يقال عن الحلم: حلم يحلم إذا رأى في المنام، وحلم به وحلم عنه وتحلم عنه: رأى له رؤيا أو رآه في النوم، بالضروورة هناك ارتباط بين (الحلم والرؤيا) بل إن الدلالات اللغوية للحلم والرؤيا واحدة إلا أن التمييز قد يقع بين الرؤيا والحلم وفق ما قدمه سعيد يقطين من كون الرؤيا الصادقة لها دلالة؛ فهي إذن (نص)، أما الحلم فمجموعة أوهام لا طائل لها، فهو (اللانص) وقد تتحول الرؤيا (النص) إلى (اللانص) حين يتعذر على المؤول منحها تفسيرا أو تأويلا، وحين لا يريد المؤول كشف وفض ذاتية الرائي.
فرق غاستون باشلار بين أحلام النوم وأحلام اليقظة، حيث يمنح الثانية الجانب الجمالي والبعد الإيحائي أكثر مما قد يكون في الأولى؛ إذ تتميز تصوراته بالتشديد على ضرورة التمييز بين أحلام النوم وأحلام اليقظة باعتبار الأولى لا تعدو أن تكون تعبيرا سلبيًّا واستلامًا للذات ولا تنطوي على أي بعد جمالي أو طاقة إيحائية، بينما الثانية تعبير حي للذات عن دهشتها الوجدانية أمام مظاهر الوجود وعناصره الطبيعية .. ومن ثم فهي طاقة غريزية ذات ملمح شاعري تستهدف الارتقاء بالشعور من مستواه الإدراكي العادي المحدود إلى مستوى الخلق والابتكار".
يوظف أحمد عبد الله إسماعيل الرؤيا في قصة "درويش" توظيفًا فنيًّا يشي باهتمامه الزائد بالرؤيا، وليس الحلم انطلاقًا من الحديث الشريف"الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" فيقول:
"رأيت في منامي رجلًا يمشي على وجلٍ، وحيدًا في صباح يوم تفتحت فيه الأزهار، يحمل في نظراته أملًا، سمعته يقول: إنه لا يتخوف سوى من تشتتنا بعد موته، يلعن الأنانية، ويترقب نظراتي، ثم أوصاني بأخي الأكبر، تعجبت كثيرًا، حاولت معرفة المزيد..."
الرؤيا كما ترى مباشرة، لا تتعبك في التأويل، فهي وصية من رجل غريب، يخشى تشتت الأسرة، فيوصي بالأخ الأكبر، ثم جاءت الحيرة والدهشة من الرائي، الذي حاول معرفة المزيد لكنه استيقظ على أصوات البائعين المتجولين، وهي رؤيا تحمل في طياتها نوعًا من الترقب والتوتر، إذ تشي بوجود خلاف ما بين الأشقاء، فهي رؤيا تجنح إلى الجلاء والانكشاف والوضوح؛ فالرؤيا هنا بمثابة نافذة يطل منها الرائي على ما كان وما هو كائن أو سيكون، وهي تعبير لا شعوري عن رغبات المبدع المخفية في بواطن النفس.
فالرجل الذي كان يمشي على وجل، وحيدًا، هو الأب الذي يرفل في نعيم الجنة، ويخشى على أولاده الضياع والتشتت في الدنيا، فيوصيهم بالاتحاد والتعاون، والوقوف معًا جنبًا إلى جنب. وعدم معرفة الرائي بتأويل رؤياه جعله يلجأ إلى مفسر للرؤيا، فلجأ إلى درويش من العارفين.
ومن الجلي أن الرؤيا التي رآها الرائي في منامه تمثل نزعة ثقافية، نفسية، اجتماعية، في آنٍ معًا، تصور عالمًا نفسيًّا اجتماعيًّا -نتيجة وجود خلاف ما بين الإخوة الأشقاء مما استدعى رؤية الأب في المنام- يمور في وجدان السارد، وقد جاءت في شكل مكون سردي ضمن بناء سردي مكتمل ، ولم تشكل بنية مستقلة، ومن هنا فقد أسهمت في استدعاء شخصيات دينية ذات أثر ثقافي شعبي لدى العوام، منها (سيدي السطوحي الملثم) (نفيسة العلم) (سيدي برهان الدين) وهي شخصيات تجنح إلى ما جاء في صدر المنام من وصايا وحكم وأقوال عامة شائعة كقوله: يا لطيفًا بخلقه، يا عليمًا بخلقه، يا خبيرًا بخلقه، الطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير.
