المحامي علي ابوحبله - خريطة الدم ضمن مفهوم الشرق الأوسط الجديد ( ح2 ) بعنوان ( استراتجية الفوضى الخلاقه )

إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله



إستراتيجية الفوضى الخلاقة



يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأميركي في التعامل مع قضايا الوطن العربي ، حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد في المجال التداولي العربي لمفهوم الفوضى المثقل بدلالات سلبية من أبرزها عدم الاستقرار أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح (الفوضى الخلاقة) بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي. وتمثل كتابات اليوت كوهين أحد المصادر المهمة لنظرية الفوضى الخلاقة وخصوصا كتابه: ( القيادة العليا، الجيش ورجال الدولة والزعامة في زمن الحرب) ويرى كوهين أن الحملة على الإرهاب هي الحرب العالمية الرابعة باعتبار أن الحرب الباردة هي الثالثة، ويؤكد بأن على الولايات المتحدة أن تنتصر في الحرب على الإسلام الأصولي.

أما (مايكل ليدين) - العضو البارز في معهد (أمريكا انتربرايز) – فهو أول من صاغ مفهوم (الفوضى الخلاقة) ، أو (الفوضى البنَّاءة)، أو (التدمير البنَّاء) ، في معناه السياسي الحالي، وهو ما عبر عنه في مشروع ( التغيير الكامل في الشرق الأوسط) ، الذي أعده عام 2003 ، حيث ارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، الشاملة لكل دول المنطقة، وَفقًا لإستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم، ثم إعادة البناء.

وهذا المصطلح أدرجته الإدارة الأمريكية منذ العام 2007 وردده كبار مسئوليها ومنهم (كوندوليزا رايس) في حديث لها أدلت به إلى صحيفة ( الواشنطن بوست) الأمريكية في شهر نيسان من العام المذكور ، عندما قيل لها أن التفاعلات التي تموج بها هذه المنطقة من العالم لا تترك مجالا آخر سوى للاختيار بين الفوضى أو سيطرة الجماعات الإسلامية على السلطة، ولن تؤدي بالضرورة إلى انتصار الديمقراطية، لم تتردد في أن تقول إن الوضع الحالي ليس مستقرا ، وأن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي من نوع ( الفوضى الخلاّقة) التي ربما تنتج في النهاية وضعا أفضل مما تعيشه المنطقة حاليا . ثم لخصت عملية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط بقولها: إن الولايات المتحدة سعت على مدى ستين عامًا إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية، ولم تحقق أيًّا منهما، وتتبنى الآن نهجًا مختلفًا. وتمثل الأطروحة الرئيسية لنظرية الفوضى الخلاقة على اعتبار الاستقرار في العالم العربي عائقا أساسيا أمام تقدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولذلك لا بد من اعتماد سلسلة من التدابير والإجراءات تضمن تحقيق رؤيتها التي تطمح إلى السيطرة والهيمنة على العالم العربي الذي يمتاز بحسب النظرية بأنه عالم عقائدي وغني بالنفط ، الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة، وينادي أقطاب نظرية الفوضى الخلاقة باستخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة كما حدث في أفغانستان والعراق وتبني سياسة التهديد بالقوة التي تساهم في تفجير الأمن الداخلي للعالم العربي وتشجيع وتأجيج المشاعر الطائفية وتوظيفها في خلق الفوضى . والحقيقة أن مصطلح الفوضى الخلاّقة هو تغطية للفشل الأمريكي الذريع في المنطقة لدرجة أن الفوضى أصبحت مصلحة أمريكية مؤقتة. فالفوضى لم تكن يوما ولن تكون يوما بنّاءة، بأي شكل من الأشكال فهي دائما هدّامة، والمقصود بالبناءة هنا : أي التي تصب في مصلحة أمريكا وبذلك تكون بنّاءة للولايات المتّحدة ولكن هدّامة للجميع.



الشرق الأوسط الجديد (مشروع شمعون بيرس )



استكمالا للدور الإسرائيلي في تفتيت الوطن العربي ، فقد تم طرح فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد حرب الخليج الأولى ، وكان أحد أهم منظريها ومتبنيها وزير خارجية إسرائيل آنذاك (شمعون بيريس) ، فبعد توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 أصدر بيرس كتابه (الشرق الأوسط الجديد)، وكان تصوره قائماً على أنّ وحدة اقتصادية ستتحقّق بين المنطقة العربية وإسرائيل، وستجمع هذه الوحدة الاقتصادية بين العبقرية الإسرائيلية في القيادة، والأيدي العربية الرخيصة المستخدمة في التصنيع، والثروة العربية المتكدّسة من بيع البترول ...الخ ، واعتبر بيرس أن ما طرحه هو أسلوب جديد في التفكير للوصول للأمن والاستقرار الذي يتطلب من الجميع نظاما أمنيا وترتيبات إقليمية مشتركة واسعة النطاق وتحالفات سياسية لدول المنطقة كلها . وتحولت فكرة الشرق الأوسط الجديد عمليا إلى المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بغية تطوير الفكرة وضم أطراف أخرى إليها غير البلدان العربية الشرق أوسطية . ورؤى قادة إسرائيل تتمثل بأن كيانهم أصبح بحكم الأمر الواقع دولة موجودة وقوية ومتفوقة، وعليهم الإسراع في إيجاد الصيغة المناسبة لاستمرار وجودهم وتمَكّنِهم، والتغلغل في أرجاء الوطن العربي وتحويله إلى أجزاء ممزقة، مقطعة الأوصال، ويكون الدور القائد والمهيمن فيه للأقوى. واعتبر بيرس إن عظمة إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها.

