على مدار بضع وستين عاما قضاها الروائي المصري محمد جبريل في الكتابة الصحفية والفكرية و الرواية والقصة، سيطرت أجواء مدينته الإسكندرية وحي بحري الذي ولد فيه على عالمه، الذي انعكس في 81 عملا أدبيا ما بين رواية وقصص قصيرة وسيرة ذاتية ودراسات أدبية، أهلته لنيل جائزة الدولة التقديرية في الرواية وتؤهله لنيل جائزة نوبل باقتدار كما حدث مع نجيب محفوظ فكلاهما منحاز في أدبه فنجيب محفوظ عاش في القاهرة وبخاصة الحارة المصرية الفاطمية وانحاز لها في عمله الابداعي وكذلك محمد جبريل ولد بحي بحري بالاسكندرية وانحاز له في عمله الابداعي .
ولد محمد جبريل في عام ١٩٣٨م بمحافظة الإسكندرية، عمل أولًا في الصحافة، وإلى جانب عمله الصحفي الذي تميَّز به، كان شَغُوفًا بالعمل الأدبي أيضًا؛ حيث ألَّف العشرات من المجموعات القصصية والروايات التي اتَّسمَت بطابعها التاريخي والسردي والتراثي، وتُرجِم بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والماليزية، وكانت له مشارَكات فعَّالة في عددٍ من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات الثقافية، داخل مصر وخارجها، ونالت بعض أعماله شهاداتٍ وجوائزَ تقديريةً مرموقة، فحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام ١٩٧٥م، ونال وِسامَ العلوم والفنون والآداب من الطبقة الأولى عام ١٩٧٦م، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٢٠. ومن أعماله الأدبية البارزة: «تلك اللحظة»، و«الأسوار»، و«هل»، و«قاضي البهار ينزل البحر»، و«اعترافات سيد القرية»، و«زهرة الصباح»، و«الشاطئ الآخَر»، و«برج الأسرار»، و«حارة اليهود»، و«البحر أمامها»، و«مصر في قصص كُتَّابها المعاصِرين»، و«كوب شاي بحليب»، وغير ذلك الكثير، فضلًا عن المقالات والدراسات الأدبية والسِّيَر الذاتية
يحدثنا عن حي بحري ليقول : تفتح وعيي على الإسكندرية. وهي المكان الذي تخلقت فيه - حتى الآن - غالبية أعمالي، وبالذات: هذه المنطقة ما بين المنشية وسراي رأس التين، فيها مارس أبطال قصصي حيواتهم، سكنوا البيوت، وتنقلوا في الميادين والشوارع والأزقة، جلسوا على شاطئ الكورنيش، قضوا الأمسيات في حدائق رأس التين، عاشوا اللحظات الهانئة، والقاسية، اصطادوا بالصنارة والجرافة والطرّاحة، واصطادوا المياس ساعات العصاري، ترقبوا النوات وعانوا تأثيراتها، بدءاً باختطاف الرجـال في البحر، إلى الكساد الذي يعشش في ملازمة البيوت، أو شغل الوقت بالجلوس في المقاهي.
ثم يكمل : ذلك كله هو الذي دفعني للكتابة عن بحري، الحي الذي ولدت فيه، ووعيت على المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد التي تسمه بخصائص مغايرة، فمنطقة بحري، أصل الإسكندرية، كيلومتر مربع، من اليمين المينا الشرقية، ومن اليسار المينا الغربية، وفي المواجهة خليج الأنفوشي، لسان أرضي، شبه جزيرة في شبه جزيرة الإسكندرية. سمي الخليج ربما لوصله بين الميناء الشرقي والميناء الغربي. أذكر وقفتي على الشاطئ، بالقرب من قصر رأس التين، الصخرة - التي صارت بطلاً أعتز بها - في مدى النظر. أذكرك بروايتي «صخرة في الأنفوشي».