تحمل بعض القصص في المجموعة عنوانًا يمثل البطل في القصة برمتها، ففي قصة "الحلم القاتل" نرى الحلم الملغز يفك شفرة جريمة قتل أرَّقت الشرطة طويلًا، والطريف في الحلم هنا أنه منقول من ملفات القضية، وليس الرائي هو القائل مباشرة بل عن طريق أحد الأشخاص (كرم) الذين رويت لهم حكاية الحلم، فقال السارد:
"أخبرني كرم برؤية غريبة رآها ليلة الجريمة؛ حيث جلست زوجته شاردة على مائدة الطعام، وفجأة سقط ضرسها بعدما نفد طعامها، واصطحبها والدها الميت وخرجا معًا، ولما سأله الزوج عن الوجهة لم يجبه".
"وليس للحلم رغم كل شيء قوة تعديه إلى شخص آخر غير الحالم نفسه، فالحالم هو وحده الذي شاهد الحلم، وهو المعني الأول به، أما الآخرون بمن فيهم العابر نفسه إنما يتقبلون رواية لغوية للحالم".
وفي القصة المعنونة ب "الحلم القاتل" نرى الرؤية تفك شفرات جريمة قتل حدثت منذ ثلاثة عقود، راحت ضحيتها زوجة جميلة، وتم الاعتداء على جثمان المتوفاة بعد القتل، مما أثار حفيظة لواء متقاعد كان مهتمًّا بالقضية، فراح يبحث عن التفاصيل لعله يصل إلى الجاني الحقيقي، بعد أن شك في المحيطين بها، وبالبحث والتنقيب وصل إلى الجاني الفعلي. ومن خلال الرؤيا التي رآها كرم يلتقي فيها الحي بالميت، مائدة الطعام، وقوع الضرس كلها تفاصيل دقيقة تخدم الحدث الدرامي للقصة.
حصر سيغموند فرويد وظيفة الحلم في "تفريغ الكبت الشعوري وقلب الصورة التي يرفضها الوعي لصورة مقبولة من خلال رمزية الحلم"ولذا فقد عزا السارد معرفة القاتل في شخص غريب الأطوار ضاجع الجثة لجمالها الزائد، والحقيقة أن السارد أثار قضية خطيرة في قصته هذه.
وعلى مستوى وظائف الحلم في القصة، فقد تعددت وظائفه في ثلاث وظائف هي: وظيفة تأثيرية؛ بمساهمته في تثبيت أو تغيير وتحويل مجرى السرد في القصة، وتعبيرية تتمثل في كونه قناعًا لرؤى السارد ومواقفه المختلفة، ووظيفة شعرية باعتباره بلاغة فنية رمزية تثري بنيات النص ومكوناته، وتبتعد به عن لغة المباشرة والتقريرية التي سقط فيها الكثير المبدعين.
ونلاحظ على المجموعة القصصية برمتها ميل القاص أحمد عبد الله إسماعيل إلى لغة المقامة من حيث السجع، وتقابل الألفاظ وتوازن الصيغ والتراكيب، فيقول في قصة "حب في الهواء":
سافرت يومًا في طائرة، مع امرأة حائرة، روحها ثائرة، وألجأتنا صحبة السفر، إلى الفضفضة والسمر، وأجبرتُ على الاستماع، إلى كل الهموم والأوجاع، أضحك وأنفعل، ويهدأ بالي ويشتعل، وكان يتضاعف على قلبي الهم، كلما أسهبت في وصف ما عانته في زواجها من غم..
وأحيانًا يقيم حوارًا بطريقة شعرية خالصة، فيقول في قصة "ثرثرة في القهوة":
لأي حد يحب مصر بلدنا دار
ولو يفكر يوم يعادي هتبقى نار
وراها جيش شغله يخطط ليل نهار
وفي حضن قلبه هموم الكل الصغار قبل الكبار
رغم إن جيش الدفاع غير الدمار
ويبقى أن أشير إلى موهبة أحمد عبد الله إسماعيل الفطرية، فهو يمتلك حسًّا سرديًّا طيبًا، وينمي من موهبته باستمرار، ولكن عليه أن يطور أسلوب السرد لنظفر منه بكنز سردي حقيقي، وأن يستمر على مواصلة الإبداع كما في قصة "نهر الموت" التي أجاد فيها من حيث الإثارة البادية في مطلع القصة، وعدم وجود الحشو، فكل كلمة موظفة توظيفًا فنيًّا في خدمة العمل برُمته، ناهيك عن تماسك البنية السردية وقوة الحبكة؛ فما إن تعلق عيناك على سطر فتنشغل بما يليه في متعة وإثارة ودهشة.
