كاظم حسن سعيد - هل ساهم التخلي عن الوزن بتدهور الشعر العربي.

قال الرسام سيزان عبارته الشهيرة أن «الكرة، والأسطوانة، والمخروط» هي جوهر بِنْيَة الطبيعة، والتكعيبة كمدرسة في الفن التشكيلي قد نشأت عن نوع من الالتباس في فهم هذه العبارة، فلم يكن الغرض فرض هذه الأشكال الهندسية على الطبيعة، لأنها موجودة فعلا .
مخطيء من يظن بان الشعر الحر نشأ فجأة ,انه ثمرة لتراكم تحولات في البنية الشعرية منذ زمن شعراء المهجر.وكتاب الخضراء الجيوسي (الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ....) يسلط الضوء بدقة وموضوعية على تلك التحولات .
محظوظا كنت لامتداد صداقتي وعمقها مع اهم رواد الشعر الحديث محمود البريكان .
فكنت من خلال الحوار المتواصل معه حول النشأة اوسّع من افق فهمي لتلك المرحلة .
بدأ الشعر الحر بالعراق بتجارب شكلية فلم تكن قصيدة السياب الاولى حرا بالقصيدة الجاذبة .. كانت قصائد تهتم بتغيير البنية وهو حدث تاريخي سيقود لانقلاب حاسم في الشعر .
ولم يكن الاهتمام بالشكل قد جرى منفردا فقد رافقته دراسات وبحوث مخلصة في المضمون فتم اعادة النظر بالاستعارة والمجاز والصورة الشعرية .
واندلعت معركة مريرة بين البيان والايحاء معركة بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
في النهاية انتصرت الحداثة وتراجعت البنية الكلاسيكية .
حدثني الرائد البريكان يوما عن حوار ساخن جرى بينه وصديقه رشيد ياسين حول بيت كتبه البريكان حيث استخدم فيه مجازا لم يرق لصديقه .
وذكر عبد الرزاق عبد الواحد بحوار متلفز احدى الطرائف التي صاحبت الشعر الحر في بداياته فقد القى النواب قصيدة من الشعر الحر بالحرم الجامعي ما ادى الى استخفاف مجامل مع ضحكات لدى عبد الرزاق وزملائه ما جعل السياب يحتدم , فقد قال للسياب مبتسما ( انت من اتيت لنا بهذا النهج ).
في الجهة الاخرى اهتم كتاب نازك الملائكة (قضايا الشعر المعاصر) النقدي بالاضاءة والدفاع عن الحركة الشعرية الجديدة وكانت لتخصصها الاكاديمي ومقدرتها التنظرية دور بتمكين الشعر الحديث وهو في بداية نشأته .
ان عبقرية سيزان لم تتمكن من تبطيء الحركة الفنية فقد قال بيكاسو ان الرسامين الافذاذ الاكبر عمرا منا لم يتقبلوا لوحاتنا.
فصمدت التكعيبية وترسخت المدرسة الوحوشية .
ويحدث ان يمر الادب بمرحلة ارتداد فقد مجد اليوت الشعر الميتافيزيقي وعادت مرة اخرى الرومانسية بعد تلاشيها لانكلترا .
كان على الفرد ليكون شاعرا ان يتقن الوزن ولكي تستجيب اذنه الموسيقية للايقاع يكره ان يمر بمئات الدواوين الشعرية القديمة والمعاصرة .
اما الان فلا حاجة لكل هذا الجهد ( سفّط مفردات تنتج شعرا ).
ورغم ان الموهبة عامل حاسم بتحديد هوية الفنان والشاعر فهما يحتاجان لكدح ثقافي غير محدود , استغراق بالمصنفات .
اذا اعترفنا بان التاريخ لا يجري عشوائيا نستطيع ان نهّون على انفسنا ما نرى من منشورات ادبية هابطة.
فان كان تقدم السنوات يفرز مبدعين ابدا فكيف مرت بنا الفترة المظلمة .
خلافا لتصريح ادونيس بكتابه الثابت والمتحول لم تشهد الفترة المظلمة طيلة ستة قرون أي شعر جاذب الا ما ندر . وما ندر عبارة تحوطية .

تعليقات

التخلي عن الوزن جعل كل من هب ودب يتجرأ على الشعر ،فأجدادنا لم يضعوا القوانين والقواعد للشعر اعتباطا ،وإنما وضعوها له ليحموه من المتطفلين والأدعياء،وحتى لا يقدم أي شخص بالكاد تعلم فك رموز الأبجدية على اقترافه.
وها نحن نرى بمثل هؤلاء إلى أن هبط مستوى الشعر.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
كاظم حسن سعيد

شكرا من الصميم للاستاذ مصطفى معروفي لجمال مداخلتك
ليس التخلي عن الوزن وراء تدهور الشعر قد يكون احد العوامل...لكنه ليس العامل الاوحد... كنت اعني ان اتقان الوزن كان يدفع الشعراء المبتدئين الى الاطلاع على دواويين الشعر العربي لتستقيم لديه الذائقة والمران الايقاعي...
اعطني موهبة واكتب باي شكل..انها ازمة مواهب وليس فقرا او تراجعا بالمبنى
ان وراء هبوط الشعر اسباب عدة تاريخية واجتماعية وغيرها نحتاج دراستها بعمق
دليلنا على ان الشعر لايزال بعضه بخير هو قصائد الرائد محمود البريكان الذي طرق قصيدة النثر باخر سنواته قبل رحيله غدرا
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...