المحامي علي ابوحبله - فلسطين لن تغيب عن الوعي الجمعي العربي والإسلامي وهذا جوهر ديمومة الصراع

في ظل الصراع المتجدد عبر الاجيال استذكرت مقولة ديفيد بن غوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني "إسرائيل" الأول بعد إعلان تأسيس دولة الاحتلال إذ قال توطئة لمرحلة مقبلة من الصراع "الكبار يموتون ..والصغار ينسون"، وقد مر على هذه المقولة ثمانية وسبعون عاما تخللها انتفاضتان والثالثه على الابواب وسلسلة حروب بين العرب ودولة الاحتلال طوالها استمر الوعي العربي والفلسطيني رغم محاولات الاله الاعلاميه الصهيونيه لطمس معالم القضيه الفلسطينيه والترويج للتطبيع مع بعض الانظمه العربيه وخاصة تلك التي تجري مع السعوديه ويصفونها بالدوله السعوديه الكبرى وان التطبيع معها ينهي القضية الفلسطينية والحل يكون برايهم وفق المقاس الصهيوني وهاهم يعربدون في المسجد الاقصى ويستبيحون حرمته في ظل حجيج الوفود الاسرائيليه للرياض ضمن عمليات التطبيع ودون أن نلمس موقف جاد لمنع سلطات الاحتلال من منع استباحة حرمات المسجد الاقصى او الحيلولة دون التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى وباتت الخشية حقا من تخاذل وتواطئ دول التطبيع العربي من التغاضي عن الاجراءات القسريه للاحتلال وفق فهمهم ورؤيتهم لاتفاقات ابراهام وقد اجمع علماء المسلمين على رفضهم لهذا الاتفاق ومن يؤمن ويسير في فلك ابراهام فهو مرتد عن الاسلام

تناست دول التطبيع وتناست الصهيونية العالميه أن وعي المواطن العربي يرفض التطبيع ويصر على استمرارية الصراع مع الكيان الصهيوني حتى تحقيق المطالب المشروعه للشعب الفلسطيني وحق عودتهم لوطنهم فلسطين وهو أمر لا يتحقق لا في تحرير فلسطين والقدس من احتلال اسرائيل

مقولة بن غوريون تلك لم تكن اقتباساً يراد الاستدلال به لضياع الحق الفلسطيني بل كانت استراتيجية صهيوأمريكية كان هدفها حذف فلسطين بثقافتها وهويتها وموروثها الديني من الوعي الجمعي العربي، حتى أصبح صحن "الحمص" من التراث الغذائي اليهودي! يوجد على مستوى العالم 13 مليون فلسطيني غالبيتهم العظمى يعيشون في مخيمات لجوء بوثيقة لاجئ، بموجب صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يجب توطين هؤلاء اللاجئين خارج فلسطين ، وبموجب تلك الصفقة أيضاً يجب أن يتواصل التنسيق الأمني مع "إسرائيل" لتوفير الحماية لمواطنيها، وكذلك تلغى المقاطعة العربية لها بالكامل وتحتفظ بالسيادة على مخزون المياه الإقليمي لكونه ملف حيوي بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، كذلك فإن توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان الذي يقيمون فيها يقابله تعويض لليهود الذين هجروا من البلدان العربية وقد ذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية إحصائيات واضحة وصريحة ورفعت دعاوى قضائية حول هذا الموضوع. وتلغى الصفقة أي قرار خاص بالإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي تم إحتلالها عام 1967م وتقر فقط بدولة يهودية بموجب الحدود التي وضعتها الإدارة الأمريكية. وليس من حق الفلسطينيين التعاون عسكرياً أو أمنياً مع أي جهة قد تؤثر على الأمن الإسرائيلي وتبقى الأراضي التي تديرها السلطة الفلسطينية خاضعة أمنياً للسيطرة الإسرائيلية.

تلك كانت تفاصيل الصفقة التي وضعها المستشار الأمريكي جاريد كوشنر وقد طرحت سابقاً في عهد الرئيس الشهيد ياسر عرفات وعرفت باسم وثيقة (بيلن) وحاولت إسرائيل الضغط على عرفات للقبول بها في كامب ديفيد عام 2000 بدعم من الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون لكن رفضه تسبب في إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية

الأزمة الحقيقية ليس فيما تتضمنته صفقة القرن ولا في تلك الخطط لادارة بايدن للشرق الاوسط الجديد وتسييد اسرائيل وترسيخ وجودها في منظومة الشرق الاوسط الامنيه

فقد طرح سابقاً العديد من الاطروحات ومنها مقايضة الاقتصاد بالسلام وأفشله صمود الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من ثمانية وسبعون عاماً من المقاومةوالتصدي لسياسة الاستيطان والتهويد ومحاولات الترحيل القسري للمقدسيين والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى

ان الخطر الحقيقي في جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني بأن تغيب فلسطين عن الوعي الجمعي العربي والإسلامي وأن تصبح مجرد أزمة خاصة بمن يسكن على أرضها.

