في قصيدة (هواجس عيسى بن الأزرق في الطريق إلى الأشغال الشاقة)):
وساعة فساعة أنظر في وجوم
إلى البراري والمحطات. أفيّ سبات
أنا؟ أمن عالمي انتزعتْ، ما أزالْ
أراقب الأشباح. أشخاص يلوحون
يعدون، يضحكون. يصعدون. ينزلونْ
كأنهم ليس سوى أشباح ذكريات
كأنهم ليس سوى حشد من الظلال
في حلم غريب...) تظهر بعض ابياته في غياب شاشة وفي قصائد تجريدية كانها تتمرد على الايقاع..وهي ظاهرة لافتة وغريبة لدى شاعر سميع متمرس بعلم الموسيقى اعني الحقل التقني منها.
حوارالشحماني مع البريكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجل هذا النقاش أوائل ديسمبر 1996،ــ في منزل البريكان ـ ::
((- لدي مخطوطة كتاب في النقد الموسيقى، وعلاقتي بالموسيقى، على وجه الخصوص الكلاسيكية منها، عميقة جداً ربما تعود الى بداية مكوناتي الثقافية.
لقد جمعتُ مكتبة صوتية أزعم أنها جيدة، إنا أسمع كثيراً أسمع كل يوم ولا أشعر بالملل من سماع الوصلة الموسيقية مرات عديدة في اليوم الواحد، وثمة ما يثير انتباهي في ذلك التداخل في البناء الموسيقي للسمفونيات.
*وهل لذلك أثرٌ في ميلكم لبناء القصيدة ذات الإيقاع المركب؟
- أنا اطمئن لإيقاع الكلمة، وأشعر بقربها مني بالمقدار الذي يحتله هذا الإيقاع من نفسي. وأمارس التجريب بشكل مستمر في البناء الإيقاعي للنص أحاول إقامة التصالح بين بنيته الفكرية أو حتى تجريداته ودوائره الإيقاعية.
* لقد قلتم مرة، أكتب لقارئ على غراري وأعلم أن الآخرين أحرار، فما موجهات قراءة البريكان، وهل هي صعبة لدرجة تدعو لنفور المتلقي؟
- أنا لا أكتب بشعرية سائدة أو بشعرية خالية من المغامرة الفنية، وينحصرعندي مفهوم الحداثة بمدى قدرته على استيعاب المواقف الشاملة، الأكثر
تعبيراً عن تلك المسؤولية الكونية الواقعة على عاتق الإنسان في هذا العالم،
ولذا لا يلبي العديد من نصوصي كثيرا من حاجات المتلقي العادي، لأني لا أكتب للإجابة عن التساؤلات وإنما لطرحها، وقد لا يروق هذا لمن يقرأ لكي
يقضي وقت الفراغ \الشحماني :لقاء مع البريكان).
استقطبني التمرد على الايقاع اول مرة في مقطع من شعرالبريكان < قصائد تجريدية > :
(وعبر اسى المحطات
وجوع الروح والجسد
وعبر النور والظل اظل انشد الابد.)..هنا ايقاع محير ..فان كسرت دال الجسد اختلت القافية وان سكنت الدال اضطرب <الوافر>لانه سينتهي ب <فعل >..وكشف السر البريكان نفسه فاجابني (افصل حروفا من اخر بيت ما واضيفه للبيت اللاحق)..فصار بالامكان ان تفصل لاما من مفردة الظل <لانه مشدد > وتضيفه للتالي فيحدث انسجام. .
المفردتان < يتنفس ويتساقط >تخلوان من الطاقة الايحائية ..مفردتان بسيطتان ...تم توظيفهما لرسم مشهد للمجردين : السكون والزمن ..
((مخزن الأمتعة
والأثاث القديم
يتنفس فيه السكون
يتساقط فيه الزمن ))...وهنا يسوطك البريكان لتأمل موضوعة الزمن ...وكانه يردد ما قاله فرويد في كتابه < الهستيريا : ( حاولت ابسط الموضوع وانقيه من عبء المصطلحات .. ما دعا البعض ان يتصوره لونا من القصص وبحثا متساهلا .. المعاجة اعمق من ذلك ) . فجأة يكره ادراكك الى التحفز ويدعوك الى التامل بمفاهيم فلسفية ..<الزمن >... وقد تقطر في ذهنك كلمات اليوت بالارض الخراب ـ الزمان الزمان الزمان ــ وان كان بالامكان للقاريء الحساس ان يستوعب <يتنفس فيه السكون .. لانه استعار صفة احيائية لشيءمجرد .. فكيف ب <يتساقط فيه الزمن >....(ان فلسفة برغسون في غاية التميز والاهمية م )..( الزمن الحقيقـي لا يقبـل التنبـؤ، لأن وحداتـه غيـر متجانسـة،ولأن حالاتـه
متداخلة،متباطنة،أي أن كل حالة من حالاتها تنفذ في باطن الأخرى، وبالتالي فكل لحظـة
حاضرة، ليست تكرارا – كما يتصور رجل الفيزياء – بل هي إبداع، وتجدد،وأصالة يقول
برغسون : الزمن إبداع،وإلا فهو ليس شيئا على الإطلاق
(Henri Bergson : L'évolution créatrice, P.U.F, 86
e
édition, 1959, p 341.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خْلُص برغسون إلى أن للحالات النفسية«كثرة كيفية»،لا تمت بأدنى صلة إلى تلك
«الكثرة الكمية»،التي تميز الموضوعات.
