د.خالد محمد عبدالغنى - قراءة في كتاب "المقاومة والبطولة في الشعر العربي"

الحديث عن حسن فتح الباب شاعرا، كونه أحد أبرز شعراء جيل الخمسينات، ورائد من رواد الشعر الحديث في مصر، وصاحب التجربة الممتدة في الكتابة الإبداعية في مجموعة من الدواوين الشعرية المهمة منها "من وحي بورسعيد" و"فارس الأمل" و"مواويل النيل المهاجر" و"أحداق الجياد" و"سلة من محار" و"كل غم شجر .. كل جرح هلال" و"حبنا أقوى من الموت"، وغيرها من الأعمال التي جسد من خلالها التحولات السياسية والاجتماعية من حوله حيث بدأت الإرهاصة بالشعر الحر في ديوانه الأول "من وحي بورسعيد"، فقدر لها أن تتجذر وتتطور حتى تبلغ أوجها في قصيدة التفعيلة منذ عام 1957 وهو الذي لم تفارق الإسكندرية أشعاره فاستلهمها في قصائد كثيرة، خاصة في ديوان "مواويل النيل المهاجر"، وحين سافر للعمل في الجزائر في الثمانينات حلم بالإسكندرية في مدينة "وهران" الجزائرية التي تشبهها بإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط، وتصور نفسه سائراً إليها من المكان الذي اتخذه على شاطئ تلك المدينة فكتب قصيدة "إسكندرية" وله ديوان عن رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ديوان "مدينة الدخان والدمي"، وكتب قصائد ملحمية كثيرة، كما حدث في قصيدة "إلى الملتقى يا نخيل السويس"، وهي في مطلع ديوان "حبنا أقوى من الموت"، قام به كثير من النقاد المعاصرين والراحلين، وأجيزت حوله سبع أطروحات جامعية لدرجتي الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية، ولكن الحديث عن حسن فتح الباب ناقدا ومفكرا، وعرض الأعمال الفكرية والنقدية التي كتبها باعتباره كاتب موسوعي التكوين والنتاج، هو ما سنعرض له من خلال كتابه "المقاومة والبطولة في الشعر العربي" الصادر عام 1998 بالرياض، ولقد حفزه على هذا الكتاب تلك الملحمة التاريخية التي يخوضها شعب البوسنة والهرسك يومذاك متوحدا مع قيادته الوطنية في مواجهة عدوان يشنه عنصريون صرب تسيطر عليهم أحط الغرائز وأدنأ النزعات التدميرية وبرغم هذا العدوان البشع الذي يستهدف إبادة شعب أو اقتلاعه من الارض التي تغلغلت جذوره فيها منذ مئات السنين. وليست هذه في ظننا كل الحقيقة فكفاح الشعب الفلسطيني ضد المستعمر الصهيوني أيضا كانت من ضمن ما حرَّك كوامن مفكرنا الكبير لهذا الكتاب وإن لم يستطع البوح بذلك فربما لأن الناشر هنا هو سلسلة كتاب الرياض وهي في الأغلب تصدر عن جريدة الرياض بالسعودية، وليست للسعودية مناطق نزاع أو صراع يوم ذاك مع الكيان الصهيوني، ولذلك حرص المؤلف على عدم البوح بذلك كما نرى من التحليل النفسي لشخصية المناضل والمكافح حسن فتح الباب طوال تاريخه.
وفي الكتاب يعطي المؤف المفكرين والشعراء حقهم فيقول :"يقف الأدباء والشعراء والفلاسفة الاحرار في مقدمة الشعوب لأنهم يمثلون ضمير البشرية وقدرتها على نصرة الحق مهما استبد الطغيان واشتد العدوان لأنهم يملكون سلاح الكلمة والفكرة الذي يستطيع التغلب على الاسلحة المادية . وبهذا السلاح المعنوي يدافعون عن أقدس قضية وهي الحرية والعدل فيستيقظ النائم". وقد بدأ الكتاب بشعر المقاومة والفروسية والجهاد في الشعر قبل الإسلام كما تجلى في شعر عنترة بن شداد بوصفه فارس الشعراء والعشاق في آن، ثم عرض لمفهوم المقاومة والجهاد في الإسلام كما جاء في القران الكريم والسنة النبوية والحديث الشريف وبيَّن مكانة شعر المقاومة في القرآن والسنة وأفرد فصولا لشعراء الرسالة الإسلامية ومنهم حسان بن ثابت الأنصاري، وشاعري الدعوة الإسلامية كعب بن زهير، وكعب بن مالك، كما عرض المؤلف لشعر المقاومة والبطولة في عهد الخلفاء الراشدين وعصر بني أمية، مثل مالك بن الريب التميمي في مرثية بطولية لنفسه، وقطري بن الفجاءة شاعر الحماسة، ومرثية أبي الحسن الأنباري لشهيد من أحفاد الحسين، وقدم فصلا حول شعر المقاومة في العصر العباسي كما ظهر عند بشار بن برد والمتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي تمام. وتناول المقاومة والبطولة في العصر الحديث متمثلة في رب السيف والقلم محمود سامي البارودي ، والحماسة لدي أمير الشعراء أحمد شوقي، والتحريض على مقاومة الاحتلال الانجليزي لمصر في شعر حافظ إبراهيم. ثم يتناول المؤلف شعر المأساة والمقاومة في محنة البوسنة والهرسك بعرض مشاهد درامية حدثت لشعب البوسنة والهرسك مثل الاغتصاب والقتل والصلب والشنق والحصار الاقتصادي والطبي والتجويع الذي ضرب على الأطفال هناك، وعرض في هذا الكقام لقصيدتين من وحي سراييفو ومأساتها للشاعر عبدالله السيد شرف وهما "انشودة لسراييفوا " و "وعلى سراييفو السلام". وقصيدة "في سمانا بشر" للشاعر أنس داوود وقصيدة "طفل الاشواق" للشاعر إبراهيم عيسى و"بكائية" للشاعر أحمد سويلم، و"مذبحة المآذن" للشاعر رشاد يوسف، وقصيدة "قطار الحافلات المقلة لأطفال البوسنة إلى التيه" للشاعر خالد الحليبي، و"قبضا على الجمر" و"فصل من مسرح اللامقول" للشاعر شهاب غانم، وقصيدتان للشاعر محمد عبدالقادر الفقي "أمة تبكي شبابها" و"رمضان عذرا إن عصى الشعر". ثم ختم الكتاب بقصيدة ليوسف القرضاوي بعنوان "يا أمتى وجب الكفاح" ،، ولم ينس أن يعرض لبعض النماذج الشابة التي كتبت حول تلك المأساة مشيدا بهم وناقدا لهم أيضا وموجها لكي يطورا من أدواتهم الفنية في المستقبل.
وهكذا أخرج لنا الدكتور حسن فتح الباب كتاِبا مهما تناول شعر الحماسة والمقاومة والرفض منذ العصر الجاهلي حتى مأساة البوسنة والهرسك.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...