ومنذ جريان العمل بهذا النظام والانتقادات توجه إليه من كل طبقة من الطلاب. وأحق هذه الانتقادات بالالتفات أن غالب المواد أسندت إلى من لا يحسنها، وأن كتب الدراسة لم يدخل عليها أي تعديل. فالفقه مثلاً لا زال في مختصر الشيخ خليل ذي الشروح العديدة والحواشي الكثيرة؛ والنحو لازال يدرس في الابتدائي بشرح الأزهري للأجرومية. والألفية أبدل شرح المكدودي لها بشرح أبن الناظم وليس بذاك
على أن الذي لا يصح إنكاره من محاسن هذا النظام فضلا عن ضبطه لأوقات الدراسة هو إحياؤه لعلوم الحديث والتفسير، وإدخاله لبعض العلوم التي كان الطالب القروي محروماً منها كالتاريخ والجغرافية والهندسة. فأما كون المواد تسند إلى غير أهلها فالحقيقة في ذلك أن بعض العلوم لم يكن لأهل القرويين في الوقت الحاضر بها مساس مع ما انضم لذلك من إبعاد نبغاء أهل العلم والأدب عن الكلية وأخذهم للوظائف الحكومية؛ فواجب أن تجلب الحكومة بعض أساتذة تلك العلوم من معاهد الشرق بينما ترسل بمئات من أبناء القرويين للتخصص فيها وتدريسها عند عودتهم. كما يجب أن يعاد أولئك الأفاضل المقصون عن الكلية إلى حظيرة التعليم؛ فمن الجور أن يضيع عمرهم في غير ما خلقوا له ويضاع معه مستقبل الطلبة الذي نحن عليه جد حريصين
وأما مسألة الكتب فإن الزمان كفيل بتعديلها على أحسن الوجوه. ومن الإنصاف أن نعترف أن الوقت لم يحن بعد لتسويقها كما ينبغي، لما نرى عليه بلادنا من التأخر المزري في وسائل النشر وصناعة الطبع. وعسى ألا يستمر الأمر على ذلك زماناً طويلاً ولا سيما بعد تنظيم خزانة القرويين والاهتمام بجمع كنوزها وذخائرها وحفظها من التلف ورد اليد العادية عنها فالمستقبل باسم إن وجد من يعمل بجد وإخلاص
هذا، ولنا نظر في إصلاح القرويين ونبديه هنا - ولو لمجرد المناسبة - فهو أقرب تناولا وأمثل سرعة وأنسب حالا من كل إصلاح غيره. وذلك أننا نرى أن تخصص الكلية بالدراسات الإسلامية المحضة وما يعين عليها، من علوم القرآن بما فيها القراءات الت قدمنا ما كان لأسلافنا من العناية بها، والحديث والفقه والأصلين ووسائل ذلك من النحو والفقه والبيان والمنطق والحساب والهيئة ونحوها، على أن تكون دراسة هذه بحسب التبع لتلك، ومن أجل أنه لا يتوصل إلى المطلوب إلا بها، ولذلك كان أشياخنا رحمهم الله يسمونها علوم الآلات، والمقصود الأهم الذي يجعل نصيب العين بالتعمق في النظر والتوسع في البحث هو الفقه والحديث وسائر العلوم المذكورة سابقاً التي نؤمل من وراء دراستها على هذا النمط والانقطاع لها بهذه القابلية أن نخرج رجالاً متضلعين منها أشد التضلع، متقنين لها أحسن الإتقان، فنعيد عهد مالك والشافعي والبخاري وأحمد بن حنبل والأشعري والماتريدي وأبن حزم وأبن العربي وعياض وأبن تيمية وابن حجر وأضرابهم
وذلك في حين توجه الرغبة واشتداد الطلب وتضافر الجهود إلى تأسيس جامعة عصرية ' تتكون من ثلاث كليات إحداهما للأدب والثانية للطب والثالثة للعلوم. والتي للأدب نعوض بها تلك الدراسة الناقصة العقيمة التي حذفناها من برنامج القرويين، إذا اصبح من المسلم به أن الأدب لا يحيا بتلك الطريقة، ولا ينتظر أن يكون له مستقبل في هذه البلاد ما دام لم يوجه الاتجاه المطلوب التي تقتضيه الظروف الحاضرة، وامتداد إبان البحث إلى ما لم تكن عليه في الأزمان الغابرة. واللتان للطب والعلوم نسد بها مفاقرنا في الحياة العلمية والعملية التي ما فتئنا نسمع التبشير بها والوعد باستقبالها منذ ربع قرن فأكثر كما كنا لا نرى لها أثراً إلا عند الغير
وبقطع النظر عن مسألة القرويين ونحن لا نرى بداً - إذا كنا نريد نهضة حقيقية مبنية على أساس متين من الإصلاح الاجتماعي الشامل - من إنشاء هذه الجامعة التي كم عنينا بأمرها وتهممنا بشأنها. ولذلك نتوجه بطلبنا هذا إلى سدة ملكنا المحبوب سيدي محمد الذي نحمد الله على شفائه من مرضه وحفظه لأمته التي لها فيه آمال كبار ومتمنيات جسام لا طمع لها في غيره بتخفيفها وإقرار عينها بها، ومن جملتها الجامعة التي تشرف المملكة السعيدة وتغني كثيراً من أبناء المغرب عن تكبد مشاق السفر والغربة في طلب العلم في البلاد الأجنبية، وما ذلك على همته العلوية بعزيز
