كتبتُ روايتي "الجهيني " في عام 1976، وقتُها كانت الدعاية لانتخابات مجلس الشعب عن دائرة كرموز بالإسكندرية تدار في شارع راغب باشا القريب جدا من بيتي، فقد كنتُ أسمع الخطب والهتافات وأنا نائم فوق سريري. وتقدم إليها ممدوح سالم - رئيس وزراء مصر - عن الفئات أمام صحفي في جريدة الجمهورية اسمه: جبريل محمد، وعن العمال تقدم أبوالعز الحريري،أمام واحد من حي غيط العنب اسمه عوض وشهرته كبارة.
كتبتُ رواية " الجهيني " عن أول انتخابات برلمانية بعد ثورة يوليو 52 حيث تقدم إليها أحد أبناء بلدتي المراغة، أمام رجل ثري يمتلك محلات كثيرة لتجارة البقالة والسجائر. وكان قريبا للدكتور عبدالقادر حاتم.
وقتُها كنت صغيراً واشتركت مع أصدقائي في عمل الدعاية لابن بلدتنا، وظلت الأحداث تطاردني لكي أكتبها، إلى أن تقدم في عام 1968 للانتخابات قريب لوالدي، لم يسكن حينا ولا يعرف عنه شيئا، لكنه جاء وأضاف اسم المراغي إلى اسمه، وحصلتُ على إجازة من عملي لكي أسانده، لكنه سقط في الانتخابات لعدة أسباب.
أولها: أنه لا يعرف شيئا عن مطالب أهل الحي الذي تقدم باسمهم.
ثانيها: إنه كان مرتبكا ويخجل عندما يحمله البعض ليزفوه ويقدموه للناس.
ثالثها: إنه كان مستقلا، ووقتها كان معظم الناجحين لابد أن يكونوا من الاتحاد الاشتراكي.
لكن تجربتي هذه أحيت رغبتي في أن أكتب عن تجربة انتخابات عام 1957، فكتبت الجهيني، ولم أجد فرصة لنشرها إلى أن نشرت في سلسلة " المواهب." عام 1984.
جاءني الصديق محمود قاسم يوم 20 سبتمبر1984، ونادى علي – كعادته – أسفل البيت، فصعد وهو ممسك بالرواية، وأشار إلى اسم المؤلف، فقرأتُ اسم الدكتور محمد مصطفى هدارة. وقال لي: علشان تبقى تتمسح في هؤلاء الناس.
يقصد إنني إن لم أتقدم للدكتور هدارة ليكتب دراسة عن الرواية؛ ما حدث هذا الخطأ.
فقلتُ غاضبا: أنتم لا تجدون من يكتب عنكم.
تم جمع الكتاب من لدى الباعة، وتم تصحيح الاسم، وعُرض ثانية في السوق، لكن لخمسة أيام فقط. لكنني استفدت من هذه التجربة التي سبق أن أحزنتني كثيرا، فقد اشترى الكتاب معظم أساتذة اللغة العربية في كليتيّ الآداب والتربية، على أن هدارة – زميلهم - أصدر رواية جديدة، لكن الغلاف الداخلي باسمي.
تحمس لها الكثير منهم، واعتبرها الدكتور محمد زكريا عناني ميلاداً للرواية السكندرية، كما كانت زينب ميلادا للرواية المصرية.
وعقدت ندوة لمناقشتها في كرمة ابن هانئ، حضرها: فاروق خورشيد الذي ربط بينها وبين ألف ليلة وليلة وخاصة الجزء المصري منها الذي يدور في الأحياء الشعبية. وأشاد بها الناقدان أحمد محمد عطية ومحمد السيد عيد، الذي أضاف بأن في الرواية بعض الأخطاء اللغوية.
