نص النقد ،،،،
اولُّ المستهلِّ في ايِّ عملٍ ابداعيٍّ يطرقُ نافذةَ الفنان المفتوحةَ ، هو الاستشفافي السمعي او مراودةُ البصر العياني المُتَخيّل ، هذا حينما يتبادرُكَ انّكَ تُبْدِعُ او تتلقّى ، او تتصوّر المفترضَ من الخيال والحسِّ معاً ، دون عقلَنة الفكرة ، أي حين تتلقّف مراكز الفهم شيئاً وافداً إليها ، هناك يَحدثُ ادراكٌ عفويٌّ ، يُلقي بنفسه بلا تكلّفٍ ، شفيفٌ جداً ،منه تَتَسلّلُ حزمةُ الضوء المرجوّة ، ومن بعدها يأتي العقلُ بلا مواربةٍ ، يطبّق ما ينوي حسب غرابيلَ بلوغِه ومرور المادة المعنيّة قصّةً كانت ام روايةً ام لوحةً تشكيليةً ام قصيدةَ شعر ، او ايّ حالٍ تعبيري - ولو تمعَّنّا به - كان برجاً ام بنايةً ام جسراً ، غزالةً أو وردةً هكذا ننظر للموجودات كلٍّ برابطها الاعتباري ومستواها الكوني ، وماآلت عليه من صفات وماديات
( الهُّوُتَةُ ) في الاستشفافي الانطباعي أذن ، هي الحُوُتَةُ انثى الحوت يتخيّلُ لكَ لو صنّفناها ، وقد تكون زرقاء او من السُلالة التي بلعت يونسَ النبيَ ع ، وهذا بابٌ تاريخي لاندخلُ به نمتنع ، انما بابُنا مُسْتَمكَنٌ في احداثياتٍ مكاشفاتية ادبيةٍ نختصُّ بها في الحال ،
إذ يختلط بها التخاطر الاسترسالي في ايقاع الكلمة الجمالية والفن ، وزناً ورِنّةً ومسكَ خيط ،
نعم انها الحُوُتَةُ ، اشتقاقاً سمعياً واعتماداً للمفترض الفهمي للحال ، قد ترتجف الفرائص جرّاء
التَّرِكَةِ الثقيلةِ التي خلّفَها الوقتُ المأزومُ، نعم يجفلُ الانسانُ او يتجحفل بالتوتر،
انّها استشفافياً حُوُتَةُ او هُوُتَةُ داعش تلك المنظومةُ الفكريةُ العُقَديّةُ وما القت من مخاطر ونظريات تعسّف وقسرٍ على الحياة ، وباسماءٍ وعَنْونات دينيةٍ تشكّل معياراً سلبياً في الزمن ، انما وفق ما تترجم هي ذاتُها ، نعني داعش التكفير
فالحُوُتَةُ المفترضةُ تَخَيُّلاً استلالٌ من الهُوُتَة في الاصل الادبي ، وبما إنّا نكتبُ مانشعرُ به وما يفرضُه الحسُّ علينا ، فلعلَّ اصدقَ العلم ماتشعرُ به ويفرضُ نفسَه عليكَ ،
ذُكِرَ الحوتُ كثيرا في الاساطير التاريخية ، والملحمية المخيفة ، ولازال هو سيد الاساطير والمخاوف والخطورات ، نعم يثير تراجيديا القلق والخوف والرعب دائماً ،
هكذا هيّأت جمهورَها الكاتبةُ الروائية الذكية على مرِّ الازمنة مادامت هُوُتَتُها او حُوُتَتُها عالقةٌ بجدار الموجود مادام الزمن والانسان والارض ، وهذي اوّلُ ( مَسْكَةٍ ) للاستحواذ على الخيال الكوني ، يدخل فيها المتلقي مناخَ الجذب صوب النتاج ، ومن ثمّةَ الانبهار وبعدها الغطسة الانغمارية في هيولى الشيئيّات هناك في العمق ،
هذا عِلْمٌ مُستَتِرٌ انتجَه سلوكُ الرَّائي ، وشافَه او نبشَهُ الباحثُ ، فحريٌّ بالنقد ان يرى الاسلوب المُتّبَع في الكيفيّات وبأيّ التشخيص تُنْتَجُ الاعتبارات الفنّيّة،
نعم فلو نظّرنا للحالة وقرّرنا ان نختلف في طريقة تناولنا النقدي للرواية ، نقولُ عنها انها تتألف من
١- المَسْكةُ البِكْرُ او قلْ الصّدْمَةُ الميكانيكية الاولى عند الملامسة الاستشعارية لك و للنصّ
٢- انبهارُ الذاتِ او النَّفسِ قبل كلِّ مُؤدّى ، وهذي حِسّيةٌ بالاجماع الشخصاني كلّياً ، وهنا المتلقي او المبدع باقيان في منصَّتِهما المكانيّة طبعاً ، نقوله في وقت قبل الخوض ، وقد تكون هذه المنصّةُ البيتَ او الناديَ او اي مكان ، وبعدها الدخول في الموقف المرجو حيثُ يَخِفُّ هيكل الطين ويبدأ من خلاله الهدم والبناء ،
٣- الغمرةُ والحلولُ ، هنا يغطسُ الفنانُ في موج الوجود حتماً ، وإلّا ما استطاع أن يرى غاياتِه ورموزاته ابداً ، ولا استحصل عليها وفق مِعْياريتها الخاصّة بالمرام المعيّن،
هذا ما نتوخاه من تَفكُّر ونحن في مطّرحٍ استشفافيٍّ بدءٍ ، لكتابة الهُوُتَة أو تلقّيها ، فكلاهما له شأنه في التأليف او في دخول تلقّي العمل أو نقده فلعل النقد اعلى مستويات التّلقي ،
إمّا لو تصاعدت فينا الحُمّى الفنّية ، نقصد حمّى الخَلْق الروائي ، باعتبار كلّ جنس ادبي له نمط من هذه الحُمّى الخاصّة به ، وفق عوامل طبيعته ومكوّناتها التَّصيُّرية ،
فالشعر في تصيُّره له مِزْيةٌ تختلف عن مِزْيَةِ تصيُّر القصّة ، وعن مِزْيَة الرسم والتشكيل وعن الموسيقى والرقص ، والمسرح وكلّ لون فني ، وحسب طبيعة البُنى التكوينية للفنون ، هذا مانتوخاه في نظريتنا الاعتبارية ،
المبدعة نجاح ابراهيم هنا وكالعادة صباحاً ام مساءاً ، يحدثُ حواليها في الخارج او في داخل نفسها ، ومن دون ان تشعر ، حدثٌ اشبه بالتَّسارُب - واعني به - انه عصفٌ من الريح لايُرى مَلَوِيٌّ من اللّالون تارةً يَتلبّسُها في جسدها فتَتَمَلْمَل ، ولا تعرف سبباً عنه ، قد تحك جلدَها او خصلاتِ شعرها ، او تتثائب وينتهي الامر ، هذا قبلُ الشروع ،
وتارةً اخرى يتخاطر لها هناك ظاهرةٌ ليست بالعادية خطرةٌ تمرُّ بها اشبه بالطيف ، كأنّ جداراً عالياً قد يسقط فجأةً او قاطرةً تفرُّ كالطير الى حيث ظلامٍ ديماسيٍّ مخيف ، او ينقلب الاعلى الى اسفل او بالعكس ، ولا من فرجٍ او كشّافِ امرٍ أو نفرٍ صائحٍ منقذٍ ،
قد ترتجف اطرافُها لمرّاتٍ ، وقد تنعس، ولا من نوم ولا برد ولا من حمّى ،
