لِكُلٍّ مِنّا مَسافةُ صِفْرِه ونحن نُقارِع صُروف الدَّهر، ثمّة مَنْ يقْصِف من مسافة الصِّفْر شُبّاكاً أوتوماتيكيا ببطاقة بنْكية، فيَرْتدُّ صريعاً بصِفْر درهمٍ هذا يومُ كَشْفِ الحِساب !
وثمّة حُكومة كالتي ابتُلينا بشَظفِها في العيْش، تجد أنّ أنْجع طريقة لِوضْع اليد من مسافة الصِّفر في جيوب المُواطنين، هو الضّرْب كل يوم تحْت الحِزام بأسعار جديدة، ولكن تسْبقُ ضرباتها المُوجعة بالشّكوى والبُكاء !
حتّى الشِّعر لِمَن لمْ تُصِبْهُ عاهة الإفلاس في الإحْساس، يُمْكن كتابته من مسافة الصِّفْر، إذا عرفنا كيْف نُحرِّر القصيدة كأيِّ بلدٍ محتل من بعْضِ الأسلاك الشائكة للُّغة، لِيصبح الشِّعْرُ مَحْض صلاة !
قدْ نعْرف كُلَّ المسافات عَدّاً وحتّى نقْداً، ولكن من يمْلكُ الشَّجاعة ليخُوضها حين تكون قياساً للتَّضْحية والفداء، خصوصاً تلك المسافة التي ابْتكرتها المُقاومة الفلسطينية بين الأصْبُع والزِّناد قريباً من الموت، وهي نفْسُ المسافة التي يحْتاجها كُلُّ إنسان ليتجاوز بعض الحُبوطات النفسية، ولا يبقى رعْديداً رهين حُنْجرة تمْتهِنُ العويل من بعيد، وإلا من يَنْكُر أنّنا مع الأقنعة التي تُلفِّعُنا بأكْثر من وجْه، بِتْنا في أمسِّ الحَاجة لمسافة الصِّفْر في كُل شيء، ليْس فقط بِدسِّ عبْوةٍ ناسِفة في دبّابة تصيرُ للأعداء بالإنفجار حُفرةً من نار، إنّما نحن الذين فَقدْنا شجاعة المُواجهة، أحْوَج لمسافة الصِّفْر حتّى في الكلمة غيْر المُلْتوية التي لا تطْعَنُ فِي الظَّهْر!
نحْتاجُ أيضاً بيْن موت وآخر للنَّظر إلى المرآة من مسافة الصِّفْر، ليس لِمَجْهَرة تَكدُّس التّجاعيد في الزّوايا الضَّيِّقة لوجوهنا، ولكن للسُّؤال هل الطَّيْف المُنْعكس كغريقٍ على سطْح الزجاج، هذا المخْلوقُ الذي هو أنا القريب من هؤلاء.. ما زال يَتمتَّع بالحواسِّ التي تجْعلهُ يُعبِّر بِصدْقٍ وصفاءٍ عن مشاعره الإنْسانية، أمْ أصْبح مُجرَّد خُرْدةِ شاشةٍ قابلةٍ لِعرْضِ كلّ أكاذيب العالَمْ !
الحُبُّ أيضاً يحْتاج لمسافة الصِّفْر كما الحرْب لِيحْدُثَ الانْفجار، لكن شتّان بين مَنْ يسْتسلم للأهواء، ويكْتفي بِسرقة قُبْلة من النّافذة لِيُحقِّق النَّصْر، وبين ذلك العاشق الذي يُحرِّر عيْنَيْه حتى من حاجز الأفُق، هو فقط يُريد أن يصِل حافياً بالقُنْبُلة إلى مسافة القبْر، هُو فقط مُتيَّمٌ ببلده ولا يهمُّه أنْ يحْضُنها في دبَّابة لكيْ يتطايرا معاً في أشْلاء !
