قراءة في "عبور" قصص قصيرة للأستاذ الدوادي بوالسلة

الريف.. الأرض.. المدينة.. الوطن و الإحتلال مفاهيم تُعَنْوِنُ "الهوية و الحرية"

قراءة في "عبور" قصص قصيرة للأستاذ الدوادي بوالسلة



المتصفح في كتاب "عبور" للقاص الدوادي بوالسلة لا يخالجه أدنى شك أنه فرانكفوني، حيث اعتاد الكتابة باللغة الفرنسية لأول مرة كما صرح هو يكتب باللغة العربية ، و الحقيقة كثيرا ما كنا نستمع إليه في أمسيات شعرية و هو يقرأ باللغة الفرنسية لكن ليس على طريقة الفرنكفونيين ، حيث كان ينطق حرف الـ: R بـ: الرّو ، و ليس "الآغغغْ " و هي ميزة اتسم بها بعض رجال الحركة الوطنية و مفكريها و كتابها كانوا يتكلمون بالطريقة نفسها لإثارة غضب الفرنسيين، و هنا نلمس فيه الروح الوطنية، و القاص الدوادي بوالسلة كاتب و شاعر ربما أراد الدوادي بوالسلة تطليق الفرانكفونية و احتضان لغة القرآن، له مشاركات في العديد من اللقاءات الثقافية

الكتاب هو عبارة عن مجموعة قصصية سلط فيها القاص الدودي بوالسلة واقع الهجرة و معاناة الشعوب الأفريقية لإجلاء الإستعمار في للخمسينيات من القرن الماضي مقدما الجزائر نموذجا و وضع الجالية الجزائرية بالخارج ، حين أفرغت الأرياف من شبابها الذين فضلوا حياة الغربة على أوطانهم من أجل الاسترزاق فكانوا يدا عاملة لسدّ احتياجات فرنسا، لا ندري إن كانت هذه القصص عاشها القاص شخصيا أم أنها من صنع الخيال أو اقتبسها من قصص عاشها أناس آخرون أو أنه تقمّص شخصية من الشخصيات التي عاشت في المهجر، يبدأ الستا بوالسلة بقصة قصيرة ترسم حياة الريف و اهتمام أهلها بخدمة الأرض و تربية المواشي، لكن القر أجبرها على الهجرة لجلب لقمة العيش و ما إن يجمعون بعض المال يعودون الى مسقط راسهم، في حين يفل البعض البقاء في المهجر مهما كانت الحياة فيه شاقة، كل شيئ جميل في الريف، الهدوء ، الهواء النقي، الطبيعة و الأنهار، غناء العصافير و حركات الدجاج و الديكة، إلا أن حياة المدينة تختلف عن حياة الريف، في المدينة كل شيئ متوفر العمل والعلاج و حياة التمدن، أما في الخارج فأنت تكتشف العالم الحقيقي، تحركه التكنولوجية و تجعل الإنسان أكثر حركية.

المدينة في اوروبا لا تنام، أناسها يعيشون التنوع و الحرية و كل ما يمت إلى الحضارة الغربية، هذا ما اراد القاص بوالسلة رسمه ليوصله للقارئ بسهولة، ففي قصة المصارع مثلا نقف على حقيقة هي انه في اوروبا و إن كان اهلها ينعمون بالحضارة و التقدم فهم يتسمون بالخشونة أو العنف، بمعظم الشباب الأوروبي مهووسون برياضة أحيانا تكون نتيجتها الموت ، و هي فن الاقتتال مثلما نشاهده في بعض أفلام العنف، فهذا الصنف من الراضيين يقبلون على الموت من أجل جمع المال، الملاحظة التي وقفنا عليها أن القاص لم يرتب القصص المتشابهة و التي تعالج فكرة واحدة ، نقرأ مثلا في الصفحة 16 قصة عن " المصارع" نقرأ قصة شبيهة بقصة المصارع و هي قصة الملاكم، و القصتان تعالجان ظاهرة الهجرة، بحيث نجد تكرار في ذكر الأحداث عندما يقول في الفقرة الثانية من الصفحة 42 و هو يتحدث عن شاب اسمه بوزيد كان ملزما بالتحرك و البحث عن عمل و لو بالخارج ، و علم أن فرنسا ما فتئت أن تبحث عن عمال لترميم بنيتها التحتية، و لأن بوزيد ابن الريف لا يعرف سوى خدمة الأرض فقد استغل فرصة أدائه الخدمة العسكرية بفرنسا ، ليختار رياضة المصارعة كونها مدرة للمال، فالمصارعة لا تختلف نوعا ما عن الملاكمة فالاثنتان تدرّان الربح مهما كان نوع الخطر، أراد القاص الدوادي بوالسلة أن يعرف جيل اليوم طبيعة العالم المادي، و هو ما نراه اليوم و إقبال الشباب على الهجرة عبر قوارب الموت من أجل الانتقال إلى الصفة الأخرى، لما فيها من رفاهية العيش و تكديس المال و لو كان عن طريق العنف.