ويستطرد قائلا : ولا أتصور الإسكندرية من دون البحر، يحيط بها، تمضي شوارعها إليه، تعيش على المهن المتصلة به، فغالبية الشخصيات يتنقلون في مهنة الصيد، وحلقة السمك، وورش المراكب، والمهن المتصلة بالميناء، وفي الأجواء الروحانية المتمثلة في الجوامع والزوايا وأضرحة الأولياء ومقاماتهم، وما يتصل بذلك من موالد وأذكار وطرق صوفية. فقد - اعتادت - في طفولتي - قراءة لافتات الدكاكين وأفيشات السينما، وكل ما يحض على القراءة، فقد تشكل وعيي بالتعرف إلى الملامح والقسمات، والشوارع والأزقة والأبواب والنوافذ، كما تعرفت إلى ميادين وشوارع وحواري ومعالم حياة، في الموازيني وأبو العباس والبوصيري والسيالة وحلقة السمك والمسافرخانة والمغاوري والحلوجي والعدوي وقبو الملاح والتمرازية والكورنيش وسراي رأس التين. هذا هو بحري الذي أعرفه، داخلته ظواهر جديدة، لكن ناس بحري الأصليين، أهل الحي القديم، فرضوا عاداتهم وتقاليدهم وسلوكيات حياتهم اليومية على السكان القادمين من أحياء ومدن أخرى.
ومن هنا كانت قصة كرامات شيخ البحر المنشورة بأهرام الجمعة 8/2/2024 ، وفيها ذلك المكان الاثير لديه وهو الاسكندرية وعالم الصيد وعالم الاسطورة والخرافة والجو العجائبي الموجود من قبل في ألف ليلة ولية بل وفي أبرز روايات نجيب محفوظ العجائبية وهي ليالي ألف ليلة وفيهما نفس الجو الاسطوري الروحي او الصوفي فيقول محمد جبريل عن شيخ البحر : كان دائم التنقل بين بحرى وأبو قير، يلتقى الناس فى الأسواق، يطرحون عليه ما يعجزون عن فهمه، أو يختلفون حوله، من قضايا دينهم ودنياهم، يجيب عن كل مسألة بما يغطى جوانبها. يحسن الإنصات إلى متاعبهم وأوجاعهم، يخبر الظروف، يحل المشكلات، يجيد قراءة الأفكار، يطيل التأمل والنظر، يحدس المعنى الذى تحمله الكلمات. إن ثقلت عليه الهموم، حدق فى البحر، لا يقصد وجهة بعينها، لكنه يترك للأفق احتواء ما يثقله من القضايا والمشكلات, وإن طالب الناس – دومًا - أن يقرنوا الكلمات الجميلة بالفعل الجميل، يقبل الناس على الصلاة والصوم بنفس ملهوفة، إذا داخلهم اليقين بما يلغى الريب، اندسوا فى دائرة المريدين، ينتظرون إيماءة أخذ العهد."
وفجر وجود الشيخ تلك الأزمة الحادثة من نقص المياه والرزق :"فاجأ الناس بنبوءة عن جفاف البحر. لم يشر إلى السبب، ولا المتسبب، لكنه أكد أن الناس سيذكرون الأسماك دون أن يتاح لهم رؤيتها. قد ينعم بصيدها، وأكلها، ناس آخرون فى بلاد قريبة وبعيدة، لكن الجفاف الذى يحل بالبحر الملامس لأرضهم سيقضى على الأسماك الموجودة، ويفر المتبقى منها إلى بحار أخري.لاحت النذر، فتبدت كرامات الشيخ مرتضى ما بين تحويل الماء المالح إلى عذب، وإكثار الأسماك فى مناطق عرفت بجدبها، وتذليل الموج فيصير حصيرة، يخطون فوقها، ويقطعون المسافات. إنه نفس الجو العجائبي ونفس المكان الإسكندرية وعوالم البحر الموجودة في رباعية بحري التي كتبها قبل سنوات طويلة وكأننا امام آلية إجبار التكرار المعروفة في التحليل النفسي حيث سيطرة أفكار وقضايا معينة على ذهن الشخص وتعاود الظهور كلما سنحت الفرصة مستغلة وجودها في أعماق اللاشعور حيث كانت بذرتها الأولى في سنوات التكوين الخمس الاولى من حياة الطفل ونرى هنا كيف انبعث المبدأ السحري الأصلي والثابت من الأفكار القوية المسيطرة لدى الرضيع الذي تُشبع رغباته المعبِّرة الكلامية وما قبل الكلامية من خلال تجاوب الأم؛ وعلى هذا النحو يمكن تفسير التعاويذ التي تستخدم في العالم السحري الخرافي ، وهذا ما يقول به محمد جبريل نفسه ولهذا كانت القصة مضمونا وشكلا متفقة مع أمرين أولهما اقراره بالانحياز في أدبه لموطنه الأصلي ونشأته ، وثانيا للآلية إجبار التكرار ". ثم يقول جبريل قال الشيخ: "محبة الله مثل مياه المالح، كلما شربت منها احتجت إلى شرب المزيد. سماه الحاج عبد الحافظ أبو حسين بائع المانيفاتورة بسوق الخيط: شيخ الماء. تناقل الناس التسمية، أضافوا حكايات. روى أن الله خصه بقدرة على إخبار المغيبات، وأنه يمتلك قدرة على التنبؤ، واستشراف المستقبل يعرف الطالع، يستعين بقوى الكواكب والنجوم، يصل زواره بعالم الغيب، يعينهم على تدبيرات إبليس، يساعدهم فى معرفة القرين. عرف بقدرته على الاتصال بالعوالم السفلية، يتكلم لغة أهلها، يصدر لها الأوامر التى لا ترد. وهنا ذلك الجو الصوفي الموجود أيضا في رباعية بحري وفي النصوص العجائبية العربية التراثية ، ولكن ما دلالتها هنا في ذلك العصر فقد تشير إلى أنها الوسيلة لعلاج الواقع من ازماته المادية حسيث شح المياة وقلة الرزق فكان الحل هو اللجوء الى ذلك الجوا الصوفي الروحي أي الديني ففيه الخلاص وهي طريق النجاة أيضا ولا أدل عليه من اسمه الشيخ مرتضى ، أي الذي نرضيه بافعالنا فيرزقنا الخير ويسد القص . :"سماه أتباعه مرتضي، وإن لم يذكروا بقية الاسم ولا من أين أتى الشيخ، ولا المهنة التى يشغلها، وإن أزمع البقاء فى الحي، أم أنه يعد لسفرات أخري، تالية. وهنا نتأكد أن الدين هو الحل للازمات وهي قضية عنيقه في تكوين جبريل الروحي والعقلي كما كانت ثابتة في الكثير من أعماله التي اشارات ذلك ولتكوينه فيطفولته وصباه في منطقة بحري والاسكندرية تلك المدينة التي كانت في الاصل مبنية على الفكر اليوناني ولكن وجود المتصوفة المغاربةمنحها بعدا روحيا كبيرا . وكذلك تكون الشيخ مرتضى : "لم تكن له طريقة ينتسب إليها، ولا شيخ يأخذ على يديه. قال إنه فضل أن يخوض تجربته الروحية التى تهتدى بعلم الأئمة. تدرج فى المقامات والأحوال، حتى بلغ نهاية الطريق. كثرت كراماته، مما أوجب اعتقاد الناس فيه".
ثم تعددت كرامات الشيخ مرتضى وتناقلها الناس بل واعتادوها ومارسوها بأنفسهم "كثرت - فى الأيام التالية - حالات استعلاء الناس، يغذون السير فوق السحاب، يتخللونه. اعتاد أهل بحرى رؤية المشاة فى الهواء، وعلى الماء، يستغرقهم السير، لا يقتصر تحركهم فى الهواء على السير بالقدمين. ثمة من يقعدون، ومن يجلسون ساقًا على ساق، ومن يدلون أقدامهم فى الفراغ، لا يعودون إلى الالتفات حيث كانوا يعيشون، الأصوات الغائبة المصدر، تردد التسابيح والابتهالات والإنشاد، تجدد الأشواق والمواجيد . وهنا هل يمكن القول بأن محمد جبريل رأى أنه حين يغيب العلم ويسيطر الفقر والجدب تنتشر الخرافة وبخاصة الخرافات التي يمكن ربطها بالدين وبعالم الغيب . .؟ فتكون الحلول لمواجههة الجدب هو طعام لا نصنعه بل يأتينا بلا جهد وهو طعام البحر " اقتصر طعامه على البحر. يقوم بمؤنة أتباعه، ينفق عليهم من صيد البحر, يقارب فى الرزق بين من جنى محصولاً وفيراً، وبين من عاد بشبكته خالية، وبين من تعجز ظروفه عن تلبية احتياجاته. تخرج يده من الماء بأسماك لا تطلب الشيّ، أو القلي، يمضغها المريد على مهل، ويجرع الماء المالح، يتحول إلى أصفى وأعذب من ماء المطر. يزيد السمك بما يفوق حاجة الصيادين، يتخلصون من الأسماك الزائدة بإعادتها إلى البحر، لكل صيد وقته.
