فما هي هذه المعلومات أو الأنباء؟
إنها معلومات وأنباء نقرأها صبحَ مساء في الجرائد الورقية والإلكترونية، ونسمعها في النشرات المُذاعة والمُتلفزة. أنباء لا تخلو منها وسائل الإعلام، مُلفِتة للنظر وبارزة. من ضمن هذه المعلومات والأنباء، أذكرُ على سبيل المثال :
1.الصناعة المغربية تتطوَّر وصادراتها في تحسُّنٍ مستمر.
2.صناعة السيارات، المغربية تحقِّق رقمَ معاملات تصاعدي.
3.صناعة الطيران تحقِّق تقدما ملموسا وتغزو أسواقا مهمة.
أنا شخصيا، عند سماع مثل هذه الأنباء، أشعر باعتزاز وفخر كبيرين لأن البلادَ التي أنتمي إليها أصبحت تضاهي بلدانا كبيرة لها باعٌ طويل في هذه المجالات.
عند سماع أو قراءة هذه الأنباء وبدون أدنى شك، ما يتبادر للذهن، في أول وهلةٍ، هو أن المغربَ في صحة جيِّدة. في صحة جيِّدة لأن صناعتَه تسير في الطريق الصحيح ولها قيمات مضافة عالية.
لكن ما هو مُفرِحٌ (وهو صحيح مُفرحٌ)، أعتبره، أنا شخصيا، بمثابة ميدالية لها وجهٌ مُشرِق، وفي نفس الوقت، لها وجهٌ آخر غير مُشرقٍ.
هذا النوع من الأنباء المفرِحة تعوَّدنا على سماعِه طيلةَ سنين مضت. غير أن ما ثُثيره هذه الأنباء المُفرحة من اعتزاز وفخر لا يصمُد لتحليل وتفكير عميقين. إذ يكفي أن ننظرَ ما يجري حولنا أو عندما نجوب البلادَ طولا وعرضا أو عندما نتحدث مع الناس أو عندما نقرأ بعضَ الصُّحف أو عندما نلاحظ ظروفَ عيش شريحة عريضة من السكان أو عندما نزور بعض المرافق الإدارية أو المستشفيات العمومية أو عندما...، نلاحظَ وجودَ عالمٍ آخر يستفزُّ ويفاجئ أبصارَنا. عالم شديد التناقض مع ما نسمعه من أنباء مُفرحة. عالمٌ يجعل الاعتزازَ والفخرَ ينقلبان إلى حزن وأسى.
من المعروف أنه، عندما يكون اقتصاد بلدٍ ما في أحسن حال، فهذا معناه أن هذا الاقتصادَ يخلق الثروةَ ويُفرز قيمات مضافة… علما أن هذه الثروة والقيمات المضافة، من المفروض، أن تكون لها انعكاسات إيجابية على ظروف وإطار عيش الشعب المغربي. غير أن ما يُلاحَظُ هو أن عافيةَ الاقتصاد لا أثرَ لها أو تكاد على هذه الظروف وعلى هذا الإطار.
إنه فعلا شيء غريب ومُنافي للمنطق. من جهةٍ، يُقال لنا إن الاقتصادَ المغربي يسير في الاتجاه الصحيح، ومن جهةٍ أخرى، نلاحِظ بدون مِجهرٍ، أن هذا الاقتصادَ لا يعود بالنفع على عموم المواطنين.
أمام هذا الوضع وحسب رأيي الشخصي، هناك سؤالان، من الأهمِّية بمكان، يفرضان نفسهما :
1.على أي مغرب تحيلنا الأنباء المُفرحة السالفة الذكر؟
2.مَن يستفيد من التَّقدُّم الحاصل في مختلف مجالات الاقتصاد أو مِن الإنجازات التي يحققها هذا الاقتصاد بالمغرب؟
الجواب على السؤال الأول واضح إذ يجعلنا نفكِّر في وجود مغربين! مغرب تملكه أقليةٌ تسيطر على السلطة والمال ومغرب يتصارع فيه السواد الأعظم من المواطنين مع العيش. مواطنون لا وجودَ لهم إلا من خلال ما يؤدونه من ضرائب.
أما الجواب على السؤال الثاني، فهو الآخر واضح وضوحَ الشمس : أقلية المغرب الأول هي التي تستفيد من حصيلة الاقتصاد، لكن على حساب المغرب الثاني. وهي التي تقتسم الثروات، العائدات، الأرباح، السلطة، الخ. سالكةً طُرقا مشروعة وغير مشروعة.