ويأتي يومُها بنهاره وليلِه وهي كما هي الدؤوبُ العاشقةُ اوراقَها وخيالَها وسفرَها والتنقّلَ في المكان ، هنا وهناك ، وكالذي يحمل ثقلاً ثقيلاً ولكن لاوجود له على ظهره
فتتأمّل احساسَها ترى عالماً رهيباً من الوجع والقلق بدأ يقترب ،
تعيشُ حالَ ان تنقذ نفسَها ، فتأخذ دورَ الفنان الذي يستشعرُ لياقاتِه في استقبال عناصر خَلْقِه وابطاله المركزيّين والثانويين وغيرهم ، وسرعان مايتبخّر الحالُ ويذوبُ الملحُ ، وترجع بيد فارغة ،
أو تأخذ دورَ فيلسوفٍ جامعٍ لناموسٍ حداثيٍّ اذن ، يظهر لها منه لمعانٌ فتفرح ويختفي وتتَشاءم وتعود الى حيث ما كانت
هذي اللجلجات والترددات انتابت روائيتنا فترةً طويلةً قبل نشوب صراعها مع الهُوُتَة وبشكل سرّانيٍّ غير معروف ، باعتقادنا ، وهذا بطبيعة الحال طارقٌ يطرق بابَ كلِّ مبدعٍ من حيث لايحتسب ، قبل البدء بايّ عمل أو نتاج ينتجه ومهما كان نوعه ، نسميها ( اقترابات الطَّلْق النصّي ) من مَحالِّ ظهوره أو الشعور باوجاع الخروج ، وهي حوالي المبدع بارتباطاته في الموجودات ، وبعدها يحدث نشورٌ من الآتي يدخلُ لكياناتِ الذات ومنها يتم الاستشعار الفعلي للتنزيل النَّصّي ، ومن سديد الرأي أنَّ وفادةَ التنزيل تأتي للمبدع عن طريقٍ وجوديٍّ لِدْنيٍّ ومن ثَمَّ النفاذ في الذات بالتَّقصيد باقةً باقةً ، يعني دخوله دور التحوّلات بالمباشر كالجريان أو السَّريان عبر الموجودات من العَدَمي حتى وَجْدُ الصورة المُحْدَثة والتي هي مخلوقنا الفنّي ،نعم
ومن خلال مخاريق الذات وقنواتها الرابطة ، أذاً حُسم الحالُ والمآلُ في نفس الكاتبة ، الامرُ الذي استُشعِرَ منها بلَمحٍ معرفيٍّ طرأ فجأةً فسَّرتْ فيه الظاهرةَ التي أحسّتْ ، والتي مَفادُها توطِئيٌّ لفهم أنّ الهُوُتَةَ على الباب الآن ، فلتستعد الفنانة المبدعة للاستقبال والجهوزية ،،
ومن خلال هذي التخرّصات وتهاويم خيالٍ تُعْنى بكيفية صيرورة ناموس خَلْقِ الشعر افتراضاً او تذكرةً ، نسألُ به هل هو ذاته ناموس خلق الرواية والقصة ام يختلفان من عمل الى عمل،،،؟ هذا هاجس دار في فاكرة الفنان من ضمن هواجس عدّة ، ولكي نصبو لفكرة انّ الذي سكن فرائصَ الكاتبة نجاح ابراهيم هو نمطٌ روائيّ قصصيٌّ أو وَقَعاتٌ من اهتزاز سرديات تاريخية ومعاصرة متعددة تُقبِلُ باصواتها وتُدبِرُ ، تدقُّ وتضجُّ تخفتُ وتصمتُ ولا من شيٍ كان يُسْمَعُ أو يُرى وما اكثر الوحيف والجَيَشان من هذا النوع وما كان مفسّراً ابداً
المبدع في مقدماته وقبل التوغل وراء الموجود يُعاني مايعاني من هول الفرز والتَّعْيين ، ليتأكد انّ الوفادةَ هي ذاتُها كما ظنَّ واستشعر ، والفرحةُ حين التطابق والمثول في صحيح التحري في عقله الابداعي او على الورق ،
وعلى هذا المنوال اصبح يقيناً عند كاتبتنا ، من أنَّ زائراً وافداً وصل ، بدأت تراه في عيون الداخل
والخارج تفتحت له الابواب والمغاليق ، وصار يفرض نفسَه على باقي اغراض السيدة ،
نعم طوّقها احساساً اذ تنشَدُّ انشداداً ليس مثلَه انشدادٌ ابداً ، فاوّل ما دخل غرفتَها ، فتسلّلَ الى اشجانها ، هكذا النًَّصُّ ايّما نصّ ، يقترب مكاناً من المبدع يزحف عليه ، فيتوغل ذاته رويداً فيستمكن دخيلته ، يصاحبه حتى ولو كان من عالم القبح ، النصُّ كائنٌ آخرٌ حميمٌ قبل تصيُّرِه واثناءه ، لايرغبُ الّا المبدعَ حبّاً ومكاشفةً ، حيثُ تبدأ لحظةُ المَسْك واوّل مشاوير الحلول الفنّي للخَلْق ، هنا نجاح ابراهيم والحُوُتَةُ طباقٌ الى زمن مفتوح ، والمعادلُ بينهما غايةٌ من الفن المتحقّق تراها عينُ الفنان اولاً، السّحريةُ طبعاً ، ويراها النّصُّ ذاتُهُ بعين باصرته القَدَرية الباطنية ، فالنَّصُّ عينٌ بكماله وأُذُنٌ بسعته وجلاله لاتنقطع منه الحياة ولاتغمض له جفنٌ ،
فالحُوتَةُ نقصدُ الهُوُتَةَ الاصلَ حين القتْ بمعاييرها على عاتق الوجود ، كان هناك واعزٌ غيبيٌّ - من وجهة نظرنا نحن الاعتباريون - يدفع بها دفعَ الضرورات الكونية ،
وهذا التفسير يشتمل على اعمال المبدعين الخوالد ،
شكسبير في اعماله ونجيب محفوظ وكلُّ مبدعي العالم العظماء ، كان ما ورائهم في نتاجاتهم قَدَرٌ من التجلّي يرعى العالمَ ، يساهم بالتصويب والاشارة لهم ، فبين القدر والذات خيطُ شعاعٍ مرسومٌ دوماً من الاتصال ، يقوى ويضعفُ حسب جِدِّ الفنان ومواظبته وتقاعسه ، واكمال رسالته ،
القدرُ اعلمُ من الفرد بنقوص الوجود الواقعي واخبر بل اكثر دقّةً ،
نعم هو الذي يرسلُ حيثُ يشاء ، ( الله اعلمُ حيث يجعل رسالتَه ) ، ونحن نؤمن بالربط وبوحدة حلول المبدع وخالقه ، وهذا أُسٌّ لا شكٌّ فيه لدينا في منهجيتنا ،
إذن على هذا فلعلّ المبدعَ مُرْسَلٌ حتماً ، وكما وضع الرَّبُّ فيه وديعتَه وتخصّصَها ، الله يوزّع
اتماماتِ حال الدنيا والحضارة والايمان ، نعم بالمبدعين لا بالسّفهاء ولا بالعاديّين ،فلتطمئن سيدتي نجاح لهذي الرؤيا ، امتنا وتاريخنا بحاجة لتثبيت الامر وحفظه ، كما حفظ السّبحانُ لنا مواريثَ تجربةِ العقل البشري ، إذ حرك لها الاسباب والسبل ، منذ ان خلق آدم الى اليوم وتستمر ،
عبر النبوءات والوحي والايحاء والتأويل والتفسير بالخبرة والتدوين على الرُّقُم وغيرها والآن على الالكترون ووجه الفضاء الاثيري وكلُّ وقتٍ له تحديثُه وهكذا ،
ومخصّصٌ على الكاتبة بالحُوتَة اعني الهُوتَةَ ان تثبّتَ جزءا من حقيقة الحال الداعشي وهمجياته ،
