المحامي علي ابوحبله - إسرائيل تخشي قرارات محكمة العدل الدولية. فما تداعيات إدانتها ؟

جنوب إفريقيا دوله لها خبره في مواجهة نظام الفصل العنصري و نجحت في هزيمة المستعمرين وتحررت جنوب إفريقيا من هيمنة البيض على حكم البلاد وإعادة الأرض لأصحابها الأصليين ، وقد جاءت التغيرات الدولية مثل فرض العقوبات على الحكومة العنصرية وانضمام الولايات المتحدة والدول الغربية اليها، بالتزامن مع اشتداد الثورة وتصاعدها خلال الثمانينيات. أدركت حكومة الفصل العنصري آنذاك ضرورة الاستجابة لمطالب حركات التحرر وإنهاء حالة العنف المستمرة في البلاد. وفي هذا الإطار، بدأت حكومة الأبارتهايد بتحرير الأسرى السياسيين مثل نيلسون مانديلا، والعمل على إلغاء قوانين الفصل العنصري، وتحديداً القوانين التي تحظر السُّكان الأصليين من امتلاك الأراضي، أو التي جردتهم من ملكياتهم خلال فترة الأبارتهايد.

ويُعتبر الغاء قوانين الأراضي المُشرعة على أساس العرق، وتحديداً قانون عام 1913 والمعدل عام 1936، أحد أهم بدايات تفكيك منظومة الاستعمار والفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والاعتراف بحقوق الأغلبية السوداء في الأرض والظلم الذي تعرضوا له تاريخياً. منح هذا الإلغاء اعترافاً بأحقية السُّكان الأصليين في الأرض وبأنها جُردت منهم بشكل غير قانوني، ما يستدعي تشريع قوانين جديدة وصياغة دستور جديد يضمن إعادة الأراضي والممتلكات لأصحابها بناءً على مبادئ العدالة.

في العام 1993، وافق الحزب الوطني والمؤتمر الوطني الافريقي بقيادة نيلسون مانديلا على الدستور المؤقت الجديد، حيث كانت هذه المرة الأولى في تاريخ جنوب أفريقيا التي يُعامل فيها الدستور كافة الأعراق على قدم المساواة. وقد تم في العام التالي تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا يشارك فيها كافة الأعراق، مما مكن الحكومة الديمقراطية المنتخبة من وضع برامج تهدف الى استرداد الأراضي، وإعادة توزيعها بما يُلغي ركائز النظام السابق، ويحقق العدالة لأصحاب الحقوق.

هذه ألمقدمه الموجزة عن كفاح جنوب إفريقيا ضد الاستعمار الاستيطاني والاحلالي لنظام الابرتهايد لحكم البيض والسيطرة والهيمنة على مقدرات البلاد وإسقاط هذا النظام ، هي حافز ودافع للفلسطينيين في فتح آفاق جديدة من خلال شكوى جنوب إفريقيا مؤخرا بدعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، على خلفية ارتكابها جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وحددت المحكمة يوم الخميس المقبل الموافق 11 يناير الجاري لنظر الدعوى.

وفقا لما جاء في بيان المحكمة الدولية عن الدعوى الذي قدمتها جنوب افريقيا، فإن " أفعال إسرائيل تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها تقصد المحدد المطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية، فضلا عن أن سلوك إسرائيل من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو نفوذها يشكل انتهاكًا لالتزاماتها تجاه جميع الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية "

والدعوى ألمنظوره أمام محكمة العدل الدولية والمقامة من قبل جنوب إفريقيا ووفق ما نصت عليه " اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها " تكتسب أهمية كبرى للانتصار للحق ووضع حدود لتمادي حكومة الحرب في الاستمرار بارتكاب جرائمها بحق البشر والحجر والشجر ، وبالرجوع لنصوص المواد التي تسند لها الدعوى وفق نصوص " المــادة الثانية التي تضمنتها الاتفاقية " ، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الج زئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

( أ ) قتل أعضاء من الجماعة.

(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

( ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.



ووفق نص " المــادة الثالثة "

يعاقب على الأفعال التالية:

( أ ) الإبادة الجماعية.

(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.

( ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.

( د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.

(هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.

ووفق نصوص المواد وبموجب المادة الرابعة يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفراداً.

ويمضون الدعوى التي قبلتها محكمة العدل الدولية " لاهاي " «أن إسرائيل، ومنذ تاريخ 7 أكتوبر الماضي، فشلت في منع الإبادة الجماعية وفشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، وأن الدولة العبرية تورطت، وتتورط، وتخاطر بالتورط في المزيد من أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة».

وشددت جنوب إفريقيا على ضرورة إتخاذ محكمة العدل الدولية إجراءات من أجل حماية الفلسطينيين في غزة من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح بموجب معاهدة مناهضة الإبادة الجماعية، ولضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها.

موافقة الحكومة الإسرائيلية على المثول أمام محكمة العدل الدولية، إذ خرج إيلون ليفي، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ليؤكد أن إسرائيل ستمثل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي «لدحض اتهامات جنوب أفريقيا بارتكاب إبادة جماعية في الحرب مع حركة حماس في غزة .

رائيل أمام العدل الدولية؟ قدمت جنوب أفريقيا طلبا إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل بسبب العمليات العسكرية التي تشنها في قطاع غزة، إلا أن هذا التحرك يواجه تحديات عدة قد تمنع من تحقيق أهدافه.

