-2-
الفلسفة في مواجهة الناطق باسمها
قبل أن أتوقف عند علاقة الفلسفة بما اعتبره الغذامي " مأزقها المفاهيمي المربك " أشير إلى مفارقة ذات صلة بالموضوع، تتمثل في إحدى الحلقات التي كان الكاتب السوري المبدع والراحل محمد الماغوط، يكتبها تحت عنوان " أليس في بلاد العجائب " قبل عقود من الزمان، يقابل فيها بين أمريكي وعربي، إن لم تخنّي الذاكرة، يقول الأمريكي للعربي أنه في مقدوره الخروج في مظاهرة وينادي بإسقاط رئيسه، فردّ عليه العربي في الحال، ونحن أيضاً يمكننا التصرف هكذا، حيث يمكننا الخروج إلى الشارع والقيام بمظاهرة، والهتاف بإسقاط الرئيس الأمريكي.
هذا ينطبق على الغذامي، حرفياً فيما انطلق منه في المسمى بـ " مآلات الفلسفة " وهو لا يكتفي بنعيها فقط وإنما بـ " تعريتها " على طريقته. كما لو أنه معنيّ بها، أكثر من الأوربي ذاته، والذي يتكلم الفلسفة، في تاريخه الطويل، وبأساليب مختلفة، ويعايشها في مناخاتها، وينوّع فيها كذلك. أي أنْ ليس في مجتمعه، في بلده، في ثقافته التي تشرّبها منذ الصغر، أيّ مشكل ليتوقف عنده، كما لو أنه عاش ويعيش في مناخ فلسفي تعددي، وبمناهج مختلفة. يا لها من مفارقة استهجانية ؟
تُرى، وانطلاقاً من أي تصور، أو مسوّغ تاريخي، علمي، أخلاقي بالذات" مَألل " الفلسفة و" مَأزقها " هكذا، وأرسل باسمها نعياً في الجهات الأربع دون أن " يصلّي " عليها لأنها " معْدية "؟
تُرى، ثانية، هل سعى الغذامي، يوماً، وفي مقال صريح، فصيح،، وكما يليق به اسمه، وموقعه، أن يكتب عن " أزمة " معينة في مجتمعه، كما هو الحال هنا؟ أن يتحدث عن مأساة الثقافة في بلاده، وهي في تراتبيتها الفظيعة تحديداً، وكيف يجب عليه أن يفكّر مؤطراً إلى أبعد الحدود ؟
أن يتحدث عن مأساة الإنسان في عالمه الإسلامي، وفي العقود الأخيرة خصوصاً، عن تسونامي التدين الذي تلبّس العباد والجماد ومختلف مظاهر الحياة، وانحدرت الحياة الفعلية إلى الدرك الأسفل، وعن الروح المغلولة في مجملها، روح الإنسان، الروح بمعناها القيمي، وليس كما يطلق العنان لخياله ولسانه عما يجب القيام به منتشياً، مستعيناً بابن القيّم، وبالغزالي في الواجهة، حلاً فريداً من نوعه يحل محلَّ الفلسفة، وتتبنى فكرته العبقرية هذه أوربا قاطبة ومعها أمريكا.
يا لها من نخوة المثقف الذي ينشغل بهموم الآخرين خارجاً، منحّياً هموم مجتمعه جانباً !!
أليس حريَّاً به، وهو مفكر، وناقد، ومثقف، ومطّلع على أدبيات الغرب، ومن موقع مسئوليته الثقافية، أن يظهر ما يثبت جانب المصداقية في انهمامه بقضايا مجتمعه، وليس أن يجعل مما هو فلسفي، وليته فلسفي، قضية توهِم من هم حوله أنها تعنيه، وما في ذلك من انسحاق نفسي !
أن يتحدث ليس عن مأزق مفاهيمي في مجتمعه، والثقافة التي ينشغل بها " أكاديمياً " وإنما عما يبقي المفاهيم، وهي المرتكزات الفعلية لكل علْم، لكل حقل معرفي، مصمَّتاً عليها إلى أجل غير مسمّى، ليتجنب أي أذى، أو إساءة أو مساءلة. يا لرمز ثقافة الوهم المبهرجة مجدداً ؟
في صلة الفصل الفلسفية
ماذا يقول في مستهل الفصل الأول والمعنوان بـ " حال الفلسفة اليوم "، كما لو أنه يحمل طبوغرافيا الفلسفة بإحداثياتها الكبرى، أي أطلسها الفكري والثقافي وينيّرها للعالم أجمع !
(مرت الفلسفة بمأزق مفاهيمي مربك وأحياناً متطرف، ومنذ أن استقلت العلوم الطبيعية استقلالاً يثبت حالة التحرر من مستعمِر والفلسفة تعاني من مزاحمة النظريات العلمية لها لدرجة أن وصل الأمر بإعلان موت الفلسفة حسب ستيفن هوكينج. ص 11.. وهنا تتنازع الفلسفة المهام، وكما قال المتنبي: وسوى الروم خلف ظهرك روم ..ص 11.. )
تستوقفني الصيغة التركيبية لحديثه، ومدى دقتها، وإلى أي مدى يعتبر الفلسفة" همّاً " فكرياً، وحتى روحياً له، وما في ذلك من حرص ومسئولية اعتبارية أيضاً ، وحتى تاريخية طبعاً.
في كتابه يستعين الغذامي ، مراراً وتكراراً بهوكينج الذي " أعلن " موت الفلسفة، لأن الفلسفة هذه، كما يبدو، كانت لها قائمة بوجود العلوم الطبيعية، أي كانت موجودة بفضلها، وكأنها عاشت عالة عليها، وما أن استقلت عنها، حتى تجلّت الحقيقة المريعة للفلسفة، أي موتها الذي تستحقه.
أنوّه هنا مجدداً، أنني سأنحّي اسم هوكينج جانباً، حيث سأتعرض له لاحقاً، وأركّز على المأزق الذي يشكل رهان كاتبنا، بمقدار ما يلوّح به تأكيداً على أن الجاري لم يعد قابلاً للتأجيل !
بناء على أي حقيقة " علمية " أو " تاريخية " أو " فلسفية " أو أي شهادة اجتماعية دفعَ بالفلسفة لأن " تعترَف " بما كانتْه، وبما آل إليه أمرها، كما لو أنها تطفلت على العلوم تلك تاريخياً ؟!
لقد أشرت إلى بعض الجوانب المتعلقة بالرابطة الموجودة بين كل من الفلسفة والعلم، وأننا كلما اقتربنا من العصر الحديث تنوعت التخصصاتُ، ولم تستقل عملياً، العلومُ الطبيعية عن الفلسفة، هي وحدها، وإنما حدث انقسام في الفلسفة عينها، من خلال مدارسها ومناهجها. إن الأخلاق، أو القيم، أو ما يخص كلاً من الحرية، السعادة، الخير، والشر، موضوعات فلسفية وضِعت باسمها مئات الكتب وأكثر، وكما هم الفلاسفة في عصرنا الحديث جهة أساليبها واهتماماتهم الفكرية .
الحديث عما يسمى بـ " المأزق " هنا لا صلة له بالفلسفة، أو أي علم آخر، إنما بحقيقة المعارف البشرية في عمومها. إن مجرد الحديث عن " مأزق " ما، علامة صحة، وقوة إرادة واكتشاف، لهذا الجارية تسميته، كما هو الحديث عن الخطأ الحاصل في علم ما. ألم يقل باشلار، ذات يوم عن أن تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء العلم ، في كتابه " الفكر العلمي الجديد "؟ أوليس الحديث عن مأزق، عن أزمة معينة في أي مجال معرفي صيحة أرخميدسية " أورّيكا: وجدتُها " ليكون هناك توقف ومن ثم مكاشفة، ومن ثم تجاوز... وهكذا؟ دون ذلك، كيف يمكن الربط بين فلاسفة ما قبل سقراط وفلاسفة العصر الحديث، بعيداً عما هو تراكمي معرفي في الفلسفة وسواها ؟
ليت الغذامي أظهر لنا ما هو تراكمي في معارفه التي تقف وراء عناوين كتبه، وذلك في تنوع محتوياتها، وما للتراكمي من ثراء معلوماتي ونوعي وإثراء للفكر والثقافة نفسيهما. أحسب لو أنه أعار اهتماماً، ولو قليلاً، لهذا الجانب، لما طرح كتاباً نوعياً في تضعضعه وبؤس محتواه.
طبعاً، في المجتمعات المحروسة بسلطة الأعراف، وطغيان التقاليد، لا وجود لخطأ مرتكب، أو مأزق، لأن هناك نوعاً من التأبيد المراقَب لمَا هو قيمي، ومعتبَر فكرياً، أي مطوطَم نفسياً. وما يتفوه به الغذامي هنا عما يخص " مأزق الفلسفة " وبؤس حالها، حصيلة هذه الذهنية والبنوَّة المطواعة تاريخياً، إجمالاً، لتلك المؤسسة الرعيوية التي تحيل أي خلل أو مشكل إلى الخارج، وفي ضوء ذلك، يكون تناول الخطأ أو المأزق " الخارجي " في مختلف أنسابه " العلموية " وارداً لأنه يدخل في " الرصيد " القيمي والرعيوي للمتكلم، ويكافأ عليه بامتياز.