وهي زوايا نظر ، هنا عند نجاح ، وهناك عند روائيين افذاذ مثلها ، يرسمون أو رسموا حدث سبايكر
الجنوني الذي أكل على مذبح صخرة القصر ومن على حافات دجلة في العراق شمال بغداد ، احد عشرة ألف شهيد شابٍّ
عراقيّ بيوم واحد ذُبِحُوا ، فربطوا تاريخياً ومن خلال دمائهم مابين الاحمر في زمن هولاكو وجنكيز خان وبين احمر داعش الحالي ،
نعم ، هي توافقات وتخاطر ، وصورة وجود ، التاريخ يخط بمقاله ورجاله ، والمبدعون يحقّقون ويدقّقون الرأي العلمي والمعرفي ،
و هم الذين يثبّتون صدق وبشاعة الامر وصحّته ،
ولسنا بسياسيين الان كي نغور بالتفاصيل انما الناقد كلُّ الاغراض ، فنانٌ ومؤرخٌ وحاكمٌ ومرسلٌ يُصفّي ما شَتَّ من المبدع في برّيّة الابداع حينها ، يستجلبُهُ ويضيفُهُ للبُنى لِتَتُمَّ الصورةُ بعيون الزَّمن ،
المبدعُ محاربٌ بل اوّلُ المحاربين فلعلّه اولُّ المستقرئين للضرورات الواقعية واشارات الغيب ، وعن طريقهم يتمُّ التنزيل في دفاتر الطبيعة والزمن ، بل مسؤول عن بهاء الوقت ،
فالهُوُتَةُ حفرةٌ سحيقةٌ عظيمةٌ ، تحت بطن جبل ، او وادٍ عميق اظلم ، ياتِيها الداعشيون من ظهر الجبل الشاهق صعوداً للوقوف عند حافاتها الرهيبة ، ومعهم صيدُهم بالآلاف وبالمئات العشرات ،
وسريعاً بالهرولة والركض ومن مختلف الاعمار والاجناس ، المهم يقتلون بشراً ، وبعد ان روّضوا الناس الاسرى طوال وقت وبالخوف على الامتثال لاي امر يصدر منهم ،
-لاحول لله - حتى يصلوا الى فم الهُوتة الزرقاء المظلمة ، قد يكون ليلاً او نهاراً فهو ظلامٌ دامسٌ ، الخائفُ لايفرّق بالرؤيا نهاراً كانت ام ليلاً انه مهلوعٌ مَهُوسٌ مسكونٌ بالرعب لا تمْييز لديه ،
اخيراً ، وفجأةً لم تجد من هذي الآلاف غير الحرس وبنادقهم ، وهم يضحكون مسرورين ، شربوا الاكسير الشيطانيّ وسكروا ،
فحدثت فجيعةٌ كبرى طبعاً ، وليست غريبةً وكل يوم تحدث مادام هناك سبايا واسرى ، ولو أنّ التاريخَ مليءٌ بهذا ، والله سبحانه كانَ عاقبَ أمَمَاً وممالكًا ودولاً عاداً وثمودَ ، وتلك صرخةُ القرآن لليوم ، كيف هلك الظالمون ، ويَهلِكون ،
فمُ الهُوتةِ نفسُه هو فمُ الحوت مفتوح ٌ ، ذاك في بطن بحر ، وحوتُ داعش في بطن جبل ، ،اين الذين هلكوا ، اين مصير الآدميين ، هذا الانسان من سعادة ذاتية غامرة ومصير محترم ، الى تعاسة
قهرٍ وموت مُحَقّقٍّ ، وبمجرد لعبة مزاجية ، وفلسفات اجرتها الدول الكبرى ، لغايات في اوراقهم ، لكنهم نسوا ارادة الشعوب ،
ولم يعتبروا كيف فعلنا بالذين عبثوا قبلهم ،
البشر الطغاة لايعتبرون ، وصحت نظرية فرعون تنطبق عليهم ، ( انا ربُّكمُ الاعلى ) ولكنْ
- الحقُّ يُعلى ولا يُعلى عليه -
وقد نختلف مع غيرنا في طريقة تناولنا للرواية نعم ، هي خصوصياتُ مدارس وانماطٍ فكرية وسياقاتُ نقد ، نعم نحن نبحث في الكيفيات الباطنية نبحثُ في النظرية ، إمّا غيرنا يبحث في حركة الابطال حامد. وبهار وغيرهم في اسماء الامكنة ، وبحاصل حركتها الجوهرية وما يأول له المحتوى المتنوع كلاسيكياً قد او حداثياً ضمن نكهة الموروث والعصرنة والسياق الجديد ، أو بالحدث نفسه ، من وجهة نظر سياسية فكرية ، كطبيعة الحروب وما اثّرت
بالمكان او بجماليات العاطفي والروحي والاجتماعي ،
نعم واردٌ كلُّ هذا انما اخترنا زاويةَ نقدٍ من النوع المخفي و المستتر للتوسعة الفنية والنقدية ، عسانا نكون قد جددنا واجتهدنا رأياً خاصّاً بنا ،ينطبق على نُظُم اي نصٍّ ابداعي ،
وقد يأخذنا هذا المنوال الى ثبوت افكار علم تخصُّ نقدَ الرواية او اي نمط فني يصلح ان تحتاطه المعايير هذي ، وقد تفسّره نقصد به النتاجَ ، تحلّله او تركّبه ، من جزئياتِه الى كلّياتِه ، وهذا توخّي حال ومآلٍ نؤمن به ،
فطريقة السيدة الكاتبة - نجاح ابراهيم - اثناء خلقها هذا العالم الفني ، الذي اسمتْه الهُوُتَةَ واسميناه جزافاً الحُوُتَةَ ، تشبّثتْ باسلوبيةٍ تعبيريةٍ فائقةٍ بالاستدراج للحدث الكُلّي، لكنّما نحن نؤشّر عاملَ التحوّط العلمي بالكيفية المعرفية المتّبعة لديها خصوصاً وعموماً ، وعسى تنال نصيبَها كمنظور فكري يخدم غرض العمل الادبي وخاصّةً الرواية او اعمال السرد وتنوّعاتها الاخرى ،
فحينما نبوّب بتفسيريَّتِنا لتقانة المتّبع من قبل الكاتبة في روايتها ، نطرح العوامل التنظيرية التي مشتْ واختطت عليها مسيرة التَّناصات في مفصل الرواية المقصودة ، طبعاً من وجهة نظرنا المنهجية وهي عوامل فكرية يحملها الجدل الاعتباري وكالآتي :-
١ - عامل الحصر المكاني ، وهنا دور التَّخَيُّل في الاستشفافي المُبْرم الذي يخامر مقدّمات العوالم المتعالقة في بُنى الرواية قبل الصيرورة ،،تحدث فيها الملامسات الشعورية قبل الشروع بالكتابة ، رويداً وكأنَّ المبدعَ اطّلعَ على المكانية حدّدَها بمثابات ، و اطّلعَ فيها على ارهاج حاصل حركة الفنّي دونما وضوح بَيّن ، بل هو ايهامٌ وتهويمٌ واثباتُ قدرةٍ و تشوّف تعطي نفسَها جدلياً من باب الحصر والتَّخمين المسبق وراء الواقع المادي ، المبدع كان راى الروايةَ قبل كتابتها كاملةً ، مكانَها وزمانَها ،تفاعلاتها وانفعالاتها ،
