هي ليست قراءة نقدية و لكنها كما عنونتها انطباعات على هذه الرواية بعد أن قرأتها مرتين.. رواية المخطوط للكاتب المنجي الحدادي و هي ثاني تجاربه في الكتابة الروائية بعد روايته "عشت مع الذئاب" صدرت سنة 2019 و قد صدر له أيضا مجموعة قصصية سنة 2017 بعنوان " رصاصة واحدة تكفي"..
تأتي الرواية في 191 صفحة منقسمة إلى 26 فصل متفاوتة الطول إذا جاز لنا أن نتحدث عن فصول فالكاتب هو من اختار ترقيم صفحات مجمعة من الرواية ..
الغلاف :
داكن يميل إلى اللون البني الغامق و جاء اسم الرواية و الكاتب باللون الأبيض
النور القادم من النافذة يبعث الحياة في وجه فتاة جالسة إلى طاولة الكتابة بينما يغيب عن وجه فتاة أخرى تقبع على الأرض ملامحها خائفة ترسل بنظرها عبر النافذة و عيناها ترقبان بتوجس ما يخفيه الأفق..
النور يتسلل بحذر من النافذة هذا الحذر الذي يشوب كل الرواية بسردها و مخطوطها
كتب متناثرة على الأرض ، هل الكتاب هو المثوى الأخير للحقيقة ؟
الإهداء : يهدي الكاتب روايته إلى والده : "إلى والدي ..رفض أن يبقى على الحياد ..فمنح لنفسه حرية الاختيار حتى يترجل واقفا مثل النخيل ..إليه وحده أرفع هذه الصفحات"
و كأني بفاطمة كاتبة المخطوط ، موضوع رواية المخطوط، تهدي بدورها نصها إلى والدها، نصها الذي جاء دون إهداء ،والدها الذي رفض الحياد فمات هو أيضا واقفا كالنخيل ..
محور الرواية أو القادح للرواية جاء في التصديرين :
التصدير الأول لمحمد الغزالي : " لاأعرف مظلوما تواطأ الناس على هضمه و لا زهدوا في إنصافه كما الحقيقة."
التصدير الثاني لاتيان جلوست:" ليس من الصعب أن تعثر على الحقيقة و لكن المشكلة الكبرى هي ألا تحاول الهروب منها إذا وجدتها "
إذا محور الرواية هو الحقيقة،البحث عنها، مواجهتها أو الهروب منها..
رواية المخطوط هي سرد داخل السرد ، رواية تحتضنها رواية أخرى رواية أصلية و أخرى فرعية ، الرواية الفرعية جاءت في شكل مذكرات أو خواطر رغم تسلسل أحداثها ،تكتبها فاطمة و يقرؤها احمد .
هي لوحة لم تكتمل " على قول والد سامية / فاطمة: الكتابة هي الألوان التي كان عليها إضافتها لكي تكتمل اللوحة الكتابة و الحب يعطون معنى لحياتنا و يجعلونها تكتمل ..
الرواية تتحدث عن فاطمة صاحبة مكتبة في سوق الدباغين بعد هروبها من مدينتها "البعيدة التي رأت فيها عذابها" حيث قبرت أحلامها في حياة هانئة تنعم فيها بحريتها و انتقالها إلى مدينة أكبر " العاصمة" أين تريد أن تبني "عالمها المستقل بعيدا عن الآخرين" ف"الأحلام الكبيرة لا تحتويها إلا المدن الكبيرة " حسب اعتقادها.
المدينة في المخطوط للمنجي الحدادي اكتسبت أبعادا مختلفة ، مدينة للموت و أخرى للحياة / الانعتاق
مدينة أولى لا نحيا إلا بمغادرتها مدينة تُغتال فيها البراءة ، مدينة الفرح الكاذب ،مدينة الغدر و الوهم و الموت و الاغتصاب و المهانة ..و مدينة ثانية حيث الرقص و الحب و الموسيقى و الكتب ، مدينة فاضلة نستطيع فيها أن نكون كما نريد رغم بعض العراقيل التي صارت فاطمة و قد أنضجتها المصائب تجيد تجاوزها ( صاحب المكتبة البدين و تهديداته/ الطبيب و إغراءاته..)