يا إلهي كم قرأْنا من التُّرهات الفلْسفية عنْ حُدود الخطر، من كان يَظُنُّ أنّها ستتجاوزُ اليوم كلَّ الأوراق التي تكدَّستْ دون جدوى في العُقُول، ألَمْ تَرَ كيف تبلْوَرَت على يد المُقاومة الفلسطينية، إلَى قِيَمٍ وأخلاق تعود بالأزْمنة الغابرة للفرسان النبلاء إلى حيِّز الواقع، تُراني أحْلم وأنا أرى رجالاً أشِدّاء يُكْرمون الأسير ويأكلون معه في نفْس الطَّبَق، بينما الجُبناء لم يرأفوا حتّى بأجنَّةٍ خُدَّجٍ سجّلوا على الهواء مُباشرة أقْسَى إدانة للإنسانية، تُراهم يخْشون أنْ يكْبروا خارج القوارير لِيُولدوا ثانية من رحم الوطن، اللَّعنة، إليَّ بمسافة الصِّفْر، فهي لا تعني بالضَّرُورة أنْ أحْفر القبْر بيدي، بل تعْتبرُ مُقاربةً أخرى لا تَتقنَّع بمفاهيم لا يفْهمُها أحد، تقِف بالرُّوح والجسد على خط النّار بين الوُجود والعدم، تتجاوزُ كل توجُّس حَذرٍ مِنَ الإخْفاق، إلَيَّ بمَسافة الصِّفْر لِيتَّضِح مع مرايا الجُرْح، أنَّ تكْلُفةَ الشَّجاعة باهظةُ الثّمن لنْ تضيع هدراً، بل ستعود بالوطن أنْصَع وأوْسَع مِنْ كُلِّ الأقْمِشة التي لفَّت الشُّهَداء بِكفن !
رغْم أنِّي لسْتُ مَعْنياً بالأمْر، وأقصد بداية العام الجديد أو نهاية العالم القديم، ولكنَّني مُضطرٌّ لأُجاري الزّمن في اقْتِلاع ما تبقّى من أوراق الأيّام، ولا ضَيْر أن أقِف معهُ من مسافة الصِّفر، عنْد أعْجاز كل النّخيل أو الأشْجار التي انتصبت على أشْلائنا للاحتفال بعيد الميلاد، ياه.. لا أعْرف هل سيحتفلون بانْصرام العام أو بنهاية العالم، لهم أنْ يحْتَسُوا دمنا نبيذاً مُرّاً في الأقْداح، أمّا المصابيح المُدلّاة كالحِلِيِّ من الأغْصان، فهي جماجمُنا التي تحْتمل وتسْتحْمِلُ كل الجِراح، ولا عَجَب أنْ تأْخُذ هيْئة الأصفار، لِيعود التّاريخ إلى نشْأته الأولى بعْد أنْ يرقُص الكَوْن مذْبوحاً على إيقاع الانْفجار !
.................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 21 دجنبر 2023.
وثمّة حُكومة كالتي ابتُلينا بشَظفِها في العيْش، تجد أنّ أنْجع طريقة لِوضْع اليد من مسافة الصِّفر في جيوب المُواطنين، هو الضّرْب كل يوم تحْت الحِزام بأسعار جديدة، ولكن تسْبقُ ضرباتها المُوجعة بالشّكوى والبُكاء !
حتّى الشِّعر لِمَن لمْ تُصِبْهُ عاهة الإفلاس في الإحْساس، يُمْكن كتابته من مسافة الصِّفْر، إذا عرفنا كيْف نُحرِّر القصيدة كأيِّ بلدٍ محتل من بعْضِ الأسلاك الشائكة للُّغة، لِيصبح الشِّعْرُ مَحْض صلاة !
قدْ نعْرف كُلَّ المسافات عَدّاً وحتّى نقْداً، ولكن من يمْلكُ الشَّجاعة ليخُوضها حين تكون قياساً للتَّضْحية والفداء، خصوصاً تلك المسافة التي ابْتكرتها المُقاومة الفلسطينية بين الأصْبُع والزِّناد قريباً من الموت، وهي نفْسُ المسافة التي يحْتاجها كُلُّ إنسان ليتجاوز بعض الحُبوطات النفسية، ولا يبقى رعْديداً رهين حُنْجرة تمْتهِنُ العويل من بعيد، وإلا من يَنْكُر أنّنا مع الأقنعة التي تُلفِّعُنا بأكْثر من وجْه، بِتْنا في أمسِّ الحَاجة لمسافة الصِّفْر في كُل شيء، ليْس فقط بِدسِّ عبْوةٍ ناسِفة في دبّابة تصيرُ للأعداء بالإنفجار حُفرةً من نار، إنّما نحن الذين فَقدْنا شجاعة المُواجهة، أحْوَج لمسافة الصِّفْر حتّى في الكلمة غيْر المُلْتوية التي لا تطْعَنُ فِي الظَّهْر!
