا و افريقية، لفحص المشكلات العنصرية و الاقتصادية و البحث في أمور الدول التي تسعى للحصول على استقلالها، و قد خشيت الحكومة الإندونيسية التي نالت استقلالها من هولندا في 1940 من حدوث فوضى فنشرت جنودها المسلحين يجوبون المدينة، لم يكن الشعب الإندونيسي شعبا يحب الفوضى أو التخريب أو من الشعوب المتهورة التي تستغل مثل هذه المناسبات لزرع الفتنة، بل كان شعبا متحضرا، بحيث كانت "باندونغ" مدينة هادئة، و ماكان سكانها يندفعون بشوق و هم يستقبلون بالتصفيق زعماء الدول ( أونو، جمال عبد الناصر، شوين لاي، نهرو ).

أما الشباب فقد كانوا يتسابقون للحصول على توقيع هؤلاء الرؤساء، لم تكن هناك "شرطة" أو باراجات ( حواجز) ، كما لم تغلق الطرقات مثلما يحدث عندنا، فقد احتضن الإندونيسيون مؤتمر الشعوب المستعمرة في جو ساده الوفاق و الوئام، لولا الحادثة التي وقعت إثر سقوط الطائرة التي كانت تنقل الوفد الصيني في مياه المحيط، و رغم ذلك فقد منع الجيش الإندونيسي أنصار "دار السلام" من إرسال رجالاتهم لارتكاب اغتيالات ضد الحكومة الإندونيسية، فالسلام في تلك الفترة لم يعم آسيا، إذ تخللته منازعات عنيفة، ‘الحرب في كوريا و الهند) و في إفريقيا ( تونس ، المغرب و الجزائر)، و هي الدول التي رزحت تحت نير الاستعمار فترة طويلة، و لأول مرة يجتمع حكام القارتين ( آسيا و افريقيا) ليتناقشوا في قضايا تهم شعوبهم و شعوب العالم الآخر و مخاطر الأسلحة النووية إذا ما نشبت الحرب، التقوا بعدما تخلصوا من عقدة الجنس و وضعوا حدا للشعور بمركب النقص.

كانت أكثر الوفود تحمسا للقضاء على العنصرية ، حيث دعت في هذا المؤتمر لمحاربة التعصب الجنسي الذي كان يتميز به أصحاب البشرة البيضاء، و قد اعتلت الأصوات من داخل القاعة البيضاء لقصر مرديكا merdeka تصفيقا للرئيس "سوكارنو" الاسم الذي تطلقه الجماهير الأندونسيسة على رئيسهم بنج كارنو bengkarno ، عندما افتتح هذا الأخير باب المناقشات و هو يرتدي الزيّ العسكري الأبيض، كان سوكارنو محاورا ذكيا و دبلوماسيا ماهرا، حيث بدأ خطابه بشعار : "علينا أن نعيش و نترك غيرنا يعيش" ، ثم قال " الوحدة برغم اختلاف شعوبنا"، كانت الأمور تسير في هدوء، ثم فجأة سمع صوت مدوي ، إنه البانديت نهرو الذي ردد عبارة : " فلتذهب الكتل إلى الجحيم" حتى نشبت نيران "المعارضة"، كما أثيرت في المؤتمر موضوع "إسرائيل"، لكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر عارض فكرة وجود إسرائيل في المؤتمر و عارضه بقوة، و لقي هجومه معارضة خفيفة من طرف بورما التي كانت تربطها بإسرائيل علاقات قوية، فحكومة رانجون كانت تستفيد من مؤونة فنية تقدمها حكومة تل أبيب.
المبادئ العشرة لمؤتمر باندونغ
و قد كشف تقرير تخوف كانت فرنسا من أن تدرس القضايا الإفريقية في مؤتمر " باندونغ"، و هو ما حدث لما أدان معظم الوفود فرنسا و حكوماتها المتعاقبة، و أوضحوا أن حضورهم ليس لمناقشة مشكلات آسيا، بل ليناقشوا أيضا مشكلات افريقية التي أرسلت ممثلين لها، خاصة عندما أعلن نهرو أن آسيا تريد أن تساعد افريقيا، و قد حضر المغاربة إلى باندونغ من أجل إدانة فرنسا، فقد مثل دول المغرب العربي ( صالح بن يوسف عن تونس، علال الفاسي عن المغرب، و حسين آيت أحمد و محمد يزيد عن الجزائر) و لم يجد هؤلاء أية صعوبة في إدانة فرنسا مع أنه لم يكن لهم الحق في التحدث رسميا باعتبارهم ممثلين لأحزاب سياسية و ليسوا ممثلين لحكومات، و الفضل يعود إلى الوفد المصري الذي قبل أن يقوم بدلا عنهم بهذه المهمة السياسية و تمكن الوفد من إدانة فرنسا في اللجنة السياسية التابعة للمؤتمر، حيث صوتت جميع الدول الحاضرة في المؤتمر ضد فرنسا، و تم الإعلان في المؤتمر عن عشرة مبادئ منها ( احترام حقوق الإنسان الأساسية و مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، الاعتراف بالمساواة بين جميع الأجناس، عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمختلف الدول، تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية مثل التفاوض أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية أو السلمية و غيرها..)، و بفضل هذا المؤتمر بدأت دول العالم الثالث تشعر بحقيقة وجودها، و نشأت القوة الإفريقية الآسيوية و هكذا اتسعت قاعدة العالم الثالث و أصبح لها وجود.

بعض الشعوب التي تحررت من الاستعمار (الفرنسي خاصة) ترى انه من الخطإ نسيان جرائم الاستعمار و محو آثاره، لأنه حافل بالظلم و الجرائم و لأنه لم يكن يهدف سوى مسخ الهوية و تدمير كل القيم الوطنية، وابتداءً من 1960 ظهرت مجموعة تنادي بضرورة القضاء على الإرث الاستعماري، غير أن هذا المشروع لم يتحقق بعد ظهور أنصار فكرة إعادة الاندماج، و ظهور هذه الجماعة مهدت لمؤتمر بلغراد، وكمثال ، فقد كافح الدستوريون في تونس من أجل استقلال بلادهم و عانوا من خلالها السجن و التشرد و النفي، و لكن عودة بورقيبة و توليه السلطة أفسدت ثمرة الاستقلال ، حيث وضع نظرية تنادي بضرورة التعاون مع المستعمرين، و ربما الأمر الذي شجع فرنسا على رفض تقديم أي اعتذار للشعوب التي احتلتها و بخاصة الجزائر، و قد نشرت جريدة " جيش التحرير" سنة 1961: " إن الاستقلال معناه تغيير كل مظهر من مظاهر الاستعمار"، و نقف على كلمات الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي : " إن الاستعمار الأوروبي أدى إلى إصابة الإنسانية بجروح دامية" ، لكن فرنسا في ظل صمت النظام تأبى أن تعترف بجرائمها في حق الشعوب و بخاصة الشعب الجزائري و لن تعترف، و لا ينبغي للشعب أن ينتظر أو يحلم..

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...