العالم الموسوعي الأصمعي ونوادره
إعداد /محمد عباس محمد عرابي
الأصمعي البصري ، اللغوي الأخباري ، أحد الأعلام صاحب الأصمعيات والأضداد وفحول الشعراء والاشتقاق أَبُو سَعِيدْ عَبْدِ اَلْمَلِكْ بْنْ قَرِيبٍ بْنْ عَبْدِ اَلْمَلِكْ بْنْ عَلِي بْنْ أَصْمَعْ اَلْبَاهِلِي اَلْبَصَرِيَّ المَعروف بَالْأَصَمَعِي (123 هـ- 216 هـ/ 741 - 831 م) راوية العرب، وأشهر أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان.وهو الإمام العلامة الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب
فهو حجة في الشعر متمكن في اللغة والأدب، نابغة في علم الحيوان ورائد من رواده ،كان حافظا للشعر فقد كان يحفظ ما يقرب من عشرة آلاف قصيدة لذا سماه هارون الرشيد "شيطان الشعر "
كان صاحب لغة ونحو، وإماماً في الأخبار والنوادر والملح والغرائب، سمع شعبة بن الحجاج والحمادين ومسعر بن كدام وغيرهم، وروى عنه عبد الرحمن ابن أخيه عبد الله وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي وغيرهم، وهو من أهل البصرة، وقدم بغداد في أيام هارون الرشيد.
له مؤلفات كثيرة طبع بعضها مثل كتب خلود الانسان خلق الإبل، الخيل، الشاة، الوحش والأصمعيات وتقع في 195 قصيدة مختارة لواحد وسبعين شاعرا حيث تفوق قيمتها اللغوية والقيمة الفنية.
كان الاصمعي بحرا في اللغة لايعرف مثله، فيها وكثرت الرواية، كما عرف عنه قوة الحفظ. وقد اتصف بالصدق والتدين وعدم الاختلاء الا فيما اجمع عليه العلماء. كما كان محل ثقة الخلفاء حتى عهد اليه هارون الرشيد تأديب ولده الامين والمأمون.
عاش الأصمعي في القرن الثاني الهجري، تؤكد سيرته ومؤلفاته وحكاياته أن اللغة كانت قلب الثقافة آنذاك، وكان الرجل، وإن لم ينظُر للغة مثل الخليل، فهو من أئمتها ومراجعها الذين امتد تأثيرهم لقرون، وتجد ظله في العديد من الكتابات المعاصرة، فيسرد من خلال مؤلفاته وأحكامه وموازناته فصلاً من أجمل فصول تاريخ العربية.
ويتناول هذا المقال سيرته وإنجازاته وأبرز الدراسات عنه من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: نبذة عن حياته.
المحور الثاني: قالوا عنه.
المحور الثالث:نبوغه في العلوم الطبيعية .
* المحور الرابع أبرز الكتب والدراسات عن الأصمعي.
المحور الخامس :من نوادر الأصمعي .
المحور الأول: نبذة عن حياته:
مولده ووفاته في البصرة. كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. أخباره كثيرة جداً. وكان الرشيد يسميه (شيطان الشعر). قال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي. وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم لغةً، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظاً. وكان الأصمعي يقول: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة. وللمستشرق الألماني وليم أهلورد كتاب سماه (الأصمعيات-ط) جمع فيه بعض القصائد التي تفرد الأصمعي بروايتها. تصانيفه كثيرة، منها (الإبل-ط)، و(الأضداد-ط)، و(خلق الإنسان-ط)، و(المترادف-خ)، و(الفرق-ط) أي الفرق بين أسماء الأعضاء من الإنسان والحيوان.
الأَصْمَعِيّـَات كتاب للأصمعي، وهو مجموعة في اختيار الشعر العربي وعلى نسق المفضليات يضم مختارات من الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي. والكتاب يضم اثنتين وسبعين قصيدة في 1163 بيتاً. لواحد وستين شاعراً. سار الأصمعي على نهج المفضليات بالاهتمام بالشعر الجاهلي. وعدد المقطعات عنده كبير، وأطول قصائد الأصمعيات لم تتجاوز أربعة وأربعين بيتاً، بينما كانت أطول القصائد في المفضليات تتألف من 108 أبيات.
المحور الثاني: قالوا عنه:
يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء
قيل لأبي نواس : قد أشخص الأصمعي وأبو عبيدة على الرشيد ، فقال : أما أبو عبيدة : فإن مكنوه من سفره قرأ عليهم علم أخبار الأولين والآخرين ، وأما الأصمعي : فبلبل يطربهم بنغماته
قال المبرد: كان الأصمعي بحرا في اللغة، لا نعرف مثله فيها، وكان أبو زيد أنحى منه.