(طنجه)
عبد الله كنون الحسني
مجلة الرسالة - العدد 270
بتاريخ: 05 - 09 - 1938
على أن الذي لا يصح إنكاره من محاسن هذا النظام فضلا عن ضبطه لأوقات الدراسة هو إحياؤه لعلوم الحديث والتفسير، وإدخاله لبعض العلوم التي كان الطالب القروي محروماً منها كالتاريخ والجغرافية والهندسة. فأما كون المواد تسند إلى غير أهلها فالحقيقة في ذلك أن بعض العلوم لم يكن لأهل القرويين في الوقت الحاضر بها مساس مع ما انضم لذلك من إبعاد نبغاء أهل العلم والأدب عن الكلية وأخذهم للوظائف الحكومية؛ فواجب أن تجلب الحكومة بعض أساتذة تلك العلوم من معاهد الشرق بينما ترسل بمئات من أبناء القرويين للتخصص فيها وتدريسها عند عودتهم. كما يجب أن يعاد أولئك الأفاضل المقصون عن الكلية إلى حظيرة التعليم؛ فمن الجور أن يضيع عمرهم في غير ما خلقوا له ويضاع معه مستقبل الطلبة الذي نحن عليه جد حريصين
وأما مسألة الكتب فإن الزمان كفيل بتعديلها على أحسن الوجوه. ومن الإنصاف أن نعترف أن الوقت لم يحن بعد لتسويقها كما ينبغي، لما نرى عليه بلادنا من التأخر المزري في وسائل النشر وصناعة الطبع. وعسى ألا يستمر الأمر على ذلك زماناً طويلاً ولا سيما بعد تنظيم خزانة القرويين والاهتمام بجمع كنوزها وذخائرها وحفظها من التلف ورد اليد العادية عنها فالمستقبل باسم إن وجد من يعمل بجد وإخلاص
هذا، ولنا نظر في إصلاح القرويين ونبديه هنا - ولو لمجرد المناسبة - فهو أقرب تناولا وأمثل سرعة وأنسب حالا من كل إصلاح غيره. وذلك أننا نرى أن تخصص الكلية بالدراسات الإسلامية المحضة وما يعين عليها، من علوم القرآن بما فيها القراءات الت قدمنا ما كان لأسلافنا من العناية بها، والحديث والفقه والأصلين ووسائل ذلك من النحو والفقه والبيان والمنطق والحساب والهيئة ونحوها، على أن تكون دراسة هذه بحسب التبع لتلك، ومن أجل أنه لا يتوصل إلى المطلوب إلا بها، ولذلك كان أشياخنا رحمهم الله يسمونها علوم الآلات، والمقصود الأهم الذي يجعل نصيب العين بالتعمق في النظر والتوسع في البحث هو الفقه والحديث وسائر العلوم المذكورة سابقاً التي نؤمل من وراء دراستها على هذا النمط والانقطاع لها بهذه القابلية أن نخرج رجالاً متضلعين منها أشد التضلع، متقنين لها أحسن الإتقان، فنعيد عهد مالك والشافعي والبخاري وأحمد بن حنبل والأشعري والماتريدي وأبن حزم وأبن العربي وعياض وأبن تيمية وابن حجر وأضرابهم
وذلك في حين توجه الرغبة واشتداد الطلب وتضافر الجهود إلى تأسيس جامعة عصرية ' تتكون من ثلاث كليات إحداهما للأدب والثانية للطب والثالثة للعلوم. والتي للأدب نعوض بها تلك الدراسة الناقصة العقيمة التي حذفناها من برنامج القرويين، إذا اصبح من المسلم به أن الأدب لا يحيا بتلك الطريقة، ولا ينتظر أن يكون له مستقبل في هذه البلاد ما دام لم يوجه الاتجاه المطلوب التي تقتضيه الظروف الحاضرة، وامتداد إبان البحث إلى ما لم تكن عليه في الأزمان الغابرة. واللتان للطب والعلوم نسد بها مفاقرنا في الحياة العلمية والعملية التي ما فتئنا نسمع التبشير بها والوعد باستقبالها منذ ربع قرن فأكثر كما كنا لا نرى لها أثراً إلا عند الغير
وبقطع النظر عن مسألة القرويين ونحن لا نرى بداً - إذا كنا نريد نهضة حقيقية مبنية على أساس متين من الإصلاح الاجتماعي الشامل - من إنشاء هذه الجامعة التي كم عنينا بأمرها وتهممنا بشأنها. ولذلك نتوجه بطلبنا هذا إلى سدة ملكنا المحبوب سيدي محمد الذي نحمد الله على شفائه من مرضه وحفظه لأمته التي لها فيه آمال كبار ومتمنيات جسام لا طمع لها في غيره بتخفيفها وإقرار عينها بها، ومن جملتها الجامعة التي تشرف المملكة السعيدة وتغني كثيراً من أبناء المغرب عن تكبد مشاق السفر والغربة في طلب العلم في البلاد الأجنبية، وما ذلك على همته العلوية بعزيز
(طنجه)
عبد الله كنون الحسني
مجلة الرسالة - العدد 270
بتاريخ: 05 - 09 - 1938