"أم البدايات أم النهايات.
كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين.
صَارَتْ تُسَمَّى فلسطين"(1)
***
أمام فظاعة ما يجري في فلسطين المحتلة، تجد نفسك عاجزا عن فعل أي شيء.. تجلس أمام التلفاز، تبلع الأخبار ممزوجة برائحة الرصاص.. غبار المباني المقصوفة بأحدث أسلحة الدمار يغطي الشاشة. امرأة تحمل رضيعا، وتجري في كل الاتجاهات، كأنها تبحث عن نافذة يمكن أن تمدها بقليل من الأوكسيجين.. لا أوكسيجين في هواء غزة.. انصرف المذيع للحظات.. بين القصف والقصف لا بد من لقطات للإشهار.. والسوق لا يجب أن تتوقف..
قرأت قصيدة لدرويش.. استمعت لأغنية لأحمد قعبور، وأخرى لجوليا بطرس.. تُحف الحروب الحديثة.. يا محمود مضت الغيوم وشردتني.. ويا أحمد لينا سقطت، لكن دمها كان يغني للشجر الواقف في غزة.. غابت شمس الحق يا جوليا.. لا ملايين في الشوارع.. أغمضتَ عينيك.. لم تعد قادرا على تحمّل قصف الأخبار ..
تعبتَ من شتم القادة والزعماء.. تعب الناس من السجون.. الآن تخنقك الوحدة.. تشعر بغربة قاتلة.. العالم تغير من حولك.. تعتقد بأنه يتغير إلى الأسوء، أو بعبارة أدق العالم يتصهين.
لم يجتمع القادة بعد.. الطيور المعدنية تحتاج لوقت أطول لتُعمم وحشيتها على الكون..
حاملة الطائرات جيرالد فورد تشبه مدينة تكنولوجية، كأنها تهبط من الفضاء لتحمي شعبا تعشقه مدججا بالأسلحة ضد شعب أعزل بالكاد يجد ما يأكل.
توجه الرسائل لمن يهمه الأمر.. لا دعم عسكري للبشر أو الحجر في غزة.. على الجميع أن يقدم فروض الطاعة.. عندما تقتل جنديا أو مدنيا متصهينا فأنت إرهابي، وعليك أن تدفع الثمن باهضا.. أغلب السفارات تطبع وتردد مثل الببغاوات.
نطردك من أرضك.. نشردك.. نقتل أطفالك أمام عينيك.. نسجنك في قفص ألف عام.. وإن فكرت في رفع رأسك، وحمل بندقية لاسترجاع القليل من كرامتك، فأنت إرهابي .. هذا عمل يحجبه عنك حق (الفيثو) وحاملة الطائرات..
قلتَ القانون الدولي؟! بلل المداد الذي كُتب به، واشربه مع المية!
سنصنع لك يوما للقيامة تطول فيه الدقيقة دهرا بكامله.. لا راحة في غزة.. لا قانون، لا ماء، لا كهرباء، لا غذاء، لا دواء، لا نوم، يجب أن تُصلب واقفا، طيور الموت تحاصرك من كل صوب.. اهرب في أي اتجاه شئت.. لن تفلت من هذه الطيور المعدنية التي تحوم فوق رأسك.. صوتها يمزق الجدران حتى قبل أن تنفث سمومها.. طبلة أذنيك تمزقت .. لن تسمع شيئا بعد الآن.. لا هواء في غزة.. لن تشم غير دخان البارود والحرائق.. بعض القنابل مثل غربان من نار تطارد جسمك النحيل، تفصل الجلد عن العظم..
وأنت أيها العالم عليك أن تصمت.. لا بأس من متابعة الأخبار في التلفاز.. افتح عينيك جيدا، واسمع لما نقوله.. السينما تتكفل بالمهمة، والبارود يحرق الرمح.. نحتاج قليلا من الوقت لننتهي من صنع فيلم جديد لهنود حمر جدد..
لا صوت يعلو على صوت أمريكا.. تحكم العالم كما تشاء، تقول ما تشاء.. تفعل ما تشاء.. تقتل متى تشاء، وترضى عنك متى تشاء..
المكان الذي تدخله إسرائيل أو أمريكا تهجره الملائكة.. لا ملائكة في غزة، لا هواء في غزة.. فقط رائحة الموت تتسرب إلى النشرات، وتتجول في عناوين الأخبار.
طائران بحجم السماء يخرجان للعالم برأسين لعملة واحدة هي الموت.
كل شيوخ الفتنة، وخلفاء (الحريق العربي) تخلوا عنك. لا أئمة، لا سادة، لا جولاني، لا بغدادي، لا عثماني.. الآن يلعبون دور نفاخات2 تختفي وراء الستار..
وأنت وحدك فوق الخشبة تواجه الموت، وصوت المغني يواسي:
"أنا ما هنت في وطني
ولا صغّرت أكتافي
وقفت بوجه ظلامي
يتيماً عارياً حافي"3
الهامش:
1ـ مقطع من قصيدة على هذه الأرض لمحمود درويش.
2ـ نفاخات: بالونات من بلاستيك سريعة الفرقعة، تُزين بها قاعة الحفلات، أو يلعب بها الأطفال.
3 ـ مقطع من أغنية أناديكم لأحمد قعبور.
حاميد اليوسفي
مراكش 12 أكتوبر 2023
كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين.
صَارَتْ تُسَمَّى فلسطين"(1)
***
أمام فظاعة ما يجري في فلسطين المحتلة، تجد نفسك عاجزا عن فعل أي شيء.. تجلس أمام التلفاز، تبلع الأخبار ممزوجة برائحة الرصاص.. غبار المباني المقصوفة بأحدث أسلحة الدمار يغطي الشاشة. امرأة تحمل رضيعا، وتجري في كل الاتجاهات، كأنها تبحث عن نافذة يمكن أن تمدها بقليل من الأوكسيجين.. لا أوكسيجين في هواء غزة.. انصرف المذيع للحظات.. بين القصف والقصف لا بد من لقطات للإشهار.. والسوق لا يجب أن تتوقف..
قرأت قصيدة لدرويش.. استمعت لأغنية لأحمد قعبور، وأخرى لجوليا بطرس.. تُحف الحروب الحديثة.. يا محمود مضت الغيوم وشردتني.. ويا أحمد لينا سقطت، لكن دمها كان يغني للشجر الواقف في غزة.. غابت شمس الحق يا جوليا.. لا ملايين في الشوارع.. أغمضتَ عينيك.. لم تعد قادرا على تحمّل قصف الأخبار ..
تعبتَ من شتم القادة والزعماء.. تعب الناس من السجون.. الآن تخنقك الوحدة.. تشعر بغربة قاتلة.. العالم تغير من حولك.. تعتقد بأنه يتغير إلى الأسوء، أو بعبارة أدق العالم يتصهين.
لم يجتمع القادة بعد.. الطيور المعدنية تحتاج لوقت أطول لتُعمم وحشيتها على الكون..
حاملة الطائرات جيرالد فورد تشبه مدينة تكنولوجية، كأنها تهبط من الفضاء لتحمي شعبا تعشقه مدججا بالأسلحة ضد شعب أعزل بالكاد يجد ما يأكل.
توجه الرسائل لمن يهمه الأمر.. لا دعم عسكري للبشر أو الحجر في غزة.. على الجميع أن يقدم فروض الطاعة.. عندما تقتل جنديا أو مدنيا متصهينا فأنت إرهابي، وعليك أن تدفع الثمن باهضا.. أغلب السفارات تطبع وتردد مثل الببغاوات.
نطردك من أرضك.. نشردك.. نقتل أطفالك أمام عينيك.. نسجنك في قفص ألف عام.. وإن فكرت في رفع رأسك، وحمل بندقية لاسترجاع القليل من كرامتك، فأنت إرهابي .. هذا عمل يحجبه عنك حق (الفيثو) وحاملة الطائرات..
قلتَ القانون الدولي؟! بلل المداد الذي كُتب به، واشربه مع المية!
سنصنع لك يوما للقيامة تطول فيه الدقيقة دهرا بكامله.. لا راحة في غزة.. لا قانون، لا ماء، لا كهرباء، لا غذاء، لا دواء، لا نوم، يجب أن تُصلب واقفا، طيور الموت تحاصرك من كل صوب.. اهرب في أي اتجاه شئت.. لن تفلت من هذه الطيور المعدنية التي تحوم فوق رأسك.. صوتها يمزق الجدران حتى قبل أن تنفث سمومها.. طبلة أذنيك تمزقت .. لن تسمع شيئا بعد الآن.. لا هواء في غزة.. لن تشم غير دخان البارود والحرائق.. بعض القنابل مثل غربان من نار تطارد جسمك النحيل، تفصل الجلد عن العظم..
وأنت أيها العالم عليك أن تصمت.. لا بأس من متابعة الأخبار في التلفاز.. افتح عينيك جيدا، واسمع لما نقوله.. السينما تتكفل بالمهمة، والبارود يحرق الرمح.. نحتاج قليلا من الوقت لننتهي من صنع فيلم جديد لهنود حمر جدد..
لا صوت يعلو على صوت أمريكا.. تحكم العالم كما تشاء، تقول ما تشاء.. تفعل ما تشاء.. تقتل متى تشاء، وترضى عنك متى تشاء..
المكان الذي تدخله إسرائيل أو أمريكا تهجره الملائكة.. لا ملائكة في غزة، لا هواء في غزة.. فقط رائحة الموت تتسرب إلى النشرات، وتتجول في عناوين الأخبار.
طائران بحجم السماء يخرجان للعالم برأسين لعملة واحدة هي الموت.
كل شيوخ الفتنة، وخلفاء (الحريق العربي) تخلوا عنك. لا أئمة، لا سادة، لا جولاني، لا بغدادي، لا عثماني.. الآن يلعبون دور نفاخات2 تختفي وراء الستار..
وأنت وحدك فوق الخشبة تواجه الموت، وصوت المغني يواسي:
"أنا ما هنت في وطني
ولا صغّرت أكتافي
وقفت بوجه ظلامي
يتيماً عارياً حافي"3
الهامش:
1ـ مقطع من قصيدة على هذه الأرض لمحمود درويش.
2ـ نفاخات: بالونات من بلاستيك سريعة الفرقعة، تُزين بها قاعة الحفلات، أو يلعب بها الأطفال.
3 ـ مقطع من أغنية أناديكم لأحمد قعبور.
حاميد اليوسفي
مراكش 12 أكتوبر 2023