قال عمر بن شبة:سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة.
وقال ثعلب: قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسوا؟قال: درست وتركوا .
المحور الثالث: نبوغه في العلوم الطبيعية:
كما كان الأصمعي رائداً في العلوم الطبيعية وعلم الحيوان، وخاصة تصنيف الحيوان وتشريحها، وذلك بسبب معرفته بالمفردات العربية والبحث عن المصطلحات الأصلية التي يستخدمها العرب للحيوانات.
ويعتبر أول عالم مسلم درس الحيوانات بالتفصيل. كتب العديد من الأعمال في هذا المجال مثل:
كتاب الخيل
كتاب الإبل
كتاب الفارق (كتاب الحيوانات النادرة)
كتاب الوحوش (عن الحيوانات البرية)
كتاب الشاة
كتاب خلق الإنسان.
تتعدد الحكايات المروية عن الأصمعي في العديد من الكتب، وهي حكايات تتراوح بين الجدية المطلقة، وربما تمتزج أحياناً ببعض الدعابة ذات المغزي، ففي قصة شهيرة يجلس الأصمعي مع أبي عبيدة، معمر بن المثني وهو من أشهر الرواة، في مجلس يضمهما إلى الفضل بن الربيع، وكان لكل منهما كتاب في الخيل، فيسأل الفضل الأصمعي: «كم يبلغ كتابك في الخيل؟» فيجيبه بأنه يتكون من مجلد واحد، ويسأل أبا عبيدة السؤال نفسه فيرد بأنه يتكون من خمسين مجلداً، فيطلب الفضل من أبي عبيدة أن يصف أعضاء الفرس «قم إلى هذا الفرس وأمسك عضواً منه وسمه، فقال لست بيطاراً، وإنما هذا شيء أخذته عن العرب، فقال لي: قم يا أصمعي وافعل ذلك، فقمت وأمسكت بناصية الفرس، وجعلت أذكر عضواً عضواً وبلغت حافره، فقال الفضل للأصمعي: خذ الفرس، فكنت إذا أردت أن أغيظه، يقصد أبا عبيدة، ركبت ذلك الفرس وأتيته».
* المحور الرابع أبرز الكتب والدراسات عن الأصمعي:
هناك العديد من الكتب والدراسات عن الأصمعي *كتب عن الأصمعي:
الأصمعي اللغوي
المؤلف: عبد الحميد الشلقاني
دار النشر: دار المعارف بمصر
سنة الطبع: 1982
عدد الصفحات: 258
الأصمعي: حياته وآثاره
دراسة حامد، فاطمة محمد طاهر (2022م)
هدف هذا البحث إلى دراسة موجزة لعالم فذ من علماء اللغة العربية وسادن سدنتها وهو الأصمعي عبد الملك بن قريب، وبيان مكانته ومنزلته الكبيرة في اللغة العربية، وقد جاء البحث في أربعة مباحث كما يأتي: المبحث الأول: ترجمته وفيه: نسبه ومولده، نشأته وشيوخه، تلاميذه، صفاته وثناء العلماء عليه، مصنفاته، شعره، الأصمعي والعروض، وفاته. المبحث الثاني: بيئته العلمية وفيه: مصادره العلمية، صلته بالخلفاء، مصاحبته لأبي عبيدة وأبي زيد، الأصمعي والأعراب المبحث الثالث: الرواية عنده: الرواية في اللغة، مراحل الرواية، الرواية عند الأصمعي، الإسناد في الرواية، التثبت في الرواية المبحث الرابع: آراؤه في النحو والصرف واللغة. آراؤه النحوية والصرفية، آراؤه اللغوية وخلص البحث إلى بعض النتائج منها: 1-كان الأصمعي متشددا في الرواية فلا يروي إلا ما يسمعه من الثبت الثقة. 2-كان الأصمعي يتقي أن يفسر القرآن والحديث الشريف إلا ما ندر. 3-منزلة الأصمعي ومكانته الكبيرة عند الخلفاء والولاة وثقتهم بكلامه. 4-كان الأصمعي يأخذ اللغة من ينابيعها الصافية في البوادي ويشافه الأعراب ويحادثهم.
