هناك مساحة في البحث مهمة وعميقة في الايقاع بالشعر العربي وهو مجاراته للتوتر النفسي لحظة الكتابة .
فالعروض ليس قالبا جامدا انه يتمتع بمقدرة من المرونة فائقة ويتناسب تأثيره طرديا حسب حساسية الاذن الموسيقية وذلك كله يجري حسب الزحافات والعلل كمّا وهندسة .
والمتتبع للتحولات والاتجاهات في الشعر العربي يقر باستخدام اوزان دون غيرها حسب التيار الشعري كما استخدم المولدون بحورا متسارعة مثلا .
ان تغير الايقاع حسب التوتر نوعا ودرجة وجدته جليا لدى شاعرين مهمين هما الرائد البريكان وادونيس .
أوضح د. عيسى الشاعر الاردني في بحثه المعنون «تناوب فاعلاتن ومستفعلن في شعر أدونيس»-» قصيدة (هذا هو أسمي» , ان مفاصل البحث كشفت عن قدرة الزحاف والتدوير والتكرار على التعالق والانسجام مع البنى اللغوية والانفعالية والخيالية في القصيدة، وهي خاصية استثمرها أدونيس لإنجاز كتابة شعرية جديدة عبر رؤيا شعرية حداثية تخترق المستقر من المضامين والاوزان الشعرية،و تؤسس - بوضوح - لنقلة نوعية في ايقاع الشعر العربي المعاصر.
في قصيدة ادونيس في المقطع (وطني فيّ لاجيء) :
نحمل الازمنة
مازجين الحصى بالنجوم
سائقين الغيوم
كقطيع من الاحصنة )
تقطيعها عروضيا هو
(فاعلن فاعلن
فاعلن فاعلن فاعلن
فاعلن فاعلن
فعلن فاعلن .
بحر المتدارك المجتث.
وفيها استخدم 4 بحور هي الخفيف والمتدارك والرجز والرمل.
في كتابه ( موسيقى الشعر - العاطفة والوزن - د.ابراهيم انيس ص173 الطبعة الثانية .اضاءة ساطعة على علاقة الوزن بالعاطفة .
الزحاف لغة : هو الإسراع ، واصطلاحا : هو تغيير يصيب ثواني الأسباب . وهذا التغيير يدخل على العروض ( وهو اخر تفعلة في الشطر الأول ) ، وعلى الضرب ( وهو اخر تفعيلة في الشطر الشعري ) ، و على الحشو " الحشو هو باقي التفعيلات الأخرى " .
تنقسم الزحافات إلى : زحافات مفردة وعددها ثمانية ، مثل:
الخبن : حذف الثاني الساكن .مثاله فاعلن فتصير فعلن .الإضمار : تسكين الثاني المتحرك " لا يصيب إلا متفاعلن — فتصير متفعلن وتنقل إلى مستفعلن .
أما عدد الزحافات المركبة ، أربعة منها:
الشكل : هو اجتماع الخبن والكف .مثاله : فاعلاتن فتصير فعلات ." تم حذف الالف الاولى والنون الاخيرة ".
النقص : هو اجتماع العصب والكف " تسكين الخامس المتحرك ، وحذف السابع " ، لا يحدث إلا في : مُفاعلتن فتصير مفاعيلُ.
في قصيدة جلسة الاشباح للبريكان من البحر الوافر نرى ايقاعا غريبا ورد فيها وان اعترض البعض على هذا التصنيف.
(وعبر اسى المحطات
وجوع الروح والجسد
اظل انشد الابد
).
فانت اما تقرؤها بتسكين الدالين في الجسد والابد فتستقر القافية او تحرك مفردة الجسد وعندها لا ينتمي الشطر الاخير لنفس البحر .
وحين سالت البريكان عن ذلك اجابني ( اني ابني على اخر التفعيلة ) .
اما في قصيدته ( قصيدة ذات مركز متحول ) , التي كتبها اخر سنواته فهي مثال ساطع على سحر الايقاع واستجابة تحوله بالزحافات والعلل للتوتر النفسي .
(قصيدة ذات مركز متحول)
مدونة الوهم لا تنتهي ,النهايات تبدأ دورتها, القصائد تنفض اسرارها وتغادر منطقة الصمت, ها انا اجلس بين رماد الحرائق منتظرا ان يتم انطفائي , وان تبعث النار , انتظر اللحظات دهورا , دهورا سانتظر اللحظات وسوف ابطيء عبر سبات الشتاء رؤاي.
