المقصود هنا ب "مدرسة" ليس هو المفهوم المتداول أي الفضاء الاجتماعي المُخصَّص للتعليم و التعلُّم و التربية. المقصود ب "مدرسة" (école) هو البنية التي يساهم في بلورتها مجموعة من الباحثين والأساتذة والعلماء الذين يتقاسمون نفس الرؤية والمنهجية وأساليب التحليل ويتصدَّرها باحث مشهود له بالتميُّز والإنتاج الفكريين في مجال من مجالات المعرفة سواء تعلق الأمر بالعلوم البَحْثة والدقيقة أو بالعلوم الإنسانية.
ومن مميِّزات المدرسة الفكرية، من الضروري أن يكونَ لها باع طويل في البحث العلمي ولها إصدارات منتظمة ومعترف بها وطنيا وعالميا، خصوصا، في الأوساط العلمية. وإضافةً إلى هذه المُميِّزات، تُعتبر المدرسةُ الفكرية مرجعا لا محيد عنه في مجال تخصُّصها من خلال نشر أبحاثها في أرقى المجلاَّت والدوريات العلمية العالمية المشهود لها بجودة منشوراتها والتي يَستشهِدُ بها الباحثون في أعمالهم وأبحاثهم.
هذه هي المدرسة الفكرية بمدلولها العلمي. وللإشارة، المدارس من هذا النوع منتشرة عبر العالم، وخصوصا، في البلدان الغربية.
هناك مدارس مثلا في الفلسفة، في التاريخ، في الجغرافيا، في اللسانيات، في علم الاجتماع، في علم النفس، في العلوم الطبية، في الرياضيات، في العلوم الفيزيائية، في علوم التربية، الخ.
و قد نجد في البلد الواحد أكثر من مدرسة واحدة في نفس التخصُّص إذ كل مدرسة لها رؤيتها الخاصة بها ولها منهجيتُها وطرقُ تحاليلها ومُسلَّماتُها...
فما هو الشأن بالنسبة لبلادنا؟
فإذا انطلقنا من مفهوم "المدرسة الفكرية" كبنية علمية جماعية، فالجواب على هذا السؤال هو النفي!
وإذا اختزلنا هذا المفهوم في مستواه الفردي، قد نقول إن بلادنا لها بعض "المدارس الفكرية" مثلا في الفلسفة في شخص محمد عابد الجابري، في علم الاجتماع في شخصي محمد گسوس و Paul Pascon، في علم المستقبلية في شخص مهدي المنجرة، في الاقتصاد في شخص عزيز بلال، الخ. غير أن هذا النوع من المدارس مصيره الاختفاء بمجرد اختفاء رائده. رحمة الله عليهم.
لماذا لا توجدُ ببلادنا مدارس فكرية كبِنيات علمية جماعية؟
الأسباب متعددة، أذكر من بينها :
1. عدم إعطاء الاهتمام الكافي من لدن السلطة العمومية للبحث العلمي أو، بعبارة أخرى، عدم توفُّر إرادة سياسية قوية لجعل البحث العلمي من أولويات السياسات العمومية.
2. ضعف النسبة المُخصّصة من الناتج الداخلي الخام لتمويل أنشطة البحث العلمي.
3. عقلية الباحثين، وخصوصا، على المستوى الجامعي، لا تزال عقليةً يكون فيها الفرد هو الأساس وذلك رغم انخراط هؤلاء الباحثين في فِرقٍ ومختبرات بحثٍ. وهذا يعني أن تجمُّعَ الباحثين في هذه الفرق والمختبرات يكتسي فقط طابعا شكليا مما يجعل العمل الجماعي مُنعدِما أو يكاد. ومن تمّة، فإن كل باحث يعتبر نفسَه هو ركنُ الزاوية في مجال تخصصه، وبالتالي، يعتقد أنه ليس في حاجة للتعاون مع أنداده. ولا داعي للقول أن هذا الوضعَ لا يخدم البحث العلمي على الإطلاق. بل إنه يساعد على تشتيت الجهود والمال ويحُول دون تحقيق الكتلة الحرجة masse critique التي هي عامل من عوامل نجاح أنشطة البحث.
4. تقَوقُع البحث العلمي في مواضيع ومحاور تقليدية ومنعزلة عن الواقع المعاش بمظاهره الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. بل إن هذه المواضيع والمحاور تتكرَّر من فترة إلى أخرى مما يجعل النشاط العلمي يدور في حلقة مفرغة لا يأتي بجديد، مما يتسبَّب في غَلقِ الأبوابِ أمام الإبداع والابتكار.