دراسة العامر، فهد بن عبدالعزيز (2013) الأصمعي محدثاً
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة العلوم الشرعية، ع28،رجب 1434هـ، مايو / رجب ،ص ص 159 - 233
يتوجه هذا البحث لإبراز الجانب المضيئ من شخصية الأصمعي العلمية الحديثة، أملاً أن يسهم –مع غيره-في تغيير الصورة الذهنية المتداولة والمتجذرة حول الأصمعي، وهذا من حق أبي سعيد –رحمه الله-لقاء ما قدمه من خدمة للحديث خاصة في مجال تقريب غريب ألفاظ حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-والبحث لا يقتصر على الكلام عن شخصيته العلمية الحديثية. ونقل أقوال العلماء فيه لكن تناول جوانب عديدة جديدة في شخصيته وجهوده. ومنها أثره في كتب غريب الحديث: فقد درست أربعة من كتب الغريب المتقدمة واستقرأت ما نقلوه عنه فيها، وقارنت ما نقلوه عنه مع ما نقلوه عن ثلاثة من كبار أئمة اللغة، ووضحت ما وصلت له من نتيجة معززة بالأرقام. ثم جمعت أغلب ما أسنده الأصمعي من الأحاديث المرفوعة جمعتها من مختلف دواوين السنة. وكان يمكن الاكتفاء بجمع أحاديثه وتصنيفها فهو جهد بحد ذاته لكني رأيت أن لا أقف عند هذا فخرجت تلك الأحاديث بتوسع وتتبعت متابعاتها وشواهدها ودرست أسانيدها، وحكمت عليها، وهذا مكنني من الوقوف عملياً على مكانته الحديثية. ومن المتقرر عند أئمة الحديث أن مقارنة روايات الرواي بما رواه غيره، ومعرفة مدى مخالفته أو موافقته لغيره أو تفرده عنهم، تؤثر في الحكم النهائي عليه، وقد جئت من هذا بما رأيت أنه يمكن من خلاله استخلاص نتائج حقيقية مؤثرة قيدتها في الخاتمة.
المحور الخامس :من نوادر الأصمعي :
كثيرة هي نوادر الأصمعي نذكر منها على سبيل المثال :
*(وفي السماء رزقكم).
قال الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه وبيده قوسه، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني الأصمعي، قال: ومن أين أقبلت؟ من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم، قال: فاتلُ عليّ منه شيئًا.
فقرأت: (والذاريات ذروا) إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم).
فقال: يا أصمعي حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما، ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) فمقت نفسي ولمتها، ثم حججتُ بعد مدة مع الرشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفتُ فإذا بالأعرابي وهو ناحل مصفر مسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتلُ عليّ كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت: (والذاريات) حتى وصلت إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، فقال: الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقًا، هل غير ذلك؟
قلت: نعم يقول الله – تبارك وتعالى - : (فوربِ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه في قوله حتى ألجأوه إلى اليمين؟ قال ذلك ثلاثًا، ثم خرجت بعدها روحه ومات.
قصة القصيدة يقتضي التنويه أنّنا سنذكر رواية القصيدة بذات الأسماء التي يتناقلها النّاس رغم عدم صحّتها؛ لعدم معرفة الشخوص الحقيقيين لها ولتعارف العامّة على ذلك. كان الخليفة العباسيّ أبي جعفر المنصور يضيّق على الشعراء ويتحدّاهم في جلب قصيدة من تأليفهم لم يسمعها مسبقاً على الإطلاق، وكان الخليفة يحفظ القصيدة من أوّل مرّة يسمعها فيها، وكان يدّعي أنّه سمعها من قبل وحفظها، فما إن ينتهي الشاعر من سرد قصيدته حتّى يُعيد الخليفة سردها مرّةً ثانيةً له، وكان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرّتين، فكان يأتي به لسردها بعد أن يقولها الشاعر ويقولها هو، وكانت لديه جارية تحفظ القصيدة من المرّة الثالثة، فيأتي بها لتسردها بعد أن يسردها الشاعر والخليفة والغلام، ليؤكد الخليفة للشاعر بأنّ القصيدة قيلت من قبل، رغم أنّها واقعاً من تأليفه. كان الخليفة يكرر الأمر مع كافّة الشعراء، مما أصابهم بالإحباط والخيبة، خصوصاً أنّ الملك كان وعد بمكافأة للقصيدة التي لا يتمكّن من سردها، وهي عبارة عن ذهب بوزن ما كتبت عليه القصيدة؛ فسمع الأصمعي ذلك، وأعدّ قصيدة تحمل كلمات متنوّعة ومعانٍ غريبة، ولبس رداء الأعراب وتنكّر؛ حيث إنّه كان معروفاً لدى الخليفة، فدخل عليه وأخبره أنّ لديه قصيدة يرغب بإلقائها عليه، ولا يعتقد أنّه سمعها من قبل، فطلب منه الخليفة إلقاءها، فردّد القصيدة.
