مصطفى معروفي - حركات القافية في القصيدة

كنت هنا سأتحدث عن عيوب القافية بعدما تحدثت عن أسماء حروفها سابقا،لكن رأيت أن الأحرى بي هو الحديث عن أسماء حركاتها قبل الحديث عن عيوبها فذلك أدعى للانسجام في الموضوع وجعله متسما بالتناسق والتناغم.
أقول إن القافية تحتوي على حروف معينة يحكمها وضع مكاني معين ،وهذه الحروف لها حركات معينة ذات أوضاع معينة على ضوئها وضع العروضيون لها أسماء هي عبارة عن مصطلحات من خلالها تعرف وبها تتحدد.
وهذه الحركات من الأهمية بمكان في بناء القصيدة ،فمتى أتى الشاعر بها في بداية قصيدته يكون ملزما بالإتيان بها في سائر أبيات القصيدة،ومتى أخل بها يعتبر ذلك منه عيبا في شعره ودليلا على عدم تمكنه من استعمال أدواته استعمالا متقنا، اللهم إن كان قد حدث له سهو أو ما شابه السهو.
إن الكلام عن القافية يتضمن الكلام عن كل ما يمت إليها بصلة ،فمثلا إذا كنا نتحدث عن حروفها فحديثنا سيبقى ناقصا ما لم نتحدث عن حركات هذه الحروف باسماء مصطلحاتها وتعريفها.لأن الحروف والحركات في القافية مرتطبان ارتباطا عضويا وثيقا في الغالب الأغلب.
إن حركات حروف القافية حددها العروضيون في ست حركات هي كالتالي:
1 ـ المجرى:وهو حركة الروي المطلق،ويعنون بذلك الروي المتحرك.
ومثاله في الشعر قول البوصيري في مدح الرسول (ص):
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ**يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ
فالروي هنا، وهو الهمزة، متحرك بالضمة ،وقدسميت حركته مجرى لأنه أول جريان الصوت بالوصل،ويسمى بذلك ولو كانت حركته غير الضم.
2 ـ النفاذ:هو حركة هاء الوصل الملازمة للروي.
ومثاله قول الشاعر:
قد كنت لا أرضى الوصال وفوقه**واليوم أقنع بالخيال ودونهِ
فالروي هنا هو حرف النون وليس حرف الهاء،فالهاء هنا لا تصلح أن تكون رويا لالتزام حرف قبلها وهو الدال،ولأنها هي زائدة،فهي وصل إذن .ثم إذا أعدنا الكرة بالنظر إليها وجدناها متحركة ،وبما أنها آخر حركة نفذت بها حركات القافية سميت نفاذا ـ بالدال أو الذال ـ إذ أنه لا يقع من بعدها إلا حرف ساكن.
3 ـ الحذو:وهو حركة الحرف الذي قبل الردف.
ومثاله قول المتنبي في مطلع قصيدته الشهيرة:
عيد بأية حال عدت يا عيد**بما مضى أم لأمر فيك تجديد
نحن نعلم أن ما قبل الردف يجب أن يكون متحركا حتى لا يلتقي ساكنان في وسط الكلمة،وهذ الحركة سميت حذوا لأن الشاعر إذا حذاها توافقت الأرداف،فالردف إذا كان ألفا فالحذو يكون فتحة،إلا أنه يجوز التعاقب في الواو والياء في الردف،وصح كذلك تعاقب الضمة والكسرة لمناسبتهما،ولذا فنحن نجد في قصيدة المتنبي التي استشهدنا ببيت منها هذا التعاقب ،مثل هذا البيت:
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهمو**إلا وفي يده من نتنها عود
4 ـ الإشباع:وهو حركة الدخيل ،أي حركة ما بين الروي والتأسيس.
ومثاله قول قيس بن الملوح:
خليليَّ لو كنت الصحيح وكنتما**سقيمين لم أفعل كفعلكما بيا
فهنا نجد حركة لازمة وهي حركة الدخيل بينما حرفها غير لازم،ولأن الدخيل هنا وقع بين ألف التأسيس وبين الردف وهما ضعيفان فهو أقوى منهما،ولذلك سميت حركة الدخيل إشباعا من أجل تقويتها على التأسيس والردف.
5 ـ الرس:وهو حركة الحرف الذي قبل التأسيس.
ومثاله قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص**فهي الشهادة لي بأني كاملُ
فحركة حرف الكاف من كلمة "كامل"هي الرس.
6 ـ التوجيه:وهو حركة ما قبل الروي المقيد.
ومثاله قول عمر بن أبي ربيعة:
ليت هندا أنجزتنا ما تعدْ**وشفت أنفسنا مما نجدْ
فحركة الحرف المتحرك قبل الروي وهو حرف الجيم هنا هي التي تسمى التوجيه.
وقد قال أحد العروضيين في شأن التوجيه :
"سميت الحركة قبل الروي الساكن توجيها لما تقرر في هذا الفن من أن الحركة قبل الساكن كالحركة عليه ، فكأن الروي موجه بها أي مصير ذا وجهين: سكون وتحرك .فمن حيث سكونه الحقيقي فهو ساكن،ومن حيث تحريكه المجازي بالاعتبار المذكور فهو متحرك"انتهى كلامه.
وأتمنى أن أكون قد وفقت إلى الصواب ،والله من وراء القصد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...