مصطفى معروفي - الشعر الغنائي

لقد دأب النقاد على تقسيم الشعر إلى ثلاثة فنون ،كل فن منها له مميزاته الخاصة وسماته التي تجعله يقف وحده لا يتبلس به غيره أو يخالطه مخالطة قل مقدارها أو كثر.ولذا هنا في رأيي الشخصي يتميز الناقد الملم بأدواته وبأمور النقد وشؤونه من كليات وجزئيات وتفريعات تهم ميدانه النقدي ،فتنير السبيل أمام القارئ ككل وأمام الأديب على وجه الخصوص حتى يتلمس كل واحد منهما طريقه بكل سلامة واطمئنان في الفن الأدبي المعين الذي يتغيى الخوض فيه قارئا أو كاتبا،وأنا أقول هذا أستحضر مقولة هي في اعتقادي صائبة ومؤداها أن"الناقد أديب وزيادة"مع أنني أومن أن أهل مكة أدرى بشعابها، فالشاعر الحقيقي ربما يعرف في الشعر ومن الشعر ما لا يعرفه الناقد.
أقول لقد قسم النقاد فنون الشعر إلى أقسام ثلاثة،وهي:
أولا الشعر الغنائي.
ثانيا المقطوعة والقصيدة.
ثالثا الملحمة.
ما يهمنا في هذا المقال المتواضع هو التطرق إلى الفن الأول وهو الشعر الغنائي،من حيث ماهيته،وماهي مميزاته.
الشعر الغنائي هو شعر عاطفي مصدره ذات الشاعر ،فهو به ومن خلاله يعبر عن تجربته في الحياة وما تتركه هذه الحياة في نفسه من انطباعات وأحاسيس متنوعة،كما أنه ـ أي الشاعر ـ يصور فيه لنفسه أو للمتلقي ما يختلجه من آمال وما يشعر به من آلام،ولذا كان هذا الشعر يقوم بتمثيل الشاعرية أصدق تمثيل بما فيها من صفاء موغل في عفويته،وما فيها من انطلاق نحو الآفاق الرحبة من حيث التصوير والتفنن في التعبير .
إننا إذا حاولنا النظر إلى الشعر الغنائي كي نكتشف ما يميزه من بين ما يميزه نجد عنصر الذاتية ،فهذا العنصر يمثل فيه محورا أساسيا ،ولذا تجيء القصائد الغنائية بعيدة كل البعد عن التطويل ،اللهم إلا إذا أراد الشاعر أن يفسح الطريق أمامه للتعبير عن أشياء لا تتصل اتصالا مباشرا بعواطفه ،فيخرج بذلك من الحديث عن نفسه إلى الحديث عن تلك الأشياء.
ثم إنه تجدر الإشارة هنا إلى أن الشعر العربي في بدايته قد نشأ نشأة غنائية،وقد مكث كذلك على هذا النحو حتى بزوغ العصر الحديث،وهذا راجع بطبيعة الحال إلى ما يتميز به الإنسان العربي من جيشان في العاطفة ومن قوة الانفعال الذي يحتدم في داخله .وكذلك من وعيه بأناه التي طبعتها بيئته الصحراوية في تفكيره بطابعها،ومن ذاتيته التي نبعت من إحساسه بفرديته في تلك البيئة.
كما تجدر الإشارة إلى أن من مميزات الشعر الغنائي بالإضافة إلى كونه تعبيرا عن العواطف الشخصية هو تعبير كذلك عن العواطف الإنسانية ،إذ هو في المقام الأول يستمد موضوعاته رأسا من الإنسان والحياة.
لقد كان الشعر الغنائي ومنذ قديم شعرا يعبر على العموم عن الفرد،إلى أن صار في العصر الحديث لا يكتفي بالتعبير عن عواطف الفرد فقط،بل عن عواطف الأمة أيضا ،إضافة إلى التعبير عن عواطف الإنسانية في مجموعها.
وأغراض الشعر الغنائي متنوعة ،فهي موزعة بين مدح وهجاء،وبين غزل ورثاء ،وبين فخر ووصف،ولم يكتف الشعر الغنائي بالتطرق إلى هذه الأغراض وحدها،فقد زاد على ذلك أن تناول في العصور الحديثة موضوعات أخرى تمثلت مثلا في القضايا الوطنية والقومية وفي نشدان الحرية والتخلص من نير الاستعمار،كما تمثلت في مواضيع من قبيل ضحايا البؤس والفقر وغياب العدالة في مستوياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية...إلخ.
بقي علينا أن نعرف أن كل غرض من أغراض الشعر الغنائي التي سقناها أعلاه إنما هي لكل واحد منها أسلوبه الخاص يتماشى وطبيعة كل غرض.
نسأل الله السداد والتوفيق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...