٢ - عامل المطاوعة ، وهذا مهم في مقتبس اي نتاج ابداعي ، به يتم فرز و ترويض عناصر الخلق جميعاً وبنظرةٍ سحريّةٍ برهانيّةٍ ، من قبل الذات وهي تغوص في ظلمة العَدَمي المستنير ، يُحسَبُ فيها الكم والنوع وتخَرُّص الوظيفة والتمايز لكل رمز ، ومدى المرونة المتبادلة بين الذات والرمز ، بحيث يشعر المبدع انْ لا عصيان او تحجّر هناك ، انما تأكّد من تبدّل عالمه المادي بعالم اثيري
مستنير ، اي جرى التحوّل المرجو حتميّاً والرابط في المتناول تحت السحب وحسب الدور ،
٣ - عامل المُسارَرة ، وهذا مثلُ الخَلْوة بين مُحبّيْنِ إثنيْنِ يتقاربان بودِّهما لو حلَّ الجسد بالجسد ، وهما آيلان للحلول ، لكنّما يستعجلانِ قبل سلوك الفعل وعادته ، يستعجلان على نظام دورة الواقع بودِّهما ،
وبه يجري موقف تحضير نوع الخطاب لديهما هنا ، كُلٌّ يحضّرُ لصاحبه ، نوع الملائم من اجل النجاح والامتاع والصيغة المرجوّة ،
وهو طبع سائد وعادة وَشْوَشة وهمس لايفهم او يفهم جزء منه ، كلٌّ يثبت للمقابل انّي في غمرة
ارضاءك ، فهذي أَسراري أمامَكَ ايها المحبوب ، نعم انّه الاخلاص في العشق الصوفي ،
٤ -عامل الحلول والمكاشفة ، وبهذا الطور بات كلُّ شيء على مايرام ، نعم تخاطرٌ في الماهيات
اندلاعُ حمّى شديدةٍ مُحَبّبةٍ تنوي -هل من مزيد - واكثر الحاحاً وادماجاً لبعضهما البعض، حتى يحلَّ الفناء بهما ويُفنيانِ ويبدو التبدّل والتحوّل ، أنْ لاوجودَ لهما في الموجود ، وانْ لايشعر بعضُهما بماهيته، وفردانيّته ،الآن العالمُ آخرٌ حتما آخر ، يستوجب طاقةً ودفقاً جديديْنِ ومن خلال لذّةٍ قد اعترت كياناً حالماً ليس للماديات والماحولِ معه موازاةٌ ،
وعادةُ المُحِبِّ لايخفي عن محبّوبِه شيئاً ، وبالمقابل وهذا ناموس اعتباري في العشق ، تبدو فيه فرصُ الاظهار ، فيُظهِر البعضُ مااودعَ من حقائق الحال والمآل للبعض نعم يكاشفه بمودّةٍ ، وهو مثل ماذكرنا اعلاه تمَّ فناء الفردانيّة وتحوّل ذلك الى كيان نورانيٍّ اكيد ،
وهنا اصبح كلُّ شيءٍ واضحاً عند المبدع الآن ،
٥ - عامل بلوغ الحال والمآل ، ولعلَّ هذا هو المستوى الاخير للصورة ، يتمُّ النضجُ كما تتلبّسُ العناقيدُ نضجَها و
اماراتِ بلوغِها وجهوزيةَ قطفِها ،فلعلَّ الرؤيةَ عند التَّصيُّرِ تجهز ، فتُقطَف قطافَ الخوخةِ اليانعة ،
عندها تتراصف الرؤى تباعاً وترسم الصور مؤدّياتها على وجه البُنى والمضامين وحسب الطور ودور
استحالة المخلوق كان جزءاً ام جمعاً ، عندها تتمُّ وحدةُ النَّص بالتَّمايز والجدل ،
ولو فتحنا باباً وغيّرنا اتجاه البحث ، من فكري تنظيري الى مداخلات التحليل والمؤانسة مع عوالم الرواية ، لاعترتنا هواجس اخرى ومكاشفات تمتد ولاتنقطع ، فلعل الرائي انتقى كل ما يعتقده جميلاً ، نعم أتى به محمّلاً مَثَلُه مَثلُ الذي جنى احلى الزَّهر ، وهكذا كل مبدع وفنان ، يظنُّ في نفسه وهو يخامر مواقف التصيّر في خلق النصّ أنْ زجَّ الابلغَ والاحلى صفةً في صوره ووحداته التركيبية ، ظنَّ ان لم يبقِ شيئاً وراءه إلّا وراصفه في البناءات التعبيرية و اللونية ،
ظنَّ منه بنفسه هو الارقى في الذروة ،
ولولا هذا التسامي والزهو ما استمر الفن في محاولاته وتحوّلاته ،
السيدة نجاح ابراهيم وهي تعمل كالعادة ، كانت تستدرج رموزها حتى القبيح منها ، وتراها بعين الحِسْنِ والجمال يؤطّرها الغرض السامي وخدمة الهدف الذي لولاه ما استطاعت المبدعة ان تستديمَ تمرينَها الفني في التأليف والابتكار ،
مايؤنسك وانت تتلقى رؤية تاريخ ثَبُتَ تمام ثبوت الفن ، رغم عاديات الوقت ، فالفنانون هم الصادقون طبعاً ، هم الذين يكتبون تاريخ شعوبهم وأُمَمِهم ، يرسمون الحركة قاطبةً بتنوعاتها ، يساعدهم بل يشاطرهم القَدَري في الصنعة ، هكذا نحن الاعتباريون نؤمن ؛ اننا مثاليون وواقعيون في نفس الوقت ؛
نجاح تكتب ومعها عينُ القَدَري راصدٌ يترقّب ويؤشّر ويُلْهِم ، فالمبدع قناةٌ رابطة بكامل حيويتها
ولولا الماءُ ما هُدِمَت البذرةُ كتلتَها فانبتت سرَّها ،
الكاتبُ محتوىً عارفٌ بعلل الواقع ومؤثراتها ، متلبّسٌ بحمّى الغيوب ، ولم تفارقه كي لا يتيه او ينقطع مَدَدُه ، وهذي وجهة نظر تخصُّنا لانفرض على احد مانتوخاه صحيحاً ،
الهُوُتَةُ عالمٌ واسعٌ من الأُنْس والمكاشفات ، اشتملت على العاطفي بابطاله ورموزه وثكنات تدجُجه
ومقامراته النظيفة التي تشد متلقيها وتجذبه حدَّ الانغمار تحت اللذة واللوعة والامتاع ،
الزمان فيها حاصل حركة الحدث بعناصره ورموزه ، فداعش اللعين ومَن تصدّى له من الوطنيين الشرفاء ، مادةُ ومحتوى الرواية ، وكلٌّ بحاله وخصوصية جماله ،
المكان فيها ، اوّلاً كل العالم بانسانيته ، وظلم هذي الحركة الظلامية ، ووطن الكاتب سوريا بالاخص التي لازالت ترزح تحت مخطط دولي ظلامي عدواني ، لقتل الروح الوطنية والعروبية وتغيير مسارات مانصبو اليه من الحلم والطموح ، إذ لايحلو لهم ان يجتهد العربي المعاصر حضارتَه وكيانَه ، ولكن هيهات ، هم يحلمون بهذا
الرواية اشتملت على الخراب والدمار والخيبات ، على المجابهة والتصدي والصَّد ، على المقارعة حد الشهادة ولازال الحدث يستعر ، والمناضل شاخص بروحه وجهاده ، انما فُتحَت سجلات شرف
عريضةً رفعت ودفعت المجد باعلى صوره الخالدة ، والى نصر مؤزر بأذن الله
حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري - العراق.
