نظمته دار الثقافة مالك حديد و لأول مرة منذ إنشاء مجسم المدينة القديمة السويقة
حضر الحُبُّ و الوطن في الأمسية الشعرية التي احتضنها "فضاء سيرتا" بدار الثقافة مالك حداد مساء الثلاثاء بحضور شعراء و طلبة من المدرسة العليا للأستاذة ، و هذا في اللقاء الأول منذ إنشاء مجسم المدينة القديمة السويقة ، و الذي كان سقف لكل المبدعين، عانق شعراء المدينة الحرف و راقصوه بالقلم و الكلم عبروا عمّا يختلج في صدورهم من حب ، من ألم، من شوق، من رغبة، ففي كل قصيدة كنّا نقرأ الوطن، غازلوا الوطن و كأنه امرأة هيفاء تبعث بأنوثتها ريح الحب و الحياة، أثارت روحهم فعبّروا بالطريقة التي تحرك وجدانهم ، ففي كل قصيدة كنّا نقرأ الوطن، و قد زاد الفنان نور الدين مزهود الفضاء شاعرية بعزفه على البيانو، وهو يضغط بأنامله على المفاتيح ، فكان هناك تناغم بين الحرف و العزف، و لما لا ، فالموسيقى تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه، فأن نجمع بين الشعر و الموسيقى نؤسس لعالم رومانسي ل توجد فيه كراهية و لا عدائية ، إذا قلنا أن الشعر في حد ذاته موسيقى.
و كما يقول المختصون لا قوام للشعر بدون موسيقى، فالنغمات تخرج من قلب صاحبها قبل أن تخرج من آلة البيانو أو أيّ آلة موسيقية أخرى، فينشا بينهما نوع من الاتحاد الروحي، و الواقع أنه يبدو عسيرا أن نشعر بعمق هذا اللقاء فلكل شاعر موقفٌ، لكنهم يتقاطعون في خط واحد عندما يتعلق الأمر بالوطن، و الصراعات الدائرة من حولهم، ففي الوطن يولد الشاعر الاستثنائي، فلا توجد سوى فروق في الرؤية و في تفاوت الوعي و الأمثلة كثيرة في التراث الشعري منذ الجاهلية إلى العصر الذي نواكب فيه عالم الرقمنة، كان صوت كل شاعر مختلف عن الآخر لكن "السويقة" جمعتهم تحت سقفها ، حتى تذكرهم بأنهم جزء من بيئتهم بكل أمراضها و أن هذا افضاء هو الذي يجمعهم و يجب عليهم التحرك فيه بكل وعي و طاقة ابداعية، فهم لا يكتبون لأنفسهم، أو للناس المحيطين بهم، بل للأجيال القادمة، و هم بهذا يتخلصون من الطاقات السلبية فلا ينكمشون على ذواتهم.
فهذا الشاعر امين حَجَّاج أبهر الحضور و هو يتحدث عن أوله و آخره ، كما يتحدث عن الغياب، هي كلمات "عابرة" التي كانت عنوانا لقصيدة ألقاها إذ يقول: يا أوّلي .. يا آخري، يا شيبي و شبابي أنا لست اقبل ضحية سطحية كثيابي الظلم تاه دليله في ظلمة السرداب.. أمرت نسور دفنه بمدامع و ترابِ، و يقول في قصيدة "غياب": من سيّد الأحزان غيري..، لا لوم سيدتي و هل أنصفني الزمان حتى تنصفيني..، إني كطفل هارب بحباله.. لا زالت الأحزان و كان للسفر الطويل، و أنا هنا شقٌّ لكل مسافر تاهت مراكبه بباب الأبحر.. الخ، و في قصيدته مدينة المطر، رسم فيها الشاعر مصعب تقي الدين بن عمار صورة المدينة في يوم شتوي، إذ يقول: مطر وجه أنثى، تكتف في صدرها الحزن و هي تقف إلى قبر الحسين ، تسال الخطى اين؟ بعد غيابه بكت العاشقة..، غابت ملامحها، تتعرى المدينة حيث تراودها قطرة مطر و غريب تسوّل لأنثى و نسي أن في صدرها كتلة من حجر..الخ.
و نقف مع الشاعر رياض بوحجيلة و هو يعيش لحظة البوح فنسمعه يقول: أنا لا أجيد اختيار الهدايا و لا أجيد الكلام الجميل، لكنني لا أطيق السكوت أمام التقاطه حرف يسد على عشقه مستميتا ، أمام الزهور التي ذبت قبل الميعاد، وقد أعطى هذا الفضاء سحرا ، حول الظلمة إلى نورٍ و الألم إلى فرحة، هي فرحة اللقاء ، شملتها عناصر الخلود في سماء الإبداع، تمنح إلهام لفن لا يموت، هم شعراء عانقوا الوطن ، غازلوه و لم يسيّسوه ، لأن السياسة كما يقال تجعل كلّ ما نحب في خطر، فهي تهدد الحرية الشخصية و تهدد الحُبّ و السعادة، لفشارة أن هذه الأمسية الشعرية غاب فيها شعراء استثنائيون كالشاعر فيصل شايطة، الشاعر نذير طيار، الشاعر محمد زتيلي، و نورالدين درويش، ليكون هناك ربط بين الأجيال ، كما شهد اللقاء مشاركة لطالبات المدرسة العليا للأساتذة، اللاتي أردن أن يحركن اقلامهم في عالم الإبداع، و يبقى السؤال: " لمن نكتب؟، و من يقرأنا نحنُ؟ ، المسالة ليست في مضمون الإبداع و باي طريق يكتب، و إنما في التعبير عن الحاجات و القضايا، فالكتابة هي هاجس لا يمكن دفعه.
علجية عيش