يُقال : فلان بَهْرَجَ كلامََه، يعني زيَّف وزوَّق كلامَه إلى حد إبعاده عن الواقع. والكلام المُبهرج أو المُزيَّف هو في حد ذاته كلام يُحرِّف الحقيقةَ ويُبعِدها عن الواقع المعاش. بل إنه، من جهة، كلام يًغطي الحقيقة ويطمسها، ومن جهة أخرى، هو نوع من ذرِّ الرماد على العيون لتغلِيط الناس وجعلهم يثقون بالبهرجة والتَّزييف.
وهذا هو ما يحدث في البرلمان وخصوصا أثناء الجلسات المخصَّصة للأسئلة الشفوية والتي تُبثُّ مباشرة على القناة العمومية الأولى. أسئلة تثير شيئآ من الغرابة والدهشة سواءً من حيث الأسلوب الذى تُصاغ به أو من حيث المضمون.
في هذا الصدد، كثيرة هي الأسئلة التي تبقى غامضةً وسطحيةً. هل يُعقل أن تُوجَّهَ إلى الوزراء أسئلة من قبيل : ما هي استراتيجية الوزارة في قطاعٍ ما علما أن الوقت المحدَّد للسؤال والجواب لا يتعدى بعض الدقائق، ستة دقائق في أقصى حد. استراتيجيات الوزارات غالبا ما تُغطي عدَّة سنوات، فكيف لوزير أن يلخِّصها في دقيقتين؟
فعوض أن يتمحورَ السؤالُ حول الأمور التي فيها خللُ ما من الاستراتيجية أو حول الأمور التي تتطلب مزيدا من التَّحسين والجِدِّية، فإن السؤالَ يشمل الاستراتيجية برمَّتِها. وهذا دليلٌ قاطع على أن طَارِحَ السؤال لم يطَّلع على الاستراتيجية، وبالتالي، اختار الطريقَ السَّهلَ، أي مساءلة الوزير على مجمل هذه الاستراتيجية.
والحقيقة التي يجب أن لا يتغافلَ عنها المواطنون، هي أن كثيرا من النواب والمستشارين لا يهمُّهم مضمون السؤال بقدر ما يهمُّهم مجرَّد طرحِه ليُدرَجَ اسمُهم في قائمة السائلين. وهذا دليلُ قاطعٌ على أن وصولَ السياسيين أو مَن يدَّعون أنهم سياسيين إلى السلطة، هدفُه ليس هو الدفاع عن مصالح المواطنين ولكن لقضاء حاجاتٍ في نفس يعقوب.
ولا داعيَ للقول أن الأسئلةَ الشفوية تدخل في اختصاص البرلمان، المتمثل في مراقبة عمل الحكومة. غير أن هذه المراقبة، رغم كثرة الأسئلة الشفوية وأجوبة الوزراء عليها، لا تغيِّر شيئآ في مسار المشهد السياسي وفي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
تُطرحُ الأسئلة ويًجيب عنها الوزراء. الوزراء يرجعون إلى وزاراتهم والبرلمانيون يرجعون إلى حال سبيلهم ولا شيءَ يتغير. والدليل على ذلك وبعد مرور فترة من الزمن، تُطرحُ نفس الأسئلة (بصياغة مخالفة) ويُجيب عنها الوزراء وكل طرَفٍ يروح إلى حال سبيله ولا شيءَ يتغيَّر. فما هو نفع هذه الجلسات المخصَّصة للأسئلة الشفوية؟ وبماذا تُفيد المواطنين؟
ما هو مؤكَّّدٌ، هو أن هذه الأسئلة لا تنفع إلا مَن يطرحُها علما أن هذا النَّفعَ يتمثَّل، كما سبق الذكرُ، في تسجيل اسم السائل أو فريقه في قائمة السائلين. لا أقل ولا أكثر!
إن الجلسات المخصَّصة للأسئلة الشفوية في البرلمان بغرفتيه، عبارة عن مسرحيةٌ محبوكةُ الإخراج يُؤدي المواطنون الضرائبَ لمشاهدتها مرَّاتٍ ومرَّآت طيلةَ خمس سنوات وقابلة لإعادة للبثّ طيلةَ الخمس سنوات الموالية!
والدليل على ذلك أننا لم نَرَ، في يوم من الأيام، نوابا أو مستشارين اهتموا بمآل أسئلتِهم الشفوية وخصوصا إذا تطلَّب هذا المآلُ تصحيحَ أو إعادةَ النظر في العمل الحكومي. كل شيء ينتهي بمجرَّد رفع الجلسات المخصَّصة لهذا النوع من الأسئلة. وتبقى دارُ لقمان على حالها!