ولد محمد جبريل في عام ١٩٣٨م بمحافظة الإسكندرية، عمل أولًا في الصحافة، وإلى جانب عمله الصحفي الذي تميَّز به، كان شَغُوفًا بالعمل الأدبي أيضًا؛ حيث ألَّف العشرات من المجموعات القصصية والروايات التي اتَّسمَت بطابعها التاريخي والسردي والتراثي، وتُرجِم بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والماليزية، وكانت له مشارَكات فعَّالة في عددٍ من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات الثقافية، داخل مصر وخارجها، ونالت بعض أعماله شهاداتٍ وجوائزَ تقديريةً مرموقة، فحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام ١٩٧٥م، ونال وِسامَ العلوم والفنون والآداب من الطبقة الأولى عام ١٩٧٦م، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٢٠. ومن أعماله الأدبية البارزة: «تلك اللحظة»، و«الأسوار»، و«هل»، و«قاضي البهار ينزل البحر»، و«اعترافات سيد القرية»، و«زهرة الصباح»، و«الشاطئ الآخَر»، و«برج الأسرار»، و«حارة اليهود»، و«البحر أمامها»، و«مصر في قصص كُتَّابها المعاصِرين»، و«كوب شاي بحليب»، وغير ذلك الكثير، فضلًا عن المقالات والدراسات الأدبية والسِّيَر الذاتية
يحدثنا عن حي بحري ليقول : تفتح وعيي على الإسكندرية. وهي المكان الذي تخلقت فيه - حتى الآن - غالبية أعمالي، وبالذات: هذه المنطقة ما بين المنشية وسراي رأس التين، فيها مارس أبطال قصصي حيواتهم، سكنوا البيوت، وتنقلوا في الميادين والشوارع والأزقة، جلسوا على شاطئ الكورنيش، قضوا الأمسيات في حدائق رأس التين، عاشوا اللحظات الهانئة، والقاسية، اصطادوا بالصنارة والجرافة والطرّاحة، واصطادوا المياس ساعات العصاري، ترقبوا النوات وعانوا تأثيراتها، بدءاً باختطاف الرجـال في البحر، إلى الكساد الذي يعشش في ملازمة البيوت، أو شغل الوقت بالجلوس في المقاهي.
ثم يكمل : ذلك كله هو الذي دفعني للكتابة عن بحري، الحي الذي ولدت فيه، ووعيت على المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد التي تسمه بخصائص مغايرة، فمنطقة بحري، أصل الإسكندرية، كيلومتر مربع، من اليمين المينا الشرقية، ومن اليسار المينا الغربية، وفي المواجهة خليج الأنفوشي، لسان أرضي، شبه جزيرة في شبه جزيرة الإسكندرية. سمي الخليج ربما لوصله بين الميناء الشرقي والميناء الغربي. أذكر وقفتي على الشاطئ، بالقرب من قصر رأس التين، الصخرة - التي صارت بطلاً أعتز بها - في مدى النظر. أذكرك بروايتي «صخرة في الأنفوشي».
ويستطرد قائلا : ولا أتصور الإسكندرية من دون البحر، يحيط بها، تمضي شوارعها إليه، تعيش على المهن المتصلة به، فغالبية الشخصيات يتنقلون في مهنة الصيد، وحلقة السمك، وورش المراكب، والمهن المتصلة بالميناء، وفي الأجواء الروحانية المتمثلة في الجوامع والزوايا وأضرحة الأولياء ومقاماتهم، وما يتصل بذلك من موالد وأذكار وطرق صوفية. فقد - اعتادت - في طفولتي - قراءة لافتات الدكاكين وأفيشات السينما، وكل ما يحض على القراءة، فقد تشكل وعيي بالتعرف إلى الملامح والقسمات، والشوارع والأزقة والأبواب والنوافذ، كما تعرفت إلى ميادين وشوارع وحواري ومعالم حياة، في الموازيني وأبو العباس والبوصيري والسيالة وحلقة السمك والمسافرخانة والمغاوري والحلوجي والعدوي وقبو الملاح والتمرازية والكورنيش وسراي رأس التين. هذا هو بحري الذي أعرفه، داخلته ظواهر جديدة، لكن ناس بحري الأصليين، أهل الحي القديم، فرضوا عاداتهم وتقاليدهم وسلوكيات حياتهم اليومية على السكان القادمين من أحياء ومدن أخرى.
