بصفة عامة، التَّغييرُ بالنسبة لجماعةٍ من البشر أو لمجتمعٍ أو لبلدٍ بأكمله، هو الانتقال من وضعٍ اجتماعي سيء أو غير مُرضي إلى وضعٍ حسنٍ أو من وضعٍ حسنٍ إلى وضعٍ أحسنَ منه. والتَّغييرُ، من منظورٍ سياسي، يمكن أن يطالَ عدة أوضاع، أذكر منها على سبيل المثال : الوضع الاجتماعي، الوضع الاقتصادي، الوضع الثقافي…
عند نهاية كل خمس سنوات، يحل موعدٌ هام يتمثَّل في بدءِ الحملات الانتخابية التَّشريعية من أجل أن يختارَ الشعب المغربي الأحزابَ السياسيةَ التي ستمثِله في مجلس النواب. وكما هي العادة، المغاربة، بحلول كل استحقاق انتخابي، يتطلَّعون إلى التغيير. تغيير، يريدون أن يطالَ أو أن يشملَ وضعَهم الاجتماعي والاقتصادي، أي أن يضمنَ لهم هذا التَّغييرُ كرامةَ العيش، على الخصوص.
غير أن التَّغييرَ لا تُمطره السماء. التغيير، كالصَّرحِ يُبنى لبِنةً تلوَ الأخرى وتكون وراءه، أولا، الإرادة السياسية ثم الأفكار والأعمال من خلال برامج تنموية تستمد وجودَها من رغبات وتطلُّعات الشعب. والأفكار والأعمال يكون وراءها رجال ونساء من طينة خاصة. رجال ونساء مشبُّعون بالمُواطنة، بحب الوطن، بنكران الذات ويريدون الخيرَ للبلاد والعباد. لكن المواطنة وحب الوطن ونكرانَ الذات وغيرها من الصفات الحميدة، أُفرِغت منها الأحزابُ السياسية عندما ذهب رُوَّادُ هذه الأحزاب وشرفاءُها وأحرارُها إلى جوارِ ربِّهم. هؤلاء الشرفاء الذين كان التَّغييرُ يجري في دمهم ولا يهدأ لهم بالٌ حتى يجسِّدونه على أرض الواقع.
ولا داعيَ للقول أن الأحزابَ السياسية هي التي يجب أن تتوفَّرَ صفوفُها على هذا التنوع من البشر أو من الموارد البشرية. ولا داعي للقول كذلك أن الأحزاب السياسية، وخصوصا الوطنية والإدارية، بحكم وجودها في المشهد السياسي منذ عقود، من المفروض أن تكون زاخرةً بالموارد البشرية القادرة على إحداث التًّغيير الذي يتطلَّع له المواطنون.
غير أن ما يتمناه المواطنون وما تقوم به الأحزابُ السياسية على أرض الواقع، من استحقاق إلى آخر، شيئان متناقضان أو متضادان. ما يتمناه المواطنون يبقى حبر على ورق. وما تقوم به الأحزاب التي، دستوريا وقانونيا، تمثِّل الناخبين وتنوب عنهم في تدبير الشأن العام، لا يمتُّ بصلة للتغيير المنشود. بل التغيير، كل التغيير، ينحصر في دائرة المصالح الضيقة الحزبية، أفرادا وجماعات.
وهذا هو ما بيَّنته التَّجربةُ طيلةَ أكثر من أربعة عقود. تتوالى الاستحقاقات وتتوالى الحملات وتتوالى الخُطب المعسولة والوعود الطموحة والتغيير لم يأت.
