صدر بحقي قرار بمنع نشر ما أكتبه للمرة الثانية على التوالي (وبدون سبب واضح) في احدى الصحف العربية بعدما كانت تجري الأمور بيننا بمنتهى السلاسة وبعد تجربة مشابهة في موقع سابق لمؤسسة عريقة كان السبب فيهما عنصرياً، وهذا القرار لم يكن عاماً بل كان يخص إسمي تحديداً، فلم يحدث يوماً أن تم توجيه ملاحظة بسبب جرأة الموضوع أو رفض مقال لي أو تم تعديله من ناحية اللغة أو المضمون (سوى مرة واحدة)، كما أن هذا المقال تم نشره مباشرةً بعد يوم واحد من رفضه من إحدى الصحف في موقع عربي آخر بكل سرور وتناول وقتها تجربة الدبلجة في العالم العربي خاصةً بين الأردن ولبنان وسوريا، ومنذ ذلك الحين لم توجه إليّ أي ملاحظة جدية إلا فيما يتعلق أحياناً بالصور المرفقة سواءاً كان ذلك من ناحية العدد أو الجودة ليس لأني بلا أخطاء وليس لأني أكبر من أن أنقد وليس لأن ما أكتبه غير قابل للرفض، ولكن لأنني أتعامل بمسؤولية واحترام لنفسي أولاً وللأشخاص الذين يقتطعون من وقتهم لقراءة ما أكتبه وأشكرهم على ذلك، عدا عن الإحترام للمؤسسات التي قدرتني ونشرت موضوعاتي رغم أن التعاون بيننا دائماً كان دون تعاقد وبلا أجر مدفوع..
فحتى وإن كنت أحترم ما أكتبه إلا أنني أعي مشكلات المرحلة التي نعيشها جميعاً وتعيشها الكثير من المؤسسات والمنابر خاصةً الثقافية منها، والتي لا تحظى بدعم وتقوم على المساهمات من الكتاب بتقديم مقالاتهم دعماً لها ولإستمرار الثقافة عموماً، وأتعامل في هذا المجال الذي أعتبره الوجه الحقيقي لي كتلميذ بعيداً عن مهنتي التي أعتاش منها، مستذكراً تجارب من سبقوني في الأجيال الماضية التي صنعت كيانات عريقة وأسماء محترمة والذين عمل الكثير منهم بلا أجر أو حتى بأجر رمزي لسنوات إيماناً منه بما يفعل وحباً في ما يقدمه، خاصةً إن كان هو ما يشبهه ويعبر عنه أكثر من أي شيء آخر، ولذلك كنت أحاول منذ البداية أن أرسم لنفسي خطاً واضحاً أمشي عليه يتمثل في الصراحة والوضوح مع نفسي ومع الناس، وحاولت من خلاله أن أقدم فعلياً قناعاتي الشخصية والإنسانية عن الوطن والفن والثقافة والحياة ككل وأن أتعامل بإحترام وبلا إقصاء مع الجميع من مختلف الخلفيات الثقافية، بحيث يجد كل شخص نفسه بين سطوري وموضوعاتي (قدر الإمكان) وإذا رغب في ذلك بالطبع، وحتى عندما كتبت عن الكثير من المواضيع الإجتماعية التي كانت أحياناً جريئة وحساسة ومتشعبة التفاصيل والتي عاب علي البعض تناولها والتطرق إليها حرصت ألا أحيد عن مبدأي وأن لا ألجأ للتعميم، كما حاولت توخي الأمانة والموضوعية قدر استطاعتي عدا عن أن لا يكون الطرح أو تكون اللغة مبتذلة أو رخيصة لأن الهدف هو الحوار وليس (لفت الأنظار) وهو ما يستطيع القارىء الواعي تمييزه بسهولة حتى وإن اختلف معي، وبرغم محاولتي تقديم خطاب أو مقال لمختلف الدول العربية وكافة أبنائها احترمت خصوصية كل بلد وثقافة حيث لم أتدخل في شأن داخلي لهم أو أجرحهم حتى من حيث لا أدري، فمبدأي هو تقريب وجهات النظر المختلفة وتقريب المسافات ومحاولة الإضاءة على الجماليات التي نسيناها وتعريف الناس أيضاً بالجمال الذي يملكه (الآخر) الذي نتوجس منه غالباً دون سبب أو يتم إستبعاده لأسباب معيبة، مع إيجاد انفتاح (حقيقي) وواعي على بعضنا البعض مبني على أساس المحبة والإحترام والتكامل بيننا ووجود مساحة للجميع..