اغني ولا صوت لي , واغامر ان استقر الحدود, وكيف استر عري الحقيقة ؟كيف ارمم روحي؟وهل شرك الشعر ينقذني من من متاهي وهل يستقيم مصيري الي خلال الوجود المراوغ ؟ جوع الى الانتماء عميق توحش في عزلات السكون المحايد
هل يتسع التاريخ لي كملجأ اخير ؟
هل ارتجي لقاء اسلافي هل اطلب الصلح من الاموات هل انشد الحكمة في معترك الرايات هل اكمل الرحيل في المدن المطمورة الخالية .
هل اقرا الشواهد
وارسم المدافن العارية .
عالم من ظلال يتفكك في الريح ها هو ذا وطني الاول وطني المنسي وطن اعرفه .
لا اعرفه
وممالك حاشدة وعواصم من ذهب وحرير وملوك على صهوات الجياد ومواكب للمنشدين ومنائر للحكمة الخالدة , ولكن ااحمل وزرالمجازر هل اتامل تلك الدماء تلطخ كلتا يدي ؟ وهل استطيع افتداء ؟ وهل اتجاهل جوع الجياع ؟ وانسى دوي المظالم ؟
هنا الارض العالم البارد الصلب مهد الجذور القديمة مزرعة الحب والرعب . هذا هو العالم المتارجح بين الحقيقة والوهم . بين سطوع الوجود وظل العدم . اهذا اذن عالمي ؟ عالمي ؟ اذن اخلع هالاتي واستروح روح الله في العشب . اذن استقبل الشمس كاخت لكآباتي والتف مع الريح على الاشجار او اهدهد الليل , اذن اجري مع الانهار نحو البحر , لي ان اتبع الموجة في التيار ان احرس اضواء القرى ليلا واستوحي ضجيج المدن الكبرى , اناشيد
وحيد : لا سيروي غرباء الارض لي اسرارهم , المح في النظرة والعيون بشارات وعود كدت انساها .
الظلام يشحذ الرؤى
أي عالم جميل تحت هالة الغسق ,
هل تشاهد الفراغ هل تواصل الرؤيا هل تلامس الفزع.
للحقول سكان من الصلصال . للغابات حراس من الوحوش .
للمفاوز الميتة جلاد من الاعاصير , وللمدائن الضخمة اسوار من الاشباح تخفيها , واعياد لموتاها ,
هل اؤرخ الحروب هل الحن الصراخ هل اقطر الدموع هل اقيم للعنف مسلات وللعنة ابراج وللشؤم تماثيل , وهل اعتنق الموت ؟
اما تعبت من الاسفار مرتحلا
بين العصور ومن افق الى افق ؟
تطوي النهار الى غيبوبة الغسق
تغيب في الليل اسراء الى الشفق
هذا الجناح الضعيف الريش تطلقه
بين المجرات
هذا السهم ترسله في اللانهايات
هذا المجهل الخالي اضاع ظلك .
للاحلام ثروتها
وانت تربط ابادا بآزال
اتستطيع دخول الصحو ثانية
ماذا يقول النهار
للقطة الجائعة
ماذا يقول الصغار
للعب اللامعة
ماذا تقول المهود ؟
ماذا تقول الوجوه
ماذاتقوا الاغاني؟
ماذا تقول الطرق
مغروزة في الافق
ثابتة في الزمان .
تقدم الان الى اللحظة هذا بيتك الصغير
وهذه الحديقة الزهر ,
وهذا موضع للقبر في المقبرة المجاورة .
وفي بقعة مسورة بالعدم , تعهد زهورك
هذا غناء المباهج يصعد عبر الالم .
وهذا هو الحب وعد الوعود وهذا سلام البيوت التي يتضاحك اطفالها
الزمان الزمان الزمان
ستصوح اسنى الحدائق , تسلم اوراقها لهواء الخريف المسافر
تهرم كل الشوارع والدور تذبل , كل العواطف تتحول بغضا وحقدا
وينمو الصغار رجالا اصحاء او صورا من مسوخ , جميع الاغاني ستنسى وكل المسرات تثوي محنطة في الظلام
الى يوم ان تتهدم اعمدة الذاكرة
وما من ملاذ اخير .
نفتني المنافي ,
احاول ان اقهر الموت عبر القصائد , ادحر بالشعر هذا الظلام الذي يتمدد داخل روحي ,
احاول ان اجعل الفقد اجمل حين اصوغ المراثي
احاول ان اتثبت من درجات الوضوح
وان اتشبث بالزائلات
احاول ان اتعرف ما لا يباح وان اتقصى حدود العوالم
واحفر في صخرة الدهر رمز انتصاري .
ولكن نبض الليالي بطيء
ولي لحظة لا تشابهني
وكنوز اساطير ضاعت مفاتيحها
اشكل هذا السديم الذي لا يشكل
اكتب حتى تجف العروق وابصر هاوية الصفحات الاخيرة
فاغرة
وامامي يمتد تيه البياض السحيق.