5. ضعف نسبة الباحثين الذين يقومون فعليا وميدانيا بأنشطة البحث. وهذه الظاهرة منتشرة في الأوساط الجامعية حيث الأساتذة يُسَمَّون رسميا وقانونيا "أساتذة باحثون". وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الآلاف من الأساتذة الباحثين لا يهتمون بالبحث العلمي لا من حيث التأطير ولا من حيث الممارسة. وهذا الوضع يعاني منه البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية، على الخصوص، حيث نسبة الأساتذة الباحثين الذين يمارسون هذا البحث ضعيف وقلة قليلة هي التي تنشر أبحاثها في دوريات محترمة...
هذه هي بعض العوائق التي لا تساعد على قيام المدارس الفكرية ببلادنا. وأهم هذه العوائق، كما أشرتُ إلى ذلك أعلاه، هي عدم توفُّر إرادة سياسية حقيقية وقوية تسمح بإعداد المخططات والاستراتيجيات من أجل النهوض بالبحث العلمي كإحدى رافعات التنمية و كعامل من عوامل الرقي الفكري و الحضاري.
هل بلادنا في حاجة إلى مدارس فكرية؟
ما من بلد، كيفما كان، إلا وهو في حاجة إلى التوفُّر على مدارس فكرية وفي مختلف المجالات. ومما لا شك فيه أن البلدان السائرة في طريق النمو هي في حاجة أكثر من غيرها إلى هذا النوع من المدارس، وخصوصا، في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية. إن هذه البلدان في حاجة ماسة لمعرفة مجتماعاتها معرفةً دقيقة لإعداد سياسات عمومية ترتكز على أسس علمية وملتصقة بحاجيات شعوبها من حيث الصحة والتعليم والتربية والاقتصاد وضمان الكرامة الإنسانية و تحسين ظروف العيش، الخ.
وتجدر الإشارة إلى أن المدارس الفكرية، إضافةً إلى دورها المحلي المتمثل في دراسة المجتمعات، تساهم في إغناء الرصيد المعرفي العالمي بما تتوصل إليه من نتائج لها وقع على مسار وتطوُّر الفكر بصفة عامة. ومن أجل هذه المساهمة، على المدارس الفكرية أن تتناولَ بالدراسة والتحليل والتمحيص قضايا الساعة، أي القضايا التي لها ارتباط بمصير البلدان وشعوبها.
مما يُؤسفُ له أن سياساتنا العمومية لا تسير في هذا الاتجاه!
ومن مميِّزات المدرسة الفكرية، من الضروري أن يكونَ لها باع طويل في البحث العلمي ولها إصدارات منتظمة ومعترف بها وطنيا وعالميا، خصوصا، في الأوساط العلمية. وإضافةً إلى هذه المُميِّزات، تُعتبر المدرسةُ الفكرية مرجعا لا محيد عنه في مجال تخصُّصها من خلال نشر أبحاثها في أرقى المجلاَّت والدوريات العلمية العالمية المشهود لها بجودة منشوراتها والتي يَستشهِدُ بها الباحثون في أعمالهم وأبحاثهم.
هذه هي المدرسة الفكرية بمدلولها العلمي. وللإشارة، المدارس من هذا النوع منتشرة عبر العالم، وخصوصا، في البلدان الغربية.
هناك مدارس مثلا في الفلسفة، في التاريخ، في الجغرافيا، في اللسانيات، في علم الاجتماع، في علم النفس، في العلوم الطبية، في الرياضيات، في العلوم الفيزيائية، في علوم التربية، الخ.
و قد نجد في البلد الواحد أكثر من مدرسة واحدة في نفس التخصُّص إذ كل مدرسة لها رؤيتها الخاصة بها ولها منهجيتُها وطرقُ تحاليلها ومُسلَّماتُها...
فما هو الشأن بالنسبة لبلادنا؟
فإذا انطلقنا من مفهوم "المدرسة الفكرية" كبنية علمية جماعية، فالجواب على هذا السؤال هو النفي!
وإذا اختزلنا هذا المفهوم في مستواه الفردي، قد نقول إن بلادنا لها بعض "المدارس الفكرية" مثلا في الفلسفة في شخص محمد عابد الجابري، في علم الاجتماع في شخصي محمد گسوس و Paul Pascon، في علم المستقبلية في شخص مهدي المنجرة، في الاقتصاد في شخص عزيز بلال، الخ. غير أن هذا النوع من المدارس مصيره الاختفاء بمجرد اختفاء رائده. رحمة الله عليهم.