وسأل أحد الحاضرين: هل الرواية بها أخطاء، أم لا؟ ولماذا لم يشر فاروق خورشيد وأحمد محمد عطية إلى ذلك؟
فأجاب الأستاذ خورشيد قائلا:
- لو لديك خبرتي الطويلة لأدركت أن موهبة مثل هذه؛ سرعان ما ستتدارك هذه المشكلة.
وحدثني الصديق صبري أبوعلم – وقتها - بأنه – رغم إعجابه بالرواية – لا يعتبرها من الأدب. فقلت له:
- لقد أعجب بها أساتذة اللغة العربية الذين يدرسون اللغة، ولم يقل أحدهم بأنه لا يعتبرها من الأدب.
ودار الحديث بيني وبين صبري في هذه المسألة منذ أيام قلائل فقال لي:
- إن هناك فرقا بين كتابة فن القصة، وبين الأدب. ويرى أنني مع بعض أصدقائه كتاب القصة لا ينتمون للأدب بصلة.
فقلت له: إن الدكتور طه حسين كان معجباً بلغة إبراهيم عبدالقادر المازني، ويقول عنه: كان له أسلوب خاص في الكتابة يجنح فيه إلى اليسر، وقد يظن بعض قرائه أنه يستعمل ألفاظا عامية، ولكن هذا الظن في غير موضعه، لأن ما ظنه عاميا هو فصيح كل الفصاحة، غير أن جريانه على الألسن وشيوعه بين الناس قد يوحي بأنه عامي، وكان المازني يمقت الإغراب وينأي عن التعقيد، فهو يطلق نفسه على سجيتها لا يتكلف أبدا.
هذا ما حكاه الدكتور محمد الدسوقي – سكرتير طه حسين في كتابه " طه حسين يتحدث عن أعلام عصره "
وفوجئت برأي آخر للدكتور طه حسين، في نفس المسألة وفي نفس الكتاب.
فقد كان يزوره كل يوم جمعه صديقه الشيخ محمود أبو رية، فيتحدثان في الأدب وفي باقي الموضوعات، فقال أبورية:
- إن الأدب – الآن - فقد ديباجته المشرقة وصياغته القوية، وأن مثل الأستاذين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ لا يعدان من الأدباء في نظره.
لكن الدكتور طه حسين قال:
- أوافقك يا سي الشيخ بالنسبة لتوفيق الحكيم،أما بالنسبة لنجيب محفوظ فلا.
كتبتُ رواية " الجهيني " عن أول انتخابات برلمانية بعد ثورة يوليو 52 حيث تقدم إليها أحد أبناء بلدتي المراغة، أمام رجل ثري يمتلك محلات كثيرة لتجارة البقالة والسجائر. وكان قريبا للدكتور عبدالقادر حاتم.
وقتُها كنت صغيراً واشتركت مع أصدقائي في عمل الدعاية لابن بلدتنا، وظلت الأحداث تطاردني لكي أكتبها، إلى أن تقدم في عام 1968 للانتخابات قريب لوالدي، لم يسكن حينا ولا يعرف عنه شيئا، لكنه جاء وأضاف اسم المراغي إلى اسمه، وحصلتُ على إجازة من عملي لكي أسانده، لكنه سقط في الانتخابات لعدة أسباب.
أولها: أنه لا يعرف شيئا عن مطالب أهل الحي الذي تقدم باسمهم.
ثانيها: إنه كان مرتبكا ويخجل عندما يحمله البعض ليزفوه ويقدموه للناس.
ثالثها: إنه كان مستقلا، ووقتها كان معظم الناجحين لابد أن يكونوا من الاتحاد الاشتراكي.
لكن تجربتي هذه أحيت رغبتي في أن أكتب عن تجربة انتخابات عام 1957، فكتبت الجهيني، ولم أجد فرصة لنشرها إلى أن نشرت في سلسلة " المواهب." عام 1984.
جاءني الصديق محمود قاسم يوم 20 سبتمبر1984، ونادى علي – كعادته – أسفل البيت، فصعد وهو ممسك بالرواية، وأشار إلى اسم المؤلف، فقرأتُ اسم الدكتور محمد مصطفى هدارة. وقال لي: علشان تبقى تتمسح في هؤلاء الناس.