في ضوء ذلك: الفلسفة بخير، وكل المعارف في " الغرب " بخير، أي إنها تعيش حيواتها، وما فيها من تقلبات، من تغيرات، من انعطافات، من تجاذبات،ومن تراتبيات معلومة، ومن تباينات، وليس من سقف سلطوي محدد، أو من معطى قاعدي " فرمانيّ " لأي منها، وبدءاً من مفهوم " الاعتراف " بعائده المسيحي إلى مفهوم " إشهار " الخطأ أو التعلم من الخطأ، وهو لا ينفصل عن السياق التاريخي، التربوي والمجتمعي لفاعل " الاعتراف " ذاك، وتأثيره على الفرد .
ذلك في حكْم المُعدَم أو يكاد، في مجتمعاتنا " في مجتمع الغذامي بقوة وذهنه، حيث الفرد منصهر في المؤسسة الرعيوية أو الحشدية، وما في ذلك من هرمية لافتة للسلطة وقوتها الضاربة !
من الفلسفة إلى العلم، وبالعكس، والصحيح، بين الفلسفة والعلم، وبالعكس، يمكننا مكاشفة ما هو مفتوح في الهواء المجتمعي " الغربي " الطلق، بأكثر من معنى، وبما يصدم الغذامي !
الفلسفة في تمثيلها الحياتي
الفلسفة كما هو معهودها التاريخي الطويل، ثمرة حياة طويلة ومكافَح في سبيلها، وشجرتها التي لا تتوقف عن النمو، وفيها يمكن معاينة ما يجعل الفلسفة في قوامها الفكري والمتجدد:
(لم يعد الدليل القديم على الفلسفة كأسلوب حياة هو دليلنا. ومع ذلك ، طوال تاريخ الفلسفة وخاصة اليوم ، فإن مسألة "الحياة الفلسفية" لم تتوقف عن طرحها.
إن جعْل الفلسفة أسلوب حياة يعطي علاقة الذات بالذات مكانًا مركزيًا ، ويمكن فهمها على أنها بحث عن تحسين الذات من خلال رفع مستوى الوعي. لكن هل يمكننا أن ننسى أننا ورثة التأملات النقدية القادمة من الفلسفة أو التحليل النفسي أو العلوم الاجتماعية ، والتي أظهرت عدم ثقة في المبدأ تجاه الدليل الواضح على الذات؟ لقد مر الوعي بتفكيك يصعب تجاهله. ما هي هذه الذات وماذا يتكون تحولها؟
لا شك في أن سبل العيش هي اليوم قضية رئيسة ، أخلاقية وسياسية على حد سواء ، لأن فرضية تحولها على جدول الأعمال - بمعنى الاقتصاد والاعتدال؟ - أن نهجًا معينًا للفلسفة ، يشكك في هذه الطرق ، يثير اهتمامنا وهذا أكثر من أي وقت مضى لأن لا بناء الحقيقة في العلوم الإيجابية ولا الاهتمام الديني بخلاص الأرواح يسمح لنا بالتفكير واتخاذ القرار بشكل كافٍ.
تتجسد حريتنا في قدرتنا على ابتكار علاقات جديدة مع المعايير التي تحيط بنا ، حتى لو كان هذا الاختراع صعبًا. وبقدر ما تكون الاستخدامات مشتركة أيضًا ، والاستخدامات الجماعية ، فإن الحياة الفلسفية لا تأخذ شكل الانسحاب إلى الذات.) " 1 "
الحياة ليست موجهة، إنما توجّه المقيِم فيها إلى ما تكوُنه، ليكون في مستوى معطياتها. لا تعود الفلسفة مجرد شاهد عيان على تاريخ دون آخر، وإنما مقيمة في الحياة وفاعلة فيها ومنفعلة بها.
لعلها، بالصورة هذه لا تنفصل عما هو مستجد فيها، بمقدار ما تعيش انجراحات تترى فيها.
أترانا، بالصورة هذه قادرين على أن نعتّم على الفلسفة مفهوماً ومحتوى وصيرورة حياة؟ أترانا، لحظة إمعان النظر في بنيتها المعرفية، يمكننا غضَّ النظر عن دورها المؤثر حياتياً ؟
في الآنف الذكر، يحضر التاريخ، وإن لم يُسمَّ، يحضر العلْم، وإن لم يُسمَّ، تحضر الفلسفة، وإن لم تُسمَّ، لأن اللغة في طبيعتها الدلالية تمتلك القدرة على التعبير عما هو موجود، وما ليس موجوداً.
مفهوم الأزمة أو المأزق فلسفياً
لنتوقف قليلاً عند مفهوم " المأزق " أو " الأزمة " معرفياً، عما تعنيه الفلسفة هنا؟
لكَم جرى استسهلاك كلمة " الأزمة " أو " المأزق " الأقل " تداولاً، سوى أن الأزمة تفي بالغرض في مختلف الحقول المعرفية، أو العلمية، وفي الحياة اليومية، جهة إطلاق الأزمة على كل شيء، وفي كل مناسبة ودون مناسبة، وما في ذلك من تمييع للغة أو للمفهوم الدقيق .
ليس من علم، أي علم، يراوح في مكانه، مادام هناك حياة، حتى في أكثر الحالات تبيناً أو تميزاً بالجمود، أو عدم التحرك، ثمة حركة، وهذه علامة حياة، دون ذلك، حتى بالنسبة لمفهوم" المنعطف " التاريخي، أو " الانقلاب العلمي " أو " الثورة الفلسفية "...إلخ، كيف جرى كل ذلك، دون وجود قوى كانت كامنة، ثم برزت، لوجود مؤثّر فعّلها في الواقع، ومارست تغييرها .
ربما بالطريقة هذه، تمثّل الأزمة تعبيراً ثلاثي الأبعاد، وحياً دالاً على ما يجري مجتمعياً:
( أصبحت كلمة أزمة مفهومًا شائعًا تغطي في وقت واحد ظواهر تتراوح من المجال الإعلامي إلى مجال العلوم الاجتماعية ، عبر السياسة.
يمكننا تعريف الأزمة على أنها عملية تشتمل على عناصر زعزعة الاستقرار واضطرابات نظام معين (اجتماعي وثقافي وما إلى ذلك) تميل إلى إعادة التنظيم وإعادة الهيكلة للخروج نحو واقع مختلف. وهكذا نتحدث عن أزمة في التعليم ، وأزمة في الثقافة ، وكأن عالم المعنى برمته ، رمزيًا ومؤسسيًا ، قد أصابته الغرغرينا التي تهدد بسقوط المجتمع. وبهذا المعنى ، يتحدث إدموند " هوسرل "عن أزمة العلم والإنسانية الأوربية. يتعلق الأمر أولاً وقبل كل شيء بهذه الخسارة في ترتيب العلوم الاجتماعية التي تكافح من أجل تحقيق الحلم الديكارتي بالوحدة المعمارية القائمة على المنهج. يقترن بأزمة تضرب الإنسانية الأورُبية في قيمها. على أي حال ، فإن الفكرة التي يشير إليها هوسرل هي استحالة تكوين مجتمع معًا حول مُثُل قوية من المحتمل أن تقود الجسم الاجتماعي.) " 2 "
يمثل المقتبس قولاً مركَّباً ومكثّفاً، له عمقه وأفقه، يفيد المؤرخ، العالم، والفيلسوف " ولا أدري هل ذلك يفيد كاتب: ثقافة الوهم ، وفي ضوء مسطوره المتفلسف ؟!" في تلك العلاقات التي تتميز بالمرونة، وتتضمن إمكانات قاعدية، مأخوذة بالمتغيرات ومأهولة بمؤثراتها، كما أنه في بنية أفكاره الجامعة بين العلمي والفلسفي، الطبي " الغرغرينا " والجسدي، يشهد على حياة فعلية!
وفي الحديث عن أزمة العلم والإنسانية الأوربية، ما يشير إلى ما هو تاريخي، إلى الشفافية التي سمّيت فيها الأشياء، بمقدار ما كانت اللغة مفصحة عن حقيقة المسمَّى كثيراً . أي إن لحظة التسمية تكون لدينا " شهادة " ولادة لكائن من أرض الواقع، ومن صلب المجتمع وتاريخهما، وما يسهم في تنوير المعنى الذي يستدل به الإنسان على محيطه المجتمعي وثقافته .
لنذكّر بما أفصح عنه هوسرل عما يخص الأزمة، أو المأزق، وما يشيد بذلك، ليس حباً بالحاصل، وإنما احتفاء بمكانة الخطأ، وتصريحاً حياً بأن انعطافة التاريخ والمجتمع تكون من هناك:
( إن الموقف العملي الطبيعي للإنسان يترك المكان عند المتفلسف... للموقف النظري الذي يحرره كنوع من الإيبوخي من حياة الاهتمامات العملية... إن فلسفة تحكمها حوافز أسطورية ولاهوتية واعية لا يبقى هدفها البحث هو الحقيقة النظرية، ونحن نعرف أن الهدف الجديد الذي هو " البشرية المستقلة " قد نشأ بالذات كردّ فعل على فلسفة متشبعة باللاهوت
إن العلم – في أي مجال بشري كان- يبقى مجرد مهمة، بل مهمة لم يحققها العلم الناشىء بسبب غموضه، وسوء فهمه لذاته، وعليه ، فإنه يجب علينا بالذات، نحن الذين تنيناها، أن نحقق هذه المهمة، مهمة الحداثة الفلسفية . ) " 3 "
من الإيبوخ إلى الإيبوخ، إلى ما لانهاية، كما هو مقتضى الحياة، والإيبوخ، هو الذي اشتهر به هوسرل، حيث يجري وضع " تعليق، كما هو المقابل الألماني للكلمة " أي كلمة، أو مفهوم، بين قوسين، لأن هناك ضرورة إلى سبر حقيقته وملابساته، وما في ذلك من تعميق للأثر، وتفعيل له بالمقابل، وفي هذا الإجراء " الصحي " يجري تصويب العلم بالعلم، الفلسفة بالفلسفة .