مَن قال إن الثروات التي تُنتِجها البلادُ موزَّعة بإنصاف على المواطنين؟ مَن يقول هذا ويؤمن به، فإنه يسبح في عالمٍ يسود فيه الخيالُ والسخرية والوقاحة، إن لم أقل عدم الأخلاق!
إذا كان هذا التوزيع مُنصِفا، فلماذا، منذ أن استقلت البلادُ، لا نزال نتحدَّث عن الفوارق الاجتماعية، عن الفقر، عن الهشاشة، عن الأمية، عن الإقصاء، عن الأجر الأدنى، عن التعليم، عن الصحة، عن الكرامة، عن العزلة القروية، عن العدالة الاجتماعبة، عن قوارب الموت، عن التّسوُّل، عن تشغيل الأطفال وصغار البنات، عن الهدر المدرسي، عن دُور الصفيح، عن الريع، عن…
فكيف يمكن تفسير هذه المُفارقات وهذه التناقضات؟
في رأيي الشخصي، هناك جواب واحد و وحيد لهذا السؤال : غياب مطلق لإرادة سياسيةٍ تجعل من المغربين مغربا واحدا يتساوى فيه المواطنون ويستفيدون بإنصاف من ثروات بلادهم.
أن يكونَ في البلاد أغنياء، فهذا شيء لا يُنكِره أحدٌ. لكن أغنياء مواطنون، ثرواتهم لا تُمطرها السماء وليست ناتجة عن تراكُمات الريع. ريع يغتنون من ورائه غنى فاحشا من خلال ما ينعمون به من مأذونيات ورُخَصٍ غير مستحقة ومحاباة... أغنياء تستفيد من غناهم البلادُ وجميع نواحيها. أغنياء غير متكبِّرين، غير تسلُّطيبين، متواضعون وهاجسُهم الأول والأخير هو الصالح العام.
أن يكونَ في البلاد فقراء، بعد مرور عشرات السنين على استقلال البلاد، فهذا شيء غير مقبول! غير مقبول لأن الأقلية استولت على كل شيء. غير مقبول لأن العديد من البلدان استطاعت أن تقضيَ على هذه المفارقات في مدة وجيزة. بلدان إمكانياتها، أحيانا، أقل بكثير من تلك التي يتوفَّر عليها المغرب.
فعلى مَن تقع مسئولية وجود واستمرار هذه التناقضات والمفارقات والحيف...؟
تقع على مَن كانوا ولا يزالوا يدبِّرون شؤونَ البلاد. ومَن يدبِّر شؤون البلاد؟ هم الأحزاب السياسية التي تصل إلى البرلمان وإلى الحكومة عن طريق الديمقراطية. وأية ديمقراطية هذه إن لم تُنصف الشعب؟ في الحقيقة، ليست الديمقراطية هي التي لم تُنصف الشعب. بل الذين يمارسونها، أي الأحزاب السياسية، هم مَن لم يقدِّروا مسئوليتَهم وفضَّلوا الكراسي ومزاياها على الاهتمام بالصالح العام. من حسن حظ البلاد أن لها ملكاً يغِير عليها ويرسم لها بانتظام مستقبلا زاهرا إن شاء الله.
هذه المقالة تشخِّص وضعا كان من المفروض، في أيامنا هذه، أن يكونَ أحسن بكثير مما هو عليه اليوم. وليست على الإطلاق دعوة لعدم الاهتمام بالسياسة.
والسياسة هي التي تسيِّر البلادَ. وعدم الاهتمام بها هو نوعٌ من عدم الاهتمام بأمور هذه البلاد. فكلنا نحب بلادَنا ونريد لها الخيرَ كل الخير. كما نريد أن نراها في أحسن الأحوال وأن تكونَ معزَّزةً مكرَّمةً بين الأمم. وقد بدأتْ فعلا أقدامُ بلادُنا تطأ، ولو ببُطءٍ شديد، عالمَ العِزة والكرامة.
وإن انتقدنا سياستَها و وجَّهنا اللومَ إلى سِياسِيِيها، فهذا الانتقاد واللومُ نابعان من غيرتِنا عليها ومن تمنِّينا أن نراها في قمم التَّطوُّر والازدهار والحضارة.