اولُّ المستهلِّ في ايِّ عملٍ ابداعيٍّ يطرقُ نافذةَ الفنان المفتوحةَ ، هو الاستشفافي السمعي او مراودةُ البصر العياني المُتَخيّل ، هذا حينما يتبادرُكَ انّكَ تُبْدِعُ او تتلقّى ، او تتصوّر المفترضَ من الخيال والحسِّ معاً ، دون عقلَنة الفكرة ، أي حين تتلقّف مراكز الفهم شيئاً وافداً إليها ، هناك يَحدثُ ادراكٌ عفويٌّ ، يُلقي بنفسه بلا تكلّفٍ ، شفيفٌ جداً ،منه تَتَسلّلُ حزمةُ الضوء المرجوّة ، ومن بعدها يأتي العقلُ بلا مواربةٍ ، يطبّق ما ينوي حسب غرابيلَ بلوغِه ومرور المادة المعنيّة قصّةً كانت ام روايةً ام لوحةً تشكيليةً ام قصيدةَ شعر ، او ايّ حالٍ تعبيري - ولو تمعَّنّا به - كان برجاً ام بنايةً ام جسراً ، غزالةً أو وردةً هكذا ننظر للموجودات كلٍّ برابطها الاعتباري ومستواها الكوني ، وماآلت عليه من صفات وماديات
( الهُّوُتَةُ ) في الاستشفافي الانطباعي أذن ، هي الحُوُتَةُ انثى الحوت يتخيّلُ لكَ لو صنّفناها ، وقد تكون زرقاء او من السُلالة التي بلعت يونسَ النبيَ ع ، وهذا بابٌ تاريخي لاندخلُ به نمتنع ، انما بابُنا مُسْتَمكَنٌ في احداثياتٍ مكاشفاتية ادبيةٍ نختصُّ بها في الحال ،
إذ يختلط بها التخاطر الاسترسالي في ايقاع الكلمة الجمالية والفن ، وزناً ورِنّةً ومسكَ خيط ،
نعم انها الحُوُتَةُ ، اشتقاقاً سمعياً واعتماداً للمفترض الفهمي للحال ، قد ترتجف الفرائص جرّاء
التَّرِكَةِ الثقيلةِ التي خلّفَها الوقتُ المأزومُ، نعم يجفلُ الانسانُ او يتجحفل بالتوتر،
انّها استشفافياً حُوُتَةُ او هُوُتَةُ داعش تلك المنظومةُ الفكريةُ العُقَديّةُ وما القت من مخاطر ونظريات تعسّف وقسرٍ على الحياة ، وباسماءٍ وعَنْونات دينيةٍ تشكّل معياراً سلبياً في الزمن ، انما وفق ما تترجم هي ذاتُها ، نعني داعش التكفير
فالحُوُتَةُ المفترضةُ تَخَيُّلاً استلالٌ من الهُوُتَة في الاصل الادبي ، وبما إنّا نكتبُ مانشعرُ به وما يفرضُه الحسُّ علينا ، فلعلَّ اصدقَ العلم ماتشعرُ به ويفرضُ نفسَه عليكَ ،
ذُكِرَ الحوتُ كثيرا في الاساطير التاريخية ، والملحمية المخيفة ، ولازال هو سيد الاساطير والمخاوف والخطورات ، نعم يثير تراجيديا القلق والخوف والرعب دائماً ،
هكذا هيّأت جمهورَها الكاتبةُ الروائية الذكية على مرِّ الازمنة مادامت هُوُتَتُها او حُوُتَتُها عالقةٌ بجدار الموجود مادام الزمن والانسان والارض ، وهذي اوّلُ ( مَسْكَةٍ ) للاستحواذ على الخيال الكوني ، يدخل فيها المتلقي مناخَ الجذب صوب النتاج ، ومن ثمّةَ الانبهار وبعدها الغطسة الانغمارية في هيولى الشيئيّات هناك في العمق ،
هذا عِلْمٌ مُستَتِرٌ انتجَه سلوكُ الرَّائي ، وشافَه او نبشَهُ الباحثُ ، فحريٌّ بالنقد ان يرى الاسلوب المُتّبَع في الكيفيّات وبأيّ التشخيص تُنْتَجُ الاعتبارات الفنّيّة،
نعم فلو نظّرنا للحالة وقرّرنا ان نختلف في طريقة تناولنا النقدي للرواية ، نقولُ عنها انها تتألف من
١- المَسْكةُ البِكْرُ او قلْ الصّدْمَةُ الميكانيكية الاولى عند الملامسة الاستشعارية لك و للنصّ
٢- انبهارُ الذاتِ او النَّفسِ قبل كلِّ مُؤدّى ، وهذي حِسّيةٌ بالاجماع الشخصاني كلّياً ، وهنا المتلقي او المبدع باقيان في منصَّتِهما المكانيّة طبعاً ، نقوله في وقت قبل الخوض ، وقد تكون هذه المنصّةُ البيتَ او الناديَ او اي مكان ، وبعدها الدخول في الموقف المرجو حيثُ يَخِفُّ هيكل الطين ويبدأ من خلاله الهدم والبناء ،
٣- الغمرةُ والحلولُ ، هنا يغطسُ الفنانُ في موج الوجود حتماً ، وإلّا ما استطاع أن يرى غاياتِه ورموزاته ابداً ، ولا استحصل عليها وفق مِعْياريتها الخاصّة بالمرام المعيّن،
هذا ما نتوخاه من تَفكُّر ونحن في مطّرحٍ استشفافيٍّ بدءٍ ، لكتابة الهُوُتَة أو تلقّيها ، فكلاهما له شأنه في التأليف او في دخول تلقّي العمل أو نقده فلعل النقد اعلى مستويات التّلقي ،
إمّا لو تصاعدت فينا الحُمّى الفنّية ، نقصد حمّى الخَلْق الروائي ، باعتبار كلّ جنس ادبي له نمط من هذه الحُمّى الخاصّة به ، وفق عوامل طبيعته ومكوّناتها التَّصيُّرية ،
فالشعر في تصيُّره له مِزْيةٌ تختلف عن مِزْيَةِ تصيُّر القصّة ، وعن مِزْيَة الرسم والتشكيل وعن الموسيقى والرقص ، والمسرح وكلّ لون فني ، وحسب طبيعة البُنى التكوينية للفنون ، هذا مانتوخاه في نظريتنا الاعتبارية ،
المبدعة نجاح ابراهيم هنا وكالعادة صباحاً ام مساءاً ، يحدثُ حواليها في الخارج او في داخل نفسها ، ومن دون ان تشعر ، حدثٌ اشبه بالتَّسارُب - واعني به - انه عصفٌ من الريح لايُرى مَلَوِيٌّ من اللّالون تارةً يَتلبّسُها في جسدها فتَتَمَلْمَل ، ولا تعرف سبباً عنه ، قد تحك جلدَها او خصلاتِ شعرها ، او تتثائب وينتهي الامر ، هذا قبلُ الشروع ،
وتارةً اخرى يتخاطر لها هناك ظاهرةٌ ليست بالعادية خطرةٌ تمرُّ بها اشبه بالطيف ، كأنّ جداراً عالياً قد يسقط فجأةً او قاطرةً تفرُّ كالطير الى حيث ظلامٍ ديماسيٍّ مخيف ، او ينقلب الاعلى الى اسفل او بالعكس ، ولا من فرجٍ او كشّافِ امرٍ أو نفرٍ صائحٍ منقذٍ ،
قد ترتجف اطرافُها لمرّاتٍ ، وقد تنعس، ولا من نوم ولا برد ولا من حمّى ،