تُرى، هل ثمة ما يقلق واعية الغذامي، بصدد مكاشفة فلسفية- علمية، مركَّبة؟ ربما كان الأمر الوحيد هو أن قلقه الذي يُؤخَذ به، هو ما يسجّل عليه غفلته التي يريد تمريرها، فهلوته في سياق ما يريد لفْت النظر إليه خارجاً، ونشوة التسمية هنا، وخاصية التعمية في الداخل المجتمعي لديه.
أم ترانا في الطريقة التي نعتمدها في متابعة الجاري، نمارس تشويشاً على " مآلاته " ؟!
ما يكون أسلوب حياة
كيف تكون الفلسفة وهي في تفاعلها مع سقرط، وتلك النقاط الجوهرية التي أثارها، أو أثيرت باسمه، أو على لسانه، من خلال تلميذه أفلاطون، في واجهة حياتية معمقة؟ وأن استمرار النظر فيها، لا يرجع بنا إلى ما كان، إلى " الكبار" و" أخطائهم " كما سّمي ذلك سالفاً، وإنما إلى الحياة التي تتحرر مما هو تاريخاني " كأن الذي كان يقع في حدود ما سيكون "؟ ثمة ما يشير إلى ما يجري على أنه أسلوب حياة، أي ما يتركز على الأسئلة التي لا تفقد قيمتها مع الزمن، نظراً لأنها لامست ما هو إنساني أبدياً، ولهذا يكون سقراط منتمياً إلى زمن مفتوح، وأن أي قراءة له تكون ممكنة، بنماء على أي منهج، وتبعاً لأي مفهوم مقترح، لأن العمق هو الذي يمتلك صلاحية التعامل مع مأثوره، وهو الذي يقدّم ما يجري البحث عنه والنظر فيه.
ذلك ما نتلمسه في قراءة أحد المعنيين بهذا الجانب:
( بالنسبة للعديد من فلاسفة العصور القديمة ، ووفقًا للصورة التي كانت لدينا عنها ، لم يتم اختزال الفلسفة في مجال بحث بسيط. كانت الفلسفة في العصور القديمة بالفعل ، كما كانت دائمًا منذ ذلك الحين ، مجموعة من المشكلات التي تتحدى العقل ، والأسئلة التي يجب استكشافها ، سواء شفهيًا أو كتابيًا أو كليهما ، تناقضات يجب حلها.
كرَّس الأطباء وعلماء الرياضيات أنفسهم أيضًا للبحث في مجالات تخصصهم ، لكن الفيلسوف جعل الفلسفة أساس حياته كلها. أن تكون فيلسوفًا في الواقع ، بالنسبة للعديد من فلاسفة العصور القديمة ، لم يكن يتعلق بالبحث ومناقشة وتدريس الفلسفة بقدر ما يتعلق بعيش حياة المرء بأكملها بطريقة معينة - فلسفيًا - وحث الآخرين على عيشهم أيضًا بنفس الطريقة.).
وبالتالي، ما الممكن القيام به ؟:
( أقترح ببساطة فحص المفهوم القائل بأن سقراط للفلسفة نفسها كطريقة حياة ، والفلسفة كما يجب أن نعيشها وليس فقط كموضوع للتفكير أو المناقشة. عندما أستخدم مصطلح "سقراط" ، ما لم أحدد أنه شخصية تحمل الاسم نفسه في عمل كذا وكذا ، فإنني أشير إلى الشخصية التاريخية كما يراها التقليد القديم: أي من خلال سقراط الأعمال (التي هي المصدر الوحيد ، على الأقل المصدر الرئيسي ، الذي تعلم من خلاله التقليد القديم عن سقراط) - وعلى وجه الخصوص ، من الواضح ، من خلال حوارات أفلاطون. سأدافع عن الأطروحة التي بموجبها ، بالنسبة لسقراط ، أن يعيش حياة فلسفية يعني أن يعيش مع الأخذ في الاعتبار أن العقل ، الذي يُفهم على أنه كلية التفكير والتحليل في ضوء الحقيقة حول كل الأشياء ، هو الأسمى والأكثر أهمية لدينا.
نتذكر أن سقراط يعلن في اعتذار أفلاطون أن روح كل فرد ، والحالة التي يجد فيها نفسه ، صحية أو مريضة ، هي الأكثر أهمية ، والتي تفوق بكثير كل القيم الأخرى. ووفقًا له ، فإن صحة الروح تعتمد كليًا على قدرة كل شخص على الفهم والشرح والدعم من خلال التفكير والتحليل الفلسفي لقيمه الخاصة وقناعاته الخاصة ، والقيام بذلك بحزم ودقة.
تتميز فلسفة سقراط كطريقة حياة عن كل المفاهيم اللاحقة بحقيقة أنه قضى حياته بلا كلل في فحص الأفكار الأخلاقية للآخرين أثناء فحص نفسه. يضع سقراط صحة روحه فوق كل القيم الأخرى ، ويجعل هذا الرفاه يعتمد بشكل وثيق على التحقيق الفلسفي والفحص الذاتي ، بحيث يعلن في نسخة أفلاطون من محاكمته أمام هيئة المحلفين أنه سيرفض عرض التبرئة.) "4"
سقراط، كما قرأناه، وكما نقرأه، وسيقرأه سوانا،أكثر من كونه إنساناً عادياً، أكثر من كونه مقيماً على الهامش، وهو الذي اُعتبر، وقد دفع حياته ثمة الحقيقة، ذاكرة علم وفلسفة نافذة الأثر.
ما يكون تاريخاً، ما يكون حياة
ثمة ما يسجَّل باسم المفهوم: فلسفة، وعلماً، وثمة ما يبقي المأزق الذي يشير إلى دوام وقوع الخطأ
تاريخياً، كما هو جرح الجسد، كما هي علة الروح، وكما هو الخلل الحاصل في التفكير، وما يترتب عليه من يقظة، أو تنبَّه إلى أن هناك طارئاً يستدعي إيقاظ القوى المطلوبة، لوجود ما يحفّز على التفكير، حيث يتراجع التقليد، في هذه اللحظة، طالما وجِد مشكل مختلف بمقوماته .
ولأن النظر في المأزق، هو اعتراف بأن الحياة هي هكذا، وأن الحياة حين تجد من يهتم بها، أي بما يقع فيها من خلل، ومن يتدارك الأخطاء فيها، تمنحه ما يستحق منها كحياة من نوع آخر، وبذلك تكون البشرية متباينة في سياستها الفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
والمشكلة بدورها تسمّي المعنيَّ بها، وما يستحق من درجات على جهده في التعامل معها:
( إنها مشكلتنا الأكثر إلحاحًا لأنه يبدو لنا اليوم أن وجود أو عدم وجود البشرية (المنششيت) يعتمد على الأحداث الحالية والمستقبلية. في هذه الحالة ، نفكر أولاً في خطر الحرب العالمية الثالثة والأسلحة المدمرة التي ستستخدم لشنها. باختصار، نحن نفكر في مجرد وجودنا الجسدي وفي الأحداث السياسية. ومع ذلك ، فإننا نعلم أن مشكلة التاريخ تتعلق أيضًا بوجودنا الروحي. للاقتناع بهذا ، يكفي التفكير في حقيقة أن خطر حرب الإبادة لن يكون موجودًا بدون التقدم المستمر الذي يحرزه العلم والتكنولوجيا الحديثان ، ولا بدون التناقضات التي ، بمعارضتها ، تزعزع استقرار المفاهيم المختلفة لـ العالم الخاص بنا.
اليوم ، حياتنا كلها تتغير. وبالتالي ، يمكن لأي شخص يعيش اليوم أن يختبر ماهية التاريخ. بطريقة أولية للغاية ، يمكنه قياس مدى إرباك المستقبل التاريخي وتهديده للحياة. فالإنسان الذي يقدم له وطنه ظروف معيشية ضيقة وكاذبة ربما يتأثر بدعوة من بعيد. دعنا نعترف أنه قد يكون من الضروري في مثل هذه الحالة أن تجرؤ على القفز إلى المجهول.)
وما هو مفصلي أو حدودي، وهو الذي يشير إلى الغذامي في السياق:
( إذا تركنا الشعوب الشرقية جانبًا ، فيبدو أن الإنسانية الغربية أعطت ذات مرة أهمية أقل للتغييرات التي أثرت عليها من كيانها ، أي الجوهر الدائم أو "الطبيعة" للإنسان. علاوة على ذلك ، كان يُنظر إلى هذه الطبيعة البشرية على أنها جزء من الكون البهيج للحياة ، من كل الطبيعة بشكل عام. تم فهم جميع التغييرات التي أثرت على معنى وترتيب الحياة البشرية من منظور إطار [كوني] غير قابل للتغيير.) " 5 "
ثمة إضاءة للمشاكل، للمآزق وتبعاتها، وحقولها، وما ينبغي القيام به، سعياً إلى حلها طبعاً.لذا:
أين هو المأزق الذي يمكن اعتباره وقوعاً في الجرم المشهود، بالنسبة لمن يمثّل الفلسفة، ولا يعبأ بحقيقتها اجتماعياً؟ وأين هو الشخص الذي يمكن " توقيفه " لأنه يتجاهل ما يجب عليه فعله؟
لعله شخص لا يمكن تجاهله، ماثل أمام أنظارنا بقوامه الشخصي، وبلغته، وأسلوبه في النظر إلى العالم من حوله، وما يعتبره هو نفسه مأزقاً، يعنيه لا سواه، وما أفظعه: الغذامي بالذات ؟!