ولكن مع الوقت ومع تراكم خبرات الحياة على الصعيدين الشخصي والمهني وسواءاً كان ذلك في مجال عملي أو حتى في حقل الكتابة لمست فعلياً حالة الهلع التي يعيشها الناس من الحقيقة، ليس على اعتبار أنني أمثلها بل على اعتبار أنني أيضاً أبحث عنها مثلهم، و(أحاول) من خلال قلمي تقديم أو مشاركة ما أصل إليه معهم وطرح الأسئلة الهامة كواحد منهم وطبعاً بحدود، لكن مجتمعاتنا اعتادت على شكل معين بات من الصعب عليها أن تعيش خارجه أو أن تتقبل أو تسمح لغيرها بأن يعيشه حتى وإن لم يكن يمسها بشكل مباشر، فنسبة ليست بالهينة من مجتمعاتنا تتعامل كمجموعة من الفرق وكل فريق يريد فرض رأيه وتفكيره ووجهة نظره على الآخر في مختلف المواضيع، ولا يستوعب فكرة أن لا تكون تابعاً لهذا الفريق أو ذاك وأن تحاول خلق مكان للجميع بعيداً عن الخلافات العقيمة والأفكار التنميطية للغير، خاصةً وأن العديد من الناس يظهر في العلن وجهاً حضارياً يحترم الإختلاف بينما يتصرف عكس ذلك على أرض الواقع، أو يحب انتقاد السلبيات لدى البعض ويرفض أن تنتقد سلوكاً يقع في دائرته حتى وإن لم يكن معنياً بالأمر كونه يرى نفسه جزءًا من مجموعة في مكانة أو طبقة اجتماعية أرفع من (الآخرين) ولا يجوز نقدها أو حتى لا يهتم إلا بالفئة التي ينتمي إليها، كما أن الكثير من الأشخاص يريد فرض قناعاته الدينية على الغير أو لا يتقبل أن لا تكون مثله وهذا الحال موجود لدى مختلف الثقافات، يعيش ازدواجية بين متابعته على سبيل المثال لفن هابط وتجاري ومعلب لكنه يعتبر مقالاتي التي تحتفي بنماذج مختلفة ومحترمة للفنانين والمثقفين (نشراً للفساد من وجهة نظره)، أليس الأولى بالبعض بدلاً من رفضه لرأي غيره والحكم عليه أن يهتم بإصلاح نفسه والإرتقاء بذائقته؟ ، خاصةً وأنني صودف (بكل أسف) أنني تعاملت مع البعض بشكل شخصي وأعرف أن حقيقتهم ليست كما يدعون، لماذا تتابع شخصاً لا تؤمن بما يقوله ولماذا يضيق البعض بكلمة حق ننصف بها من يحتاجها ؟ ولماذا تريد شريحة من الناس أن تكون في دائرة الضوء بإستمرار ودون سبب يستدعي ذلك مقابل سحقها للآخرين؟ لماذا لا يفهم البعض أن الإنصاف واعطاء الناس حقوقهم المعنوية حتى رغم خلافنا معهم لا يعني أننا نحبهم بل يعني أننا نحترم أنفسنا ونحاول توخي النزاهة والشفافية رغم الخصومة ؟ لماذا قد يغار شخص (متحقق) من رأي إيجابي في شخص موهوب لا زال يشق طريقه؟ كيف تجتمع المثاليات والأخلاق ووصايا الدين والحس الجمالي والوطني والإنساني مع حسابات ضيقة تقدم المصالح الشخصية والإنحياز الأعمى لفئة أو طبقة على العدل؟
لم أكتب هذا المقال لأن قرار الإقصاء ضايقني لأنني عايشته مراراً حتى على صعيد شخصي، ولأن هناك الكثير من المواقف التي حصلت معي ولكني لم أتوقف ولو لمرة للتعليق عليها مثل سرقة البعض بشكل كامل لبعض ما كتبته ونسبه إلى نفسه مع أنه لا يشبهه، لكنني كتبته فقط للتذكير بأن الشيء الوحيد الذي يكاد تتشابه فيه مختلف الفئات هو رفضها للحقيقة عندما لا تأتي كما تشتهيها رغم أنها لم تدعي يوماً انتمائها إلاّ إلى نفسها..