( البريكان 1998).
فالعروض ليس قالبا جامدا انه يتمتع بمقدرة من المرونة فائقة ويتناسب تأثيره طرديا حسب حساسية الاذن الموسيقية وذلك كله يجري حسب الزحافات والعلل كمّا وهندسة .
والمتتبع للتحولات والاتجاهات في الشعر العربي يقر باستخدام اوزان دون غيرها حسب التيار الشعري كما استخدم المولدون بحورا متسارعة مثلا .
ان تغير الايقاع حسب التوتر نوعا ودرجة وجدته جليا لدى شاعرين مهمين هما الرائد البريكان وادونيس .
أوضح د. عيسى الشاعر الاردني في بحثه المعنون «تناوب فاعلاتن ومستفعلن في شعر أدونيس»-» قصيدة (هذا هو أسمي» , ان مفاصل البحث كشفت عن قدرة الزحاف والتدوير والتكرار على التعالق والانسجام مع البنى اللغوية والانفعالية والخيالية في القصيدة، وهي خاصية استثمرها أدونيس لإنجاز كتابة شعرية جديدة عبر رؤيا شعرية حداثية تخترق المستقر من المضامين والاوزان الشعرية،و تؤسس - بوضوح - لنقلة نوعية في ايقاع الشعر العربي المعاصر.
في قصيدة ادونيس في المقطع (وطني فيّ لاجيء) :
نحمل الازمنة
مازجين الحصى بالنجوم
سائقين الغيوم
كقطيع من الاحصنة )
تقطيعها عروضيا هو
(فاعلن فاعلن
فاعلن فاعلن فاعلن
فاعلن فاعلن
فعلن فاعلن .
بحر المتدارك المجتث.
وفيها استخدم 4 بحور هي الخفيف والمتدارك والرجز والرمل.
في كتابه ( موسيقى الشعر - العاطفة والوزن - د.ابراهيم انيس ص173 الطبعة الثانية .اضاءة ساطعة على علاقة الوزن بالعاطفة .
الزحاف لغة : هو الإسراع ، واصطلاحا : هو تغيير يصيب ثواني الأسباب . وهذا التغيير يدخل على العروض ( وهو اخر تفعلة في الشطر الأول ) ، وعلى الضرب ( وهو اخر تفعيلة في الشطر الشعري ) ، و على الحشو " الحشو هو باقي التفعيلات الأخرى " .
تنقسم الزحافات إلى : زحافات مفردة وعددها ثمانية ، مثل:
الخبن : حذف الثاني الساكن .مثاله فاعلن فتصير فعلن .الإضمار : تسكين الثاني المتحرك " لا يصيب إلا متفاعلن — فتصير متفعلن وتنقل إلى مستفعلن .
أما عدد الزحافات المركبة ، أربعة منها:
الشكل : هو اجتماع الخبن والكف .مثاله : فاعلاتن فتصير فعلات ." تم حذف الالف الاولى والنون الاخيرة ".
النقص : هو اجتماع العصب والكف " تسكين الخامس المتحرك ، وحذف السابع " ، لا يحدث إلا في : مُفاعلتن فتصير مفاعيلُ.
في قصيدة جلسة الاشباح للبريكان من البحر الوافر نرى ايقاعا غريبا ورد فيها وان اعترض البعض على هذا التصنيف.
(وعبر اسى المحطات
وجوع الروح والجسد
اظل انشد الابد
).
فانت اما تقرؤها بتسكين الدالين في الجسد والابد فتستقر القافية او تحرك مفردة الجسد وعندها لا ينتمي الشطر الاخير لنفس البحر .
وحين سالت البريكان عن ذلك اجابني ( اني ابني على اخر التفعيلة ) .
اما في قصيدته ( قصيدة ذات مركز متحول ) , التي كتبها اخر سنواته فهي مثال ساطع على سحر الايقاع واستجابة تحوله بالزحافات والعلل للتوتر النفسي .
(قصيدة ذات مركز متحول)
مدونة الوهم لا تنتهي ,النهايات تبدأ دورتها, القصائد تنفض اسرارها وتغادر منطقة الصمت, ها انا اجلس بين رماد الحرائق منتظرا ان يتم انطفائي , وان تبعث النار , انتظر اللحظات دهورا , دهورا سانتظر اللحظات وسوف ابطيء عبر سبات الشتاء رؤاي.
اغني ولا صوت لي , واغامر ان استقر الحدود, وكيف استر عري الحقيقة ؟كيف ارمم روحي؟وهل شرك الشعر ينقذني من من متاهي وهل يستقيم مصيري الي خلال الوجود المراوغ ؟ جوع الى الانتماء عميق توحش في عزلات السكون المحايد
هل يتسع التاريخ لي كملجأ اخير ؟
هل ارتجي لقاء اسلافي هل اطلب الصلح من الاموات هل انشد الحكمة في معترك الرايات هل اكمل الرحيل في المدن المطمورة الخالية .