فيما يخص مراقبةَ العمل الحكومي، يمكن القول بأنها في جل أطوارها، مضيعةٌ للوقت والمال العام لأن تغييرَ المشهد السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، إن لم يتغيَّر منذ عشرات السنين الماضية بفعل السياسات العمومية المتوالية، فكيف لكلامٍ مُبَهْرجٍ وبعيدٍ عن الواقع أن يُغيِّرَ هذا المشهد؟
لكن ما لا يجب إغفالُه هو أن الجلسات البرلمانية المُخصصة للأسئلة الشفوية تشكِّل نوعا من الفُرجة والترويح عن النفس لمَن يُتابعها نظراً للغضب والانفعال والتَّراشُق اللذين يطبعون سلوكَ السائل والمجيب.
ما هو متعارفٌ عليه هو أن دورَ البرلمان مزدوجٌ : التَّشريع ومراقبة عمل الحكومة. مراقبة عمل الحكومة تكاد لا تأتي بتغيير. أما التَّشريع، فغالبا ما لا يستجيب لتطلُّعات الشعب ولهمومه الاجتماعية والاقتصادية. والسبب في ذلك هو، أولا، وجودُ داخلَ قبة البرلمان عددٌ لا يُسبهان به من ممثلي الشعب الذين لا يفقهون شيئا لا في اليياسة ولا في التشريع ولا في الاقتصاد، وبالتالي، يبقى هذا التشريع، في جل أطواره، مُتحكَّما فيه من طرف مَن يسيطرون على السلطة والمال والاقتصاد. السؤال الذي يفرض نفسَه هو : "ما هو دور البرلمان؟"
البرلمان، في هذا البلد السعيد، صورةٌ طِبقَ الأصل للأحزاب السياسية التي تُؤثِّث المشهد السياسي! أحزابٌ سياسية فارغة ومُفرَغَة من كل ما يجعلها وطنية ومواطِنة. أحزاب سياسية، رغم تعدُّدِها، لا يختلف بعضُها عن بعضٍ آلا بالتَّسميات. أحزابٌ سياسية يقودها انتهازيون لا يهمُّهم لا الوطنُ ولا المواطنون. ما يهمُّهم هو التَّواجدُ في السلطة واستغلالُها استغلالا لا أخلاقيا.
البرلمان، كما يسير ويُسيَّرُ حاليا، عاملٌ خطيرٌ لهدر المال العام. مال عام، كان من الأفيد، أن يُصرفَ فيما ينفع البلادَ والعبادَ.
وهذا هو ما يحدث في البرلمان وخصوصا أثناء الجلسات المخصَّصة للأسئلة الشفوية والتي تُبثُّ مباشرة على القناة العمومية الأولى. أسئلة تثير شيئآ من الغرابة والدهشة سواءً من حيث الأسلوب الذى تُصاغ به أو من حيث المضمون.
في هذا الصدد، كثيرة هي الأسئلة التي تبقى غامضةً وسطحيةً. هل يُعقل أن تُوجَّهَ إلى الوزراء أسئلة من قبيل : ما هي استراتيجية الوزارة في قطاعٍ ما علما أن الوقت المحدَّد للسؤال والجواب لا يتعدى بعض الدقائق، ستة دقائق في أقصى حد. استراتيجيات الوزارات غالبا ما تُغطي عدَّة سنوات، فكيف لوزير أن يلخِّصها في دقيقتين؟
فعوض أن يتمحورَ السؤالُ حول الأمور التي فيها خللُ ما من الاستراتيجية أو حول الأمور التي تتطلب مزيدا من التَّحسين والجِدِّية، فإن السؤالَ يشمل الاستراتيجية برمَّتِها. وهذا دليلٌ قاطع على أن طَارِحَ السؤال لم يطَّلع على الاستراتيجية، وبالتالي، اختار الطريقَ السَّهلَ، أي مساءلة الوزير على مجمل هذه الاستراتيجية.
والحقيقة التي يجب أن لا يتغافلَ عنها المواطنون، هي أن كثيرا من النواب والمستشارين لا يهمُّهم مضمون السؤال بقدر ما يهمُّهم مجرَّد طرحِه ليُدرَجَ اسمُهم في قائمة السائلين. وهذا دليلُ قاطعٌ على أن وصولَ السياسيين أو مَن يدَّعون أنهم سياسيين إلى السلطة، هدفُه ليس هو الدفاع عن مصالح المواطنين ولكن لقضاء حاجاتٍ في نفس يعقوب.