ومن هنا كانت قصة كرامات شيخ البحر المنشورة بأهرام الجمعة 8/2/2024 ، وفيها ذلك المكان الاثير لديه وهو الاسكندرية وعالم الصيد وعالم الاسطورة والخرافة والجو العجائبي الموجود من قبل في ألف ليلة ولية بل وفي أبرز روايات نجيب محفوظ العجائبية وهي ليالي ألف ليلة وفيهما نفس الجو الاسطوري الروحي او الصوفي فيقول محمد جبريل عن شيخ البحر : كان دائم التنقل بين بحرى وأبو قير، يلتقى الناس فى الأسواق، يطرحون عليه ما يعجزون عن فهمه، أو يختلفون حوله، من قضايا دينهم ودنياهم، يجيب عن كل مسألة بما يغطى جوانبها. يحسن الإنصات إلى متاعبهم وأوجاعهم، يخبر الظروف، يحل المشكلات، يجيد قراءة الأفكار، يطيل التأمل والنظر، يحدس المعنى الذى تحمله الكلمات. إن ثقلت عليه الهموم، حدق فى البحر، لا يقصد وجهة بعينها، لكنه يترك للأفق احتواء ما يثقله من القضايا والمشكلات, وإن طالب الناس – دومًا - أن يقرنوا الكلمات الجميلة بالفعل الجميل، يقبل الناس على الصلاة والصوم بنفس ملهوفة، إذا داخلهم اليقين بما يلغى الريب، اندسوا فى دائرة المريدين، ينتظرون إيماءة أخذ العهد."
وفجر وجود الشيخ تلك الأزمة الحادثة من نقص المياه والرزق :"فاجأ الناس بنبوءة عن جفاف البحر. لم يشر إلى السبب، ولا المتسبب، لكنه أكد أن الناس سيذكرون الأسماك دون أن يتاح لهم رؤيتها. قد ينعم بصيدها، وأكلها، ناس آخرون فى بلاد قريبة وبعيدة، لكن الجفاف الذى يحل بالبحر الملامس لأرضهم سيقضى على الأسماك الموجودة، ويفر المتبقى منها إلى بحار أخري.لاحت النذر، فتبدت كرامات الشيخ مرتضى ما بين تحويل الماء المالح إلى عذب، وإكثار الأسماك فى مناطق عرفت بجدبها، وتذليل الموج فيصير حصيرة، يخطون فوقها، ويقطعون المسافات. إنه نفس الجو العجائبي ونفس المكان الإسكندرية وعوالم البحر الموجودة في رباعية بحري التي كتبها قبل سنوات طويلة وكأننا امام آلية إجبار التكرار المعروفة في التحليل النفسي حيث سيطرة أفكار وقضايا معينة على ذهن الشخص وتعاود الظهور كلما سنحت الفرصة مستغلة وجودها في أعماق اللاشعور حيث كانت بذرتها الأولى في سنوات التكوين الخمس الاولى من حياة الطفل ونرى هنا كيف انبعث المبدأ السحري الأصلي والثابت من الأفكار القوية المسيطرة لدى الرضيع الذي تُشبع رغباته المعبِّرة الكلامية وما قبل الكلامية من خلال تجاوب الأم؛ وعلى هذا النحو يمكن تفسير التعاويذ التي تستخدم في العالم السحري الخرافي ، وهذا ما يقول به محمد جبريل نفسه ولهذا كانت القصة مضمونا وشكلا متفقة مع أمرين أولهما اقراره بالانحياز في أدبه لموطنه الأصلي ونشأته ، وثانيا للآلية إجبار التكرار ". ثم يقول جبريل قال الشيخ: "محبة الله مثل مياه المالح، كلما شربت منها احتجت إلى شرب المزيد. سماه الحاج عبد الحافظ أبو حسين بائع المانيفاتورة بسوق الخيط: شيخ الماء. تناقل الناس التسمية، أضافوا حكايات. روى أن الله خصه بقدرة على