أول صور التحرر من المدينة الأولى تأتي منذ يومها الأول في العمل الذي تنفتح به الرواية:
" دخلت حجرتها بعد يوم عمل و قد أخذها من أيام باهتة إلى أيام غارقة في التفاصيل"
و كأني بالكاتب يريد أن يقول أن العمل بالنسبة للمرأة هو أول باب من أبواب تحررها و انعتاقها من التبعية للآخر و لتحقيق ذاتها.
ثاني هذه الصور جاءت على أنغام الموسيقى: " أحست أن قلبها يخفق أكثر مع نقرات الموسيقى و صارت روحها ترفرف كطير حمام تحرر من شراكه و تدفق في أعماقها شلال من الأحلام الوليدة"
تخلق الموسيقى في فاطمة رغبة جامحة في الانعتاق و التحليق و كسر كل القيود فإذا بنا نراها تنزع شالها و تتماهى مع تلك النشوة الطافحة التي غمرتها فجأة " أحست أنها فكت قيودا لازمتها طويلا "[/B]
ثم يأتي الحب في صورة الشخصية الرئيسية الثانية في الرواية أحمد و ما يمثله لفاطمة من إمكانية حياة أخرى جديدة .
لو أننا أردنا أن نرسم للأمل صورة لجاءت متطابقة مع صورة أحمد هذا الشاب الغامض الذي بدأ يزور المكتبة منذ اليوم الأول و لم ينقطع عن ذلك إلا لماما :
* "وجدت بابها قد امتلأ به " ( يتكرر هذا التعبير في كل مرة يزورها فيها)
* "ابتسامته العريضة و طوله الفارع و عينيه الدافئتين"
منذ البداية يعلن لنا الكاتب عن "الرباعي" الراعي للسعادة الحقيقية: الحب، العمل، الحرية و الفن ( الأدب ، الموسيقى و الرسم) أسوقهم دون ترتيب تفاضلي ..
تهرب فاطمة من المدينة فتلتقي بالحب، لم تكن تنوي فتح أبوابها و هي تظن أنها أغلقتها على مصائبها و أنه لم يعد لها حق الحياة الذي انتزع منها غصبا و اغتصابا..
فاطمة الحذرة من الحب تقع في شراكه منذ اللحظة الأولى "تحول هدوؤها الذي اعتادت عليه في أيامها الأخيرة إلى ضجيج تشعر به داخلها "
هذا الضجيج هو الذي أيقظ مكامنها و جعلها تفكر في أن تعطي مخطوطها تباعا لأحمد حتى يقرأه ..
ماذا كان الهدف من تسليم المخطوط لأحمد ؟
لم يخبرنا الكاتب عن سبب الكتابة /سبب كتابة فاطمة للمخطوط
* "كانت تكتب شيئا ما على دفترها الذي يلازمها" ص21
*"لقد بدأت فيها منذ مدة و لا أعرف إن كنت أكتب بطريقة جيدة أم لا.."
*" ها هي تضع ما تحكيه بين يدي الآخرين غير عابئة بحذرها.." ص 26/
"صار يهمها أن تعرف قيمة ما تكتب هل هو مجرد كلام أم هو شيء يلامس الروح " ص26/
"ستختبر نفسها أن كان ما تكتبه يجد صداه عند الآخرين "ص 27
*"..حينها تأكد أحمد أنها قد أتمت كتابة روايتها أو أنها في مرحلتها الأخيرة و قد اختارت ألا تستعجل عرضها كلها عليه لأمر هو يجهله" ص37
في مخطوطها كانت فاطمة تبحث لها عن مستقر ، الكتابة هي المرفأ الذي استظلت به لتتزن مقدار الحب الذي يكنه لها أحمد ، هي لا تعرف ان كان سيتقبلها بكل كسورها ام سيضاعفها لها ..
