إن ما يجعل السمع منتبها وملتفتا للشعر ويجعل النفس تنفعل وتتأثر به وله وتلبي دعوته هو موسيقاه الناشئة عن الإيقاع الناشئ بدوره عن الوحدات الصوتية لكلماته وتعابيره.ولذا فالإيقاع رافد من الروافد الأساسية التي يتميز بها الشعر،وهذا الكلام أراه لا يروق كثيرا للنثريين الذين يرون أن الشعر إنما هو ترصيف للكلمات مع بعضها البعض دونما حاجة للجرس الموسيقي الذي يبعث فيها الحيوية ويجعلها غير نابية صوتيا في الأذن.
فالإيقاع الصوتي المتمثل في الوزن ينشأ من تكرار الوحدات الصوتية المتشابهة تكرارا منتظما،بحيث يكون أدنى خلل في ذلك مؤديا إلى الكسر ومعيقا للانسياب الموسيقي محدثا في الأذن نشازا لا يتحمله الذوق المرهف والحسن الجمالي الصوتي.فهذه الوحدات الصوتية هي ما اصطلح عليه العروضيون بالتفاعيل أو التفعيلات ،وهي عبارة عن تحرك الحروف وسكونها على نظام معين في البيت بالنسبة للقصيدة العمودية وفي السطر بالنسبة للقصيدة التفعيلية.
فالبيت أو السطر كل منهما يسير على مستوى معين منتظم من الحركات والسكنات للكلمات حسب الوحدات المسماة كل واحدة منها "تفعيلة" التي اشتقها العروضيون من مادة (فعَلَ) ليعنوا بها نظام التحرك والسكون،ولنأخذ مثالا على ذلك الوحدة الصوتية "متَفَاعلُنْ" فإنها تعني توالي الحروف المتحركة والساكنة على ما هي تجري وفقه ،فهي متحركات ثلاث يتبعها متحركان فساكن،ولا نحتاج إل تذكير القارئ بأن الكتابة العروضية يُعول فيها عل النطق لا على الإملاء.
ولما كانت الأوزان متعددة ومتنوعة فالشاعر فيها يختار ما يلائم الموضوع الذي الذي يريد أن يكتب فيه قصيدته،فالغزل يلائمه بحر لا يلائم موضوعا في الحماسة مثلا،فمن طبيعة الموضوع الأول الرقة بينما الموضوع الثاني من طبيعته القوة وإثارة العواطف.
وتنوع الأوزان فيه توسعة على الشاعر وفيه نأي به عن التكرار والملل ،وهذا معناه ليس أن الشاعر يعمد إلى اختيار الوزن عن قصد ،أو يتعمد إجراء قصائده عل بحر خاص ،بل ينبغي أن يكون ذلك منه عفويا وتبعا لما يمليه عليه وجدانه.فنحن ربما قرأنا موضوعين متشابهين لشاعرين،وكل منهما في ذلك أجرى قصيدته على بحر هو غير البحر الذي أجرى زميله قصيدته عليه.
وللوزن أهمية كبرى في الشعر ـ وهذا ربما سيمتعض منه النثريون ـ فأنا شخصيا أعتبره عاملا أصيلا وفارقا حاسما بين الشعر والنثر،وحتى القدماء لما تصدوا لتعريف الشعر قالوا عنه بأنه"الكلام الموزون المقفى.."ورغم أن هذا التعريف فيه ما فيه من النقص إذ أهمل عنصرين من عناصر الشعر الأساسية وهما العاطفة والخيال فهو يشير إلى أهمية الوزن فيه ،ويلفت الانتباه إلى أنه فارق عظيم الشأن بين الشعر والنثر.
وبالرغم من اتجاهات الشعر الحديث المرتبطة بالأخيلة و المتمثلة في الصور الثرية والمتعددة فقد ظل الوزن محافظا على مكانته في القصيدة العربية ،حتى ولو أن الشعراء أعطوا لأنفسهم حق التصرف في عدد التفعيلات في البيت بالنسبة للقصيدة العمودية.
ويبقى أن نعرف بأن الوزن ليس مسألة صورية بحتة ،كما يحلو للنثريين وأشباه الشعراء التشدق بذلك،بل له دور مهم في أمرين عاليي القيمة بالنسبة للشاعر ،فالوزن يدعو هذا ويدفعه إلى أن يختار الألفاظ المناسبة من جهة،ثم يدعوه إلى تنسيقها بالطريقة الملائمة في القصيدة من جهة أخرى.
والوزن إذ يخضع الكلمات لسلطانه يبعث فيها روحا متوثبة ويجعلها قادرة على التأثير ومفعمة بالإيحاء. ولذا فنحن كثيرا ما نراه يصور العواطف ويثير الإنفعالات ويدخل أحيانا إلى القلوب بلا استئذان،إذ هو من هذه الناحية يؤثر في الوجدان أكثر مما يؤثر فيه النثر،ولذا لا غرو أن نجد الوجدان يلبي نداءه تلبية تكاد تكون غريزية إلى أبعد حد.