وهذه النتيجة التي يصـل إليهـا برغسون،بخصـوص فكـرة السـببية،وعلاقتها
بالأنا،مركز العالم الداخلي،هي التي سوف يبني عليها تصوره الأصيل لفكرة الحرية ).
(من كتاب (مفھــــــــوم الــــــــزمــان
بین برغسون واینشتاین سعيدي عبد الفتاح : اطروحة ماجستير فلسفة).
ان <عوالم للحب والسحر والخوف والانتصار
والمغامرة الرائعة
ورجال الفروسية الاولين
والنساء الجميلات، والسفن الخالدة
وبلاد الكنوز الخفية>لم يجر رصدها على ا لشاشة بل هي تموج سابحة في الشعاع المتراقص . انت امام كاميرا حساسة بيد مصور ماهر ..ورغم ان اكثر المرصودات في مخزن الامتعة من الجماد (الأواني. المعاطف. الأغطية ...)فان تسجيلا واحدا جرى للكائنات وهي خفية تم التقاطها حدسا وهي تكمن داخل اشيائها .. هنالك ابيات لجوته الالماني (وانبلج الفجر وهرع كل الى ما ينتمي اليه )..كان بامكان البريكان ان يصور النهايات بقصيدة او اثنتين ويكتفي ... الا انه اكثر وتفنن بالكتابة عنها لان لها علاقة بالزوال والخلود والموت وهي من اهم الثيمات في شعره ..حتى اسما ولديه (خالد وماجد )لهما علاقة بالامر .وهو من المهتمين بالدواوين الموضوعية (يخلو الشعر العربي من دواوين موضوعية مثل ــ افاعي الفردوس ـ لالياس ابو شبكة م )وحين حاصره الوقت واحرجه العمر واكره على النشر منح قصائده التي نشرت مؤخرا عناوين شمولية تؤكد موضوعية الاهتمام مثل < مصائر > .البحث والهدف هنا ليس في شاشة تغيب .. انه في التحولات والمصائر الكارثية للانسان وغيره (فهل غادر الناس اشياءهم .. وانتهى مهرجان الحياة ) لون من قصائد الرثاء باسلوب معاصر يغرقك بالاسى ويدعوك للتامل ........
وساعة فساعة أنظر في وجوم
إلى البراري والمحطات. أفيّ سبات
أنا؟ أمن عالمي انتزعتْ، ما أزالْ
أراقب الأشباح. أشخاص يلوحون
يعدون، يضحكون. يصعدون. ينزلونْ
كأنهم ليس سوى أشباح ذكريات
كأنهم ليس سوى حشد من الظلال
في حلم غريب...) تظهر بعض ابياته في غياب شاشة وفي قصائد تجريدية كانها تتمرد على الايقاع..وهي ظاهرة لافتة وغريبة لدى شاعر سميع متمرس بعلم الموسيقى اعني الحقل التقني منها.
حوارالشحماني مع البريكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجل هذا النقاش أوائل ديسمبر 1996،ــ في منزل البريكان ـ ::
((- لدي مخطوطة كتاب في النقد الموسيقى، وعلاقتي بالموسيقى، على وجه الخصوص الكلاسيكية منها، عميقة جداً ربما تعود الى بداية مكوناتي الثقافية.
لقد جمعتُ مكتبة صوتية أزعم أنها جيدة، إنا أسمع كثيراً أسمع كل يوم ولا أشعر بالملل من سماع الوصلة الموسيقية مرات عديدة في اليوم الواحد، وثمة ما يثير انتباهي في ذلك التداخل في البناء الموسيقي للسمفونيات.
*وهل لذلك أثرٌ في ميلكم لبناء القصيدة ذات الإيقاع المركب؟
- أنا اطمئن لإيقاع الكلمة، وأشعر بقربها مني بالمقدار الذي يحتله هذا الإيقاع من نفسي. وأمارس التجريب بشكل مستمر في البناء الإيقاعي للنص أحاول إقامة التصالح بين بنيته الفكرية أو حتى تجريداته ودوائره الإيقاعية.
* لقد قلتم مرة، أكتب لقارئ على غراري وأعلم أن الآخرين أحرار، فما موجهات قراءة البريكان، وهل هي صعبة لدرجة تدعو لنفور المتلقي؟
- أنا لا أكتب بشعرية سائدة أو بشعرية خالية من المغامرة الفنية، وينحصرعندي مفهوم الحداثة بمدى قدرته على استيعاب المواقف الشاملة، الأكثر
تعبيراً عن تلك المسؤولية الكونية الواقعة على عاتق الإنسان في هذا العالم،
ولذا لا يلبي العديد من نصوصي كثيرا من حاجات المتلقي العادي، لأني لا أكتب للإجابة عن التساؤلات وإنما لطرحها، وقد لا يروق هذا لمن يقرأ لكي
يقضي وقت الفراغ \الشحماني :لقاء مع البريكان).