إننا نتحدث عن الحياة وهي في سيرورتها وصيرورتها، وليس عمن يرى ما يراه متوقفاً عليه خارجاً، وليس ما يدخل في نطاق واجبه الاجتماعي، وأخلاقيات البحث داخلاً.
أي ما يسجّله أكثر من كونه ليس طارئاً على كل تفكير فلسفي، وإنما على كل ما له صلة بالعلم وأهله، وهو في مقام الواعظ، وليته كان واعظاً، إنما ما يعكّر صفو الفلسفة وأهلها هنا .
أي ما يوسّع في مفهوم الحياة، آفاقاً وأعماقاً، والغذامي، أكان في مقدوره أن يكون هو هذا الاسم المعروف ثقافياً: ناقد الأدب، ناقد الثقافة، الناقد المتفقه، والناقد الفلسفي لولا هذا الاغتراف ثقافياً مما يصله بالغرب الناقدي، الثقافي، والفلسفي، والعاجز عن المتابعة، لأنه في داخله عاجز عن إقامة علاقة مع ما هو ثقافي، وفلسفي في الصميم، إن لم يعترف بالآخر وريادته الفكرية، وإن لم يعترف بما يخصه قصوراً، واستحالة ارتقاء إلى مستوى الآخر، وهو يحاول توجيهه وهو في أمس الحاجة إلى من ينبّهه إلى فداحة ما ورَّط نفسه فيه، وعلِق فيه.
لأورد هذه الفقرات ذات الصلة بالفلسفة، وصلة الفلسفة بالحياة، وصلتهما بالإنسان، وصلة الأخير بموقعه الجغرافي، التاريخي، وتسميته بالمتيتّم، بأكثر من معنى، وبؤس التسمية هنا:
( في لغة الحياة اليومية ، نطلق على الفيلسوف الشخص الذي يظهر ، بالطريقة المعتادة ، أنه قادر على التراجع عن الحقائق والأحداث ، والحفاظ على هدوئه ورباطة جأشه في جميع الظروف. يقال أن شخصًا ما يأخذ الأشياء فلسفيًا أو كفيلسوف عندما ينظر إليها بنوع من الانفصال. من ناحية أخرى ، فإن المشهد الذي نقدمه لبعضنا بعضاً يوميًا لا يتوافق كثيرًا مع ما سيكون عليه إذا تصرفنا مثل الفيلسوف.
نوع التعليم الذي يقودنا ، في كل موضوع ، إلى الحوار مع أنفسنا ، في الازدواجية الانعكاسية ، حيث نكون معلمين وتلاميذ على حد سواء ، يوقظ ويزرع الصفات التي نواجهها في الأشخاص الذين نسميهم ، بالمعنى العادي للكلمة ، الفلاسفة. من خلال الحوار الداخلي ، نحدد مسافة الفحص التي تسعى إلى معرفة ما يجري ، وعلى وجه الخصوص ، ما إذا كانت الأفكار المحدثة موثوقة.
كيف يصبح المرء فيلسوفًا محترفًا؟
يمكننا أن نجعل فلسفة وظيفتنا الرئيسة وفلسفتنا مهنة حقيقية. وسيساعدنا تذكير موجز بخط سير الرحلة الفلسفي لفرديناند غونسيث (1890-1975) على فهمه. كانت "رياح الأزمة" لأسس الرياضيات ، في بداية القرن العشرين ، بالنسبة له تجربة عاشها والتي أشركته بشكل أكثر وضوحًا في البحث الفلسفي. بصفته أستاذًا للرياضيات ، أولاً في جامعة برن (1920-1930) ثم في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (1930-1960) ، أعاد التفكير في الرياضيات ، كتابًا تلو الآخر ، لاستعادتها بالكامل ، وفقًا إلى وجهة نظر جديدة ، الشخصية المناسبة التي سعى لإظهارها.
لم يكن فرديناند غونسيث قد أخذ دورة في الفلسفة في كلية الآداب ، لكن تدريبه كعالم رياضيات كان مثل الوصول إلى أسس معرفتنا التي تعتمد عليها الرياضيات لتتجاوزها وتنويرها في المقابل. من خلال التدريس في جامعة برن ، دخل ، من خلال تحليله لأسس الرياضيات ، في مشكلة المعرفة الأكثر عمومية. جعله التفكير المتعمق في الرياضيات بأكملها يدرك أنه قد تجاوز التضاريس التي يشغلها الفلاسفة تقليديًا. من هناك ، شارك بنشاط كبير ، بكل نشاطه الفكري ، في النقاشات الفلسفية الكبرى في عصره ، ولا سيما في فلسفة العلم.
الطريقة الكلاسيكية لتصبح فيلسوفًا محترفًا هي الذهاب إلى الجامعة لدراسة الفلسفة. منذ بداياتها في القرن الخامس قبل الميلاد ، تم تصميم الفلسفة ليتم تدريسها. في القرن الحادي والعشرين ، يجب أن يتابع طالب الفلسفة ، من بين أمور أخرى ، دورات في المنطق ونظرية المعرفة والأخلاق وتاريخ الفلسفة. في هذا السياق ، قد يحدث أن تؤدي دورة أو قراءة عمل فلسفي إلى إيقاظ حاسم. تخيل أننا موضوع هذا النوع من الإعلان الداخلي. تثار الأسئلة ويتم الشعور بها في الجزء الأكثر حميمية من وجودنا. نحن نعيش ، في هذه الحالة ، تجربة الاضطرار إلى أخذها على محمل الجد ، لأنها تتطلب منا تمامًا. يعتمد معنى وجودنا على موقفنا وسلوكنا تجاههم. الترحيب بهم هو "نعم" لحياتنا ، مما يضعنا على طريق الفلاسفة.
يشير تحليل الفيلسوف إلى أن العلم لا يبدأ عند نقطة ألفا ، والتي ستكون حالة صفرية ، ولكن عند نقطة جاما ، حيث يكون في وجود المعرفة التي تثبت صحتها ، بينما يكون الآخرون غير كافيين.
يعلم الفيلسوف أن الفلسفة كانت ، حتى وقت ليس ببعيد ، مرادفة للعلم وأن جميع التخصصات العلمية خرجت منها الواحدة تلو الأخرى. مع ظهور المشاكل والمتطلبات المتعمقة ، انفصلت عنها للتخصص. ليس من المستغرب أنها تتجه للخلف نحو النية الفلسفية لمعرفة الواقع. وبالتالي ، من المبرر اعتبارها منفذة شرعية للنية الفلسفية. سيتمكن الفيلسوف من تأكيد شهادة البحث الأكثر تقدمًا ، كمحكم للآراء التي يطورها من أسئلته الخاصة ، ولا سيما السؤال المركزي عن الطريقة الصحيحة للبحث عن السلوك الصحيح.
نحن مهتمون جميعًا بمسألة المنهج الذي وضعه الفيلسوف في انفتاحه على جميع متغيرات التجربة الإنسانية. في هذا الشكل ، الذي لا ينفصل عن رؤية العالم والإنسان ، ينطبق أيضًا على بحثنا اليومي لنكون قادرين على الرد على سلوكنا وفقًا لعلاقتهم المناسبة بالموقف.) "6 "
أين يقف الغذامي مما يقال عما هو فلسفي، ومما يخصه في هذه اللحظة بالذات؟
التعايش بين الفلسفة والعلم قائم، والتفاعل المعرفي بينهما راسخ، ويبقى لكل منهما ما يميّزه عن الآخر، ليمكنه متابعة " حياته " المعرفية الخاصة، وإبقاء التفاعل قائماً، وإن كان هناك من ينطلق مما هو فلسفي، متّهماً العلمي بالقصور، أو بالعكس، لكن توأم المعرفة التاريخي، واللذين في أصلهما ينتميان إلى الجسد المعرفي نفسه، مع فارق الطبيعة، ويكون أي مأزق يعنيهما معاً، وليس أحدهما دون سواه، كما هو الملموس في المسطور لدى كاتبنا الغذامي ...!!!
" يتبع "
مصادر وإشارات
-1Nathalie Chouchan Éditorial, Dans Cahiers philosophiques 2009/4 (N° 120)
ناتالي تشوشان: افتتاحية " ملف عن الفلسفة "
-2Steve-Wilifrid Mounguengui, Kamel Afia, Karine Tilly Jean-Joseph u aradigm de la crise en philosophie
ستيف ويلفريد مونجينجوي ، كامل عافية ، كارين تيلي جان جوزيف: حول نموذج الأزمة في الفلسفة
3-إدموند هوسرل: أزمة العلوم الأوروبية والفينيومينولوجيا الترنسندنتالية، ترجمة: د. إسماعيل المصدق، مراجعة: د. جورج كتورة، منشورات المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008، ص 602-612.
-4John Cooper :Socrate et la philosophie comme manière de vivre
جون كوبر: سقراط والفلسفة كأسلوب حياة
-5Gerhard Krüger :L’histoire dans la pensée contemporaine
جيرهارد كروجر: التاريخ في الفكر المعاصر
6-Pierre-Marie Pouget : Qu'est-ce qu'un philosophe?