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ
هَيَّجَ قَلْبِيَ الثَمِلِ
المَاءُ وَالزَّهْرُ مَعَاً
مَعَ زَهرِ لَحْظِ المُقَلِ
وَأَنْتَ يَاسَيِّدَ لِي
وَسَيِّدِي وَمَوْلَى لِي
فَكَمْ فَكَمْ تَيَّمَنِي
غُزَيِّلٌ عَقَيْقَلي
قَطَّفْتُ مِنْ وَجْنَتِهِ
مِنْ لَثْمِ وَرْدِ الخَجَلِ
فَقَالَ بَسْ بَسْبَسْتَنِي
فَلَمْ يَجُد بالقُبَلِ
فَقَالَ لاَ لاَ لاَ ثم لاَ لاَ لاَ
وَقَدْ غَدَا مُهَرْوِلِ
وَالخُودُ مَالَتْ طَرَبَاً
مِنْ فِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ
فَوَلْوَلَتْ وَوَلْوَلَتُ
وَلي وَلييَاوَيْلَ لِي
فَقُلْتُ لا تُوَلْوِلِي
وَبَيِّنِي اللُؤْلُؤَ لَي
لَمَّا رَأَتْهُ أَشْمَطَا
يُرِيدُ غَيْرَ القُبَلِ
وَبَعْدَهُ لاَيَكْتَفِي
إلاَّ بِطِيْبِ الوَصْلَ لِي
قَالَتْ لَهُ حِيْنَ كَذَا
انْهَضْ وَجِدْ بِالنَّقَلِ
وَفِتْيَةٍ سَقَوْنَنِي
قَهْوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمْتُهَا بِأَنْفِي
أَزْكَى مِنَ القَرَنْفُلِ
فِي وَسْطِ بُسْتَانٍ حُلِي
بالزَّهْرِ وَالسُرُورُ لِي
وَالعُودُ دَنْ دَنْدَنَ لِي
وَالطَّبْلُ طَبْ طَبَّلَ لِي
طَب طَبِطَبطَبِ
طَب طَبطَبَ لي
وَالسَّقْفُ قَدْ سَقْسَقَ لِي
وَالرَّقْصُ قَدْ طَبْطَبَ لِي
شَوَى شَوَىوَشَاهِشُ
عَلَى وَرَقْ سَفَرجَلِ
وَغَرَّدَ القَمْرُ يَصِيحُ
مِنْ مَلَلٍ فِي مَلَلِ
فَلَوْ تَرَانِي رَاكِباً
عَلَى حِمَارٍ أَهْزَلِ
يَمْشِي عَلَى ثَلاثَةٍ
كَمَشْيَةِ العَرَنْجِلِ
وَالنَّاسُ تَرْجِمْ جَمَلِي
فِي السُوقِ بالقُلْقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعْكَعْ كَعِكَعْ
خَلْفِي وَمِنْ حُوَيْلَلِي
لكِنْ مَشَيتُ هَارِبا
مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ
مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخِلْعَةٍ
حَمْرَاءُ كَالدَّمْ دَمَلِي
أَجُرُّ فِيهَا مَاشِياً
مُبَغْدِدَاً للذيَّلِ
أَنَا الأَدِيْبُ الأَلْمَعِي
مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوْصِلِ
نَظَمْتُ قِطَعاً زُخْرِفَتْ
يَعْجَزُ عَنْهَا الأَدْبُ لِي
أَقُولُ فِي مَطْلَعِهَا
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ
الأصمعي وقافية الواو
يروي الأصمعيُّ أنه مرة كان يحضر مأدبة غداء، وكان بجانبه أعرابي
يأكل بشراهة والسمن يسيل على كراعه فنظر إليه الأصمعيُّ بتعجب واحتقار
وقال لأضحكنَّ الحاضرين عليه، فقال له:
كأنك أثْلَةٌ فِي أرضِ هَشًّ **** أتاها وابلٌ مِن بعد رشٍّ
فنظر إليه الأعرابي بعين مبحلقة، وقال: الكلام انثى والجواب ذكر. وأنت:
كأنك بَعْرَة فِي اسْت كبشٍ**** مُدَلاَّة وذاك الكبشُ يمشِي
فغضب الأصمعيُّ وقال للأعرابي: هل تعرف شيئا من الشعر أو ترويه!
فقال الأعرابي: كيف لا أقول الشعر وأنا أمه وأبوه!
قال الأصمعي: إنَّ عندي قافية تحتاج الي غطاء.
فقال الأعرابي: هاتِ ما عندك .
قال الأصمعي: فغطست في بحور الأشعار فما وجدت قافيه أصعب من الواو
الساكنة المفتوحُ ما قبلها، فقلت له: ائتني ببيت آخره واو ساكنة مفتوح ماقبلها!