وبحسب بيان لمحكمة العدل الدولية فقد اتهمت جنوب إفريقيا إسرائيل بارتكاب ما وصفته بأنه "أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة"، موضحة أن "أفعال إسرائيل مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة لتدمير فلسطينيي غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الأوسع أي الفلسطينيين".

إسرائيل وصفت طلب جنوب أفريقيا بأنه لا يستند إلى أي أساس قانوني، متهمة بريتوريا بالتعاون مع ما سمتها "جماعة إرهابية تدعو لتدمير إسرائيل" في إشارة إلى حركة حماس، وادعت أن إسرائيل تعمل على الحد من وقوع الضرر على المدنيين.

رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، من جانبه قال إن إسرائيل لن تقاطع إجراءات محكمة العدل الدولية بعد أن طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة بدء إجراءات ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

وأضاف هنغبي أن المشاركة تهدف لرفض التماس جنوب أفريقيا ودحض الاتهام الموجه إليها والذي وصفه بالسخيف.

ما تقوم به حكومة الحرب الإسرائيلية هي جريمة أباده وفق منطوق الدعوى التي تقدمت بها حكومة جنوب إفريقيا وذلك وفق توصيف القانون الدولي " لمفهوم الإبادة البشرية ومسؤوليتها الجنائية دوليا: وهي أن جريمة الإبادة ضد الإنسانية هي القتل دون تمييز من نساء وأطفال وغيرهم، وهو ما ينطبق على ما يحدث في قطاع غزة.

هذه الجريمة تضع مرتكبيها أمام المسؤولية الجنائية الدولية سواء كانت محكمة الجنايات الدولية، أو محكمة العدل في لاهاي ، والفرق بين محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية أن " المحكمة الجنائية الدولية تصدر قرارات ذات فاعلية في القبض على مرتكبي الجرائم وتوقيفهم وغيرها من الإجراءات من الناحية الجنائية ، أما محكمة العدل الدولية تدين فقط، أي أنها تشير للمخطئ دون إعطاء قرار بالقبض عليه "

وفي وقت سابق قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إن المحكمة ستكثف جهودها للتحقيق في ادعاءات ارتكاب جرائم حرب وقعت خلال هذا الصراع منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، فيما لم يسمح لمحققي المحكمة بدخول قطاع غزة أو إسرائيل التي ليست لديها عضوية في المحكمة الجنائية الدولية.

لجوء جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية كان التوجه الأفضل لوضع حدود لتمادي إسرائيل في حربها وللتأثير على الموقف الإسرائيلي ، وسبب اللجوء إلى محكمة العدل هو رفض المدعي العام للمحكمة الجنايات الدولية (كريم خان) إدانة إسرائيل، أو الإقرار بما ترتكبه، برغم من قيامه سابقا بوضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحت طائلة الجنايات الدولية، حتى مع ابتعاد الجيش الروسي عن استهداف المدنيين بشكل مباشر.

وعلى الرغم من أنها أول مرة تقف فيها إسرائيل أمام المحكمة الدولية، ليس هذا أول تحرك قضائي ضدها، منذ إطلاقها الحرب الانتقامية على قطاع غزة. وتعد الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا فارقة، لأنها استخدمت ورقة الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية، التي تعد إسرائيل أحد الموقعين عليها.

والسؤال ماذا بعد دعوى جنوب إفريقيا؟ ؟؟ حيث يجمع متخصصون في القانون الدولي أن تهمة الإبادة الجماعية ثابتة في حق إسرائيل ، ويرى محللون أن اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية هو إجراء مؤلم للدولة العبرية. ذلك باعتبار المحرقة النازية، التي قُتل فيها ملايين اليهود، كانت بمنزلة الدافع وراء المعاهدة التي تتهم إسرائيل الآن بانتهاكها.

بالمقابل، واعتباراً من سوابق المحكمة الدولية في مع عدة أطراف بارتكاب إبادة جماعية، مثل القضية التي رفعتها غامبيا على ميانمار عام 2019، فإن هذه القضايا قد تأخذ سنوات ليجري البث في حكم فيها.

لكن الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا تتضمن طلباً من المحكمة الدولية أن تصدر بشكل عاجل أوامر مؤقتة ملزمة قانوناً لإسرائيل "بتعليق عملياتها العسكرية على الفور في غزة وضدها". ومن الممكن أن تصدر المحكمة مثل هذه الأحكام، كما كان الحال في القضية التي رفعت على روسيا عقب حربها على أوكرانيا لكن جرى تجاهل تنفيذها، وهو ما يمنح إسرائيل أيضاً إمكانية التجاهل.

ومع ذلك، فإن الحكم لمصلحة جنوب إفريقيا والفلسطينيين قد يزيد من الضغوط الكبيرة على إسرائيل وداعمها الأول الولايات المتحدة. وبحسب سارانج شيدور، مدير معهد "كوينسي" للأبحاث ومقره واشنطن، فإن "إدارة بايدن معرّضة بشكل متزايد للحرج أمام المعارضين المحليين للحرب والاتهامات الدولية بازدواجية المعايير"، وبالتالي فإن الحكم ضد إسرائيل قد يكون له "تداعيات على مكانة الولايات المتحدة".

[/B]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...