استقطبني التمرد على الايقاع اول مرة في مقطع من شعرالبريكان < قصائد تجريدية > :
(وعبر اسى المحطات
وجوع الروح والجسد
وعبر النور والظل اظل انشد الابد.)..هنا ايقاع محير ..فان كسرت دال الجسد اختلت القافية وان سكنت الدال اضطرب <الوافر>لانه سينتهي ب <فعل >..وكشف السر البريكان نفسه فاجابني (افصل حروفا من اخر بيت ما واضيفه للبيت اللاحق)..فصار بالامكان ان تفصل لاما من مفردة الظل <لانه مشدد > وتضيفه للتالي فيحدث انسجام. .
المفردتان < يتنفس ويتساقط >تخلوان من الطاقة الايحائية ..مفردتان بسيطتان ...تم توظيفهما لرسم مشهد للمجردين : السكون والزمن ..
((مخزن الأمتعة
والأثاث القديم
يتنفس فيه السكون
يتساقط فيه الزمن ))...وهنا يسوطك البريكان لتأمل موضوعة الزمن ...وكانه يردد ما قاله فرويد في كتابه < الهستيريا : ( حاولت ابسط الموضوع وانقيه من عبء المصطلحات .. ما دعا البعض ان يتصوره لونا من القصص وبحثا متساهلا .. المعاجة اعمق من ذلك ) . فجأة يكره ادراكك الى التحفز ويدعوك الى التامل بمفاهيم فلسفية ..<الزمن >... وقد تقطر في ذهنك كلمات اليوت بالارض الخراب ـ الزمان الزمان الزمان ــ وان كان بالامكان للقاريء الحساس ان يستوعب <يتنفس فيه السكون .. لانه استعار صفة احيائية لشيءمجرد .. فكيف ب <يتساقط فيه الزمن >....(ان فلسفة برغسون في غاية التميز والاهمية م )..( الزمن الحقيقـي لا يقبـل التنبـؤ، لأن وحداتـه غيـر متجانسـة،ولأن حالاتـه
متداخلة،متباطنة،أي أن كل حالة من حالاتها تنفذ في باطن الأخرى، وبالتالي فكل لحظـة
حاضرة، ليست تكرارا – كما يتصور رجل الفيزياء – بل هي إبداع، وتجدد،وأصالة يقول
برغسون : الزمن إبداع،وإلا فهو ليس شيئا على الإطلاق
(Henri Bergson : L'évolution créatrice, P.U.F, 86
e
édition, 1959, p 341.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خْلُص برغسون إلى أن للحالات النفسية«كثرة كيفية»،لا تمت بأدنى صلة إلى تلك
«الكثرة الكمية»،التي تميز الموضوعات.
وهذه النتيجة التي يصـل إليهـا برغسون،بخصـوص فكـرة السـببية،وعلاقتها
بالأنا،مركز العالم الداخلي،هي التي سوف يبني عليها تصوره الأصيل لفكرة الحرية ).
(من كتاب (مفھــــــــوم الــــــــزمــان
بین برغسون واینشتاین سعيدي عبد الفتاح : اطروحة ماجستير فلسفة).
ان <عوالم للحب والسحر والخوف والانتصار
والمغامرة الرائعة
ورجال الفروسية الاولين
والنساء الجميلات، والسفن الخالدة
وبلاد الكنوز الخفية>لم يجر رصدها على ا لشاشة بل هي تموج سابحة في الشعاع المتراقص . انت امام كاميرا حساسة بيد مصور ماهر ..ورغم ان اكثر المرصودات في مخزن الامتعة من الجماد (الأواني. المعاطف. الأغطية ...)فان تسجيلا واحدا جرى للكائنات وهي خفية تم التقاطها حدسا وهي تكمن داخل اشيائها .. هنالك ابيات لجوته الالماني (وانبلج الفجر وهرع كل الى ما ينتمي اليه )..كان بامكان البريكان ان يصور النهايات بقصيدة او اثنتين ويكتفي ... الا انه اكثر وتفنن بالكتابة عنها لان لها علاقة بالزوال والخلود والموت وهي من اهم الثيمات في شعره ..حتى اسما ولديه (خالد وماجد )لهما علاقة بالامر .وهو من المهتمين بالدواوين الموضوعية (يخلو الشعر العربي من دواوين موضوعية مثل ــ افاعي الفردوس ـ لالياس ابو شبكة م )وحين حاصره الوقت واحرجه العمر واكره على النشر منح قصائده التي نشرت مؤخرا عناوين شمولية تؤكد موضوعية الاهتمام مثل < مصائر > .البحث والهدف هنا ليس في شاشة تغيب .. انه في التحولات والمصائر الكارثية للانسان وغيره (فهل غادر الناس اشياءهم .. وانتهى مهرجان الحياة ) لون من قصائد الرثاء باسلوب معاصر يغرقك بالاسى ويدعوك للتامل ........