بيير ماري بوجيه: " ما " هو الفيلسوف؟
الفلسفة في مواجهة الناطق باسمها
قبل أن أتوقف عند علاقة الفلسفة بما اعتبره الغذامي " مأزقها المفاهيمي المربك " أشير إلى مفارقة ذات صلة بالموضوع، تتمثل في إحدى الحلقات التي كان الكاتب السوري المبدع والراحل محمد الماغوط، يكتبها تحت عنوان " أليس في بلاد العجائب " قبل عقود من الزمان، يقابل فيها بين أمريكي وعربي، إن لم تخنّي الذاكرة، يقول الأمريكي للعربي أنه في مقدوره الخروج في مظاهرة وينادي بإسقاط رئيسه، فردّ عليه العربي في الحال، ونحن أيضاً يمكننا التصرف هكذا، حيث يمكننا الخروج إلى الشارع والقيام بمظاهرة، والهتاف بإسقاط الرئيس الأمريكي.
هذا ينطبق على الغذامي، حرفياً فيما انطلق منه في المسمى بـ " مآلات الفلسفة " وهو لا يكتفي بنعيها فقط وإنما بـ " تعريتها " على طريقته. كما لو أنه معنيّ بها، أكثر من الأوربي ذاته، والذي يتكلم الفلسفة، في تاريخه الطويل، وبأساليب مختلفة، ويعايشها في مناخاتها، وينوّع فيها كذلك. أي أنْ ليس في مجتمعه، في بلده، في ثقافته التي تشرّبها منذ الصغر، أيّ مشكل ليتوقف عنده، كما لو أنه عاش ويعيش في مناخ فلسفي تعددي، وبمناهج مختلفة. يا لها من مفارقة استهجانية ؟
تُرى، وانطلاقاً من أي تصور، أو مسوّغ تاريخي، علمي، أخلاقي بالذات" مَألل " الفلسفة و" مَأزقها " هكذا، وأرسل باسمها نعياً في الجهات الأربع دون أن " يصلّي " عليها لأنها " معْدية "؟
تُرى، ثانية، هل سعى الغذامي، يوماً، وفي مقال صريح، فصيح،، وكما يليق به اسمه، وموقعه، أن يكتب عن " أزمة " معينة في مجتمعه، كما هو الحال هنا؟ أن يتحدث عن مأساة الثقافة في بلاده، وهي في تراتبيتها الفظيعة تحديداً، وكيف يجب عليه أن يفكّر مؤطراً إلى أبعد الحدود ؟
أن يتحدث عن مأساة الإنسان في عالمه الإسلامي، وفي العقود الأخيرة خصوصاً، عن تسونامي التدين الذي تلبّس العباد والجماد ومختلف مظاهر الحياة، وانحدرت الحياة الفعلية إلى الدرك الأسفل، وعن الروح المغلولة في مجملها، روح الإنسان، الروح بمعناها القيمي، وليس كما يطلق العنان لخياله ولسانه عما يجب القيام به منتشياً، مستعيناً بابن القيّم، وبالغزالي في الواجهة، حلاً فريداً من نوعه يحل محلَّ الفلسفة، وتتبنى فكرته العبقرية هذه أوربا قاطبة ومعها أمريكا.
يا لها من نخوة المثقف الذي ينشغل بهموم الآخرين خارجاً، منحّياً هموم مجتمعه جانباً !!
أليس حريَّاً به، وهو مفكر، وناقد، ومثقف، ومطّلع على أدبيات الغرب، ومن موقع مسئوليته الثقافية، أن يظهر ما يثبت جانب المصداقية في انهمامه بقضايا مجتمعه، وليس أن يجعل مما هو فلسفي، وليته فلسفي، قضية توهِم من هم حوله أنها تعنيه، وما في ذلك من انسحاق نفسي !
أن يتحدث ليس عن مأزق مفاهيمي في مجتمعه، والثقافة التي ينشغل بها " أكاديمياً " وإنما عما يبقي المفاهيم، وهي المرتكزات الفعلية لكل علْم، لكل حقل معرفي، مصمَّتاً عليها إلى أجل غير مسمّى، ليتجنب أي أذى، أو إساءة أو مساءلة. يا لرمز ثقافة الوهم المبهرجة مجدداً ؟
في صلة الفصل الفلسفية
ماذا يقول في مستهل الفصل الأول والمعنوان بـ " حال الفلسفة اليوم "، كما لو أنه يحمل طبوغرافيا الفلسفة بإحداثياتها الكبرى، أي أطلسها الفكري والثقافي وينيّرها للعالم أجمع !
(مرت الفلسفة بمأزق مفاهيمي مربك وأحياناً متطرف، ومنذ أن استقلت العلوم الطبيعية استقلالاً يثبت حالة التحرر من مستعمِر والفلسفة تعاني من مزاحمة النظريات العلمية لها لدرجة أن وصل الأمر بإعلان موت الفلسفة حسب ستيفن هوكينج. ص 11.. وهنا تتنازع الفلسفة المهام، وكما قال المتنبي: وسوى الروم خلف ظهرك روم ..ص 11.. )
تستوقفني الصيغة التركيبية لحديثه، ومدى دقتها، وإلى أي مدى يعتبر الفلسفة" همّاً " فكرياً، وحتى روحياً له، وما في ذلك من حرص ومسئولية اعتبارية أيضاً ، وحتى تاريخية طبعاً.
في كتابه يستعين الغذامي ، مراراً وتكراراً بهوكينج الذي " أعلن " موت الفلسفة، لأن الفلسفة هذه، كما يبدو، كانت لها قائمة بوجود العلوم الطبيعية، أي كانت موجودة بفضلها، وكأنها عاشت عالة عليها، وما أن استقلت عنها، حتى تجلّت الحقيقة المريعة للفلسفة، أي موتها الذي تستحقه.
أنوّه هنا مجدداً، أنني سأنحّي اسم هوكينج جانباً، حيث سأتعرض له لاحقاً، وأركّز على المأزق الذي يشكل رهان كاتبنا، بمقدار ما يلوّح به تأكيداً على أن الجاري لم يعد قابلاً للتأجيل !
بناء على أي حقيقة " علمية " أو " تاريخية " أو " فلسفية " أو أي شهادة اجتماعية دفعَ بالفلسفة لأن " تعترَف " بما كانتْه، وبما آل إليه أمرها، كما لو أنها تطفلت على العلوم تلك تاريخياً ؟!
لقد أشرت إلى بعض الجوانب المتعلقة بالرابطة الموجودة بين كل من الفلسفة والعلم، وأننا كلما اقتربنا من العصر الحديث تنوعت التخصصاتُ، ولم تستقل عملياً، العلومُ الطبيعية عن الفلسفة، هي وحدها، وإنما حدث انقسام في الفلسفة عينها، من خلال مدارسها ومناهجها. إن الأخلاق، أو القيم، أو ما يخص كلاً من الحرية، السعادة، الخير، والشر، موضوعات فلسفية وضِعت باسمها مئات الكتب وأكثر، وكما هم الفلاسفة في عصرنا الحديث جهة أساليبها واهتماماتهم الفكرية .
الحديث عما يسمى بـ " المأزق " هنا لا صلة له بالفلسفة، أو أي علم آخر، إنما بحقيقة المعارف البشرية في عمومها. إن مجرد الحديث عن " مأزق " ما، علامة صحة، وقوة إرادة واكتشاف، لهذا الجارية تسميته، كما هو الحديث عن الخطأ الحاصل في علم ما. ألم يقل باشلار، ذات يوم عن أن تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء العلم ، في كتابه " الفكر العلمي الجديد "؟ أوليس الحديث عن مأزق، عن أزمة معينة في أي مجال معرفي صيحة أرخميدسية " أورّيكا: وجدتُها " ليكون هناك توقف ومن ثم مكاشفة، ومن ثم تجاوز... وهكذا؟ دون ذلك، كيف يمكن الربط بين فلاسفة ما قبل سقراط وفلاسفة العصر الحديث، بعيداً عما هو تراكمي معرفي في الفلسفة وسواها ؟
ليت الغذامي أظهر لنا ما هو تراكمي في معارفه التي تقف وراء عناوين كتبه، وذلك في تنوع محتوياتها، وما للتراكمي من ثراء معلوماتي ونوعي وإثراء للفكر والثقافة نفسيهما. أحسب لو أنه أعار اهتماماً، ولو قليلاً، لهذا الجانب، لما طرح كتاباً نوعياً في تضعضعه وبؤس محتواه.
طبعاً، في المجتمعات المحروسة بسلطة الأعراف، وطغيان التقاليد، لا وجود لخطأ مرتكب، أو مأزق، لأن هناك نوعاً من التأبيد المراقَب لمَا هو قيمي، ومعتبَر فكرياً، أي مطوطَم نفسياً. وما يتفوه به الغذامي هنا عما يخص " مأزق الفلسفة " وبؤس حالها، حصيلة هذه الذهنية والبنوَّة المطواعة تاريخياً، إجمالاً، لتلك المؤسسة الرعيوية التي تحيل أي خلل أو مشكل إلى الخارج، وفي ضوء ذلك، يكون تناول الخطأ أو المأزق " الخارجي " في مختلف أنسابه " العلموية " وارداً لأنه يدخل في " الرصيد " القيمي والرعيوي للمتكلم، ويكافأ عليه بامتياز.
