المحامي علي ابوحبله - اقتطاع عائدات ضريبة المقاصة الفلسطينية مخالف للقوانين الدولية

ضاعفت حكومة الحرب اليمنية المتطرفة من الاقتطاعات من أموال المقاصة الفلسطينية من 51 مليون شيكل إلى 102 مليون شيكل، وذلك بدلاً من الأموال التي تحولها السلطة إلى عائلات الشهداء والأسرى في المعتقلات الإسرائيلية، بالإضافة إلى اقتطاع مبلغ 200 ألف شيكل ستحوَّل إلى عائلات إسرائيلية من قتلى العمليات التي تُنسب إلى مقاومين فلسطينيين. وفي إجراء استفزازي قرر وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، مصادرة مبلغ قدره 500 ألف شيكل، ومركبة تعود إلى عائلة الأسيرين المحررَين كريم وماهر يونس

وفي خطوة غير مسبوقة لتكريس الفصل بين غزه والضفة الغربية ، قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي، في ٣/١١/٢٠٢٣ ، خصم المبلغ المخصص لقطاع غزة والمعتقلين الفلسطينيين، من أموال المقاصة (الضرائب) المخصصة للسلطة الفلسطينية.

وقال مجلس الوزراء في بيان رسمي، أن "مجلس الوزراء السياسي والأمني، قرّر خصم الأموال المخصصة لقطاع غزة من المقاصة الفلسطينية، بالإضافة إلى الأموال المدفوعة للمعتقلين وعائلاتهم".

وأضاف البيان: "إسرائيل ستقطع كل الاتصالات مع قطاع غزة، لن يكون هناك المزيد من العمال الفلسطينيين من غزة، والعمال الذين كانوا في إسرائيل يوم اندلاع الحرب ستتم إعادتهم إلى غزة".

والاثنين في ٦/١١/٢٠٢٣ ، وجه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بتجميد أموال المقاصة الفلسطينية، بسبب ما وصفه بـ"عدم إدانة" السلطة عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة.

غير أن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت أوعز، الأربعاء، بتحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، مرجعًا ذلك إلى أنّ "إسرائيل لديها دائما مصلحة في الاستقرار في الضفة الغربية".

وتقوم إسرائيل بجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل واردات الفلسطينيين على السلع المستوردة، وتحول الأموال إليها شهريا، بمتوسط 750 مليون شيكل (190 مليون دولار ) وقد رفضت وزارة المالية الفلسطينية - تسلم عائدات الضرائب الفلسطينية (أموال المقاصة) من إسرائيل بعد قيامها باقتطاع جزء منها.

وفي ضوء ما سبق من إجراءات نفذتها وتنفذها سلطات الاحتلال بحق أموال السلطة الفلسطينية، فإنها تبدو ماضية في تنفيذ ورقة اقتطاع أموال المقاصة خلال السنوات القادمة، تحقيقاً لرغباتها في إجبار السلطة الفلسطينية على التماهي مع سياساتها، الأمر الذي من شأنه التأثير في واردات الخزينة العامة للسلطة، وتقليص حجم الموازنة العامة، وبالتالي إضعاف قدرتها على الإنفاق، وصرف المخصصات الشهرية لعائلات المعتقلين والشهداء الفلسطينيين وفي محصلته إضعاف لقدرات السلطة الفلسطينية عن أداء التزاماتها بما قد يؤدي إلى تفكك السلطة وتدحرج المنطقة لمربع الفوضى وهو ما تسعى حكومة الحرب لتحقيقه ليتسنى لها من تمرير مخططها للضم والترحيل ألقسري أو الاختياري

ان اقتطاع الأموال من استحقاقات ضريبة المقاصة أمر يخالف القانون الدولي فقد كفل المشرع الدولي حق الدول في عدم التدخل في شؤون بعضها البعض، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 103/63 بتاريخ 9/12/1981 بشأن عدم جواز التدخل في شؤون الدول الأُخرى، وبالنظر إلى إجراءات قانون اقتطاع الأموال الفلسطينية من العائدات الضريبية وأهدافه، يعد تدخل في الشأن الفلسطيني والاشتراطات التي تشترطها حكومة الاحتلال إلى حين توقف الأخيرة عن دفع مخصصات مالية للفئات التي ينطبق عليها القانون -كالمعتقلين والمفرج عنهم وعائلات الشهداء هو مخالف للقوانين والمواثيق الدولية - إذ ورد في ديباجة القرار المذكور: "إن الجمعية العامة؛ إذ تؤكد من جديد وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، أنه لا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، لأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أُخرى..."، كما وضع الإعلان مجموعة واسعة من القواعد التفصيلية التي تؤكد مقاصد الجمعية العامة للأمم المتحدة المتصلة بعدم جواز التدخل في شؤون الدول الأُخرى.



أمّا اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، فقد أنشأت التزامات قانونية تستوجب على الدولة القائمة بالاحتلال ضمان احترامها، وبين تلك الالتزامات التي وضعتها الاتفاقية، ما ورد في القسم الرابع المتعلق بقواعد معاملة المعتقلين، والتي أوجبت على الدولة الحاجزة ضمان إعالة الأشخاص المعتقلين ومن يعولهم، بموجب المادة 81 من الاتفاقية التي تنص على أن: "تلتزم أطراف النزاع التي تعتقل أشخاصاً محميين بإعالتهم مجاناً، وكذلك توفير الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية، ولا يُخصم أي شيء لسداد هذه المصاريف من مخصصات المعتقلين أو رواتبهم أو مستحقاتهم، وعلى الدولة الحاجزة أن تعول الأشخاص الذين يعولهم المعتقلون، إذا لم تكن لديهم وسائل معيشية كافية أو كانوا غير قادرين على التكسب."

