حسين عبروس - أدب اليافعين ومكوّناته...

****
يعدّ أدب اليافعين من تجارب الكتابة الموجّه لفئة معينة من الفتيان والفتيات الذين يتوسطون مرحلة عمريّة بين الطفولة والشباب،وهي الفئة التي تقارب مرحلة الحلم لتنتهي بمرحلة الرشد
وقد عرف هذا النوع من الكتابة استجابة لتطورات اجتماعية ،ونفسية وثقافية في حياة الأجيال
لم يكن فيها الأدب العربي يراعي تلك الخصوصية لفئة الفتيان والفتيات،وكان النّص الأدبي الذي يصلح للكبارهو النّص نفسه الذي يقدّم للصغار،فكتاب" الأيام" للأديب طه حسين كان مادة قرائية للكبار والصغار في نفس الوقت،مع العلم أنّ شخصية الطفل في هذه الرواية كانت المحور الأساسي الذي تقوم عليه أحداث النص،وهي العنصر الأساسي في تحريك الشخوص الثانوية في العملية السردية، كما أسهمت تجربة الكاتب والشاعر جبران خليل جبران في تقديم نصوص مازالت إلى يومنا هذا مادة محببة لدى فئة اليافعين وتجارب عربية أخرى، وقد يتساءل بعض المهتمين بأدب اليافعين عن سرّمكوّنات هذا الأدب من حيث الشكل والمضمون،وفنياته وكلّ تفاصيله الصغيرة والكبيرة، وهنا نقول:
-إنّ أدب اليافعين يقوم على عنصر المغامرة في الطرح،وفي تشكيل الشخصيات التي تصنع تفاصيل الأحداث داخل النّص السردي في القصة وفي الرّواية،ويقوم على منهجية تختلف نوعا ما عمّا يكتب للأطفال الذين هم دون سنّ الحادي عشرمن العمر ،وتشتمل منهجية الكتابة في أدب اليافعين على االعناصر الأساسية الآتية:
- اختيار الموضوع الذي يقوم على المغامرة،والبطولة التي يكون لها تأثير على نفسية القارئ
بحيث تساهم شخصيات النّص في تقديم حلول لفكّ تلك الألغاز المعقّدة في حياة فئة اليافعين من البنات والبنين،كما يمنحهم فرصة معرفة القضايا العاطفية والوجدانية التي يمرون بها خلال هذه الفترة من مرحلة العمر.
- اختيار اللغة المناسبة التي تقوم على عنصر الخيال الآسر الذي لا حدود له.
- اختار الأسلوب المشوّق ،والحوارالفني الذي يعطي النّص السرديّ قيمة جمالية عالية تمكن اليافعين من الغوص في أعماق النص بكلّ محمولاته المعرفية ذات الأبعاد التربوية والقيمية
- التركيز على دقّة تحديد المكان والزمان في الواقع وفي الخيال،وبذلك يكتشف القارئ أسرار المكان وموقعه.ّ
-إنّ ظهورأدب اليافعين تزامنا مع بداية الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر من عام 1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، وذلك ما شجّع العديد من الكتّاب على الكتابة التي تتناول جوانب اجتماعية وانسانية عرفها العالم خلال الحـــرب منتـج عنها من تغيرات في أوساط المجتمع وخاصة عند فئة اليافعين من بنات وبنين، غير أن ظهوره في الوطن العربي يعود بشكل جليّ في فترة السبعينيات من القرن الماضي،ولعـــلّ تلك الفترة
هي ما أعطت لنا ملامح جديدة في أدب اليافعين من خلال تجـــــربة الرّوائي العـــربي الكبير
"إبراهيم صنع الله"الذي يعد أحد أكبر الروائيين المصريين الذين يتمكنون من السرد والحكي ويميل أسلوبه إلى ماركيز إلا أن صنع الله إبراهيم يعد أقدم من ماركيز ككاتب ويتحتم علي القارئ أن يضع تركيزه كاملا في رواياته حتي لا تهرب منه أحد خيوط الرواية،ومن أهمّ أعماله التي كتبها لليافعين ونشرتها "دار الفتى العربي" منها: رحلة السندباد، ورواية يوم عادت الملكيّة القديمة،و" عندما جلست العنكبوت تنتظر، والدلفين يأتي عند الغروب"واليرقات.
في دائرة مستمرة" ورواية الحياة والموت في بحر ملوّن ،وأعقبت هذه التجربة ،تجربة الترجمة التي قامت بها "دار المنى "لكتاب غربيين أمثال "جوستاين غاردر" في روايته "عالم أنا" ورواية صبيّ الفضة "لكريستينا أولسون"،ورواية قلب رجل "لكالمان ستيفنس".وقد استطاع أدب اليافعين الإنتشار بشكل واسع خلال العقدين الماضيين بسبب تلك الحوافز والتشجيعات التي قامت بها بعض المؤسسات الثقافية ودور النشر العربية نظرا لرواج هذا اللّون الأدبي،ومايدرّ من أرباح تجارية سنوية،كما كان الإقبال عليه من القرّاء من فئة اليافعين،ولكنّ الحقيقة التي ماتزال غائبة
عن أعيـــن الكثـير ممن يكتبون هذا النـوع من الأدب،وهي حقيـقة غيـاب النقد المتخصّص الذي يرافق النّص الإبداعي،وذلك ما ترك المجال مفتوحا أمام المتطفلين وأشباه الكتّاب يدخلون عالم الكتابة لليافعين قصد التسلية تارة ،وتارة أخرى قصد الربح السريع وتسويق تلك الكتابات
الرّديئة التي لا تراعي خصوصيات المرحلة العمرية لليافعين،وما يتطلبه النّص من ثقافة لها تأثيرها القوي على نفسية القارئ الصغير،وما يتطلّع إليه من معارف ومن أفكار جديدة لها صلة بالقيم والتراث العربي والإسلامي والإنساني بصفة عامة، وفي هذا المجال يحاول الكاتب الفلسطيني محمود شقير في بعض أعماله الموجهة لليافعين الاستفادة من التراث؛ كما هوالحال في روايته "أنا وجمانة" حيث يستحضر شخصية صلاح الدين الأيوبي كشخصية محوريّة يطرح سؤاله قائلا: إلى أي مدى يستطيع يافع اليوم التفاعل مع التراث؟ يجيب بأن المهمة ليست سهلة؛ ذلك أن ثمة مسافة واسعة تفصل جيل اليوم من اليافعين عن التراث المحكي والمقروء،وتلك حقيقة صعب الإجابة عنها في غياب ثقافة واعدة وواعية يجب على الكاتب أن تقدّيمها لفئة اليافعين من خلال تلك القصص والرّوايات كي يستوعبوا ذلك الموروث الحضاري.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...