ويأتي يومُها بنهاره وليلِه وهي كما هي الدؤوبُ العاشقةُ اوراقَها وخيالَها وسفرَها والتنقّلَ في المكان ، هنا وهناك ، وكالذي يحمل ثقلاً ثقيلاً ولكن لاوجود له على ظهره
فتتأمّل احساسَها ترى عالماً رهيباً من الوجع والقلق بدأ يقترب ،
تعيشُ حالَ ان تنقذ نفسَها ، فتأخذ دورَ الفنان الذي يستشعرُ لياقاتِه في استقبال عناصر خَلْقِه وابطاله المركزيّين والثانويين وغيرهم ، وسرعان مايتبخّر الحالُ ويذوبُ الملحُ ، وترجع بيد فارغة ،
أو تأخذ دورَ فيلسوفٍ جامعٍ لناموسٍ حداثيٍّ اذن ، يظهر لها منه لمعانٌ فتفرح ويختفي وتتَشاءم وتعود الى حيث ما كانت
هذي اللجلجات والترددات انتابت روائيتنا فترةً طويلةً قبل نشوب صراعها مع الهُوُتَة وبشكل سرّانيٍّ غير معروف ، باعتقادنا ، وهذا بطبيعة الحال طارقٌ يطرق بابَ كلِّ مبدعٍ من حيث لايحتسب ، قبل البدء بايّ عمل أو نتاج ينتجه ومهما كان نوعه ، نسميها ( اقترابات الطَّلْق النصّي ) من مَحالِّ ظهوره أو الشعور باوجاع الخروج ، وهي حوالي المبدع بارتباطاته في الموجودات ، وبعدها يحدث نشورٌ من الآتي يدخلُ لكياناتِ الذات ومنها يتم الاستشعار الفعلي للتنزيل النَّصّي ، ومن سديد الرأي أنَّ وفادةَ التنزيل تأتي للمبدع عن طريقٍ وجوديٍّ لِدْنيٍّ ومن ثَمَّ النفاذ في الذات بالتَّقصيد باقةً باقةً ، يعني دخوله دور التحوّلات بالمباشر كالجريان أو السَّريان عبر الموجودات من العَدَمي حتى وَجْدُ الصورة المُحْدَثة والتي هي مخلوقنا الفنّي ،نعم
ومن خلال مخاريق الذات وقنواتها الرابطة ، أذاً حُسم الحالُ والمآلُ في نفس الكاتبة ، الامرُ الذي استُشعِرَ منها بلَمحٍ معرفيٍّ طرأ فجأةً فسَّرتْ فيه الظاهرةَ التي أحسّتْ ، والتي مَفادُها توطِئيٌّ لفهم أنّ الهُوُتَةَ على الباب الآن ، فلتستعد الفنانة المبدعة للاستقبال والجهوزية ،،
ومن خلال هذي التخرّصات وتهاويم خيالٍ تُعْنى بكيفية صيرورة ناموس خَلْقِ الشعر افتراضاً او تذكرةً ، نسألُ به هل هو ذاته ناموس خلق الرواية والقصة ام يختلفان من عمل الى عمل،،،؟ هذا هاجس دار في فاكرة الفنان من ضمن هواجس عدّة ، ولكي نصبو لفكرة انّ الذي سكن فرائصَ الكاتبة نجاح ابراهيم هو نمطٌ روائيّ قصصيٌّ أو وَقَعاتٌ من اهتزاز سرديات تاريخية ومعاصرة متعددة تُقبِلُ باصواتها وتُدبِرُ ، تدقُّ وتضجُّ تخفتُ وتصمتُ ولا من شيٍ كان يُسْمَعُ أو يُرى وما اكثر الوحيف والجَيَشان من هذا النوع وما كان مفسّراً ابداً
المبدع في مقدماته وقبل التوغل وراء الموجود يُعاني مايعاني من هول الفرز والتَّعْيين ، ليتأكد انّ الوفادةَ هي ذاتُها كما ظنَّ واستشعر ، والفرحةُ حين التطابق والمثول في صحيح التحري في عقله الابداعي او على الورق ،
وعلى هذا المنوال اصبح يقيناً عند كاتبتنا ، من أنَّ زائراً وافداً وصل ، بدأت تراه في عيون الداخل
والخارج تفتحت له الابواب والمغاليق ، وصار يفرض نفسَه على باقي اغراض السيدة ،
نعم طوّقها احساساً اذ تنشَدُّ انشداداً ليس مثلَه انشدادٌ ابداً ، فاوّل ما دخل غرفتَها ، فتسلّلَ الى اشجانها ، هكذا النًَّصُّ ايّما نصّ ، يقترب مكاناً من المبدع يزحف عليه ، فيتوغل ذاته رويداً فيستمكن دخيلته ، يصاحبه حتى ولو كان من عالم القبح ، النصُّ كائنٌ آخرٌ حميمٌ قبل تصيُّرِه واثناءه ، لايرغبُ الّا المبدعَ حبّاً ومكاشفةً ، حيثُ تبدأ لحظةُ المَسْك واوّل مشاوير الحلول الفنّي للخَلْق ، هنا نجاح ابراهيم والحُوُتَةُ طباقٌ الى زمن مفتوح ، والمعادلُ بينهما غايةٌ من الفن المتحقّق تراها عينُ
فالحُوتَةُ نقصدُ الهُوُتَةَ الاصلَ حين القتْ بمعاييرها على عاتق الوجود ، كان هناك واعزٌ غيبيٌّ - من وجهة نظرنا نحن الاعتباريون - يدفع بها دفعَ الضرورات الكونية ،
وهذا التفسير يشتمل على اعمال المبدعين الخوالد ،
شكسبير في اعماله ونجيب محفوظ وكلُّ مبدعي العالم العظماء ، كان ما ورائهم في نتاجاتهم قَدَرٌ من التجلّي يرعى العالمَ ، يساهم بالتصويب والاشارة لهم ، فبين القدر والذات خيطُ شعاعٍ مرسومٌ دوماً من الاتصال ، يقوى ويضعفُ حسب جِدِّ الفنان ومواظبته وتقاعسه ، واكمال رسالته ،
القدرُ اعلمُ من الفرد بنقوص الوجود الواقعي واخبر بل اكثر دقّةً ،
نعم هو الذي يرسلُ حيثُ يشاء ، ( الله اعلمُ حيث يجعل رسالتَه ) ، ونحن نؤمن بالربط وبوحدة حلول المبدع وخالقه ، وهذا أُسٌّ لا شكٌّ فيه لدينا في منهجيتنا ،
إذن على هذا فلعلّ المبدعَ مُرْسَلٌ حتماً ، وكما وضع الرَّبُّ فيه وديعتَه وتخصّصَها ، الله يوزّع
اتماماتِ حال الدنيا والحضارة والايمان ، نعم بالمبدعين لا بالسّفهاء ولا بالعاديّين ،فلتطمئن سيدتي نجاح لهذي الرؤيا ، امتنا وتاريخنا بحاجة لتثبيت الامر وحفظه ، كما حفظ السّبحانُ لنا مواريثَ تجربةِ العقل البشري ، إذ حرك لها الاسباب والسبل ، منذ ان خلق آدم الى اليوم وتستمر ،
عبر النبوءات والوحي والايحاء والتأويل والتفسير بالخبرة والتدوين على الرُّقُم وغيرها والآن على الالكترون ووجه الفضاء الاثيري وكلُّ وقتٍ له تحديثُه وهكذا ،
ومخصّصٌ على الكاتبة بالحُوتَة اعني الهُوتَةَ ان تثبّتَ جزءا من حقيقة الحال الداعشي وهمجياته ،
وهي زوايا نظر ، هنا عند نجاح ، وهناك عند روائيين افذاذ مثلها ، يرسمون أو رسموا حدث سبايكر