فقال الأعرابي : قوم بنجد عهدتهم **** سقاهم الله من النوّ
فقال الاصمعي نَوْ ماذا؟
فقال الاعرابي :نَوْ تلألأ في دُجَى *** ليلة مظلمة حالكةِ لَو؟ (النو = القمر)
رد الأصمعي: لَوْ ماذا ؟ (يريد أن يعجِّزه)
فقال : لو سار فيها فارسٌ لانثنى***على بساط الأرض مُنْطَوْ (منطو= سريع)
فقال الاصمعي : مُنْطَوْ ماذا؟
فقال الأعرابي: منطو الكشح هضيم الحشا **** كالباز ينقض من الجو
قال الأصمعي : جَوْ ماذا ؟
فقال: جو السما والريح تعلو به **** فاشتم ريح الأرض فاعلَوْ
قال الأصمعي: فاعلو ماذا ؟
فقال: فاعلَوْ لمّا عِيل من صبره **** فصار نحو القوم ينعَوْ
قال الأصمعي :ينعو ماذا ؟
فقال الأعرابي: ينعو رجالاً للقنا شرعت****كفيت بما لاقوا ويلقوا
قال فعلمت انه لاشيء بعد القنا، ولكن أردت أن اثقل عليه فقلت: ويلقوا ماذا؟
فقال الأعرابي: إن كنت لا تفهم ما قلته **** فأنت عندي رجل بَوْ
قال الأصمعي: ما البو؟
فقال الأعرابي: البَوُّ سلخٌ قد حشي جلده **** يألف قرنان تقوم أوْ
(البو= الجلد المسلوخ لصغير البقر يموت فيحشونه قشا أو تبنا ليوهموا أمه
أنه مازال حي ويقربونه لها حتى يدر حليبها).
رد الأصمعي: أو ماذا يا أعرابي؟
فقال الأعرابي: أوْ أضرب الرأس بصوانة **** تقول في ضربتها قَوْ
قال الأصمعي فخشيت أن أقول له قَوْ ماذا؟ فيضربني بالصوانة (الصحن)
قال الأصمعي : عجبت لشعره وحديثه فقلت له أنت ضيفي الليلة
وكان للأصمعي زوجة وولدان وبنتان .
فذبح له دجاجة ومن عادة العرب أن الضيف هو من يقسم اللحم .
فأمسك الأعرابي الدجاجة وبدأ بفصل الرأس قاىلا الرأس للرئيس
ثم العنق وقال الرقبة للعتبة(المرأة)
ثم الرجلان وقال الرجلان للولدان تم الجناحان وقال الجناحان للبنتان .
وأخذ ما بفي من صدر غني باللحم وقال .
الباقي للضيف .
فأسرها الأصمعي في نفسه وفي الغد ذبح خمس دجاجات وقال في نفسه
هكذا يكون لنا نصيب من اللحم مع الضيف .
ولما جلسواةإلى الطعام قرب الأصمعي الدجاجات من الضيف ليقسمها
فقال الضيف . أتريها وترا أم م3نى ؟؟
فقال الأصمعي . إن الله وتر يحب الوتر .فأوتر .
فقال الضيف .
أنت وزوجك ودجاجة ثلاث وهذا وتر .
والولدان ودجاجة ثلاث وهذا وتر .
والبنتان ودجاجة ثلاث وهذا وتر
وأنا ودجاجتين ثلاث وهذا وتر
فنظر الأصمعي فقال . والله ما رضيت .
اجعلها مثنى
فقال الضيف .
أنت والولدان ودجاجة أربعة وهذا مثنى
وزجتك والبنتان ودجاجة أربعة وهذا مثنى
وأنا وثلاث دجاجات أربعة وهذا مثنى .
فنظر إليه الأصمعي وقال .
والله ماغلبتك في الشعر ولا في القسمة.
رحم الله الأصمعي جزاء ما قدم للعربية والعلوم الطبيعية، وإني لأقترح عقد مزيد من المنتديات والمؤتمرات الثقافية لمناقشة تراثه، وعلى الباحثين إجراء مزيد من الدراسات حوله.
المراجع:
المادة العلمية مأخوذة من رجع المراجع التالية:
الذهبي في سير أعلام النبلاء
سيد البلك، الأصمعي، القاهرة، الأصيل للطباعة والنشر.