و مع فاطمة سنكتشف بدورنا أحمد الشخصية الرئيسية الثانية في الرواية ، زائر الصباح الذي بعثر أوراقها و جعلها تفتح الباب مواربة لعل الله يحدث أمرا..
هذه الشخصية بدت نكرة في البداية" وقع أقدام"، " أحست بشيء ما يقترب منها " ،ثم صارت تتحدث عنه بضمير الغائب " به، ابتسامته ،بصره.اليه .." ثم صار " زائرها" الذي "سار نحو الباب دون أن يلتفت اليها ..دون أن يزيح كل الضباب الذي جاء مع صمته"..
كان رجلا غريبا عن الراوية و عن القارئ فنحن لن نعرف اسمه إلا في الصفحة 27
أحمد شاب مثقف يهتم بالكتب و يملك منها الكثير. يزور مكتبتها بوتيرة مختلفة في كل مرة عن قصد أو بدونه يثير اهتمام فاطمة و تتعلق به ..هو أيضا يبدو مهتما بها و تثير فضوله ليقع في حبها ..
نكتشف مع توالي الأحداث معاناة أحمد من تسلط والده " حقق رغبة والده أخيرا / سي التوهامي حول وجهته الى دراسة الحقوق/ مازال احمد يقف في حالة استسلام و كأنه جندي يستمع إلى أوامر قائده..."
شاب يشعر بالغبن ، مستلب الإرادة غير قادر على تسيير أمور حياته بنفسه، يهوى الآداب و لكنه يدرس الحقوق و يتخرج منها ليلتحق بوظيفة لا يحبها تحقيقا لارادة والده الذي " ينظر الى أبنائه بمنطق الغنيمة"
عندما أكمل قراءة حكاية فاطمة وجد نفسه في مواجهة مع الحقيقة " التي جاءته مجردة من كل استحياء"هذه الحقيقة التي جعلته " يشفق على نفسه" و ليس على فاطمة فالحب جعل فاطمة في عينيه بطلة استطاعت بكل شجاعة ان تطوع الحقيقة و تحولها الى ملحمة و خاضت معارك جمة آخرها معركتها معه وهي تضع بين يديه حياتها و كسورها ..
الحب كسر تردده وهو يكتشف الحقيقة ، كسر استسلامه و خنوعه وهو الذي لم يخض معركة واحدة طوال حياته،كسر القيد الذي ملأ حياته بالصقيع و ها هو يكسب أهم معارك حياته : " ..جاءه الأمر صارما و حازما فيما رشق هو بصره في باب الخروج ../ تأخرت الإيماءة المستسلمة التي انتظرها والده / أخيرا تحرك نحو الباب بخطوات ثابتة /صرخ سي التوهامي وهو يرى الجدار الكبير الذي بناه يهوي في لحظة / تلاشى كل الصخب وهو يطير فوق السلم الذي سيفضي به إلى طريقه الذي قرر ألا يعود منه أبدا "
شحنه الحب بالدفء و صنع إنسانيته الكاملة و رجولته الكاملة و قاد فاطمة إلى الاستعلاء على آلامها و جعلها تراهن عليه لتتحرر من الماضي و تعيش .. فالحب في رواية الحدادي هو حبل النجاة وهو الخلاص من كل ضيق و قد تزامنت هذه الرغبة في الخلاص و كسر القيد مع الانتفاضة التي عاشها الشعب التونسي في اخر الرواية " ها هو الشعب التونسي يخوض معركته الأخيرة ضد الظلم فيما يخوض احمد معركته الأخيرة ضد عجزه و إرادته المسلوبة و خوفه و أيضا ضد القيم الظالمة و العادات البالية.." ص الرواية 184
نهاية الرواية كانت " على مقاس الوجع" و لكنها ربما كانت ضرورية لبداية جديدة لفاطمة و للشعب الذي سالت دماؤه و مازال يبحث عن طريق جديد..