الجنوني الذي أكل على مذبح صخرة القصر ومن على حافات دجلة في العراق شمال بغداد ، احد عشرة ألف شهيد شابٍّ
عراقيّ بيوم واحد ذُبِحُوا ، فربطوا تاريخياً ومن خلال دمائهم مابين الاحمر في زمن هولاكو وجنكيز خان وبين احمر داعش الحالي ،
نعم ، هي توافقات وتخاطر ، وصورة وجود ، التاريخ يخط بمقاله ورجاله ، والمبدعون يحقّقون ويدقّقون الرأي العلمي والمعرفي ،
و هم الذين يثبّتون صدق وبشاعة الامر وصحّته ،
ولسنا بسياسيين الان كي نغور بالتفاصيل انما الناقد كلُّ الاغراض ، فنانٌ ومؤرخٌ وحاكمٌ ومرسلٌ يُصفّي ما شَتَّ من المبدع في برّيّة الابداع حينها ، يستجلبُهُ ويضيفُهُ للبُنى لِتَتُمَّ الصورةُ بعيون الزَّمن ،
المبدعُ محاربٌ بل اوّلُ المحاربين فلعلّه اولُّ المستقرئين للضرورات الواقعية واشارات الغيب ، وعن طريقهم يتمُّ التنزيل في دفاتر الطبيعة والزمن ، بل مسؤول عن بهاء الوقت ،
فالهُوُتَةُ حفرةٌ سحيقةٌ عظيمةٌ ، تحت بطن جبل ، او وادٍ عميق اظلم ، ياتِيها الداعشيون من ظهر الجبل الشاهق صعوداً للوقوف عند حافاتها الرهيبة ، ومعهم صيدُهم بالآلاف وبالمئات العشرات ،
وسريعاً بالهرولة والركض ومن مختلف الاعمار والاجناس ، المهم يقتلون بشراً ، وبعد ان روّضوا الناس الاسرى طوال وقت وبالخوف على الامتثال لاي امر يصدر منهم ،
-لاحول لله - حتى يصلوا الى فم الهُوتة الزرقاء المظلمة ، قد يكون ليلاً او نهاراً فهو ظلامٌ دامسٌ ، الخائفُ لايفرّق بالرؤيا نهاراً كانت ام ليلاً انه مهلوعٌ مَهُوسٌ مسكونٌ بالرعب لا تمْييز لديه ،
اخيراً ، وفجأةً لم تجد من هذي الآلاف غير الحرس وبنادقهم ، وهم يضحكون مسرورين ، شربوا الاكسير الشيطانيّ وسكروا ،
فحدثت فجيعةٌ كبرى طبعاً ، وليست غريبةً وكل يوم تحدث مادام هناك سبايا واسرى ، ولو أنّ التاريخَ مليءٌ بهذا ، والله سبحانه كانَ عاقبَ أمَمَاً وممالكًا ودولاً عاداً وثمودَ ، وتلك صرخةُ القرآن لليوم ، كيف هلك الظالمون ، ويَهلِكون ،
فمُ الهُوتةِ نفسُه هو فمُ الحوت مفتوح ٌ ، ذاك في بطن بحر ، وحوتُ داعش في بطن جبل ، ،اين الذين هلكوا ، اين مصير الآدميين ، هذا الانسان من سعادة ذاتية غامرة ومصير محترم ، الى تعاسة
قهرٍ وموت مُحَقّقٍّ ، وبمجرد لعبة مزاجية ، وفلسفات اجرتها الدول الكبرى ، لغايات في اوراقهم ، لكنهم نسوا ارادة الشعوب ،
ولم يعتبروا كيف فعلنا بالذين عبثوا قبلهم ،
البشر الطغاة لايعتبرون ، وصحت نظرية فرعون تنطبق عليهم ، ( انا ربُّكمُ الاعلى ) ولكنْ
- الحقُّ يُعلى ولا يُعلى عليه -
وقد نختلف مع غيرنا في طريقة تناولنا للرواية نعم ، هي خصوصياتُ مدارس وانماطٍ فكرية وسياقاتُ نقد ، نعم نحن نبحث في الكيفيات الباطنية نبحثُ في النظرية ، إمّا غيرنا يبحث في حركة الابطال حامد. وبهار وغيرهم في اسماء الامكنة ، وبحاصل حركتها الجوهرية وما يأول له المحتوى المتنوع كلاسيكياً قد او حداثياً ضمن نكهة الموروث والعصرنة والسياق الجديد ، أو بالحدث نفسه ، من وجهة نظر سياسية فكرية ، كطبيعة الحروب وما اثّرت
بالمكان او بجماليات العاطفي والروحي والاجتماعي ،
نعم واردٌ كلُّ هذا انما اخترنا زاويةَ نقدٍ من النوع المخفي و المستتر للتوسعة الفنية والنقدية ، عسانا نكون قد جددنا واجتهدنا رأياً خاصّاً بنا ،ينطبق على نُظُم اي نصٍّ ابداعي ،
وقد يأخذنا هذا المنوال الى ثبوت افكار علم تخصُّ نقدَ الرواية او اي نمط فني يصلح ان تحتاطه المعايير هذي ، وقد تفسّره نقصد به النتاجَ ، تحلّله او تركّبه ، من جزئياتِه الى كلّياتِه ، وهذا توخّي حال ومآلٍ نؤمن به ،
فطريقة السيدة الكاتبة - نجاح ابراهيم - اثناء خلقها هذا العالم الفني ، الذي اسمتْه الهُوُتَةَ واسميناه جزافاً الحُوُتَةَ ، تشبّثتْ باسلوبيةٍ تعبيريةٍ فائقةٍ بالاستدراج للحدث الكُلّي، لكنّما نحن نؤشّر عاملَ التحوّط العلمي بالكيفية المعرفية المتّبعة لديها خصوصاً وعموماً ، وعسى تنال نصيبَها كمنظور فكري يخدم غرض العمل الادبي وخاصّةً الرواية او اعمال السرد وتنوّعاتها الاخرى ،
فحينما نبوّب بتفسيريَّتِنا لتقانة المتّبع من قبل الكاتبة في روايتها ، نطرح العوامل التنظيرية التي مشتْ واختطت عليها مسيرة التَّناصات في مفصل الرواية المقصودة ، طبعاً من وجهة نظرنا المنهجية وهي عوامل فكرية يحملها الجدل الاعتباري وكالآتي :-
١ - عامل الحصر المكاني ، وهنا دور التَّخَيُّل في الاستشفافي المُبْرم الذي يخامر مقدّمات العوالم المتعالقة في بُنى الرواية قبل الصيرورة ،،تحدث فيها الملامسات الشعورية قبل الشروع بالكتابة ، رويداً وكأنَّ المبدعَ اطّلعَ على المكانية حدّدَها بمثابات ، و اطّلعَ فيها على ارهاج حاصل حركة الفنّي دونما وضوح بَيّن ، بل هو ايهامٌ وتهويمٌ واثباتُ قدرةٍ و تشوّف تعطي نفسَها جدلياً من باب الحصر والتَّخمين المسبق وراء الواقع المادي ، المبدع كان راى الروايةَ قبل كتابتها كاملةً ، مكانَها وزمانَها ،تفاعلاتها وانفعالاتها ،