خالد جهاد..
فحتى وإن كنت أحترم ما أكتبه إلا أنني أعي مشكلات المرحلة التي نعيشها جميعاً وتعيشها الكثير من المؤسسات والمنابر خاصةً الثقافية منها، والتي لا تحظى بدعم وتقوم على المساهمات من الكتاب بتقديم مقالاتهم دعماً لها ولإستمرار الثقافة عموماً، وأتعامل في هذا المجال الذي أعتبره الوجه الحقيقي لي كتلميذ بعيداً عن مهنتي التي أعتاش منها، مستذكراً تجارب من سبقوني في الأجيال الماضية التي صنعت كيانات عريقة وأسماء محترمة والذين عمل الكثير منهم بلا أجر أو حتى بأجر رمزي لسنوات إيماناً منه بما يفعل وحباً في ما يقدمه، خاصةً إن كان هو ما يشبهه ويعبر عنه أكثر من أي شيء آخر، ولذلك كنت أحاول منذ البداية أن أرسم لنفسي خطاً واضحاً أمشي عليه يتمثل في الصراحة والوضوح مع نفسي ومع الناس، وحاولت من خلاله أن أقدم فعلياً قناعاتي الشخصية والإنسانية عن الوطن والفن والثقافة والحياة ككل وأن أتعامل بإحترام وبلا إقصاء مع الجميع من مختلف الخلفيات الثقافية، بحيث يجد كل شخص نفسه بين سطوري وموضوعاتي (قدر الإمكان) وإذا رغب في ذلك بالطبع، وحتى عندما كتبت عن الكثير من المواضيع الإجتماعية التي كانت أحياناً جريئة وحساسة ومتشعبة التفاصيل والتي عاب علي البعض تناولها والتطرق إليها حرصت ألا أحيد عن مبدأي وأن لا ألجأ للتعميم، كما حاولت توخي الأمانة والموضوعية قدر استطاعتي عدا عن أن لا يكون الطرح أو تكون اللغة مبتذلة أو رخيصة لأن الهدف هو الحوار وليس (لفت الأنظار) وهو ما يستطيع القارىء الواعي تمييزه بسهولة حتى وإن اختلف معي، وبرغم محاولتي تقديم خطاب أو مقال لمختلف الدول العربية وكافة أبنائها احترمت خصوصية كل بلد وثقافة حيث لم أتدخل في شأن داخلي لهم أو أجرحهم حتى من حيث لا أدري، فمبدأي هو تقريب وجهات النظر المختلفة وتقريب المسافات ومحاولة الإضاءة على الجماليات التي نسيناها وتعريف الناس أيضاً بالجمال الذي يملكه (الآخر) الذي نتوجس منه غالباً دون سبب أو يتم إستبعاده لأسباب معيبة، مع إيجاد انفتاح (حقيقي) وواعي على بعضنا البعض مبني على أساس المحبة والإحترام والتكامل بيننا ووجود مساحة للجميع..