مشعل السديري (وفي السماء رزقكم). صحيفة الشرق الأوسط ،الاثنين - 01 ربيع الأول 1437 هـ - 14 ديسمبر 2015 م
حامد، فاطمة محمد طاهر، الأصمعي: حياته وآثاره
مجلة آداب الفراهيدي
جامعة تكريت - كلية الآداب العراق
مج14, ع51 ،أيلول 2022م
ص ص 84 - 112
العامر، فهد بن عبدالعزيز (2013) الأصمعي محدثاً
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة العلوم الشرعية، ع28،رجب 1434هـ، مايو / رجب ،ص ص 159 - 233
www.islamweb.net
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة الأصمعي
محمد إسماعيل زاهر : الأصمعي .. اللغة قلب الثقافة
علامة في أيام العرب وأخبارهم
6 أغسطس 2016،صحيفة الخليج
الحكواتي :الأصمعي123- 216 هـالحكواتي - الأصمعي
موضوع، أكبر موقع عربي بالعالم قصيدة صوت صفير البلبل
إسلام فتحي
٢٠ يونيو ٢٠١٧
https://www.facebook.com/100026831452047/posts/713226106108740 العامر، فهد بن عبدالعزيز (2013) الأصمعي محدثاً
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة العلوم الشرعية، ع28،رجب 1434هـ، مايو / رجب ،ص ص 159 - 233
مصدر الصور :Home - مدونة الحمد والجمال
https://wrraqoon.comالأصمعيات
https://ar.wikipedia.org/wikiالأصمعيات
إعداد /محمد عباس محمد عرابي
الأصمعي البصري ، اللغوي الأخباري ، أحد الأعلام صاحب الأصمعيات والأضداد وفحول الشعراء والاشتقاق أَبُو سَعِيدْ عَبْدِ اَلْمَلِكْ بْنْ قَرِيبٍ بْنْ عَبْدِ اَلْمَلِكْ بْنْ عَلِي بْنْ أَصْمَعْ اَلْبَاهِلِي اَلْبَصَرِيَّ المَعروف بَالْأَصَمَعِي (123 هـ- 216 هـ/ 741 - 831 م) راوية العرب، وأشهر أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان.وهو الإمام العلامة الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب
فهو حجة في الشعر متمكن في اللغة والأدب، نابغة في علم الحيوان ورائد من رواده ،كان حافظا للشعر فقد كان يحفظ ما يقرب من عشرة آلاف قصيدة لذا سماه هارون الرشيد "شيطان الشعر "
كان صاحب لغة ونحو، وإماماً في الأخبار والنوادر والملح والغرائب، سمع شعبة بن الحجاج والحمادين ومسعر بن كدام وغيرهم، وروى عنه عبد الرحمن ابن أخيه عبد الله وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي وغيرهم، وهو من أهل البصرة، وقدم بغداد في أيام هارون الرشيد.
له مؤلفات كثيرة طبع بعضها مثل كتب خلود الانسان خلق الإبل، الخيل، الشاة، الوحش والأصمعيات وتقع في 195 قصيدة مختارة لواحد وسبعين شاعرا حيث تفوق قيمتها اللغوية والقيمة الفنية.
كان الاصمعي بحرا في اللغة لايعرف مثله، فيها وكثرت الرواية، كما عرف عنه قوة الحفظ. وقد اتصف بالصدق والتدين وعدم الاختلاء الا فيما اجمع عليه العلماء. كما كان محل ثقة الخلفاء حتى عهد اليه هارون الرشيد تأديب ولده الامين والمأمون.
عاش الأصمعي في القرن الثاني الهجري، تؤكد سيرته ومؤلفاته وحكاياته أن اللغة كانت قلب الثقافة آنذاك، وكان الرجل، وإن لم ينظُر للغة مثل الخليل، فهو من أئمتها ومراجعها الذين امتد تأثيرهم لقرون، وتجد ظله في العديد من الكتابات المعاصرة، فيسرد من خلال مؤلفاته وأحكامه وموازناته فصلاً من أجمل فصول تاريخ العربية.
ويتناول هذا المقال سيرته وإنجازاته وأبرز الدراسات عنه من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: نبذة عن حياته.
المحور الثاني: قالوا عنه.
المحور الثالث:نبوغه في العلوم الطبيعية .
* المحور الرابع أبرز الكتب والدراسات عن الأصمعي.
المحور الخامس :من نوادر الأصمعي .
المحور الأول: نبذة عن حياته:
مولده ووفاته في البصرة. كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. أخباره كثيرة جداً. وكان الرشيد يسميه (شيطان الشعر). قال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي. وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم لغةً، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظاً. وكان الأصمعي يقول: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة. وللمستشرق الألماني وليم أهلورد كتاب سماه (الأصمعيات-ط) جمع فيه بعض القصائد التي تفرد الأصمعي بروايتها. تصانيفه كثيرة، منها (الإبل-ط)، و(الأضداد-ط)، و(خلق الإنسان-ط)، و(المترادف-خ)، و(الفرق-ط) أي الفرق بين أسماء الأعضاء من الإنسان والحيوان.