الأستاذ الدكتور / أحمد فرحات
ناقد أكاديمي
فرق غاستون باشلار بين أحلام النوم وأحلام اليقظة، حيث يمنح الثانية الجانب الجمالي والبعد الإيحائي أكثر مما قد يكون في الأولى؛ إذ تتميز تصوراته بالتشديد على ضرورة التمييز بين أحلام النوم وأحلام اليقظة باعتبار الأولى لا تعدو أن تكون تعبيرا سلبيًّا واستلامًا للذات ولا تنطوي على أي بعد جمالي أو طاقة إيحائية، بينما الثانية تعبير حي للذات عن دهشتها الوجدانية أمام مظاهر الوجود وعناصره الطبيعية .. ومن ثم فهي طاقة غريزية ذات ملمح شاعري تستهدف الارتقاء بالشعور من مستواه الإدراكي العادي المحدود إلى مستوى الخلق والابتكار".
يوظف أحمد عبد الله إسماعيل الرؤيا في قصة "درويش" توظيفًا فنيًّا يشي باهتمامه الزائد بالرؤيا، وليس الحلم انطلاقًا من الحديث الشريف"الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" فيقول:
"رأيت في منامي رجلًا يمشي على وجلٍ، وحيدًا في صباح يوم تفتحت فيه الأزهار، يحمل في نظراته أملًا، سمعته يقول: إنه لا يتخوف سوى من تشتتنا بعد موته، يلعن الأنانية، ويترقب نظراتي، ثم أوصاني بأخي الأكبر، تعجبت كثيرًا، حاولت معرفة المزيد..."
الرؤيا كما ترى مباشرة، لا تتعبك في التأويل، فهي وصية من رجل غريب، يخشى تشتت الأسرة، فيوصي بالأخ الأكبر، ثم جاءت الحيرة والدهشة من الرائي، الذي حاول معرفة المزيد لكنه استيقظ على أصوات البائعين المتجولين، وهي رؤيا تحمل في طياتها نوعًا من الترقب والتوتر، إذ تشي بوجود خلاف ما بين الأشقاء، فهي رؤيا تجنح إلى الجلاء والانكشاف والوضوح؛ فالرؤيا هنا بمثابة نافذة يطل منها الرائي على ما كان وما هو كائن أو سيكون، وهي تعبير لا شعوري عن رغبات المبدع المخفية في بواطن النفس.
فالرجل الذي كان يمشي على وجل، وحيدًا، هو الأب الذي يرفل في نعيم الجنة، ويخشى على أولاده الضياع والتشتت في الدنيا، فيوصيهم بالاتحاد والتعاون، والوقوف معًا جنبًا إلى جنب. وعدم معرفة الرائي بتأويل رؤياه جعله يلجأ إلى مفسر للرؤيا، فلجأ إلى درويش من العارفين.
ومن الجلي أن الرؤيا التي رآها الرائي في منامه تمثل نزعة ثقافية، نفسية، اجتماعية، في آنٍ معًا، تصور عالمًا نفسيًّا اجتماعيًّا -نتيجة وجود خلاف ما بين الإخوة الأشقاء مما استدعى رؤية الأب في المنام- يمور في وجدان السارد، وقد جاءت في شكل مكون سردي ضمن بناء سردي مكتمل ، ولم تشكل بنية مستقلة، ومن هنا فقد أسهمت في استدعاء شخصيات دينية ذات أثر ثقافي شعبي لدى العوام، منها (سيدي السطوحي الملثم) (نفيسة العلم) (سيدي برهان الدين) وهي شخصيات تجنح إلى ما جاء في صدر المنام من وصايا وحكم وأقوال عامة شائعة كقوله: يا لطيفًا بخلقه، يا عليمًا بخلقه، يا خبيرًا بخلقه، الطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير.