نحْتاجُ أيضاً بيْن موت وآخر للنَّظر إلى المرآة من مسافة الصِّفْر، ليس لِمَجْهَرة تَكدُّس التّجاعيد في الزّوايا الضَّيِّقة لوجوهنا، ولكن للسُّؤال هل الطَّيْف المُنْعكس كغريقٍ على سطْح الزجاج، هذا المخْلوقُ الذي هو أنا القريب من هؤلاء.. ما زال يَتمتَّع بالحواسِّ التي تجْعلهُ يُعبِّر بِصدْقٍ وصفاءٍ عن مشاعره الإنْسانية، أمْ أصْبح مُجرَّد خُرْدةِ شاشةٍ قابلةٍ لِعرْضِ كلّ أكاذيب العالَمْ !
الحُبُّ أيضاً يحْتاج لمسافة الصِّفْر كما الحرْب لِيحْدُثَ الانْفجار، لكن شتّان بين مَنْ يسْتسلم للأهواء، ويكْتفي بِسرقة قُبْلة من النّافذة لِيُحقِّق النَّصْر، وبين ذلك العاشق الذي يُحرِّر عيْنَيْه حتى من حاجز الأفُق، هو فقط يُريد أن يصِل حافياً بالقُنْبُلة إلى مسافة القبْر، هُو فقط مُتيَّمٌ ببلده ولا يهمُّه أنْ يحْضُنها في دبَّابة لكيْ يتطايرا معاً في أشْلاء !
يا إلهي كم قرأْنا من التُّرهات الفلْسفية عنْ حُدود الخطر، من كان يَظُنُّ أنّها ستتجاوزُ اليوم كلَّ الأوراق التي تكدَّستْ دون جدوى في العُقُول، ألَمْ تَرَ كيف تبلْوَرَت على يد المُقاومة الفلسطينية، إلَى قِيَمٍ وأخلاق تعود بالأزْمنة الغابرة للفرسان النبلاء إلى حيِّز الواقع، تُراني أحْلم وأنا أرى رجالاً أشِدّاء يُكْرمون الأسير ويأكلون معه في نفْس الطَّبَق، بينما الجُبناء لم يرأفوا حتّى بأجنَّةٍ خُدَّجٍ سجّلوا على الهواء مُباشرة أقْسَى إدانة للإنسانية، تُراهم يخْشون أنْ يكْبروا خارج القوارير لِيُولدوا ثانية من رحم الوطن، اللَّعنة، إليَّ بمسافة الصِّفْر، فهي لا تعني بالضَّرُورة أنْ أحْفر القبْر بيدي، بل تعْتبرُ مُقاربةً أخرى لا تَتقنَّع بمفاهيم لا يفْهمُها أحد، تقِف بالرُّوح والجسد على خط النّار بين الوُجود والعدم، تتجاوزُ كل توجُّس حَذرٍ مِنَ الإخْفاق، إلَيَّ بمَسافة الصِّفْر لِيتَّضِح مع مرايا الجُرْح، أنَّ تكْلُفةَ الشَّجاعة باهظةُ الثّمن لنْ تضيع هدراً، بل ستعود بالوطن أنْصَع وأوْسَع مِنْ كُلِّ الأقْمِشة التي لفَّت الشُّهَداء بِكفن !
رغْم أنِّي لسْتُ مَعْنياً بالأمْر، وأقصد بداية العام الجديد أو نهاية العالم القديم، ولكنَّني مُضطرٌّ لأُجاري الزّمن في اقْتِلاع ما تبقّى من أوراق الأيّام، ولا ضَيْر أن أقِف معهُ من مسافة الصِّفر، عنْد أعْجاز كل النّخيل أو الأشْجار التي انتصبت على أشْلائنا للاحتفال بعيد الميلاد، ياه.. لا أعْرف هل سيحتفلون بانْصرام العام أو بنهاية العالم، لهم أنْ يحْتَسُوا دمنا نبيذاً مُرّاً في الأقْداح، أمّا المصابيح المُدلّاة كالحِلِيِّ من الأغْصان، فهي جماجمُنا التي تحْتمل وتسْتحْمِلُ كل الجِراح، ولا عَجَب أنْ تأْخُذ هيْئة الأصفار، لِيعود التّاريخ إلى نشْأته الأولى بعْد أنْ يرقُص الكَوْن مذْبوحاً على إيقاع الانْفجار !
.................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 21 دجنبر 2023.