الأَصْمَعِيّـَات كتاب للأصمعي، وهو مجموعة في اختيار الشعر العربي وعلى نسق المفضليات يضم مختارات من الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي. والكتاب يضم اثنتين وسبعين قصيدة في 1163 بيتاً. لواحد وستين شاعراً. سار الأصمعي على نهج المفضليات بالاهتمام بالشعر الجاهلي. وعدد المقطعات عنده كبير، وأطول قصائد الأصمعيات لم تتجاوز أربعة وأربعين بيتاً، بينما كانت أطول القصائد في المفضليات تتألف من 108 أبيات.
المحور الثاني: قالوا عنه:
يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء
قيل لأبي نواس : قد أشخص الأصمعي وأبو عبيدة على الرشيد ، فقال : أما أبو عبيدة : فإن مكنوه من سفره قرأ عليهم علم أخبار الأولين والآخرين ، وأما الأصمعي : فبلبل يطربهم بنغماته
قال المبرد: كان الأصمعي بحرا في اللغة، لا نعرف مثله فيها، وكان أبو زيد أنحى منه.
قال عمر بن شبة:سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة.
وقال ثعلب: قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسوا؟قال: درست وتركوا .
المحور الثالث: نبوغه في العلوم الطبيعية:
كما كان الأصمعي رائداً في العلوم الطبيعية وعلم الحيوان، وخاصة تصنيف الحيوان وتشريحها، وذلك بسبب معرفته بالمفردات العربية والبحث عن المصطلحات الأصلية التي يستخدمها العرب للحيوانات.
ويعتبر أول عالم مسلم درس الحيوانات بالتفصيل. كتب العديد من الأعمال في هذا المجال مثل:
كتاب الخيل
كتاب الإبل
كتاب الفارق (كتاب الحيوانات النادرة)
كتاب الوحوش (عن الحيوانات البرية)
كتاب الشاة
كتاب خلق الإنسان.
تتعدد الحكايات المروية عن الأصمعي في العديد من الكتب، وهي حكايات تتراوح بين الجدية المطلقة، وربما تمتزج أحياناً ببعض الدعابة ذات المغزي، ففي قصة شهيرة يجلس الأصمعي مع أبي عبيدة، معمر بن المثني وهو من أشهر الرواة، في مجلس يضمهما إلى الفضل بن الربيع، وكان لكل منهما كتاب في الخيل، فيسأل الفضل الأصمعي: «كم يبلغ كتابك في الخيل؟» فيجيبه بأنه يتكون من مجلد واحد، ويسأل أبا عبيدة السؤال نفسه فيرد بأنه يتكون من خمسين مجلداً، فيطلب الفضل من أبي عبيدة أن يصف أعضاء الفرس «قم إلى هذا الفرس وأمسك عضواً منه وسمه، فقال لست بيطاراً، وإنما هذا شيء أخذته عن العرب، فقال لي: قم يا أصمعي وافعل ذلك، فقمت وأمسكت بناصية الفرس، وجعلت أذكر عضواً عضواً وبلغت حافره، فقال الفضل للأصمعي: خذ الفرس، فكنت إذا أردت أن أغيظه، يقصد أبا عبيدة، ركبت ذلك الفرس وأتيته».
* المحور الرابع أبرز الكتب والدراسات عن الأصمعي:
هناك العديد من الكتب والدراسات عن الأصمعي *كتب عن الأصمعي:
الأصمعي اللغوي
المؤلف: عبد الحميد الشلقاني
دار النشر: دار المعارف بمصر
سنة الطبع: 1982
عدد الصفحات: 258
الأصمعي: حياته وآثاره
دراسة حامد، فاطمة محمد طاهر (2022م)
هدف هذا البحث إلى دراسة موجزة لعالم فذ من علماء اللغة العربية وسادن سدنتها وهو الأصمعي عبد الملك بن قريب، وبيان مكانته ومنزلته الكبيرة في اللغة العربية، وقد جاء البحث في أربعة مباحث كما يأتي: المبحث الأول: ترجمته وفيه: نسبه ومولده، نشأته وشيوخه، تلاميذه، صفاته وثناء العلماء عليه، مصنفاته، شعره، الأصمعي والعروض، وفاته. المبحث الثاني: بيئته العلمية وفيه: مصادره العلمية، صلته بالخلفاء، مصاحبته لأبي عبيدة وأبي زيد، الأصمعي والأعراب المبحث الثالث: الرواية عنده: الرواية في اللغة، مراحل الرواية، الرواية عند الأصمعي، الإسناد في الرواية، التثبت في الرواية المبحث الرابع: آراؤه في النحو والصرف واللغة. آراؤه النحوية والصرفية، آراؤه اللغوية وخلص البحث إلى بعض النتائج منها: 1-كان الأصمعي متشددا في الرواية فلا يروي إلا ما يسمعه من الثبت الثقة. 2-كان الأصمعي يتقي أن يفسر القرآن والحديث الشريف إلا ما ندر. 3-منزلة الأصمعي ومكانته الكبيرة عند الخلفاء والولاة وثقتهم بكلامه. 4-كان الأصمعي يأخذ اللغة من ينابيعها الصافية في البوادي ويشافه الأعراب ويحادثهم.