تحمل بعض القصص في المجموعة عنوانًا يمثل البطل في القصة برمتها، ففي قصة "الحلم القاتل" نرى الحلم الملغز يفك شفرة جريمة قتل أرَّقت الشرطة طويلًا، والطريف في الحلم هنا أنه منقول من ملفات القضية، وليس الرائي هو القائل مباشرة بل عن طريق أحد الأشخاص (كرم) الذين رويت لهم حكاية الحلم، فقال السارد:
"أخبرني كرم برؤية غريبة رآها ليلة الجريمة؛ حيث جلست زوجته شاردة على مائدة الطعام، وفجأة سقط ضرسها بعدما نفد طعامها، واصطحبها والدها الميت وخرجا معًا، ولما سأله الزوج عن الوجهة لم يجبه".
"وليس للحلم رغم كل شيء قوة تعديه إلى شخص آخر غير الحالم نفسه، فالحالم هو وحده الذي شاهد الحلم، وهو المعني الأول به، أما الآخرون بمن فيهم العابر نفسه إنما يتقبلون رواية لغوية للحالم".
وفي القصة المعنونة ب "الحلم القاتل" نرى الرؤية تفك شفرات جريمة قتل حدثت منذ ثلاثة عقود، راحت ضحيتها زوجة جميلة، وتم الاعتداء على جثمان المتوفاة بعد القتل، مما أثار حفيظة لواء متقاعد كان مهتمًّا بالقضية، فراح يبحث عن التفاصيل لعله يصل إلى الجاني الحقيقي، بعد أن شك في المحيطين بها، وبالبحث والتنقيب وصل إلى الجاني الفعلي. ومن خلال الرؤيا التي رآها كرم يلتقي فيها الحي بالميت، مائدة الطعام، وقوع الضرس كلها تفاصيل دقيقة تخدم الحدث الدرامي للقصة.
حصر سيغموند فرويد وظيفة الحلم في "تفريغ الكبت الشعوري وقلب الصورة التي يرفضها الوعي لصورة مقبولة من خلال رمزية الحلم"ولذا فقد عزا السارد معرفة القاتل في شخص غريب الأطوار ضاجع الجثة لجمالها الزائد، والحقيقة أن السارد أثار قضية خطيرة في قصته هذه.
وعلى مستوى وظائف الحلم في القصة، فقد تعددت وظائفه في ثلاث وظائف هي: وظيفة تأثيرية؛ بمساهمته في تثبيت أو تغيير وتحويل مجرى السرد في القصة، وتعبيرية تتمثل في كونه قناعًا لرؤى السارد ومواقفه المختلفة، ووظيفة شعرية باعتباره بلاغة فنية رمزية تثري بنيات النص ومكوناته، وتبتعد به عن لغة المباشرة والتقريرية التي سقط فيها الكثير المبدعين.
ونلاحظ على المجموعة القصصية برمتها ميل القاص أحمد عبد الله إسماعيل إلى لغة المقامة من حيث السجع، وتقابل الألفاظ وتوازن الصيغ والتراكيب، فيقول في قصة "حب في الهواء":
سافرت يومًا في طائرة، مع امرأة حائرة، روحها ثائرة، وألجأتنا صحبة السفر، إلى الفضفضة والسمر، وأجبرتُ على الاستماع، إلى كل الهموم والأوجاع، أضحك وأنفعل، ويهدأ بالي ويشتعل، وكان يتضاعف على قلبي الهم، كلما أسهبت في وصف ما عانته في زواجها من غم..
وأحيانًا يقيم حوارًا بطريقة شعرية خالصة، فيقول في قصة "ثرثرة في القهوة":
لأي حد يحب مصر بلدنا دار
ولو يفكر يوم يعادي هتبقى نار
وراها جيش شغله يخطط ليل نهار
وفي حضن قلبه هموم الكل الصغار قبل الكبار
رغم إن جيش الدفاع غير الدمار
ويبقى أن أشير إلى موهبة أحمد عبد الله إسماعيل الفطرية، فهو يمتلك حسًّا سرديًّا طيبًا، وينمي من موهبته باستمرار، ولكن عليه أن يطور أسلوب السرد لنظفر منه بكنز سردي حقيقي، وأن يستمر على مواصلة الإبداع كما في قصة "نهر الموت" التي أجاد فيها من حيث الإثارة البادية في مطلع القصة، وعدم وجود الحشو، فكل كلمة موظفة توظيفًا فنيًّا في خدمة العمل برُمته، ناهيك عن تماسك البنية السردية وقوة الحبكة؛ فما إن تعلق عيناك على سطر فتنشغل بما يليه في متعة وإثارة ودهشة.
الأستاذ الدكتور / أحمد فرحات
ناقد أكاديمي