رواية جديرة بالقراءة و الدراسة أحسن كاتبها حبكة أحداثها بطريقة تجعلنا لا نكف عنها حتى نكملها ، طرح فيها مواضيع متنوعة تمس القارئ و تجعله يعيد ترتيب أفكاره أو ترسيخها حيال القضايا المطروحة .
تأتي الرواية في 191 صفحة منقسمة إلى 26 فصل متفاوتة الطول إذا جاز لنا أن نتحدث عن فصول فالكاتب هو من اختار ترقيم صفحات مجمعة من الرواية ..
الغلاف :
داكن يميل إلى اللون البني الغامق و جاء اسم الرواية و الكاتب باللون الأبيض
النور القادم من النافذة يبعث الحياة في وجه فتاة جالسة إلى طاولة الكتابة بينما يغيب عن وجه فتاة أخرى تقبع على الأرض ملامحها خائفة ترسل بنظرها عبر النافذة و عيناها ترقبان بتوجس ما يخفيه الأفق..
النور يتسلل بحذر من النافذة هذا الحذر الذي يشوب كل الرواية بسردها و مخطوطها
كتب متناثرة على الأرض ، هل الكتاب هو المثوى الأخير للحقيقة ؟
الإهداء : يهدي الكاتب روايته إلى والده : "إلى والدي ..رفض أن يبقى على الحياد ..فمنح لنفسه حرية الاختيار حتى يترجل واقفا مثل النخيل ..إليه وحده أرفع هذه الصفحات"
و كأني بفاطمة كاتبة المخطوط ، موضوع رواية المخطوط، تهدي بدورها نصها إلى والدها، نصها الذي جاء دون إهداء ،والدها الذي رفض الحياد فمات هو أيضا واقفا كالنخيل ..
محور الرواية أو القادح للرواية جاء في التصديرين :
التصدير الأول لمحمد الغزالي : " لاأعرف مظلوما تواطأ الناس على هضمه و لا زهدوا في إنصافه كما الحقيقة."
التصدير الثاني لاتيان جلوست:" ليس من الصعب أن تعثر على الحقيقة و لكن المشكلة الكبرى هي ألا تحاول الهروب منها إذا وجدتها "
إذا محور الرواية هو الحقيقة،البحث عنها، مواجهتها أو الهروب منها..
رواية المخطوط هي سرد داخل السرد ، رواية تحتضنها رواية أخرى رواية أصلية و أخرى فرعية ، الرواية الفرعية جاءت في شكل مذكرات أو خواطر رغم تسلسل أحداثها ،تكتبها فاطمة و يقرؤها احمد .
هي لوحة لم تكتمل " على قول والد سامية / فاطمة: الكتابة هي الألوان التي كان عليها إضافتها لكي تكتمل اللوحة الكتابة و الحب يعطون معنى لحياتنا و يجعلونها تكتمل ..
الرواية تتحدث عن فاطمة صاحبة مكتبة في سوق الدباغين بعد هروبها من مدينتها "البعيدة التي رأت فيها عذابها" حيث قبرت أحلامها في حياة هانئة تنعم فيها بحريتها و انتقالها إلى مدينة أكبر " العاصمة" أين تريد أن تبني "عالمها المستقل بعيدا عن الآخرين" ف"الأحلام الكبيرة لا تحتويها إلا المدن الكبيرة " حسب اعتقادها.
المدينة في المخطوط للمنجي الحدادي اكتسبت أبعادا مختلفة ، مدينة للموت و أخرى للحياة / الانعتاق
مدينة أولى لا نحيا إلا بمغادرتها مدينة تُغتال فيها البراءة ، مدينة الفرح الكاذب ،مدينة الغدر و الوهم و الموت و الاغتصاب و المهانة ..و مدينة ثانية حيث الرقص و الحب و الموسيقى و الكتب ، مدينة فاضلة نستطيع فيها أن نكون كما نريد رغم بعض العراقيل التي صارت فاطمة و قد أنضجتها المصائب تجيد تجاوزها ( صاحب المكتبة البدين و تهديداته/ الطبيب و إغراءاته..)