إنها معلومات وأنباء نقرأها صبحَ مساء في الجرائد الورقية والإلكترونية، ونسمعها في النشرات المُذاعة والمُتلفزة. أنباء لا تخلو منها وسائل الإعلام، مُلفِتة للنظر وبارزة. من ضمن هذه المعلومات والأنباء، أذكرُ على سبيل المثال :
1.الصناعة المغربية تتطوَّر وصادراتها في تحسُّنٍ مستمر.
2.صناعة السيارات، المغربية تحقِّق رقمَ معاملات تصاعدي.
3.صناعة الطيران تحقِّق تقدما ملموسا وتغزو أسواقا مهمة.
أنا شخصيا، عند سماع مثل هذه الأنباء، أشعر باعتزاز وفخر كبيرين لأن البلادَ التي أنتمي إليها أصبحت تضاهي بلدانا كبيرة لها باعٌ طويل في هذه المجالات.
عند سماع أو قراءة هذه الأنباء وبدون أدنى شك، ما يتبادر للذهن، في أول وهلةٍ، هو أن المغربَ في صحة جيِّدة. في صحة جيِّدة لأن صناعتَه تسير في الطريق الصحيح ولها قيمات مضافة عالية.
لكن ما هو مُفرِحٌ (وهو صحيح مُفرحٌ)، أعتبره، أنا شخصيا، بمثابة ميدالية لها وجهٌ مُشرِق، وفي نفس الوقت، لها وجهٌ آخر غير مُشرقٍ.
هذا النوع من الأنباء المفرِحة تعوَّدنا على سماعِه طيلةَ سنين مضت. غير أن ما ثُثيره هذه الأنباء المُفرحة من اعتزاز وفخر لا يصمُد لتحليل وتفكير عميقين. إذ يكفي أن ننظرَ ما يجري حولنا أو عندما نجوب البلادَ طولا وعرضا أو عندما نتحدث مع الناس أو عندما نقرأ بعضَ الصُّحف أو عندما نلاحظ ظروفَ عيش شريحة عريضة من السكان أو عندما نزور بعض المرافق الإدارية أو المستشفيات العمومية أو عندما...، نلاحظَ وجودَ عالمٍ آخر يستفزُّ ويفاجئ أبصارَنا. عالم شديد التناقض مع ما نسمعه من أنباء مُفرحة. عالمٌ يجعل الاعتزازَ والفخرَ ينقلبان إلى حزن وأسى.
من المعروف أنه، عندما يكون اقتصاد بلدٍ ما في أحسن حال، فهذا معناه أن هذا الاقتصادَ يخلق الثروةَ ويُفرز قيمات مضافة… علما أن هذه الثروة والقيمات المضافة، من المفروض، أن تكون لها انعكاسات إيجابية على ظروف وإطار عيش الشعب المغربي. غير أن ما يُلاحَظُ هو أن عافيةَ الاقتصاد لا أثرَ لها أو تكاد على هذه الظروف وعلى هذا الإطار.
إنه فعلا شيء غريب ومُنافي للمنطق. من جهةٍ، يُقال لنا إن الاقتصادَ المغربي يسير في الاتجاه الصحيح، ومن جهةٍ أخرى، نلاحِظ بدون مِجهرٍ، أن هذا الاقتصادَ لا يعود بالنفع على عموم المواطنين.
أمام هذا الوضع وحسب رأيي الشخصي، هناك سؤالان، من الأهمِّية بمكان، يفرضان نفسهما :
1.على أي مغرب تحيلنا الأنباء المُفرحة السالفة الذكر؟
2.مَن يستفيد من التَّقدُّم الحاصل في مختلف مجالات الاقتصاد أو مِن الإنجازات التي يحققها هذا الاقتصاد بالمغرب؟
الجواب على السؤال الأول واضح إذ يجعلنا نفكِّر في وجود مغربين! مغرب تملكه أقليةٌ تسيطر على السلطة والمال ومغرب يتصارع فيه السواد الأعظم من المواطنين مع العيش. مواطنون لا وجودَ لهم إلا من خلال ما يؤدونه من ضرائب.
أما الجواب على السؤال الثاني، فهو الآخر واضح وضوحَ الشمس : أقلية المغرب الأول هي التي تستفيد من حصيلة الاقتصاد، لكن على حساب المغرب الثاني. وهي التي تقتسم الثروات، العائدات، الأرباح، السلطة، الخ. سالكةً طُرقا مشروعة وغير مشروعة.
