إذا كانت البروتستانتية (Protestantism) تعد حركة إصلاح ديني نشأت في القرن السادس عشر الميلادي في أوربا كحركة من التمرد ضد بعض ممارسات ومعتقدات الكنيسة الكاثوليكية ، فإن فترة ظهورها في تلك الحقبة التاريخية خلال التوسع العثماني في القارة الأوربية ، قد جعلت الكثير من المؤرخين يتوقفون طويلا أمام خطوط التماس و التقاطع بين الإسلام و البروتستانتية وأوجه التشابه بينهما ، حتى إن بعض المجلات نشرت هذا السؤال : هل البروتستانتية و الإسلام شيء واحد ؟ Protestantism and Islam : same thing ?، ما حدا بعض الباحثين أن يبالغوا في اعتبار أن البروتستانتية هي منتج إسلامي ، وأن حركة الإصلاح الديني هذه كانت نتيجة مباشرة للاحتكاك بين الإسلام و أوروبا من خلال المد العثماني ، حتى ولو كانت كتابات مارتن لوثر قائد هذه الحركة الإصلاحية مليئة بالكراهية ضد الإسلام وكتابه المقدس (القرآن). ومن المؤرخين الذين درسوا علاقة التشابه بين الإسلام و البروتستانتية المؤرخ البريطاني جاك جودي Jack Goody الذي يرى في كتابه الإسلام في أوروبا Islam in Europe أن الإسلام يشكل جزءا من ثقافة المجتمعات الغربية في الماضي و الحاضر . لقد كان مارتن لوثر يرفض المشاركة في المعارك ضد العثمانيين بدعوى أن المسلمين عقاب إلهي ضد الكهنوت المسيحي و البابوي ، وأن القتال ضد المسلمين يتعارض مع تعاليم المسيح . وعلى الرغم من هجوم لوثر المستمر ضد القرآن ، فإنه كان يطالب بنشره في الوقت الذي كانت تمثل فيه ترجمة القرآن ونشره عملا مجرما في بعض المناطق في أوروبا حتى إن أحد الناشرين وكان يدعي جوهانز أوبروينوس Johannes Oporinus (1507- 1568) وجد نفسه مسجونا لمحاولته نشر إحدى ترجمات القرآن ، ومع ذلك فقد كان لوثر يصر على نشر ترجمات القرآن بل وقد كتب مقدمة لإحدى تلك الترجمات ، وكان مبرره في ذلك هو التعرف على أفكار خصومهم سواء كانت مميزات أو مساوئ . و ربما كان للانتصارات المتتالية التي كانت تحققها الدولة العثمانية آثار كامنة في رغبة لوثر في التعرف على سمات و ملامح ذلك الدين و انتقاء ما فيه من نقاط إصلاحية ليستكمل بها مشروعه الإصلاحي . لقد تأثرت البروتستانتية بالإسلام في كثير من الأفكار مثل عدم تقديس الأشخاص ، و الأيقونات والصور ، وأفكار أخرى عن الزواج و قراءة النصوص ونقدها. وهي الأفكار التي مهدت لأوربا أن تتخلص من إرثها القديم لتنفتح على عصر التنوير ويبرز لديها مفكرون وعلماء كبار مثل هوبز ولوك و نيوتن وغيرهم . هذا في الوقت الذي ينادي فيه بعض الحداثيين العرب بحركة (إصلاحية بروتستانتية) داخل الإسلام ذاته ، وهو دليل على جهل الحداثيين العرب بالقيم الحضارية الكبرى التي قدمها الإسلام للعالم مثل ( الحرية) و (الديمقراطية) و(المساواة) و (العقلانية) و (محاربة الخرافة والجهل) . لكن ستظل أزمة الحداثيين العرب مع الإسلام محصورة في قضايا هامشية و أمور شكلية تتعلق بالمرأة وزي المرأة ، والتغاضي عن جوهر القضايا الإنسانية و السياسية الكبرى ، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع الفكر الحداثي العربي و صعود التيارات الأصولية ، واستمرار التراجع الحضاري في العالم العربي و الإسلامي.
ياسر أنور
ياسر أنور