لماذا لا توجدُ ببلادنا مدارس فكرية كبِنيات علمية جماعية؟
الأسباب متعددة، أذكر من بينها :
1. عدم إعطاء الاهتمام الكافي من لدن السلطة العمومية للبحث العلمي أو، بعبارة أخرى، عدم توفُّر إرادة سياسية قوية لجعل البحث العلمي من أولويات السياسات العمومية.
2. ضعف النسبة المُخصّصة من الناتج الداخلي الخام لتمويل أنشطة البحث العلمي.
3. عقلية الباحثين، وخصوصا، على المستوى الجامعي، لا تزال عقليةً يكون فيها الفرد هو الأساس وذلك رغم انخراط هؤلاء الباحثين في فِرقٍ ومختبرات بحثٍ. وهذا يعني أن تجمُّعَ الباحثين في هذه الفرق والمختبرات يكتسي فقط طابعا شكليا مما يجعل العمل الجماعي مُنعدِما أو يكاد. ومن تمّة، فإن كل باحث يعتبر نفسَه هو ركنُ الزاوية في مجال تخصصه، وبالتالي، يعتقد أنه ليس في حاجة للتعاون مع أنداده. ولا داعي للقول أن هذا الوضعَ لا يخدم البحث العلمي على الإطلاق. بل إنه يساعد على تشتيت الجهود والمال ويحُول دون تحقيق الكتلة الحرجة masse critique التي هي عامل من عوامل نجاح أنشطة البحث.
4. تقَوقُع البحث العلمي في مواضيع ومحاور تقليدية ومنعزلة عن الواقع المعاش بمظاهره الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. بل إن هذه المواضيع والمحاور تتكرَّر من فترة إلى أخرى مما يجعل النشاط العلمي يدور في حلقة مفرغة لا يأتي بجديد، مما يتسبَّب في غَلقِ الأبوابِ أمام الإبداع والابتكار.
5. ضعف نسبة الباحثين الذين يقومون فعليا وميدانيا بأنشطة البحث. وهذه الظاهرة منتشرة في الأوساط الجامعية حيث الأساتذة يُسَمَّون رسميا وقانونيا "أساتذة باحثون". وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الآلاف من الأساتذة الباحثين لا يهتمون بالبحث العلمي لا من حيث التأطير ولا من حيث الممارسة. وهذا الوضع يعاني منه البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية، على الخصوص، حيث نسبة الأساتذة الباحثين الذين يمارسون هذا البحث ضعيف وقلة قليلة هي التي تنشر أبحاثها في دوريات محترمة...
هذه هي بعض العوائق التي لا تساعد على قيام المدارس الفكرية ببلادنا. وأهم هذه العوائق، كما أشرتُ إلى ذلك أعلاه، هي عدم توفُّر إرادة سياسية حقيقية وقوية تسمح بإعداد المخططات والاستراتيجيات من أجل النهوض بالبحث العلمي كإحدى رافعات التنمية و كعامل من عوامل الرقي الفكري و الحضاري.
هل بلادنا في حاجة إلى مدارس فكرية؟
ما من بلد، كيفما كان، إلا وهو في حاجة إلى التوفُّر على مدارس فكرية وفي مختلف المجالات. ومما لا شك فيه أن البلدان السائرة في طريق النمو هي في حاجة أكثر من غيرها إلى هذا النوع من المدارس، وخصوصا، في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية. إن هذه البلدان في حاجة ماسة لمعرفة مجتماعاتها معرفةً دقيقة لإعداد سياسات عمومية ترتكز على أسس علمية وملتصقة بحاجيات شعوبها من حيث الصحة والتعليم والتربية والاقتصاد وضمان الكرامة الإنسانية و تحسين ظروف العيش، الخ.
وتجدر الإشارة إلى أن المدارس الفكرية، إضافةً إلى دورها المحلي المتمثل في دراسة المجتمعات، تساهم في إغناء الرصيد المعرفي العالمي بما تتوصل إليه من نتائج لها وقع على مسار وتطوُّر الفكر بصفة عامة. ومن أجل هذه المساهمة، على المدارس الفكرية أن تتناولَ بالدراسة والتحليل والتمحيص قضايا الساعة، أي القضايا التي لها ارتباط بمصير البلدان وشعوبها.
مما يُؤسفُ له أن سياساتنا العمومية لا تسير في هذا الاتجاه!