على مدار الصراع في فلسطين كانت فلسطين حية في المناهج التعليمية والدروس الدينية وكذلك في البرامج التلفزيونية والإذاعية لكننا اليوم وبعد ظهور الإعلام الاجتماعي وتقلص دور الإعلام التقليدي أصبح لدينا أزمة عميقة إذ نجد جهلة التاريخ والهوية ينبرون للدفاع عن وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية ومحاولة تحييد العرب والمسلمين عن هويتهم وأولوياتهم وإجبارهم على القبول بالخيارات الأمريكية والتسليم بجبروت هذا الكيان الغاصب .. نحتاج اليوم كلاً في موقعه إلى تحمل مسؤوليته إزاء معضلة الوعي التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية فقد نجحت (إسرائيل) في نشر الكثير من وسائل الإعلام الاجتماعي والحسابات الوهمية لزيادة الشرخ بين الشعوب العربيه والاسلاميه والفلسطينيين وأصبحت تشككهم في تاريخهم وهويتهم حتى أصبح البعض ينكفئ داخل حدوده المذهبية والجغرافية لدرجة أن يخرج البعض ممن ينادي بالتطبيع والشراكه مع المحتل على حساب أصحاب الحق الأصليين.. وهذا الأمر لا يفسره إلا جهل أو فساد وخيانة..

لم تعد فلسطين قضية الإعلام التقليدي ولا حتى النخب والمناهج التعليمية بل هي مسؤولية كل أم في بيتها وكل أب يصنع من نفسه قدوة أمام أبنائه، الموروث التاريخي والديني والثقافي والجغرافي عن فلسطين أصبح اليوم أمانة وميراث يجب أن ينقله كل صاحب وعي لمن هو أصغر منه

ونعود لمقولة ابن غوريون الكبار يموتون والصغار ينسون وقد ثبت عبر السنين فشل هذه المقوله ودليلنا بتجدد الصراع مع الكيان الصهيوني بتجدد الاجيال وفق مفهوم انه لا يمكن لاي شعب في العالم التسليم بأمر الاحتلال ولا حتى القبول بممارساته وعدوانيته ، كيف الحال مع احتلال إحلالي يغتصب الارض ويوسع الاستيطان ويطلق العنان لمستوطنيه ويؤمن لهم الحماية في وضع اليد على عقارات المقدسيين وتدنيس حرمة المسجد الأقصى ويسعى لفرض التقسيم ألزماني والمكاني ، ويطلق لجيشه العنان لقتل الفلسطيني لمجرد الاشتباه ضمن سياسة ما يعرف باستباحة الدم الفلسطيني على حساب اصحاب الحق الاصليين ، هذه الممارسات التي تقوم بها حكومات الاحتلال وحملة التشهير والتضليل والشيطنه ضد الشعب الفلسطيني تدفع الفلسطينيون لإعلان ألانتفاضه الثالثة على يد الجيل الثالث او الرابع للنكبه

ان تنامي الشعور الفلسطيني القومي الذي ينتقل من الكبار الى الصغار هو تاكيد على التمسك بالحقوق الوطنيه والتاريخيه بارض فلسطين وهو الدافع لهؤلاء بضرورة مواجهة الاحتلال وتفعيل العمل المقاوم ضد الكيان الصهيوني المحتل والمغتصب

في ظل انعدام أي أفق للحل السياسي وفي ظل موقف دولي لا مبالي وانعدام اتخاذ أي إجراءات تحول دون المخططات الاسرائيليه الهادفة إلى تهويد الأرض الفلسطينية وتذويب الهويه الوطنيه الفلسطينيه فان الصراع يتجدد بتجدد الاجيال

إن الحصار الاقتصادي الخانق وتحكم حكومة الاحتلال بالموارد الوطنية الفلسطينية وتحكمها بالاقتصاد الفلسطيني بموجب اتفاقية باريس ألاقتصاديه وحجب الموارد المالية وحجزها والتحكم فيها والضغط الأمريكي الممارس على العديد من الدول لحجب مساعداتها عن الفلسطينيون في ظل سياسة تتعمد كسر إرادة الصمود الفلسطيني أصبحت جميعها تدفع الجيل الناشئ للانتفاضة الثالثة ضد الاحتلال

على المجتمع الدولي أن يدرك مخاطر وتداعيات السياسة الاسرائيليه التي تهدد امن وسلامة المنطقة وأن حالة الإحباط واليأس تدفع الجيل الشاب الذي لن ينسى قضيته وحقه للتحرر للتمرد والثورة ضد الاحتلال ورفض سياسة الأمر الواقع ورفض كل الإغراءات

ان ما يعانيه الفلسطينيون بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي يزيد من معاناتهم يوما عن يوم وما لم يشرع المجتمع الدولي بتطبيق قرارات الشرعيه الدوليه وضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني فان الصراع قائم ومتجدد مع الاجيال و المنطقه مفتوحه على كل الاحتمالات في ظل تجاهل الحق الشرعي والتاريخي للشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية

وان اتفاقات التطبيع ومهما حاول القائمين عليها من تجاهل للحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني ومن اقرار بواقع اغتصاب فلسطين وتكريس وجود اسرائيل في منظومة الشرق الاوسط الا ان الحقيقة التي يتجاهلها المطبعون العرب جهلهم في عقديتهم الايمانية عقيدة الاسلام وجهلهم في التاريخ وان هذا الاحتلال مهما طال زمنه ووجوده فهو الى زوال كما هو حال تلك الانظمة المطبعة فهي الاخرى لن تدوم والى زوال وهذا هو منطق التاريخ

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...