مَن قال إن الثروات التي تُنتِجها البلادُ موزَّعة بإنصاف على المواطنين؟ مَن يقول هذا ويؤمن به، فإنه يسبح في عالمٍ يسود فيه الخيالُ والسخرية والوقاحة، إن لم أقل عدم الأخلاق!
إذا كان هذا التوزيع مُنصِفا، فلماذا، منذ أن استقلت البلادُ، لا نزال نتحدَّث عن الفوارق الاجتماعية، عن الفقر، عن الهشاشة، عن الأمية، عن الإقصاء، عن الأجر الأدنى، عن التعليم، عن الصحة، عن الكرامة، عن العزلة القروية، عن العدالة الاجتماعبة، عن قوارب الموت، عن التّسوُّل، عن تشغيل الأطفال وصغار البنات، عن الهدر المدرسي، عن دُور الصفيح، عن الريع، عن…
فكيف يمكن تفسير هذه المُفارقات وهذه التناقضات؟
في رأيي الشخصي، هناك جواب واحد و وحيد لهذا السؤال : غياب مطلق لإرادة سياسيةٍ تجعل من المغربين مغربا واحدا يتساوى فيه المواطنون ويستفيدون بإنصاف من ثروات بلادهم.
أن يكونَ في البلاد أغنياء، فهذا شيء لا يُنكِره أحدٌ. لكن أغنياء مواطنون، ثرواتهم لا تُمطرها السماء وليست ناتجة عن تراكُمات الريع. ريع يغتنون من ورائه غنى فاحشا من خلال ما ينعمون به من مأذونيات ورُخَصٍ غير مستحقة ومحاباة... أغنياء تستفيد من غناهم البلادُ وجميع نواحيها. أغنياء غير متكبِّرين، غير تسلُّطيبين، متواضعون وهاجسُهم الأول والأخير هو الصالح العام.
أن يكونَ في البلاد فقراء، بعد مرور عشرات السنين على استقلال البلاد، فهذا شيء غير مقبول! غير مقبول لأن الأقلية استولت على كل شيء. غير مقبول لأن العديد من البلدان استطاعت أن تقضيَ على هذه المفارقات في مدة وجيزة. بلدان إمكانياتها، أحيانا، أقل بكثير من تلك التي يتوفَّر عليها المغرب.
فعلى مَن تقع مسئولية وجود واستمرار هذه التناقضات والمفارقات والحيف...؟
تقع على مَن كانوا ولا يزالوا يدبِّرون شؤونَ البلاد. ومَن يدبِّر شؤون البلاد؟ هم الأحزاب السياسية التي تصل إلى البرلمان وإلى الحكومة عن طريق الديمقراطية. وأية ديمقراطية هذه إن لم تُنصف الشعب؟ في الحقيقة، ليست الديمقراطية هي التي لم تُنصف الشعب. بل الذين يمارسونها، أي الأحزاب السياسية، هم مَن لم يقدِّروا مسئوليتَهم وفضَّلوا الكراسي ومزاياها على الاهتمام بالصالح العام. من حسن حظ البلاد أن لها ملكاً يغِير عليها ويرسم لها بانتظام مستقبلا زاهرا إن شاء الله.
هذه المقالة تشخِّص وضعا كان من المفروض، في أيامنا هذه، أن يكونَ أحسن بكثير مما هو عليه اليوم. وليست على الإطلاق دعوة لعدم الاهتمام بالسياسة.
والسياسة هي التي تسيِّر البلادَ. وعدم الاهتمام بها هو نوعٌ من عدم الاهتمام بأمور هذه البلاد. فكلنا نحب بلادَنا ونريد لها الخيرَ كل الخير. كما نريد أن نراها في أحسن الأحوال وأن تكونَ معزَّزةً مكرَّمةً بين الأمم. وقد بدأتْ فعلا أقدامُ بلادُنا تطأ، ولو ببُطءٍ شديد، عالمَ العِزة والكرامة.
وإن انتقدنا سياستَها و وجَّهنا اللومَ إلى سِياسِيِيها، فهذا الانتقاد واللومُ نابعان من غيرتِنا عليها ومن تمنِّينا أن نراها في قمم التَّطوُّر والازدهار والحضارة.