تتوالى الاستحقاقات ودار لقمان الحزبية على حالها. الشيوخ في القيادة والشباب المحزَّب على الهامش. هل هناك حزب واحد، على الأقل من ضمن الأحزاب الوطنية والإدارية، قام بنقد ذاتي وأبان عن حسن نيَّته استعدادا للخَوض في الاستحقاقات الانتخابية بحُلَّةٍ فكرية وسلوكية جديدة؟ هل هناك حزب واحد اعترف بأخطائه السياسية وبتخاذله وخيانته لإرادة الناخبين؟ هل هناك حزب واحد احترم ويحترم الديمقراطية الداخلية ومبدأ التَّناوب على مناصب القيادة؟ هل هناك حزب واحد فتحَ حوارا عموميا حول القضايا التي تؤرِّق مضجعَ المواطنين والتي، من المفروض، أن تؤرِّقَ كذلك مضجعَ المسئولين، من فقر وأمية وكرامة عيش وصحة وتعليم...؟ هل هناك حزب واحد قام و يقوم بدراسات استباقية في مجالات الاقتصاد والتنمية والبيئة والاستشراف… وعرضها للنقاش ونشرها ليقولَ المواطنون رأيَهم فيها؟ هل هناك حزب واحد جدَّد نُخبتَه الفكرية و/أو طعَّّمها بدم جديد؟ هل…
لا شيءَ تغيَّر في أوضاع المواطنات والمواطنين اجتماعيا واقتصاديا. بل لقد زادت محنتُهم من جراء غلاء الأسعار وعجز أحزاب الحكومة في التَّصدِّي لهذا الغلاء. ولا شيءَ تغيَّر في الأحزاب السياسية التي تتشكَّل منها الحكومة، إن بشريا أو تنظيميا. لا تزال دار لقمان على حالها. وكيف تتغيًّر دارُ لقمان وشيوخُها وقياداتُها متشبثةٌ بالكراسي وتطمح، بعد كل استحقاق، لمزيد من الامتيازات من حيث المناصب و الريع و الجاه و الحصانة…
ما يمكن استخلاصُه من هذا الوضع المزمن، هو أن المشكلَ العويص الذي عانى منه ويعاني منه المواطنون لا يكمن في نوعية الأحزاب السياسية وتوجُّهاتها الفكرية والإيديولوجية. المشكل كل المشكل يكمن في عدم توفُّر هذه الأحزاب على الإرادة السياسية التي تجعل من التغيير واحدا من أولويات التنمية بجميع أنواعِها. خارج هذا الإطار، كل الأحزاب السياسية متشابِهة. لا قرقَ بينها إلا بالتَّسميات. تسمياتٌ تُفرَغُ من محتواها بمجرَّد ما تصعد هذه الأحزاب إلى البرلمان ثم إلى الحكومة.
عند نهاية كل خمس سنوات، يحل موعدٌ هام يتمثَّل في بدءِ الحملات الانتخابية التَّشريعية من أجل أن يختارَ الشعب المغربي الأحزابَ السياسيةَ التي ستمثِله في مجلس النواب. وكما هي العادة، المغاربة، بحلول كل استحقاق انتخابي، يتطلَّعون إلى التغيير. تغيير، يريدون أن يطالَ أو أن يشملَ وضعَهم الاجتماعي والاقتصادي، أي أن يضمنَ لهم هذا التَّغييرُ كرامةَ العيش، على الخصوص.
غير أن التَّغييرَ لا تُمطره السماء. التغيير، كالصَّرحِ يُبنى لبِنةً تلوَ الأخرى وتكون وراءه، أولا، الإرادة السياسية ثم الأفكار والأعمال من خلال برامج تنموية تستمد وجودَها من رغبات وتطلُّعات الشعب. والأفكار والأعمال يكون وراءها رجال ونساء من طينة خاصة. رجال ونساء مشبُّعون بالمُواطنة، بحب الوطن، بنكران الذات ويريدون الخيرَ للبلاد والعباد. لكن المواطنة وحب الوطن ونكرانَ الذات وغيرها من الصفات الحميدة، أُفرِغت منها الأحزابُ السياسية عندما ذهب رُوَّادُ هذه الأحزاب وشرفاءُها وأحرارُها إلى جوارِ ربِّهم. هؤلاء الشرفاء الذين كان التَّغييرُ يجري في دمهم ولا يهدأ لهم بالٌ حتى يجسِّدونه على أرض الواقع.