أول صور التحرر من المدينة الأولى تأتي منذ يومها الأول في العمل الذي تنفتح به الرواية:
" دخلت حجرتها بعد يوم عمل و قد أخذها من أيام باهتة إلى أيام غارقة في التفاصيل"
و كأني بالكاتب يريد أن يقول أن العمل بالنسبة للمرأة هو أول باب من أبواب تحررها و انعتاقها من التبعية للآخر و لتحقيق ذاتها.
ثاني هذه الصور جاءت على أنغام الموسيقى: " أحست أن قلبها يخفق أكثر مع نقرات الموسيقى و صارت روحها ترفرف كطير حمام تحرر من شراكه و تدفق في أعماقها شلال من الأحلام الوليدة"
تخلق الموسيقى في فاطمة رغبة جامحة في الانعتاق و التحليق و كسر كل القيود فإذا بنا نراها تنزع شالها و تتماهى مع تلك النشوة الطافحة التي غمرتها فجأة " أحست أنها فكت قيودا لازمتها طويلا "[/B]
ثم يأتي الحب في صورة الشخصية الرئيسية الثانية في الرواية أحمد و ما يمثله لفاطمة من إمكانية حياة أخرى جديدة .
لو أننا أردنا أن نرسم للأمل صورة لجاءت متطابقة مع صورة أحمد هذا الشاب الغامض الذي بدأ يزور المكتبة منذ اليوم الأول و لم ينقطع عن ذلك إلا لماما :
* "وجدت بابها قد امتلأ به " ( يتكرر هذا التعبير في كل مرة يزورها فيها)
* "ابتسامته العريضة و طوله الفارع و عينيه الدافئتين"
منذ البداية يعلن لنا الكاتب عن "الرباعي" الراعي للسعادة الحقيقية: الحب، العمل، الحرية و الفن ( الأدب ، الموسيقى و الرسم) أسوقهم دون ترتيب تفاضلي ..
تهرب فاطمة من المدينة فتلتقي بالحب، لم تكن تنوي فتح أبوابها و هي تظن أنها أغلقتها على مصائبها و أنه لم يعد لها حق الحياة الذي انتزع منها غصبا و اغتصابا..
فاطمة الحذرة من الحب تقع في شراكه منذ اللحظة الأولى "تحول هدوؤها الذي اعتادت عليه في أيامها الأخيرة إلى ضجيج تشعر به داخلها "
هذا الضجيج هو الذي أيقظ مكامنها و جعلها تفكر في أن تعطي مخطوطها تباعا لأحمد حتى يقرأه ..
ماذا كان الهدف من تسليم المخطوط لأحمد ؟
لم يخبرنا الكاتب عن سبب الكتابة /سبب كتابة فاطمة للمخطوط
* "كانت تكتب شيئا ما على دفترها الذي يلازمها" ص21
*"لقد بدأت فيها منذ مدة و لا أعرف إن كنت أكتب بطريقة جيدة أم لا.."
*" ها هي تضع ما تحكيه بين يدي الآخرين غير عابئة بحذرها.." ص 26/
"صار يهمها أن تعرف قيمة ما تكتب هل هو مجرد كلام أم هو شيء يلامس الروح " ص26/
"ستختبر نفسها أن كان ما تكتبه يجد صداه عند الآخرين "ص 27
*"..حينها تأكد أحمد أنها قد أتمت كتابة روايتها أو أنها في مرحلتها الأخيرة و قد اختارت ألا تستعجل عرضها كلها عليه لأمر هو يجهله" ص37
في مخطوطها كانت فاطمة تبحث لها عن مستقر ، الكتابة هي المرفأ الذي استظلت به لتتزن مقدار الحب الذي يكنه لها أحمد ، هي لا تعرف ان كان سيتقبلها بكل كسورها ام سيضاعفها لها ..
و مع فاطمة سنكتشف بدورنا أحمد الشخصية الرئيسية الثانية في الرواية ، زائر الصباح الذي بعثر أوراقها و جعلها تفتح الباب مواربة لعل الله يحدث أمرا..