٢ - عامل المطاوعة ، وهذا مهم في مقتبس اي نتاج ابداعي ، به يتم فرز و ترويض عناصر الخلق جميعاً وبنظرةٍ سحريّةٍ برهانيّةٍ ، من قبل الذات وهي تغوص في ظلمة العَدَمي المستنير ، يُحسَبُ فيها الكم والنوع وتخَرُّص الوظيفة والتمايز لكل رمز ، ومدى المرونة المتبادلة بين الذات والرمز ، بحيث يشعر المبدع انْ لا عصيان او تحجّر هناك ، انما تأكّد من تبدّل عالمه المادي بعالم اثيري
مستنير ، اي جرى التحوّل المرجو حتميّاً والرابط في المتناول تحت السحب وحسب الدور ،
٣ - عامل المُسارَرة ، وهذا مثلُ الخَلْوة بين مُحبّيْنِ إثنيْنِ يتقاربان بودِّهما لو حلَّ الجسد بالجسد ، وهما آيلان للحلول ، لكنّما يستعجلانِ قبل سلوك الفعل وعادته ، يستعجلان على نظام دورة الواقع بودِّهما ،
وبه يجري موقف تحضير نوع الخطاب لديهما هنا ، كُلٌّ يحضّرُ لصاحبه ، نوع الملائم من اجل النجاح والامتاع والصيغة المرجوّة ،
وهو طبع سائد وعادة وَشْوَشة وهمس لايفهم او يفهم جزء منه ، كلٌّ يثبت للمقابل انّي في غمرة
ارضاءك ، فهذي أَسراري أمامَكَ ايها المحبوب ، نعم انّه الاخلاص في العشق الصوفي ،
٤ -عامل الحلول والمكاشفة ، وبهذا الطور بات كلُّ شيء على مايرام ، نعم تخاطرٌ في الماهيات
اندلاعُ حمّى شديدةٍ مُحَبّبةٍ تنوي -هل من مزيد - واكثر الحاحاً وادماجاً لبعضهما البعض، حتى يحلَّ الفناء بهما ويُفنيانِ ويبدو التبدّل والتحوّل ، أنْ لاوجودَ لهما في الموجود ، وانْ لايشعر بعضُهما بماهيته، وفردانيّته ،الآن العالمُ آخرٌ حتما آخر ، يستوجب طاقةً ودفقاً جديديْنِ ومن خلال لذّةٍ قد اعترت كياناً حالماً ليس للماديات والماحولِ معه موازاةٌ ،
وعادةُ المُحِبِّ لايخفي عن محبّوبِه شيئاً ، وبالمقابل وهذا ناموس اعتباري في العشق ، تبدو فيه فرصُ الاظهار ، فيُظهِر البعضُ مااودعَ من حقائق الحال والمآل للبعض نعم يكاشفه بمودّةٍ ، وهو مثل ماذكرنا اعلاه تمَّ فناء الفردانيّة وتحوّل ذلك الى كيان نورانيٍّ اكيد ،
وهنا اصبح كلُّ شيءٍ واضحاً عند المبدع الآن ،
٥ - عامل بلوغ الحال والمآل ، ولعلَّ هذا هو المستوى الاخير للصورة ، يتمُّ النضجُ كما تتلبّسُ العناقيدُ نضجَها و
اماراتِ بلوغِها وجهوزيةَ قطفِها ،فلعلَّ الرؤيةَ عند التَّصيُّرِ تجهز ، فتُقطَف قطافَ الخوخةِ اليانعة ،
عندها تتراصف الرؤى تباعاً وترسم الصور مؤدّياتها على وجه البُنى والمضامين وحسب الطور ودور
استحالة المخلوق كان جزءاً ام جمعاً ، عندها تتمُّ وحدةُ النَّص بالتَّمايز والجدل ،
ولو فتحنا باباً وغيّرنا اتجاه البحث ، من فكري تنظيري الى مداخلات التحليل والمؤانسة مع عوالم الرواية ، لاعترتنا هواجس اخرى ومكاشفات تمتد ولاتنقطع ، فلعل الرائي انتقى كل ما يعتقده جميلاً ، نعم أتى به محمّلاً مَثَلُه مَثلُ الذي جنى احلى الزَّهر ، وهكذا كل مبدع وفنان ، يظنُّ في نفسه وهو يخامر مواقف التصيّر في خلق النصّ أنْ زجَّ الابلغَ والاحلى صفةً في صوره ووحداته التركيبية ، ظنَّ ان لم يبقِ شيئاً وراءه إلّا وراصفه في البناءات التعبيرية و اللونية ،
ظنَّ منه بنفسه هو الارقى في الذروة ،
ولولا هذا التسامي والزهو ما استمر الفن في محاولاته وتحوّلاته ،
السيدة نجاح ابراهيم وهي تعمل كالعادة ، كانت تستدرج رموزها حتى القبيح منها ، وتراها بعين الحِسْنِ والجمال يؤطّرها الغرض السامي وخدمة الهدف الذي لولاه ما استطاعت المبدعة ان تستديمَ تمرينَها الفني في التأليف والابتكار ،
مايؤنسك وانت تتلقى رؤية تاريخ ثَبُتَ تمام ثبوت الفن ، رغم عاديات الوقت ، فالفنانون هم الصادقون طبعاً ، هم الذين يكتبون تاريخ شعوبهم وأُمَمِهم ، يرسمون الحركة قاطبةً بتنوعاتها ، يساعدهم بل يشاطرهم القَدَري في الصنعة ، هكذا نحن الاعتباريون نؤمن ؛ اننا مثاليون وواقعيون في نفس الوقت ؛
نجاح تكتب ومعها عينُ القَدَري راصدٌ يترقّب ويؤشّر ويُلْهِم ، فالمبدع قناةٌ رابطة بكامل حيويتها
ولولا الماءُ ما هُدِمَت البذرةُ كتلتَها فانبتت سرَّها ،
الكاتبُ محتوىً عارفٌ بعلل الواقع ومؤثراتها ، متلبّسٌ بحمّى الغيوب ، ولم تفارقه كي لا يتيه او ينقطع مَدَدُه ، وهذي وجهة نظر تخصُّنا لانفرض على احد مانتوخاه صحيحاً ،
الهُوُتَةُ عالمٌ واسعٌ من الأُنْس والمكاشفات ، اشتملت على العاطفي بابطاله ورموزه وثكنات تدجُجه
ومقامراته النظيفة التي تشد متلقيها وتجذبه حدَّ الانغمار تحت اللذة واللوعة والامتاع ،
الزمان فيها حاصل حركة الحدث بعناصره ورموزه ، فداعش اللعين ومَن تصدّى له من الوطنيين الشرفاء ، مادةُ ومحتوى الرواية ، وكلٌّ بحاله وخصوصية جماله ،
المكان فيها ، اوّلاً كل العالم بانسانيته ، وظلم هذي الحركة الظلامية ، ووطن الكاتب سوريا بالاخص التي لازالت ترزح تحت مخطط دولي ظلامي عدواني ، لقتل الروح الوطنية والعروبية وتغيير مسارات مانصبو اليه من الحلم والطموح ، إذ لايحلو لهم ان يجتهد العربي المعاصر حضارتَه وكيانَه ، ولكن هيهات ، هم يحلمون بهذا
الرواية اشتملت على الخراب والدمار والخيبات ، على المجابهة والتصدي والصَّد ، على المقارعة حد الشهادة ولازال الحدث يستعر ، والمناضل شاخص بروحه وجهاده ، انما فُتحَت سجلات شرف
عريضةً رفعت ودفعت المجد باعلى صوره الخالدة ، والى نصر مؤزر بأذن الله
حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري - العراق.