والله الموفق للصواب وعليه قصد السبيل.
فالإيقاع الصوتي المتمثل في الوزن ينشأ من تكرار الوحدات الصوتية المتشابهة تكرارا منتظما،بحيث يكون أدنى خلل في ذلك مؤديا إلى الكسر ومعيقا للانسياب الموسيقي محدثا في الأذن نشازا لا يتحمله الذوق المرهف والحسن الجمالي الصوتي.فهذه الوحدات الصوتية هي ما اصطلح عليه العروضيون بالتفاعيل أو التفعيلات ،وهي عبارة عن تحرك الحروف وسكونها على نظام معين في البيت بالنسبة للقصيدة العمودية وفي السطر بالنسبة للقصيدة التفعيلية.
فالبيت أو السطر كل منهما يسير على مستوى معين منتظم من الحركات والسكنات للكلمات حسب الوحدات المسماة كل واحدة منها "تفعيلة" التي اشتقها العروضيون من مادة (فعَلَ) ليعنوا بها نظام التحرك والسكون،ولنأخذ مثالا على ذلك الوحدة الصوتية "متَفَاعلُنْ" فإنها تعني توالي الحروف المتحركة والساكنة على ما هي تجري وفقه ،فهي متحركات ثلاث يتبعها متحركان فساكن،ولا نحتاج إل تذكير القارئ بأن الكتابة العروضية يُعول فيها عل النطق لا على الإملاء.
ولما كانت الأوزان متعددة ومتنوعة فالشاعر فيها يختار ما يلائم الموضوع الذي الذي يريد أن يكتب فيه قصيدته،فالغزل يلائمه بحر لا يلائم موضوعا في الحماسة مثلا،فمن طبيعة الموضوع الأول الرقة بينما الموضوع الثاني من طبيعته القوة وإثارة العواطف.
وتنوع الأوزان فيه توسعة على الشاعر وفيه نأي به عن التكرار والملل ،وهذا معناه ليس أن الشاعر يعمد إلى اختيار الوزن عن قصد ،أو يتعمد إجراء قصائده عل بحر خاص ،بل ينبغي أن يكون ذلك منه عفويا وتبعا لما يمليه عليه وجدانه.فنحن ربما قرأنا موضوعين متشابهين لشاعرين،وكل منهما في ذلك أجرى قصيدته على بحر هو غير البحر الذي أجرى زميله قصيدته عليه.
وللوزن أهمية كبرى في الشعر ـ وهذا ربما سيمتعض منه النثريون ـ فأنا شخصيا أعتبره عاملا أصيلا وفارقا حاسما بين الشعر والنثر،وحتى القدماء لما تصدوا لتعريف الشعر قالوا عنه بأنه"الكلام الموزون المقفى.."ورغم أن هذا التعريف فيه ما فيه من النقص إذ أهمل عنصرين من عناصر الشعر الأساسية وهما العاطفة والخيال فهو يشير إلى أهمية الوزن فيه ،ويلفت الانتباه إلى أنه فارق عظيم الشأن بين الشعر والنثر.
وبالرغم من اتجاهات الشعر الحديث المرتبطة بالأخيلة و المتمثلة في الصور الثرية والمتعددة فقد ظل الوزن محافظا على مكانته في القصيدة العربية ،حتى ولو أن الشعراء أعطوا لأنفسهم حق التصرف في عدد التفعيلات في البيت بالنسبة للقصيدة العمودية.
ويبقى أن نعرف بأن الوزن ليس مسألة صورية بحتة ،كما يحلو للنثريين وأشباه الشعراء التشدق بذلك،بل له دور مهم في أمرين عاليي القيمة بالنسبة للشاعر ،فالوزن يدعو هذا ويدفعه إلى أن يختار الألفاظ المناسبة من جهة،ثم يدعوه إلى تنسيقها بالطريقة الملائمة في القصيدة من جهة أخرى.
والوزن إذ يخضع الكلمات لسلطانه يبعث فيها روحا متوثبة ويجعلها قادرة على التأثير ومفعمة بالإيحاء. ولذا فنحن كثيرا ما نراه يصور العواطف ويثير الإنفعالات ويدخل أحيانا إلى القلوب بلا استئذان،إذ هو من هذه الناحية يؤثر في الوجدان أكثر مما يؤثر فيه النثر،ولذا لا غرو أن نجد الوجدان يلبي نداءه تلبية تكاد تكون غريزية إلى أبعد حد.
والله الموفق للصواب وعليه قصد السبيل.