في ضوء ذلك: الفلسفة بخير، وكل المعارف في " الغرب " بخير، أي إنها تعيش حيواتها، وما فيها من تقلبات، من تغيرات، من انعطافات، من تجاذبات،ومن تراتبيات معلومة، ومن تباينات، وليس من سقف سلطوي محدد، أو من معطى قاعدي " فرمانيّ " لأي منها، وبدءاً من مفهوم " الاعتراف " بعائده المسيحي إلى مفهوم " إشهار " الخطأ أو التعلم من الخطأ، وهو لا ينفصل عن السياق التاريخي، التربوي والمجتمعي لفاعل " الاعتراف " ذاك، وتأثيره على الفرد .
ذلك في حكْم المُعدَم أو يكاد، في مجتمعاتنا " في مجتمع الغذامي بقوة وذهنه، حيث الفرد منصهر في المؤسسة الرعيوية أو الحشدية، وما في ذلك من هرمية لافتة للسلطة وقوتها الضاربة !
من الفلسفة إلى العلم، وبالعكس، والصحيح، بين الفلسفة والعلم، وبالعكس، يمكننا مكاشفة ما هو مفتوح في الهواء المجتمعي " الغربي " الطلق، بأكثر من معنى، وبما يصدم الغذامي !
الفلسفة في تمثيلها الحياتي
الفلسفة كما هو معهودها التاريخي الطويل، ثمرة حياة طويلة ومكافَح في سبيلها، وشجرتها التي لا تتوقف عن النمو، وفيها يمكن معاينة ما يجعل الفلسفة في قوامها الفكري والمتجدد:
(لم يعد الدليل القديم على الفلسفة كأسلوب حياة هو دليلنا. ومع ذلك ، طوال تاريخ الفلسفة وخاصة اليوم ، فإن مسألة "الحياة الفلسفية" لم تتوقف عن طرحها.
إن جعْل الفلسفة أسلوب حياة يعطي علاقة الذات بالذات مكانًا مركزيًا ، ويمكن فهمها على أنها بحث عن تحسين الذات من خلال رفع مستوى الوعي. لكن هل يمكننا أن ننسى أننا ورثة التأملات النقدية القادمة من الفلسفة أو التحليل النفسي أو العلوم الاجتماعية ، والتي أظهرت عدم ثقة في المبدأ تجاه الدليل الواضح على الذات؟ لقد مر الوعي بتفكيك يصعب تجاهله. ما هي هذه الذات وماذا يتكون تحولها؟
لا شك في أن سبل العيش هي اليوم قضية رئيسة ، أخلاقية وسياسية على حد سواء ، لأن فرضية تحولها على جدول الأعمال - بمعنى الاقتصاد والاعتدال؟ - أن نهجًا معينًا للفلسفة ، يشكك في هذه الطرق ، يثير اهتمامنا وهذا أكثر من أي وقت مضى لأن لا بناء الحقيقة في العلوم الإيجابية ولا الاهتمام الديني بخلاص الأرواح يسمح لنا بالتفكير واتخاذ القرار بشكل كافٍ.
تتجسد حريتنا في قدرتنا على ابتكار علاقات جديدة مع المعايير التي تحيط بنا ، حتى لو كان هذا الاختراع صعبًا. وبقدر ما تكون الاستخدامات مشتركة أيضًا ، والاستخدامات الجماعية ، فإن الحياة الفلسفية لا تأخذ شكل الانسحاب إلى الذات.) " 1 "
الحياة ليست موجهة، إنما توجّه المقيِم فيها إلى ما تكوُنه، ليكون في مستوى معطياتها. لا تعود الفلسفة مجرد شاهد عيان على تاريخ دون آخر، وإنما مقيمة في الحياة وفاعلة فيها ومنفعلة بها.
لعلها، بالصورة هذه لا تنفصل عما هو مستجد فيها، بمقدار ما تعيش انجراحات تترى فيها.
أترانا، بالصورة هذه قادرين على أن نعتّم على الفلسفة مفهوماً ومحتوى وصيرورة حياة؟ أترانا، لحظة إمعان النظر في بنيتها المعرفية، يمكننا غضَّ النظر عن دورها المؤثر حياتياً ؟
في الآنف الذكر، يحضر التاريخ، وإن لم يُسمَّ، يحضر العلْم، وإن لم يُسمَّ، تحضر الفلسفة، وإن لم تُسمَّ، لأن اللغة في طبيعتها الدلالية تمتلك القدرة على التعبير عما هو موجود، وما ليس موجوداً.
مفهوم الأزمة أو المأزق فلسفياً
لنتوقف قليلاً عند مفهوم " المأزق " أو " الأزمة " معرفياً، عما تعنيه الفلسفة هنا؟
لكَم جرى استسهلاك كلمة " الأزمة " أو " المأزق " الأقل " تداولاً، سوى أن الأزمة تفي بالغرض في مختلف الحقول المعرفية، أو العلمية، وفي الحياة اليومية، جهة إطلاق الأزمة على كل شيء، وفي كل مناسبة ودون مناسبة، وما في ذلك من تمييع للغة أو للمفهوم الدقيق .
ليس من علم، أي علم، يراوح في مكانه، مادام هناك حياة، حتى في أكثر الحالات تبيناً أو تميزاً بالجمود، أو عدم التحرك، ثمة حركة، وهذه علامة حياة، دون ذلك، حتى بالنسبة لمفهوم" المنعطف " التاريخي، أو " الانقلاب العلمي " أو " الثورة الفلسفية "...إلخ، كيف جرى كل ذلك، دون وجود قوى كانت كامنة، ثم برزت، لوجود مؤثّر فعّلها في الواقع، ومارست تغييرها .
ربما بالطريقة هذه، تمثّل الأزمة تعبيراً ثلاثي الأبعاد، وحياً دالاً على ما يجري مجتمعياً:
( أصبحت كلمة أزمة مفهومًا شائعًا تغطي في وقت واحد ظواهر تتراوح من المجال الإعلامي إلى مجال العلوم الاجتماعية ، عبر السياسة.
يمكننا تعريف الأزمة على أنها عملية تشتمل على عناصر زعزعة الاستقرار واضطرابات نظام معين (اجتماعي وثقافي وما إلى ذلك) تميل إلى إعادة التنظيم وإعادة الهيكلة للخروج نحو واقع مختلف. وهكذا نتحدث عن أزمة في التعليم ، وأزمة في الثقافة ، وكأن عالم المعنى برمته ، رمزيًا ومؤسسيًا ، قد أصابته الغرغرينا التي تهدد بسقوط المجتمع. وبهذا المعنى ، يتحدث إدموند " هوسرل "عن أزمة العلم والإنسانية الأوربية. يتعلق الأمر أولاً وقبل كل شيء بهذه الخسارة في ترتيب العلوم الاجتماعية التي تكافح من أجل تحقيق الحلم الديكارتي بالوحدة المعمارية القائمة على المنهج. يقترن بأزمة تضرب الإنسانية الأورُبية في قيمها. على أي حال ، فإن الفكرة التي يشير إليها هوسرل هي استحالة تكوين مجتمع معًا حول مُثُل قوية من المحتمل أن تقود الجسم الاجتماعي.) " 2 "
يمثل المقتبس قولاً مركَّباً ومكثّفاً، له عمقه وأفقه، يفيد المؤرخ، العالم، والفيلسوف " ولا أدري هل ذلك يفيد كاتب: ثقافة الوهم ، وفي ضوء مسطوره المتفلسف ؟!" في تلك العلاقات التي تتميز بالمرونة، وتتضمن إمكانات قاعدية، مأخوذة بالمتغيرات ومأهولة بمؤثراتها، كما أنه في بنية أفكاره الجامعة بين العلمي والفلسفي، الطبي " الغرغرينا " والجسدي، يشهد على حياة فعلية!
وفي الحديث عن أزمة العلم والإنسانية الأوربية، ما يشير إلى ما هو تاريخي، إلى الشفافية التي سمّيت فيها الأشياء، بمقدار ما كانت اللغة مفصحة عن حقيقة المسمَّى كثيراً . أي إن لحظة التسمية تكون لدينا " شهادة " ولادة لكائن من أرض الواقع، ومن صلب المجتمع وتاريخهما، وما يسهم في تنوير المعنى الذي يستدل به الإنسان على محيطه المجتمعي وثقافته .
لنذكّر بما أفصح عنه هوسرل عما يخص الأزمة، أو المأزق، وما يشيد بذلك، ليس حباً بالحاصل، وإنما احتفاء بمكانة الخطأ، وتصريحاً حياً بأن انعطافة التاريخ والمجتمع تكون من هناك:
( إن الموقف العملي الطبيعي للإنسان يترك المكان عند المتفلسف... للموقف النظري الذي يحرره كنوع من الإيبوخي من حياة الاهتمامات العملية... إن فلسفة تحكمها حوافز أسطورية ولاهوتية واعية لا يبقى هدفها البحث هو الحقيقة النظرية، ونحن نعرف أن الهدف الجديد الذي هو " البشرية المستقلة " قد نشأ بالذات كردّ فعل على فلسفة متشبعة باللاهوت
إن العلم – في أي مجال بشري كان- يبقى مجرد مهمة، بل مهمة لم يحققها العلم الناشىء بسبب غموضه، وسوء فهمه لذاته، وعليه ، فإنه يجب علينا بالذات، نحن الذين تنيناها، أن نحقق هذه المهمة، مهمة الحداثة الفلسفية . ) " 3 "
من الإيبوخ إلى الإيبوخ، إلى ما لانهاية، كما هو مقتضى الحياة، والإيبوخ، هو الذي اشتهر به هوسرل، حيث يجري وضع " تعليق، كما هو المقابل الألماني للكلمة " أي كلمة، أو مفهوم، بين قوسين، لأن هناك ضرورة إلى سبر حقيقته وملابساته، وما في ذلك من تعميق للأثر، وتفعيل له بالمقابل، وفي هذا الإجراء " الصحي " يجري تصويب العلم بالعلم، الفلسفة بالفلسفة .