هذه الشخصية بدت نكرة في البداية" وقع أقدام"، " أحست بشيء ما يقترب منها " ،ثم صارت تتحدث عنه بضمير الغائب " به، ابتسامته ،بصره.اليه .." ثم صار " زائرها" الذي "سار نحو الباب دون أن يلتفت اليها ..دون أن يزيح كل الضباب الذي جاء مع صمته"..
كان رجلا غريبا عن الراوية و عن القارئ فنحن لن نعرف اسمه إلا في الصفحة 27
أحمد شاب مثقف يهتم بالكتب و يملك منها الكثير. يزور مكتبتها بوتيرة مختلفة في كل مرة عن قصد أو بدونه يثير اهتمام فاطمة و تتعلق به ..هو أيضا يبدو مهتما بها و تثير فضوله ليقع في حبها ..
نكتشف مع توالي الأحداث معاناة أحمد من تسلط والده " حقق رغبة والده أخيرا / سي التوهامي حول وجهته الى دراسة الحقوق/ مازال احمد يقف في حالة استسلام و كأنه جندي يستمع إلى أوامر قائده..."
شاب يشعر بالغبن ، مستلب الإرادة غير قادر على تسيير أمور حياته بنفسه، يهوى الآداب و لكنه يدرس الحقوق و يتخرج منها ليلتحق بوظيفة لا يحبها تحقيقا لارادة والده الذي " ينظر الى أبنائه بمنطق الغنيمة"
عندما أكمل قراءة حكاية فاطمة وجد نفسه في مواجهة مع الحقيقة " التي جاءته مجردة من كل استحياء"هذه الحقيقة التي جعلته " يشفق على نفسه" و ليس على فاطمة فالحب جعل فاطمة في عينيه بطلة استطاعت بكل شجاعة ان تطوع الحقيقة و تحولها الى ملحمة و خاضت معارك جمة آخرها معركتها معه وهي تضع بين يديه حياتها و كسورها ..
الحب كسر تردده وهو يكتشف الحقيقة ، كسر استسلامه و خنوعه وهو الذي لم يخض معركة واحدة طوال حياته،كسر القيد الذي ملأ حياته بالصقيع و ها هو يكسب أهم معارك حياته : " ..جاءه الأمر صارما و حازما فيما رشق هو بصره في باب الخروج ../ تأخرت الإيماءة المستسلمة التي انتظرها والده / أخيرا تحرك نحو الباب بخطوات ثابتة /صرخ سي التوهامي وهو يرى الجدار الكبير الذي بناه يهوي في لحظة / تلاشى كل الصخب وهو يطير فوق السلم الذي سيفضي به إلى طريقه الذي قرر ألا يعود منه أبدا "
شحنه الحب بالدفء و صنع إنسانيته الكاملة و رجولته الكاملة و قاد فاطمة إلى الاستعلاء على آلامها و جعلها تراهن عليه لتتحرر من الماضي و تعيش .. فالحب في رواية الحدادي هو حبل النجاة وهو الخلاص من كل ضيق و قد تزامنت هذه الرغبة في الخلاص و كسر القيد مع الانتفاضة التي عاشها الشعب التونسي في اخر الرواية " ها هو الشعب التونسي يخوض معركته الأخيرة ضد الظلم فيما يخوض احمد معركته الأخيرة ضد عجزه و إرادته المسلوبة و خوفه و أيضا ضد القيم الظالمة و العادات البالية.." ص الرواية 184
نهاية الرواية كانت " على مقاس الوجع" و لكنها ربما كانت ضرورية لبداية جديدة لفاطمة و للشعب الذي سالت دماؤه و مازال يبحث عن طريق جديد..
رواية جديرة بالقراءة و الدراسة أحسن كاتبها حبكة أحداثها بطريقة تجعلنا لا نكف عنها حتى نكملها ، طرح فيها مواضيع متنوعة تمس القارئ و تجعله يعيد ترتيب أفكاره أو ترسيخها حيال القضايا المطروحة .