ولا داعيَ للقول أن الأحزابَ السياسية هي التي يجب أن تتوفَّرَ صفوفُها على هذا التنوع من البشر أو من الموارد البشرية. ولا داعي للقول كذلك أن الأحزاب السياسية، وخصوصا الوطنية والإدارية، بحكم وجودها في المشهد السياسي منذ عقود، من المفروض أن تكون زاخرةً بالموارد البشرية القادرة على إحداث التًّغيير الذي يتطلَّع له المواطنون.
غير أن ما يتمناه المواطنون وما تقوم به الأحزابُ السياسية على أرض الواقع، من استحقاق إلى آخر، شيئان متناقضان أو متضادان. ما يتمناه المواطنون يبقى حبر على ورق. وما تقوم به الأحزاب التي، دستوريا وقانونيا، تمثِّل الناخبين وتنوب عنهم في تدبير الشأن العام، لا يمتُّ بصلة للتغيير المنشود. بل التغيير، كل التغيير، ينحصر في دائرة المصالح الضيقة الحزبية، أفرادا وجماعات.
وهذا هو ما بيَّنته التَّجربةُ طيلةَ أكثر من أربعة عقود. تتوالى الاستحقاقات وتتوالى الحملات وتتوالى الخُطب المعسولة والوعود الطموحة والتغيير لم يأت.
تتوالى الاستحقاقات ودار لقمان الحزبية على حالها. الشيوخ في القيادة والشباب المحزَّب على الهامش. هل هناك حزب واحد، على الأقل من ضمن الأحزاب الوطنية والإدارية، قام بنقد ذاتي وأبان عن حسن نيَّته استعدادا للخَوض في الاستحقاقات الانتخابية بحُلَّةٍ فكرية وسلوكية جديدة؟ هل هناك حزب واحد اعترف بأخطائه السياسية وبتخاذله وخيانته لإرادة الناخبين؟ هل هناك حزب واحد احترم ويحترم الديمقراطية الداخلية ومبدأ التَّناوب على مناصب القيادة؟ هل هناك حزب واحد فتحَ حوارا عموميا حول القضايا التي تؤرِّق مضجعَ المواطنين والتي، من المفروض، أن تؤرِّقَ كذلك مضجعَ المسئولين، من فقر وأمية وكرامة عيش وصحة وتعليم...؟ هل هناك حزب واحد قام و يقوم بدراسات استباقية في مجالات الاقتصاد والتنمية والبيئة والاستشراف… وعرضها للنقاش ونشرها ليقولَ المواطنون رأيَهم فيها؟ هل هناك حزب واحد جدَّد نُخبتَه الفكرية و/أو طعَّّمها بدم جديد؟ هل…
لا شيءَ تغيَّر في أوضاع المواطنات والمواطنين اجتماعيا واقتصاديا. بل لقد زادت محنتُهم من جراء غلاء الأسعار وعجز أحزاب الحكومة في التَّصدِّي لهذا الغلاء. ولا شيءَ تغيَّر في الأحزاب السياسية التي تتشكَّل منها الحكومة، إن بشريا أو تنظيميا. لا تزال دار لقمان على حالها. وكيف تتغيًّر دارُ لقمان وشيوخُها وقياداتُها متشبثةٌ بالكراسي وتطمح، بعد كل استحقاق، لمزيد من الامتيازات من حيث المناصب و الريع و الجاه و الحصانة…
ما يمكن استخلاصُه من هذا الوضع المزمن، هو أن المشكلَ العويص الذي عانى منه ويعاني منه المواطنون لا يكمن في نوعية الأحزاب السياسية وتوجُّهاتها الفكرية والإيديولوجية. المشكل كل المشكل يكمن في عدم توفُّر هذه الأحزاب على الإرادة السياسية التي تجعل من التغيير واحدا من أولويات التنمية بجميع أنواعِها. خارج هذا الإطار، كل الأحزاب السياسية متشابِهة. لا قرقَ بينها إلا بالتَّسميات. تسمياتٌ تُفرَغُ من محتواها بمجرَّد ما تصعد هذه الأحزاب إلى البرلمان ثم إلى الحكومة.