ولا داعيَ للقول أن الأسئلةَ الشفوية تدخل في اختصاص البرلمان، المتمثل في مراقبة عمل الحكومة. غير أن هذه المراقبة، رغم كثرة الأسئلة الشفوية وأجوبة الوزراء عليها، لا تغيِّر شيئآ في مسار المشهد السياسي وفي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
تُطرحُ الأسئلة ويًجيب عنها الوزراء. الوزراء يرجعون إلى وزاراتهم والبرلمانيون يرجعون إلى حال سبيلهم ولا شيءَ يتغير. والدليل على ذلك وبعد مرور فترة من الزمن، تُطرحُ نفس الأسئلة (بصياغة مخالفة) ويُجيب عنها الوزراء وكل طرَفٍ يروح إلى حال سبيله ولا شيءَ يتغيَّر. فما هو نفع هذه الجلسات المخصَّصة للأسئلة الشفوية؟ وبماذا تُفيد المواطنين؟
ما هو مؤكَّّدٌ، هو أن هذه الأسئلة لا تنفع إلا مَن يطرحُها علما أن هذا النَّفعَ يتمثَّل، كما سبق الذكرُ، في تسجيل اسم السائل أو فريقه في قائمة السائلين. لا أقل ولا أكثر!
إن الجلسات المخصَّصة للأسئلة الشفوية في البرلمان بغرفتيه، عبارة عن مسرحيةٌ محبوكةُ الإخراج يُؤدي المواطنون الضرائبَ لمشاهدتها مرَّاتٍ ومرَّآت طيلةَ خمس سنوات وقابلة لإعادة للبثّ طيلةَ الخمس سنوات الموالية!
والدليل على ذلك أننا لم نَرَ، في يوم من الأيام، نوابا أو مستشارين اهتموا بمآل أسئلتِهم الشفوية وخصوصا إذا تطلَّب هذا المآلُ تصحيحَ أو إعادةَ النظر في العمل الحكومي. كل شيء ينتهي بمجرَّد رفع الجلسات المخصَّصة لهذا النوع من الأسئلة. وتبقى دارُ لقمان على حالها!
فيما يخص مراقبةَ العمل الحكومي، يمكن القول بأنها في جل أطوارها، مضيعةٌ للوقت والمال العام لأن تغييرَ المشهد السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، إن لم يتغيَّر منذ عشرات السنين الماضية بفعل السياسات العمومية المتوالية، فكيف لكلامٍ مُبَهْرجٍ وبعيدٍ عن الواقع أن يُغيِّرَ هذا المشهد؟
لكن ما لا يجب إغفالُه هو أن الجلسات البرلمانية المُخصصة للأسئلة الشفوية تشكِّل نوعا من الفُرجة والترويح عن النفس لمَن يُتابعها نظراً للغضب والانفعال والتَّراشُق اللذين يطبعون سلوكَ السائل والمجيب.
ما هو متعارفٌ عليه هو أن دورَ البرلمان مزدوجٌ : التَّشريع ومراقبة عمل الحكومة. مراقبة عمل الحكومة تكاد لا تأتي بتغيير. أما التَّشريع، فغالبا ما لا يستجيب لتطلُّعات الشعب ولهمومه الاجتماعية والاقتصادية. والسبب في ذلك هو، أولا، وجودُ داخلَ قبة البرلمان عددٌ لا يُسبهان به من ممثلي الشعب الذين لا يفقهون شيئا لا في اليياسة ولا في التشريع ولا في الاقتصاد، وبالتالي، يبقى هذا التشريع، في جل أطواره، مُتحكَّما فيه من طرف مَن يسيطرون على السلطة والمال والاقتصاد. السؤال الذي يفرض نفسَه هو : "ما هو دور البرلمان؟"
البرلمان، في هذا البلد السعيد، صورةٌ طِبقَ الأصل للأحزاب السياسية التي تُؤثِّث المشهد السياسي! أحزابٌ سياسية فارغة ومُفرَغَة من كل ما يجعلها وطنية ومواطِنة. أحزاب سياسية، رغم تعدُّدِها، لا يختلف بعضُها عن بعضٍ آلا بالتَّسميات. أحزابٌ سياسية يقودها انتهازيون لا يهمُّهم لا الوطنُ ولا المواطنون. ما يهمُّهم هو التَّواجدُ في السلطة واستغلالُها استغلالا لا أخلاقيا.
البرلمان، كما يسير ويُسيَّرُ حاليا، عاملٌ خطيرٌ لهدر المال العام. مال عام، كان من الأفيد، أن يُصرفَ فيما ينفع البلادَ والعبادَ.