ولكن مع الوقت ومع تراكم خبرات الحياة على الصعيدين الشخصي والمهني وسواءاً كان ذلك في مجال عملي أو حتى في حقل الكتابة لمست فعلياً حالة الهلع التي يعيشها الناس من الحقيقة، ليس على اعتبار أنني أمثلها بل على اعتبار أنني أيضاً أبحث عنها مثلهم، و(أحاول) من خلال قلمي تقديم أو مشاركة ما أصل إليه معهم وطرح الأسئلة الهامة كواحد منهم وطبعاً بحدود، لكن مجتمعاتنا اعتادت على شكل معين بات من الصعب عليها أن تعيش خارجه أو أن تتقبل أو تسمح لغيرها بأن يعيشه حتى وإن لم يكن يمسها بشكل مباشر، فنسبة ليست بالهينة من مجتمعاتنا تتعامل كمجموعة من الفرق وكل فريق يريد فرض رأيه وتفكيره ووجهة نظره على الآخر في مختلف المواضيع، ولا يستوعب فكرة أن لا تكون تابعاً لهذا الفريق أو ذاك وأن تحاول خلق مكان للجميع بعيداً عن الخلافات العقيمة والأفكار التنميطية للغير، خاصةً وأن العديد من الناس يظهر في العلن وجهاً حضارياً يحترم الإختلاف بينما يتصرف عكس ذلك على أرض الواقع، أو يحب انتقاد السلبيات لدى البعض ويرفض أن تنتقد سلوكاً يقع في دائرته حتى وإن لم يكن معنياً بالأمر كونه يرى نفسه جزءًا من مجموعة في مكانة أو طبقة اجتماعية أرفع من (الآخرين) ولا يجوز نقدها أو حتى لا يهتم إلا بالفئة التي ينتمي إليها، كما أن الكثير من الأشخاص يريد فرض قناعاته الدينية على الغير أو لا يتقبل أن لا تكون مثله وهذا الحال موجود لدى مختلف الثقافات، يعيش ازدواجية بين متابعته على سبيل المثال لفن هابط وتجاري ومعلب لكنه يعتبر مقالاتي التي تحتفي بنماذج مختلفة ومحترمة للفنانين والمثقفين (نشراً للفساد من وجهة نظره)، أليس الأولى بالبعض بدلاً من رفضه لرأي غيره والحكم عليه أن يهتم بإصلاح نفسه والإرتقاء بذائقته؟ ، خاصةً وأنني صودف (بكل أسف) أنني تعاملت مع البعض بشكل شخصي وأعرف أن حقيقتهم ليست كما يدعون، لماذا تتابع شخصاً لا تؤمن بما يقوله ولماذا يضيق البعض بكلمة حق ننصف بها من يحتاجها ؟ ولماذا تريد شريحة من الناس أن تكون في دائرة الضوء بإستمرار ودون سبب يستدعي ذلك مقابل سحقها للآخرين؟ لماذا لا يفهم البعض أن الإنصاف واعطاء الناس حقوقهم المعنوية حتى رغم خلافنا معهم لا يعني أننا نحبهم بل يعني أننا نحترم أنفسنا ونحاول توخي النزاهة والشفافية رغم الخصومة ؟ لماذا قد يغار شخص (متحقق) من رأي إيجابي في شخص موهوب لا زال يشق طريقه؟ كيف تجتمع المثاليات والأخلاق ووصايا الدين والحس الجمالي والوطني والإنساني مع حسابات ضيقة تقدم المصالح الشخصية والإنحياز الأعمى لفئة أو طبقة على العدل؟
لم أكتب هذا المقال لأن قرار الإقصاء ضايقني لأنني عايشته مراراً حتى على صعيد شخصي، ولأن هناك الكثير من المواقف التي حصلت معي ولكني لم أتوقف ولو لمرة للتعليق عليها مثل سرقة البعض بشكل كامل لبعض ما كتبته ونسبه إلى نفسه مع أنه لا يشبهه، لكنني كتبته فقط للتذكير بأن الشيء الوحيد الذي يكاد تتشابه فيه مختلف الفئات هو رفضها للحقيقة عندما لا تأتي كما تشتهيها رغم أنها لم تدعي يوماً انتمائها إلاّ إلى نفسها..
خالد جهاد..