تُرى، هل ثمة ما يقلق واعية الغذامي، بصدد مكاشفة فلسفية- علمية، مركَّبة؟ ربما كان الأمر الوحيد هو أن قلقه الذي يُؤخَذ به، هو ما يسجّل عليه غفلته التي يريد تمريرها، فهلوته في سياق ما يريد لفْت النظر إليه خارجاً، ونشوة التسمية هنا، وخاصية التعمية في الداخل المجتمعي لديه.
أم ترانا في الطريقة التي نعتمدها في متابعة الجاري، نمارس تشويشاً على " مآلاته " ؟!
ما يكون أسلوب حياة
كيف تكون الفلسفة وهي في تفاعلها مع سقرط، وتلك النقاط الجوهرية التي أثارها، أو أثيرت باسمه، أو على لسانه، من خلال تلميذه أفلاطون، في واجهة حياتية معمقة؟ وأن استمرار النظر فيها، لا يرجع بنا إلى ما كان، إلى " الكبار" و" أخطائهم " كما سّمي ذلك سالفاً، وإنما إلى الحياة التي تتحرر مما هو تاريخاني " كأن الذي كان يقع في حدود ما سيكون "؟ ثمة ما يشير إلى ما يجري على أنه أسلوب حياة، أي ما يتركز على الأسئلة التي لا تفقد قيمتها مع الزمن، نظراً لأنها لامست ما هو إنساني أبدياً، ولهذا يكون سقراط منتمياً إلى زمن مفتوح، وأن أي قراءة له تكون ممكنة، بنماء على أي منهج، وتبعاً لأي مفهوم مقترح، لأن العمق هو الذي يمتلك صلاحية التعامل مع مأثوره، وهو الذي يقدّم ما يجري البحث عنه والنظر فيه.
ذلك ما نتلمسه في قراءة أحد المعنيين بهذا الجانب:
( بالنسبة للعديد من فلاسفة العصور القديمة ، ووفقًا للصورة التي كانت لدينا عنها ، لم يتم اختزال الفلسفة في مجال بحث بسيط. كانت الفلسفة في العصور القديمة بالفعل ، كما كانت دائمًا منذ ذلك الحين ، مجموعة من المشكلات التي تتحدى العقل ، والأسئلة التي يجب استكشافها ، سواء شفهيًا أو كتابيًا أو كليهما ، تناقضات يجب حلها.
كرَّس الأطباء وعلماء الرياضيات أنفسهم أيضًا للبحث في مجالات تخصصهم ، لكن الفيلسوف جعل الفلسفة أساس حياته كلها. أن تكون فيلسوفًا في الواقع ، بالنسبة للعديد من فلاسفة العصور القديمة ، لم يكن يتعلق بالبحث ومناقشة وتدريس الفلسفة بقدر ما يتعلق بعيش حياة المرء بأكملها بطريقة معينة - فلسفيًا - وحث الآخرين على عيشهم أيضًا بنفس الطريقة.).
وبالتالي، ما الممكن القيام به ؟:
( أقترح ببساطة فحص المفهوم القائل بأن سقراط للفلسفة نفسها كطريقة حياة ، والفلسفة كما يجب أن نعيشها وليس فقط كموضوع للتفكير أو المناقشة. عندما أستخدم مصطلح "سقراط" ، ما لم أحدد أنه شخصية تحمل الاسم نفسه في عمل كذا وكذا ، فإنني أشير إلى الشخصية التاريخية كما يراها التقليد القديم: أي من خلال سقراط الأعمال (التي هي المصدر الوحيد ، على الأقل المصدر الرئيسي ، الذي تعلم من خلاله التقليد القديم عن سقراط) - وعلى وجه الخصوص ، من الواضح ، من خلال حوارات أفلاطون. سأدافع عن الأطروحة التي بموجبها ، بالنسبة لسقراط ، أن يعيش حياة فلسفية يعني أن يعيش مع الأخذ في الاعتبار أن العقل ، الذي يُفهم على أنه كلية التفكير والتحليل في ضوء الحقيقة حول كل الأشياء ، هو الأسمى والأكثر أهمية لدينا.
نتذكر أن سقراط يعلن في اعتذار أفلاطون أن روح كل فرد ، والحالة التي يجد فيها نفسه ، صحية أو مريضة ، هي الأكثر أهمية ، والتي تفوق بكثير كل القيم الأخرى. ووفقًا له ، فإن صحة الروح تعتمد كليًا على قدرة كل شخص على الفهم والشرح والدعم من خلال التفكير والتحليل الفلسفي لقيمه الخاصة وقناعاته الخاصة ، والقيام بذلك بحزم ودقة.
تتميز فلسفة سقراط كطريقة حياة عن كل المفاهيم اللاحقة بحقيقة أنه قضى حياته بلا كلل في فحص الأفكار الأخلاقية للآخرين أثناء فحص نفسه. يضع سقراط صحة روحه فوق كل القيم الأخرى ، ويجعل هذا الرفاه يعتمد بشكل وثيق على التحقيق الفلسفي والفحص الذاتي ، بحيث يعلن في نسخة أفلاطون من محاكمته أمام هيئة المحلفين أنه سيرفض عرض التبرئة.) "4"
سقراط، كما قرأناه، وكما نقرأه، وسيقرأه سوانا،أكثر من كونه إنساناً عادياً، أكثر من كونه مقيماً على الهامش، وهو الذي اُعتبر، وقد دفع حياته ثمة الحقيقة، ذاكرة علم وفلسفة نافذة الأثر.
ما يكون تاريخاً، ما يكون حياة
ثمة ما يسجَّل باسم المفهوم: فلسفة، وعلماً، وثمة ما يبقي المأزق الذي يشير إلى دوام وقوع الخطأ
تاريخياً، كما هو جرح الجسد، كما هي علة الروح، وكما هو الخلل الحاصل في التفكير، وما يترتب عليه من يقظة، أو تنبَّه إلى أن هناك طارئاً يستدعي إيقاظ القوى المطلوبة، لوجود ما يحفّز على التفكير، حيث يتراجع التقليد، في هذه اللحظة، طالما وجِد مشكل مختلف بمقوماته .
ولأن النظر في المأزق، هو اعتراف بأن الحياة هي هكذا، وأن الحياة حين تجد من يهتم بها، أي بما يقع فيها من خلل، ومن يتدارك الأخطاء فيها، تمنحه ما يستحق منها كحياة من نوع آخر، وبذلك تكون البشرية متباينة في سياستها الفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
والمشكلة بدورها تسمّي المعنيَّ بها، وما يستحق من درجات على جهده في التعامل معها:
( إنها مشكلتنا الأكثر إلحاحًا لأنه يبدو لنا اليوم أن وجود أو عدم وجود البشرية (المنششيت) يعتمد على الأحداث الحالية والمستقبلية. في هذه الحالة ، نفكر أولاً في خطر الحرب العالمية الثالثة والأسلحة المدمرة التي ستستخدم لشنها. باختصار، نحن نفكر في مجرد وجودنا الجسدي وفي الأحداث السياسية. ومع ذلك ، فإننا نعلم أن مشكلة التاريخ تتعلق أيضًا بوجودنا الروحي. للاقتناع بهذا ، يكفي التفكير في حقيقة أن خطر حرب الإبادة لن يكون موجودًا بدون التقدم المستمر الذي يحرزه العلم والتكنولوجيا الحديثان ، ولا بدون التناقضات التي ، بمعارضتها ، تزعزع استقرار المفاهيم المختلفة لـ العالم الخاص بنا.
اليوم ، حياتنا كلها تتغير. وبالتالي ، يمكن لأي شخص يعيش اليوم أن يختبر ماهية التاريخ. بطريقة أولية للغاية ، يمكنه قياس مدى إرباك المستقبل التاريخي وتهديده للحياة. فالإنسان الذي يقدم له وطنه ظروف معيشية ضيقة وكاذبة ربما يتأثر بدعوة من بعيد. دعنا نعترف أنه قد يكون من الضروري في مثل هذه الحالة أن تجرؤ على القفز إلى المجهول.)
وما هو مفصلي أو حدودي، وهو الذي يشير إلى الغذامي في السياق:
( إذا تركنا الشعوب الشرقية جانبًا ، فيبدو أن الإنسانية الغربية أعطت ذات مرة أهمية أقل للتغييرات التي أثرت عليها من كيانها ، أي الجوهر الدائم أو "الطبيعة" للإنسان. علاوة على ذلك ، كان يُنظر إلى هذه الطبيعة البشرية على أنها جزء من الكون البهيج للحياة ، من كل الطبيعة بشكل عام. تم فهم جميع التغييرات التي أثرت على معنى وترتيب الحياة البشرية من منظور إطار [كوني] غير قابل للتغيير.) " 5 "
ثمة إضاءة للمشاكل، للمآزق وتبعاتها، وحقولها، وما ينبغي القيام به، سعياً إلى حلها طبعاً.لذا:
أين هو المأزق الذي يمكن اعتباره وقوعاً في الجرم المشهود، بالنسبة لمن يمثّل الفلسفة، ولا يعبأ بحقيقتها اجتماعياً؟ وأين هو الشخص الذي يمكن " توقيفه " لأنه يتجاهل ما يجب عليه فعله؟
لعله شخص لا يمكن تجاهله، ماثل أمام أنظارنا بقوامه الشخصي، وبلغته، وأسلوبه في النظر إلى العالم من حوله، وما يعتبره هو نفسه مأزقاً، يعنيه لا سواه، وما أفظعه: الغذامي بالذات ؟!
