قبل الدخول في تفاصيل هذه المقالة، أريد أن أثيرَ الانتباهَ أن كتابَ الله المنزَّل على رسولِه محمد (ص)، خاتم الرُّسُل والأنبياء، ليس كأي كتاب، بحكم أنه كتاب هداية ورُشد وإرشاد وعبرة وموعظة وهدى وتوجيه…، وبالتالي، فقراءتُه يجب أن تتمَّ بتأنٍّ وتبصُّرٍ وتدبُّر. فما معنى أن نقرأَ كتابَ اللهِ بتأنٍّ وتبصُّرٍ وتدبُّر؟
يقول سبحانه وتعالى في كتابِه الكريم : "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص، 29). في هذه الآية الكريمة، يقول اللهُ، جلَّ جلالُه، إنه أنزل القرآن على نبيِّه ورسولِه محمد ليُبلِّغَه للناس من أجل تدبُّر آياتِه، أي إدراكُ وفهمُ كلماته وألفاظه وحروفه وجُمَله، والوقوف على ما وَرَدَ فيه من تنبيهات ونصائح وإشارات وأخذ العِبرة من ما يتضمَّنه من قيمٍ إنسانية سامية ومن قَصَص الماضي.
وهنا، لا بدَّ من التذكير أن حِفظَ القرآن بدون فهمٍ وإدراكِ محتواه، وإن كان هذا الحِفظُ شيئا مرغوبا فيه، فتدبُّر آياته أفضل من هذا الحِفظ، وخصوصا، أن القرآنَ الكريم، في عصرنا هذا، أصبح في متناول مَن يرغب في قرائتِه، من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وموضوعا رهن إشارة القُراء عبر سيلٍ هائلٍ من التطبيقات العنكبوتية كتابةً، تفسيرا وتجويدا وترجمةً.
قد يقول قائلٌ : حِفظُ القرآن، عن ظهر قلب، وسيلة من وسائل الحِفاظ عليه في الصدور وتجنُّب الزيادةَ فيه أو النُّقصان منه. أقول وأعيد : القرآن الكريم، كما أسلفتُ، موضوعٌ رهنَ إشارة الجميع، بما في ذلك غير المسلمين، علما أن كتابَ الله مترجمٌ إلى العديد من اللغات وله مَن يحفظُه من كل تغيير وتحريف وتزوير. يقول سبحانه وتعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر، 9). ويقول كذلك، جلَّ عُلاه : "لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت، 42).
ولهذا، فإن تدبُّرَ آيات القرآن الكريم أفضل من حفظه عن ظهر قلب بدون فهم محتواه وحِكمه. وتدبُّر آيات القرآن قد يسهِّل حفظَ ما تيسَّر منه، علما أن الفرقَ شاسع بين الحافظ عن ظهر قلب، الذي لا يستطيع أن يعملَ بما لم يفهمه والمُتدبِّر الذي يفهم ويعمل بما فهِمه. وتدبُّر القرآن الكريم، أصلا، مطلوبُ ليُطبِّقَ الناسُ ما استشفوه منه من نصائح وإرشادات وهداية ونور واستقامة… في حياتِهم اليومية. لماذا؟
لأن كتابَ الله، كما سبق الذكرُ، ليس كأي كتاب، بحكم أنه كتاب هداية ورُشد وإرشاد وعبرة وموعظة وهُدى وتوجيه… لجميع الناس، بغض النظر عن أجناسهم ومعتقداتهم واختلاف ألسنتهم ولون بشرتهم مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" (يونس، 57). وموعظةٌ، في هذه الآية، تعني القرآن الكريم الذي، إذا تدبَّر الناسُ آياتِه، يُشفي ما في الصدور، أي تكون نتيجةُ هذا التَّدبُّر بمثابة راحةٍ نفسيةٍ وطمأنينة وسكينة.