يقصد إنني إن لم أتقدم للدكتور هدارة ليكتب دراسة عن الرواية؛ ما حدث هذا الخطأ.
فقلتُ غاضبا: أنتم لا تجدون من يكتب عنكم.
تم جمع الكتاب من لدى الباعة، وتم تصحيح الاسم، وعُرض ثانية في السوق، لكن لخمسة أيام فقط. لكنني استفدت من هذه التجربة التي سبق أن أحزنتني كثيرا، فقد اشترى الكتاب معظم أساتذة اللغة العربية في كليتيّ الآداب والتربية، على أن هدارة – زميلهم - أصدر رواية جديدة، لكن الغلاف الداخلي باسمي.
تحمس لها الكثير منهم، واعتبرها الدكتور محمد زكريا عناني ميلاداً للرواية السكندرية، كما كانت زينب ميلادا للرواية المصرية.
وعقدت ندوة لمناقشتها في كرمة ابن هانئ، حضرها: فاروق خورشيد الذي ربط بينها وبين ألف ليلة وليلة وخاصة الجزء المصري منها الذي يدور في الأحياء الشعبية. وأشاد بها الناقدان أحمد محمد عطية ومحمد السيد عيد، الذي أضاف بأن في الرواية بعض الأخطاء اللغوية.
وسأل أحد الحاضرين: هل الرواية بها أخطاء، أم لا؟ ولماذا لم يشر فاروق خورشيد وأحمد محمد عطية إلى ذلك؟
فأجاب الأستاذ خورشيد قائلا:
- لو لديك خبرتي الطويلة لأدركت أن موهبة مثل هذه؛ سرعان ما ستتدارك هذه المشكلة.
وحدثني الصديق صبري أبوعلم – وقتها - بأنه – رغم إعجابه بالرواية – لا يعتبرها من الأدب. فقلت له:
- لقد أعجب بها أساتذة اللغة العربية الذين يدرسون اللغة، ولم يقل أحدهم بأنه لا يعتبرها من الأدب.
ودار الحديث بيني وبين صبري في هذه المسألة منذ أيام قلائل فقال لي:
- إن هناك فرقا بين كتابة فن القصة، وبين الأدب. ويرى أنني مع بعض أصدقائه كتاب القصة لا ينتمون للأدب بصلة.
فقلت له: إن الدكتور طه حسين كان معجباً بلغة إبراهيم عبدالقادر المازني، ويقول عنه: كان له أسلوب خاص في الكتابة يجنح فيه إلى اليسر، وقد يظن بعض قرائه أنه يستعمل ألفاظا عامية، ولكن هذا الظن في غير موضعه، لأن ما ظنه عاميا هو فصيح كل الفصاحة، غير أن جريانه على الألسن وشيوعه بين الناس قد يوحي بأنه عامي، وكان المازني يمقت الإغراب وينأي عن التعقيد، فهو يطلق نفسه على سجيتها لا يتكلف أبدا.
هذا ما حكاه الدكتور محمد الدسوقي – سكرتير طه حسين في كتابه " طه حسين يتحدث عن أعلام عصره "
وفوجئت برأي آخر للدكتور طه حسين، في نفس المسألة وفي نفس الكتاب.
فقد كان يزوره كل يوم جمعه صديقه الشيخ محمود أبو رية، فيتحدثان في الأدب وفي باقي الموضوعات، فقال أبورية:
- إن الأدب – الآن - فقد ديباجته المشرقة وصياغته القوية، وأن مثل الأستاذين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ لا يعدان من الأدباء في نظره.
لكن الدكتور طه حسين قال:
- أوافقك يا سي الشيخ بالنسبة لتوفيق الحكيم،أما بالنسبة لنجيب محفوظ فلا.