هل اقرا الشواهد
وارسم المدافن العارية .
عالم من ظلال يتفكك في الريح ها هو ذا وطني الاول وطني المنسي وطن اعرفه .
لا اعرفه
وممالك حاشدة وعواصم من ذهب وحرير وملوك على صهوات الجياد ومواكب للمنشدين ومنائر للحكمة الخالدة , ولكن ااحمل وزرالمجازر هل اتامل تلك الدماء تلطخ كلتا يدي ؟ وهل استطيع افتداء ؟ وهل اتجاهل جوع الجياع ؟ وانسى دوي المظالم ؟
هنا الارض العالم البارد الصلب مهد الجذور القديمة مزرعة الحب والرعب . هذا هو العالم المتارجح بين الحقيقة والوهم . بين سطوع الوجود وظل العدم . اهذا اذن عالمي ؟ عالمي ؟ اذن اخلع هالاتي واستروح روح الله في العشب . اذن استقبل الشمس كاخت لكآباتي والتف مع الريح على الاشجار او اهدهد الليل , اذن اجري مع الانهار نحو البحر , لي ان اتبع الموجة في التيار ان احرس اضواء القرى ليلا واستوحي ضجيج المدن الكبرى , اناشيد
وحيد : لا سيروي غرباء الارض لي اسرارهم , المح في النظرة والعيون بشارات وعود كدت انساها .
الظلام يشحذ الرؤى
أي عالم جميل تحت هالة الغسق ,
هل تشاهد الفراغ هل تواصل الرؤيا هل تلامس الفزع.
للحقول سكان من الصلصال . للغابات حراس من الوحوش .
للمفاوز الميتة جلاد من الاعاصير , وللمدائن الضخمة اسوار من الاشباح تخفيها , واعياد لموتاها ,
هل اؤرخ الحروب هل الحن الصراخ هل اقطر الدموع هل اقيم للعنف مسلات وللعنة ابراج وللشؤم تماثيل , وهل اعتنق الموت ؟
اما تعبت من الاسفار مرتحلا
بين العصور ومن افق الى افق ؟
تطوي النهار الى غيبوبة الغسق
تغيب في الليل اسراء الى الشفق
هذا الجناح الضعيف الريش تطلقه
بين المجرات
هذا السهم ترسله في اللانهايات
هذا المجهل الخالي اضاع ظلك .
للاحلام ثروتها
وانت تربط ابادا بآزال
اتستطيع دخول الصحو ثانية
ماذا يقول النهار
للقطة الجائعة
ماذا يقول الصغار
للعب اللامعة
ماذا تقول المهود ؟
ماذا تقول الوجوه
ماذاتقوا الاغاني؟
ماذا تقول الطرق
مغروزة في الافق
ثابتة في الزمان .
تقدم الان الى اللحظة هذا بيتك الصغير
وهذه الحديقة الزهر ,
وهذا موضع للقبر في المقبرة المجاورة .
وفي بقعة مسورة بالعدم , تعهد زهورك
هذا غناء المباهج يصعد عبر الالم .
وهذا هو الحب وعد الوعود وهذا سلام البيوت التي يتضاحك اطفالها
الزمان الزمان الزمان
ستصوح اسنى الحدائق , تسلم اوراقها لهواء الخريف المسافر
تهرم كل الشوارع والدور تذبل , كل العواطف تتحول بغضا وحقدا
وينمو الصغار رجالا اصحاء او صورا من مسوخ , جميع الاغاني ستنسى وكل المسرات تثوي محنطة في الظلام
الى يوم ان تتهدم اعمدة الذاكرة
وما من ملاذ اخير .
نفتني المنافي ,
احاول ان اقهر الموت عبر القصائد , ادحر بالشعر هذا الظلام الذي يتمدد داخل روحي ,
احاول ان اجعل الفقد اجمل حين اصوغ المراثي
احاول ان اتثبت من درجات الوضوح
وان اتشبث بالزائلات
احاول ان اتعرف ما لا يباح وان اتقصى حدود العوالم
واحفر في صخرة الدهر رمز انتصاري .
ولكن نبض الليالي بطيء
ولي لحظة لا تشابهني
وكنوز اساطير ضاعت مفاتيحها
اشكل هذا السديم الذي لا يشكل
اكتب حتى تجف العروق وابصر هاوية الصفحات الاخيرة
فاغرة
وامامي يمتد تيه البياض السحيق.
( البريكان 1998).