خلاصة ما نظّر له (بيريس) : شرق أوسط جديد تقوده تل أبيب، شرق أوسط مدجج بالتنمية والرفاه- هذا في الظاهر- أما في الباطن فهو شرق أوسط مفكك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية يشتبك الجميع فيه مع بعضه، بينما يتصالحون جميعاً وربما يتحالفون أيضاً مع إسرائيل ، وفق استراتيجية إسرائيلية جديدة لضمان استمرارية هيمنتها وتفوقها في المنطقة، وإن اختلفت الوسيلة وتغيرت من دبابة وقذيفة إلى بضاعة وسلعة للاستهلاك . ويعترف بيريس مكرها أن الانتفاضة كانت الذخيرة الحية والنضال الحاد الذي أكد فشل الأمر الواقع الذي صُمم لغرض فرض نظرية الأمن الإسرائيلية. والأمر الأخر الملفت للنظر في كتاب بيرس هو دعوته لإدخال الاقتصاد الإسرائيلي ضمن اقتصاديات السوق العربية المشتركة ، وهذا يعني أن بيرس يلهث لإيجاد سوق شرق أوسطية، مستعجلا ذلك بشتى الطرق والوسائل ، قبل أن تتبدل الأحوال وتتغير موازين الصراع لصالح العرب والمسلمين . إن المطلع على كتاب بيرس ربما ينخدع للوهلة الأولى بموضوعيته ومنطقه ، غير أنه سرعان ما يكشف القارئ الواعي أن هذا السياسي الإسرائيلي المخضرم إنما يدس السم بالعسل وأن دعوته الظاهرية للسلام لا تخفي الإستراتيجية التوسعية التي التزم بها قادة إسرائيل والحركة الصهيونية حتى من قبل قيام دولتهم على أرض فلسطين. ومع ذلك فالكتاب لا يخلو في الوقت ذاته

من اعترافات أجبر بيريس على تدوينها ليس أقلها أن الحروب التي خاضتها إسرائيل لم تستطع أن تضمن لها النصر النهائي أو حتى الأمن. ويمكن اختصار مشروع بيرس بالمعادلة الآتية :

تفعيل التكنولوجيا الإسرائيلية واستثمار المياه التركية والعمالة المصرية والأموال الخليجية ، كي تصبح إسرائيل جزءا من ترتيبات إقليمية اقتصادية،

تضمن لها أداء دور الوكيل المعتمد في إطار اقتصادي، والانفتاح على العرب وأسواقهم تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد . وفي هذا يقول المحلل الإسرائيلي ( زئيف شيف) أن العراق بعد احتلاله يمكن إلحاقه بالشرق الأوسط الجديد لأنه يمتلك المقومات الأربعة - على حد تعبيره - وهي ( التكنولوجيا والمياه والأموال والأيدي العاملة[/B] )



الشرق الأوسط الكبير( مشروع الرئيس بوش الأب
)



بعد احتلال العراق وتدميره عام 2003 ، أعيد طرح فكرة الشرق الأوسط لكنه سمي ( الشرق الأوسط الكبير ) من قبل الرئيس بوش ، ليشير هذه المرة إلى الوطن العربي بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسرائيل ، ظنا من الإدارة الأمريكية أن ما تم تحقيقه بالقوة في العراق من الممكن قطف ثماره سريعا سياسيا واقتصاديا، ورغم محاولات تسويق هذه الفكرة عربيا إلا أنها خبت لعدم قدرتها على ضمان ما تم إنجازه عسكريا في العراق ، ثم بشرت (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بولادة (شرق أوسط جديد)، سينمو ليحقق – حسب تعبيرها - حلا سحريا لعلاج أزمات المنطقة المزمنة . ومن قراءة متأنية لمشروع الشرق الأوسط الأمريكي نجد أنه لا يشترط حل القضية الفلسطينية، أي أنه يمكن أن تبدأ الدول العربية تطبيق المشروع قبل أن يوجد حل للقضية الفلسطينية. جدير بالذكر أن بنود هذا المشروع نوقشت – بعد طرحها من قبل بوش - في اجتماع الدول الثمانية الصناعية الكبرى في يوليو 2004 في جزيرة ايلاند، وأبرز ما جاء في المشروع آنذاك هو الدعوة إلى الديموقراطية، والتغيير الثقافي، وحقوق الإنسان، والتأكيد على حقوق المرأة، وإنهاء الأُمّية ... الخ، وقد وُضعت برامج تفصيلية تحقّق تلك الأهداف، كما رُصدت ميزانيات مالية من أجل الإنفاق على تلك البرامج بين الدول الثمانية. لكنّ شيئاً من ذلك لم يتحقّق، بل تحقّق ما أسموها (الفوضى الخلاقة)، وتجلّت هذه الفوضى في أبهى صورة في العراق، فالدمار يعمّ كل شيء: البناء والطرق والجسور والبنى التحتية .. الخ والكل يقتل الكل والقاتل مجهول ، والجميع يتآمر على تقسيم العراق، ولم تتحقّق ديمقراطية، ولا حقوق إنسان، ولا ارتقاء ثقافي، ولا محو أُمّية ، ولا أي شيء مما ناقشه اجتماع الدول الثمانية .


في الحلقه القادمه اهداف مشروع الشرق الاوسط الجديد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...