إننا نتحدث عن الحياة وهي في سيرورتها وصيرورتها، وليس عمن يرى ما يراه متوقفاً عليه خارجاً، وليس ما يدخل في نطاق واجبه الاجتماعي، وأخلاقيات البحث داخلاً.
أي ما يسجّله أكثر من كونه ليس طارئاً على كل تفكير فلسفي، وإنما على كل ما له صلة بالعلم وأهله، وهو في مقام الواعظ، وليته كان واعظاً، إنما ما يعكّر صفو الفلسفة وأهلها هنا .
أي ما يوسّع في مفهوم الحياة، آفاقاً وأعماقاً، والغذامي، أكان في مقدوره أن يكون هو هذا الاسم المعروف ثقافياً: ناقد الأدب، ناقد الثقافة، الناقد المتفقه، والناقد الفلسفي لولا هذا الاغتراف ثقافياً مما يصله بالغرب الناقدي، الثقافي، والفلسفي، والعاجز عن المتابعة، لأنه في داخله عاجز عن إقامة علاقة مع ما هو ثقافي، وفلسفي في الصميم، إن لم يعترف بالآخر وريادته الفكرية، وإن لم يعترف بما يخصه قصوراً، واستحالة ارتقاء إلى مستوى الآخر، وهو يحاول توجيهه وهو في أمس الحاجة إلى من ينبّهه إلى فداحة ما ورَّط نفسه فيه، وعلِق فيه.
لأورد هذه الفقرات ذات الصلة بالفلسفة، وصلة الفلسفة بالحياة، وصلتهما بالإنسان، وصلة الأخير بموقعه الجغرافي، التاريخي، وتسميته بالمتيتّم، بأكثر من معنى، وبؤس التسمية هنا:
( في لغة الحياة اليومية ، نطلق على الفيلسوف الشخص الذي يظهر ، بالطريقة المعتادة ، أنه قادر على التراجع عن الحقائق والأحداث ، والحفاظ على هدوئه ورباطة جأشه في جميع الظروف. يقال أن شخصًا ما يأخذ الأشياء فلسفيًا أو كفيلسوف عندما ينظر إليها بنوع من الانفصال. من ناحية أخرى ، فإن المشهد الذي نقدمه لبعضنا بعضاً يوميًا لا يتوافق كثيرًا مع ما سيكون عليه إذا تصرفنا مثل الفيلسوف.
نوع التعليم الذي يقودنا ، في كل موضوع ، إلى الحوار مع أنفسنا ، في الازدواجية الانعكاسية ، حيث نكون معلمين وتلاميذ على حد سواء ، يوقظ ويزرع الصفات التي نواجهها في الأشخاص الذين نسميهم ، بالمعنى العادي للكلمة ، الفلاسفة. من خلال الحوار الداخلي ، نحدد مسافة الفحص التي تسعى إلى معرفة ما يجري ، وعلى وجه الخصوص ، ما إذا كانت الأفكار المحدثة موثوقة.
كيف يصبح المرء فيلسوفًا محترفًا؟
يمكننا أن نجعل فلسفة وظيفتنا الرئيسة وفلسفتنا مهنة حقيقية. وسيساعدنا تذكير موجز بخط سير الرحلة الفلسفي لفرديناند غونسيث (1890-1975) على فهمه. كانت "رياح الأزمة" لأسس الرياضيات ، في بداية القرن العشرين ، بالنسبة له تجربة عاشها والتي أشركته بشكل أكثر وضوحًا في البحث الفلسفي. بصفته أستاذًا للرياضيات ، أولاً في جامعة برن (1920-1930) ثم في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (1930-1960) ، أعاد التفكير في الرياضيات ، كتابًا تلو الآخر ، لاستعادتها بالكامل ، وفقًا إلى وجهة نظر جديدة ، الشخصية المناسبة التي سعى لإظهارها.
لم يكن فرديناند غونسيث قد أخذ دورة في الفلسفة في كلية الآداب ، لكن تدريبه كعالم رياضيات كان مثل الوصول إلى أسس معرفتنا التي تعتمد عليها الرياضيات لتتجاوزها وتنويرها في المقابل. من خلال التدريس في جامعة برن ، دخل ، من خلال تحليله لأسس الرياضيات ، في مشكلة المعرفة الأكثر عمومية. جعله التفكير المتعمق في الرياضيات بأكملها يدرك أنه قد تجاوز التضاريس التي يشغلها الفلاسفة تقليديًا. من هناك ، شارك بنشاط كبير ، بكل نشاطه الفكري ، في النقاشات الفلسفية الكبرى في عصره ، ولا سيما في فلسفة العلم.
الطريقة الكلاسيكية لتصبح فيلسوفًا محترفًا هي الذهاب إلى الجامعة لدراسة الفلسفة. منذ بداياتها في القرن الخامس قبل الميلاد ، تم تصميم الفلسفة ليتم تدريسها. في القرن الحادي والعشرين ، يجب أن يتابع طالب الفلسفة ، من بين أمور أخرى ، دورات في المنطق ونظرية المعرفة والأخلاق وتاريخ الفلسفة. في هذا السياق ، قد يحدث أن تؤدي دورة أو قراءة عمل فلسفي إلى إيقاظ حاسم. تخيل أننا موضوع هذا النوع من الإعلان الداخلي. تثار الأسئلة ويتم الشعور بها في الجزء الأكثر حميمية من وجودنا. نحن نعيش ، في هذه الحالة ، تجربة الاضطرار إلى أخذها على محمل الجد ، لأنها تتطلب منا تمامًا. يعتمد معنى وجودنا على موقفنا وسلوكنا تجاههم. الترحيب بهم هو "نعم" لحياتنا ، مما يضعنا على طريق الفلاسفة.
يشير تحليل الفيلسوف إلى أن العلم لا يبدأ عند نقطة ألفا ، والتي ستكون حالة صفرية ، ولكن عند نقطة جاما ، حيث يكون في وجود المعرفة التي تثبت صحتها ، بينما يكون الآخرون غير كافيين.
يعلم الفيلسوف أن الفلسفة كانت ، حتى وقت ليس ببعيد ، مرادفة للعلم وأن جميع التخصصات العلمية خرجت منها الواحدة تلو الأخرى. مع ظهور المشاكل والمتطلبات المتعمقة ، انفصلت عنها للتخصص. ليس من المستغرب أنها تتجه للخلف نحو النية الفلسفية لمعرفة الواقع. وبالتالي ، من المبرر اعتبارها منفذة شرعية للنية الفلسفية. سيتمكن الفيلسوف من تأكيد شهادة البحث الأكثر تقدمًا ، كمحكم للآراء التي يطورها من أسئلته الخاصة ، ولا سيما السؤال المركزي عن الطريقة الصحيحة للبحث عن السلوك الصحيح.
نحن مهتمون جميعًا بمسألة المنهج الذي وضعه الفيلسوف في انفتاحه على جميع متغيرات التجربة الإنسانية. في هذا الشكل ، الذي لا ينفصل عن رؤية العالم والإنسان ، ينطبق أيضًا على بحثنا اليومي لنكون قادرين على الرد على سلوكنا وفقًا لعلاقتهم المناسبة بالموقف.) "6 "
أين يقف الغذامي مما يقال عما هو فلسفي، ومما يخصه في هذه اللحظة بالذات؟
التعايش بين الفلسفة والعلم قائم، والتفاعل المعرفي بينهما راسخ، ويبقى لكل منهما ما يميّزه عن الآخر، ليمكنه متابعة " حياته " المعرفية الخاصة، وإبقاء التفاعل قائماً، وإن كان هناك من ينطلق مما هو فلسفي، متّهماً العلمي بالقصور، أو بالعكس، لكن توأم المعرفة التاريخي، واللذين في أصلهما ينتميان إلى الجسد المعرفي نفسه، مع فارق الطبيعة، ويكون أي مأزق يعنيهما معاً، وليس أحدهما دون سواه، كما هو الملموس في المسطور لدى كاتبنا الغذامي ...!!!
" يتبع "
مصادر وإشارات
-1Nathalie Chouchan Éditorial, Dans Cahiers philosophiques 2009/4 (N° 120)
ناتالي تشوشان: افتتاحية " ملف عن الفلسفة "
-2Steve-Wilifrid Mounguengui, Kamel Afia, Karine Tilly Jean-Joseph
ستيف ويلفريد مونجينجوي ، كامل عافية ، كارين تيلي جان جوزيف: حول نموذج الأزمة في الفلسفة
3-إدموند هوسرل: أزمة العلوم الأوروبية والفينيومينولوجيا الترنسندنتالية، ترجمة: د. إسماعيل المصدق، مراجعة: د. جورج كتورة، منشورات المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008، ص 602-612.
-4John Cooper :Socrate et la philosophie comme manière de vivre
جون كوبر: سقراط والفلسفة كأسلوب حياة
-5Gerhard Krüger :L’histoire dans la pensée contemporaine
جيرهارد كروجر: التاريخ في الفكر المعاصر
6-Pierre-Marie Pouget : Qu'est-ce qu'un philosophe?
بيير ماري بوجيه: " ما " هو الفيلسوف؟