ثم لماذا أقول القرآن الكريم شامل؟ لأنه كلٌّ متكامل مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : …مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ… (الانعام، 38). وهو الذي يقول كذلك : "وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف، 52). الآية الأولى تبيِّن أن اللهَ، سبحانه وتعالى، وضَّحَ في كتابه الكريم كلَّ ما يحتاجه عبادُه لاتِّباع صراطه المستقيم وكلَّ ما ينفعهم من خيرٍ واستفامةٍ وعدلٍ وقيمٍ للتعايش داخلَ المجتمعات. والدليل على ذلك، أن اللهَ، سبحانه وتعالى، استعملَ في هذه الآية كلمةَ "شيء"، أي كل شيءٍ له علاقة بما يريده من خيرٍ لعباده. في الآية الثانية، يقول سبحانه وتعالى، إنه فصَّلَ آيات القرآن الكريم، أي ليُبيَّن فيها، أو من خلالِها، كيف يُميِّزُ الناسُ بين الحق والباطل والطيب والخبيث والعدل والظلم…
ولهذا، فالقرآن الكريم هو، في الحقيقة، بمثابة ما نسمِّيه، في لغة العصر، خُطَّةً تنيرُ الطريقَ لمن أراد أن يستقيمَ وأن ينفعَ نفسَه وينفعَ الآخرين. وبما أن اللهَ يريد الخيرَ لعباده أجمعين، فقرآنه منزَّلٌ على نبيِّه ورسوله محمد (ص) ليُبلِّغَه للناس جميعا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(سبإ، 28).
والناس الذين ينفعون أنفسَهم وينفعون الآخرين، هم الناس الذين يعملون بما نصَّ عليه القرآن الكريم من قيمٍ إنسانية، اجتماعية وأخلاقية ضماناً لتعايشهم وتساكنهم في أمن وأمان. والطريق المستقيم، المنصوص عليه في القرآن الكريم، يلمسُه القاريء المُتمعِّن والمتدبِّر من أول آية فيه إلى آخر آية منه. ولهذا، يجب الاقتداءُ به من ألفه إلى يائه، أي أن آياته مرتبطةٌ فيما بينها.
وما دام القرآنُ الكريمُ كتابَ هداية وإصلاح ورُشدٍ وحكمة وموعظة...، يجب العمل به في شموليتِه. بل إنه، إن صحَّ القولُ وكما سبق الذكرُ، خطّةٌ إلاهية لإسعاد البشر. فهو إذن منزَّلٌ للبشرية كافَّةً (للناس جميعا) لتوجيهها نحو ما فيه نفعٌ وخيرٌ لها، أفراداً وجماعات. ومُنزَّل كذلك ليُخرجَ البشريةَ من الظلمات إلى النور، أي من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة.
وحين أقول "يجب العملُ به في شموليته"، فالأمرُ يتعلَّق بتبنِّيه كاملا. بمعنى أنه لا يجب أن يُختارَ منه الآياتِ التي تستجيب لرغبات أو لأهواء بعض الناس… كما يفعل السلفيون المتطرفون الذين لا يختارون من كتاب الله إلا ما يخدم مصالحَهم وما يُمكِّنهم من فرضِ أنفسِهم على الآخرين.
ولهذا، كلما تمعَّن القاريءُ وتدبَّر آياتِ القرآن الكريم، كلما وقف على خباياه و دُرَرِه إنسانيا، تربويا، أخلاقيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا.
والوصول لهذه الخبايا والدُّرر لن يتأتَّى بالتفسير الحرفي لآياته الكريمة. مَن أراد أن يُدركَ كنهَه، عليه أن يكون متفقها في العلم (العلم بمعناه الواسع) واللغة والبلاغة. وأن يتعامل مع هذا القرآن برمَّته، أي ككل متكامل وأن يكون عارفا بأسباب نزوله وظروف هذا النزول الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية. لماذا؟
لأن المعرفةَ تكون دائما مرتبطةً بالزمان والمكان اللذان تُنْتَجُ فيهما. ولهذا، تُعطى أهميةٌ كبرى لأسباب النزول لأنها تساعد على إدراك مقاصد الآيات الكريمة وما تحملُه من توجيهات ونصائح وإرشاد للناس تنفعَهم في حياتهم الروحية والمادية.
فتأويل القرآن الكريم لا يمكن أن يعتمد فقط على التفسير الحرفي لكلماته وجُمله لأن الكثيرَ من آياته الكريمة نزلت في ظروفُ معيَّنة. ولهذا، فالتفسير الموضوعي لا يمكن أن يتمَّ في معزل عن هذه الظروف.
والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى، في العديد من الآيات، يوجه كلامَه لأولي "الألباب"، أي للناس العقلاء، المتبصِّرين والحكماء، القادرين على التأويل للوصول إلى المعاني السامية لهذا الكتاب العظيم. وعبارة "أولي الألباب" تعني هنا دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده لقراءة القرآن الكريم قراءةً عقلانية، تأمُّلية وتفكُّرية.
يقول سبحانه وتعالى في كتابِه الكريم : "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص، 29). في هذه الآية الكريمة، يقول اللهُ، جلَّ جلالُه، إنه أنزل القرآن على نبيِّه ورسولِه محمد ليُبلِّغَه للناس من أجل تدبُّر آياتِه، أي إدراكُ وفهمُ كلماته وألفاظه وحروفه وجُمَله، والوقوف على ما وَرَدَ فيه من تنبيهات ونصائح وإشارات وأخذ العِبرة من ما يتضمَّنه من قيمٍ إنسانية سامية ومن قَصَص الماضي.
وهنا، لا بدَّ من التذكير أن حِفظَ القرآن بدون فهمٍ وإدراكِ محتواه، وإن كان هذا الحِفظُ شيئا مرغوبا فيه، فتدبُّر آياته أفضل من هذا الحِفظ، وخصوصا، أن القرآنَ الكريم، في عصرنا هذا، أصبح في متناول مَن يرغب في قرائتِه، من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وموضوعا رهن إشارة القُراء عبر سيلٍ هائلٍ من التطبيقات العنكبوتية كتابةً، تفسيرا وتجويدا وترجمةً.
قد يقول قائلٌ : حِفظُ القرآن، عن ظهر قلب، وسيلة من وسائل الحِفاظ عليه في الصدور وتجنُّب الزيادةَ فيه أو النُّقصان منه. أقول وأعيد : القرآن الكريم، كما أسلفتُ، موضوعٌ رهنَ إشارة الجميع، بما في ذلك غير المسلمين، علما أن كتابَ الله مترجمٌ إلى العديد من اللغات وله مَن يحفظُه من كل تغيير وتحريف وتزوير. يقول سبحانه وتعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر، 9). ويقول كذلك، جلَّ عُلاه : "لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت، 42).
ولهذا، فإن تدبُّرَ آيات القرآن الكريم أفضل من حفظه عن ظهر قلب بدون فهم محتواه وحِكمه. وتدبُّر آيات القرآن قد يسهِّل حفظَ ما تيسَّر منه، علما أن الفرقَ شاسع بين الحافظ عن ظهر قلب، الذي لا يستطيع أن يعملَ بما لم يفهمه والمُتدبِّر الذي يفهم ويعمل بما فهِمه. وتدبُّر القرآن الكريم، أصلا، مطلوبُ ليُطبِّقَ الناسُ ما استشفوه منه من نصائح وإرشادات وهداية ونور واستقامة… في حياتِهم اليومية. لماذا؟
لأن كتابَ الله، كما سبق الذكرُ، ليس كأي كتاب، بحكم أنه كتاب هداية ورُشد وإرشاد وعبرة وموعظة وهُدى وتوجيه… لجميع الناس، بغض النظر عن أجناسهم ومعتقداتهم واختلاف ألسنتهم ولون بشرتهم مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" (يونس، 57). وموعظةٌ، في هذه الآية، تعني القرآن الكريم الذي، إذا تدبَّر الناسُ آياتِه، يُشفي ما في الصدور، أي تكون نتيجةُ هذا التَّدبُّر بمثابة راحةٍ نفسيةٍ وطمأنينة وسكينة.