ما يجب قوله هنا هو أنه مهما تشابهت القصص لا يمكن للوقائع أن تحدث في المكان نفسه و في الزمان، كما أن الظروف مختلفة حتى لو كان البلد واحد، و حتى إن كان الأشخاص يتشابهون في بعض الأمور فهم مختلفون بحكم الفطرة ، لأن المدن ليست متشابهة و حتى الأرياف ، طبعا الكاتب أو القاص المتمكن من قلمه و مخيلته يُحَيِّنُ قصة قديمة كتبها و بأسلوب محكم قد لا ينتبه إليها القارء العادي مع إضافة بعض المشاهد مثلما نقرأه في قصة الملاكم، إذ نلاحظ أنه تتداخل في أحداث جديدة، مثل ظهور الزوجة و وضعها مولود معاق، ثم يتبين أنه ليس مولوده و أن خطأ ما ارتكبته الممرضة، نلاحظ هنا كيف يربط القاص كيف يربط الأفكار بعضها ببعض فيجعلها متسلسلة ، عندما غاب شخص الملاكم و ظهر شخص الأب الباحث عن الحقيقة، الكاتب هنا رحل بنا من حياة العنف في الملاعب الى حياة الحب و الدفء العائلي.

الحقيقة أن هذه القصص تسلط الضوء على ظاهرة الهجرة و دوافعها و كيف استغل الإحتلال الفرنسي الأفارقة استغلالا بشعا، طبعا في كل قصة مهما كان نوعها هناك بطل شجاع أو وطنيٌّ و هناك خائنٌ و القاص الدوادي بوالسلة هنا حاول إخراج القارئ من أجواء المنازلات العنيفة إلى قصص الغدر و الخيانة، ففي كل قصة نجده يردد عبارات مثل ترديده عبارة " خدمة الأرض" و هذه العبارة تعبر عن الانتماء و الاعتزاز بالوطن الذي هو عنوان للهوية و الشرف، و لا يختلف اثنان طبعا ان من باع أرضه كما باع وطنه و من باع وطنها فقد شرفه و كم من الخونة الذين باعوا الأوطان و ارتموا في احضان العدو من أجل المال، الهجرة طبعا تختلف، فوجب إذن ـن نفرق بين الجرة و اللجوء، هناك من يترك بلده بإرادته و هناك من يتعرض للنفي فيبعدُ عن ارضه و قومه قهرا.

و خلاصة القول أن القاص عادة ما يختار العنوان المناسب لقصصه و لا شك أن "عبور" لها مدلول واحد هو "الانتقال " المبني على "الاختيار الإرادي"، كما أن الأستاذ الدوادي بوالسلة شبك الألفاظ و الأفكار بعضها ببعض حتى يخيل أنه في قلب الحدث و هو في الحقيقة يعبر عن واقع يعيشه المهاجرين و المجندين، أراد بوالسلة أن يعطي لكل شخصية حضورها في الزمن الغير مرغوب فيه ، لكن الحلم يجبرهم على العيش في الغربة، أما اللغة فهي تحمل مفردات تعبر عن المعاناة مثل المستشفى لذي يرمز للألم و الطفلة التي ترمز للأمل و الزمن القادم، أراد القاص بوالسلة أن يعيدنا إلى أزمنة مختلفة اجتمعت في أحداث متشابهة أ ابتكرها القاص من وحي خياله، من أقوال القص الدوادي بوالسلة مقرأ ما يلي:

" يموت ببطء ذلك الذي لا يسافر، الذي لا يقرأ، الذي لا يسمع الموسيقى و الذي لا يعرف كيف يستغل الحياة.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...