إخبار المغيبات، وأنه يمتلك قدرة على التنبؤ، واستشراف المستقبل يعرف الطالع، يستعين بقوى الكواكب والنجوم، يصل زواره بعالم الغيب، يعينهم على تدبيرات إبليس، يساعدهم فى معرفة القرين. عرف بقدرته على الاتصال بالعوالم السفلية، يتكلم لغة أهلها، يصدر لها الأوامر التى لا ترد. وهنا ذلك الجو الصوفي الموجود أيضا في رباعية بحري وفي النصوص العجائبية العربية التراثية ، ولكن ما دلالتها هنا في ذلك العصر فقد تشير إلى أنها الوسيلة لعلاج الواقع من ازماته المادية حسيث شح المياة وقلة الرزق فكان الحل هو اللجوء الى ذلك الجوا الصوفي الروحي أي الديني ففيه الخلاص وهي طريق النجاة أيضا ولا أدل عليه من اسمه الشيخ مرتضى ، أي الذي نرضيه بافعالنا فيرزقنا الخير ويسد القص . :"سماه أتباعه مرتضي، وإن لم يذكروا بقية الاسم ولا من أين أتى الشيخ، ولا المهنة التى يشغلها، وإن أزمع البقاء فى الحي، أم أنه يعد لسفرات أخري، تالية. وهنا نتأكد أن الدين هو الحل للازمات وهي قضية عنيقه في تكوين جبريل الروحي والعقلي كما كانت ثابتة في الكثير من أعماله التي اشارات ذلك ولتكوينه فيطفولته وصباه في منطقة بحري والاسكندرية تلك المدينة التي كانت في الاصل مبنية على الفكر اليوناني ولكن وجود المتصوفة المغاربةمنحها بعدا روحيا كبيرا . وكذلك تكون الشيخ مرتضى : "لم تكن له طريقة ينتسب إليها، ولا شيخ يأخذ على يديه. قال إنه فضل أن يخوض تجربته الروحية التى تهتدى بعلم الأئمة. تدرج فى المقامات والأحوال، حتى بلغ نهاية الطريق. كثرت كراماته، مما أوجب اعتقاد الناس فيه".
ثم تعددت كرامات الشيخ مرتضى وتناقلها الناس بل واعتادوها ومارسوها بأنفسهم "كثرت - فى الأيام التالية - حالات استعلاء الناس، يغذون السير فوق السحاب، يتخللونه. اعتاد أهل بحرى رؤية المشاة فى الهواء، وعلى الماء، يستغرقهم السير، لا يقتصر تحركهم فى الهواء على السير بالقدمين. ثمة من يقعدون، ومن يجلسون ساقًا على ساق، ومن يدلون أقدامهم فى الفراغ، لا يعودون إلى الالتفات حيث كانوا يعيشون، الأصوات الغائبة المصدر، تردد التسابيح والابتهالات والإنشاد، تجدد الأشواق والمواجيد . وهنا هل يمكن القول بأن محمد جبريل رأى أنه حين يغيب العلم ويسيطر الفقر والجدب تنتشر الخرافة وبخاصة الخرافات التي يمكن ربطها بالدين وبعالم الغيب . .؟ فتكون الحلول لمواجههة الجدب هو طعام لا نصنعه بل يأتينا بلا جهد وهو طعام البحر " اقتصر طعامه على البحر. يقوم بمؤنة أتباعه، ينفق عليهم من صيد البحر, يقارب فى الرزق بين من جنى محصولاً وفيراً، وبين من عاد بشبكته خالية، وبين من تعجز ظروفه عن تلبية احتياجاته. تخرج يده من الماء بأسماك لا تطلب الشيّ، أو القلي، يمضغها المريد على مهل، ويجرع الماء المالح، يتحول إلى أصفى وأعذب من ماء المطر. يزيد السمك بما يفوق حاجة الصيادين، يتخلصون من الأسماك الزائدة بإعادتها إلى البحر، لكل صيد وقته.