ثم لماذا أقول القرآن الكريم شامل؟ لأنه كلٌّ متكامل مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : …مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ… (الانعام، 38). وهو الذي يقول كذلك : "وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف، 52). الآية الأولى تبيِّن أن اللهَ، سبحانه وتعالى، وضَّحَ في كتابه الكريم كلَّ ما يحتاجه عبادُه لاتِّباع صراطه المستقيم وكلَّ ما ينفعهم من خيرٍ واستفامةٍ وعدلٍ وقيمٍ للتعايش داخلَ المجتمعات. والدليل على ذلك، أن اللهَ، سبحانه وتعالى، استعملَ في هذه الآية كلمةَ "شيء"، أي كل شيءٍ له علاقة بما يريده من خيرٍ لعباده. في الآية الثانية، يقول سبحانه وتعالى، إنه فصَّلَ آيات القرآن الكريم، أي ليُبيَّن فيها، أو من خلالِها، كيف يُميِّزُ الناسُ بين الحق والباطل والطيب والخبيث والعدل والظلم…
ولهذا، فالقرآن الكريم هو، في الحقيقة، بمثابة ما نسمِّيه، في لغة العصر، خُطَّةً تنيرُ الطريقَ لمن أراد أن يستقيمَ وأن ينفعَ نفسَه وينفعَ الآخرين. وبما أن اللهَ يريد الخيرَ لعباده أجمعين، فقرآنه منزَّلٌ على نبيِّه ورسوله محمد (ص) ليُبلِّغَه للناس جميعا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(سبإ، 28).
والناس الذين ينفعون أنفسَهم وينفعون الآخرين، هم الناس الذين يعملون بما نصَّ عليه القرآن الكريم من قيمٍ إنسانية، اجتماعية وأخلاقية ضماناً لتعايشهم وتساكنهم في أمن وأمان. والطريق المستقيم، المنصوص عليه في القرآن الكريم، يلمسُه القاريء المُتمعِّن والمتدبِّر من أول آية فيه إلى آخر آية منه. ولهذا، يجب الاقتداءُ به من ألفه إلى يائه، أي أن آياته مرتبطةٌ فيما بينها.
وما دام القرآنُ الكريمُ كتابَ هداية وإصلاح ورُشدٍ وحكمة وموعظة...، يجب العمل به في شموليتِه. بل إنه، إن صحَّ القولُ وكما سبق الذكرُ، خطّةٌ إلاهية لإسعاد البشر. فهو إذن منزَّلٌ للبشرية كافَّةً (للناس جميعا) لتوجيهها نحو ما فيه نفعٌ وخيرٌ لها، أفراداً وجماعات. ومُنزَّل كذلك ليُخرجَ البشريةَ من الظلمات إلى النور، أي من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة.
وحين أقول "يجب العملُ به في شموليته"، فالأمرُ يتعلَّق بتبنِّيه كاملا. بمعنى أنه لا يجب أن يُختارَ منه الآياتِ التي تستجيب لرغبات أو لأهواء بعض الناس… كما يفعل السلفيون المتطرفون الذين لا يختارون من كتاب الله إلا ما يخدم مصالحَهم وما يُمكِّنهم من فرضِ أنفسِهم على الآخرين.
ولهذا، كلما تمعَّن القاريءُ وتدبَّر آياتِ القرآن الكريم، كلما وقف على خباياه و دُرَرِه إنسانيا، تربويا، أخلاقيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا.
والوصول لهذه الخبايا والدُّرر لن يتأتَّى بالتفسير الحرفي لآياته الكريمة. مَن أراد أن يُدركَ كنهَه، عليه أن يكون متفقها في العلم (العلم بمعناه الواسع) واللغة والبلاغة. وأن يتعامل مع هذا القرآن برمَّته، أي ككل متكامل وأن يكون عارفا بأسباب نزوله وظروف هذا النزول الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية. لماذا؟
لأن المعرفةَ تكون دائما مرتبطةً بالزمان والمكان اللذان تُنْتَجُ فيهما. ولهذا، تُعطى أهميةٌ كبرى لأسباب النزول لأنها تساعد على إدراك مقاصد الآيات الكريمة وما تحملُه من توجيهات ونصائح وإرشاد للناس تنفعَهم في حياتهم الروحية والمادية.
فتأويل القرآن الكريم لا يمكن أن يعتمد فقط على التفسير الحرفي لكلماته وجُمله لأن الكثيرَ من آياته الكريمة نزلت في ظروفُ معيَّنة. ولهذا، فالتفسير الموضوعي لا يمكن أن يتمَّ في معزل عن هذه الظروف.
والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى، في العديد من الآيات، يوجه كلامَه لأولي "الألباب"، أي للناس العقلاء، المتبصِّرين والحكماء، القادرين على التأويل للوصول إلى المعاني السامية لهذا الكتاب العظيم. وعبارة "أولي الألباب" تعني هنا دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده لقراءة القرآن الكريم قراءةً عقلانية، تأمُّلية وتفكُّرية.