ومن مضمون ومنطوق المادة 81، سالفة الذكر ، أن الاتفاقية تُلزم القوة القائمة بالاحتلال بإعالة الأشخاص المعتقلين وعائلاتهم، وفي ظل قيام دولة فلسطين بتلك المسؤولية، التي هي في الأصل من مهمات الدولة الحاجزة، من خلال صرف مخصصات شهرية، فإن القانون يهدف لا إلى الحيلولة دون وفاء دولة الاحتلال بالتزاماتها فحسب، بل يحظر أيضاً أي إعانة أُخرى من السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يخالف المادة 98 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أن: "يتسلم جميع المعتقلين بانتظام مخصصات للتمكن من شراء أغذية وأشياء من قبيل التبغ، وأدوات الزينة، وما إلى ذلك. ويمكن أن تأخذ هذه المخصصات شكل حساب دائن أو أذون شراء، وعلاوة على ذلك يجوز للمعتقلين أن يتلقوا إعانات من الدولة التي يكونون من رعاياها، أو من الدولة الحامية، أو من أي هيئة تساعدهم..."

وبالرجوع للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتاريخ 9/7/2004، والذي فصل في الطلب المقدم من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003، بشأن الآثار القانونية الناشئة عن إقامة الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب عدم مشروعيته، أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي أورده الرأي الاستشاري في الفقرات من 89 إلى 101، والذي جاء فيه: "وفقاً للفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة؛ تسري الاتفاقية بخاصة في أي إقليم يحتله خلال النزاع طرف من الأطراف المتعاقدة، إذا تحقق شرطان هما: أن يكون ثمة نزاع مسلح (سواء اعترف بحالة حرب أم لا)، وأن يكون النزاع قد نشأ بين طرفين متعاقدين، والهدف من الفقرة الثانية من المادة 2 التي تشير إلى 'احتلال إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة‘ لا يُعد تقييداً لنطاق الاتفاقية، حسب تعريفها بمقتضى الفقرة الأولى، بأن تستبعد منها الأراضي التي لم تندرج تحت سيادة أحد الأطراف المتعاقدة، وإنما الغرض منها هو أن توضح أنه حتى إذا كان الاحتلال الذي جرى خلال النزاع لم يُقابل بمقاومة مسلحة، تظل الاتفاقية سارية."

إن اقتطاع أموال المقاصة من قبل حكومة الحرب اليمينية المتطرفة يعد ، انتهاكاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، والتي تُعد بمثابة المرجع القانوني بشأن المنازعات المتصلة بالمعاهدات المبرمة بين الدول، سواء كانت جماعية أو ثنائية، وتشتمل اتفاقية فيينا على قواعد تفسيرية لما يرد من شروط في المعاهدات القائمة، أو التي لا يرد فيها ذلك، ويتضح من ديباجتها المقاصد التي تروم إليها الاتفاقية، في كونها تعمل على تقدير الدور الأساسي للمعاهدات الدولية، وباعتبارها سبيلاً لتطوير التعاون السلمي بين الدول مهما تكن نظمها الدستورية والاجتماعية. وفي إطار الموضوع محل الورقة، فقد وقعت دولة الاحتلال، بتاريخ 29/4/1994، اتفاقية باريس الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية، والتي أضحت الإطار الحاكم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين، كونها وضعت جملة من القواعد المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، ومن هذا المنظور فإن الاتفاقية أنشأت على دولة الاحتلال مجموعة من الالتزامات.

ان دولة الاحتلال التي قامت بإبرام اتفاقية باريس مع السلطة الفلسطينية ملزمة بما ورد فيها من التزامات تقضي بتحويل أموال المقاصة الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية كل 45 يوماً، إلاّ إن إجراءات اقتطاع الأموال وعدم تحويلها يشكلان إخلالاً بالتزاماتها الناشئة بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية.

ويترتب على عدم وفاء حكومة الاحتلال بتلك الالتزامات مخالفة لاتفاقية فيينا، إذ تنص المادة 27 من الاتفاقية الأخيرة، على أن: "...لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة..."، كما تنص المادة 26 من الاتفاقية نفسها على أن: "كل معاهدة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية."



ان السلطة الفلسطينية اليوم مدعوة إلى تقديم البلاغات اللازمة للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة بشأن انتهاكات دولة الاحتلال لقواعد احترام الوحدة الجغرافية لدولة فلسطين وتشمل الضفة الغربيه وقطاع غزه والقدس وكذلك معاملة المعتقلين، ولا سيما أن تلك الأطراف، بموجب المادة الأولى من الاتفاقية، مُلزمة بأن تكفل احترامها في جميع الأحوال. كما أن السلطة مطالبة بالعمل مع الدول العربية للحصول على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بمطالبة دولة الاحتلال بالكف عن اقتطاع أموال العائدات الضريبية، والعمل أيضاً للحصول على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في تثبيت عدم مشروعية الاقتطاع، وآثاره القانونية على قدرة السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تكثيف النشاط السياسي مع الاتحاد الأوروبي والجهات الأُخرى للضغط على دولة الاحتلال بغرض وقف الاقتطاع، وإرجاع الأموال المستقطعة سابقاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...