دراسة العامر، فهد بن عبدالعزيز (2013) الأصمعي محدثاً
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة العلوم الشرعية، ع28،رجب 1434هـ، مايو / رجب ،ص ص 159 - 233
يتوجه هذا البحث لإبراز الجانب المضيئ من شخصية الأصمعي العلمية الحديثة، أملاً أن يسهم –مع غيره-في تغيير الصورة الذهنية المتداولة والمتجذرة حول الأصمعي، وهذا من حق أبي سعيد –رحمه الله-لقاء ما قدمه من خدمة للحديث خاصة في مجال تقريب غريب ألفاظ حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-والبحث لا يقتصر على الكلام عن شخصيته العلمية الحديثية. ونقل أقوال العلماء فيه لكن تناول جوانب عديدة جديدة في شخصيته وجهوده. ومنها أثره في كتب غريب الحديث: فقد درست أربعة من كتب الغريب المتقدمة واستقرأت ما نقلوه عنه فيها، وقارنت ما نقلوه عنه مع ما نقلوه عن ثلاثة من كبار أئمة اللغة، ووضحت ما وصلت له من نتيجة معززة بالأرقام. ثم جمعت أغلب ما أسنده الأصمعي من الأحاديث المرفوعة جمعتها من مختلف دواوين السنة. وكان يمكن الاكتفاء بجمع أحاديثه وتصنيفها فهو جهد بحد ذاته لكني رأيت أن لا أقف عند هذا فخرجت تلك الأحاديث بتوسع وتتبعت متابعاتها وشواهدها ودرست أسانيدها، وحكمت عليها، وهذا مكنني من الوقوف عملياً على مكانته الحديثية. ومن المتقرر عند أئمة الحديث أن مقارنة روايات الرواي بما رواه غيره، ومعرفة مدى مخالفته أو موافقته لغيره أو تفرده عنهم، تؤثر في الحكم النهائي عليه، وقد جئت من هذا بما رأيت أنه يمكن من خلاله استخلاص نتائج حقيقية مؤثرة قيدتها في الخاتمة.
المحور الخامس :من نوادر الأصمعي :
كثيرة هي نوادر الأصمعي نذكر منها على سبيل المثال :
*(وفي السماء رزقكم).
قال الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه وبيده قوسه، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني الأصمعي، قال: ومن أين أقبلت؟ من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم، قال: فاتلُ عليّ منه شيئًا.
فقرأت: (والذاريات ذروا) إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم).
فقال: يا أصمعي حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما، ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) فمقت نفسي ولمتها، ثم حججتُ بعد مدة مع الرشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفتُ فإذا بالأعرابي وهو ناحل مصفر مسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتلُ عليّ كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت: (والذاريات) حتى وصلت إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، فقال: الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقًا، هل غير ذلك؟
قلت: نعم يقول الله – تبارك وتعالى - : (فوربِ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه في قوله حتى ألجأوه إلى اليمين؟ قال ذلك ثلاثًا، ثم خرجت بعدها روحه ومات.
قصة القصيدة يقتضي التنويه أنّنا سنذكر رواية القصيدة بذات الأسماء التي يتناقلها النّاس رغم عدم صحّتها؛ لعدم معرفة الشخوص الحقيقيين لها ولتعارف العامّة على ذلك. كان الخليفة العباسيّ أبي جعفر المنصور يضيّق على الشعراء ويتحدّاهم في جلب قصيدة من تأليفهم لم يسمعها مسبقاً على الإطلاق، وكان الخليفة يحفظ القصيدة من أوّل مرّة يسمعها فيها، وكان يدّعي أنّه سمعها من قبل وحفظها، فما إن ينتهي الشاعر من سرد قصيدته حتّى يُعيد الخليفة سردها مرّةً ثانيةً له، وكان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرّتين، فكان يأتي به لسردها بعد أن يقولها الشاعر ويقولها هو، وكانت لديه جارية تحفظ القصيدة من المرّة الثالثة، فيأتي بها لتسردها بعد أن يسردها الشاعر والخليفة والغلام، ليؤكد الخليفة للشاعر بأنّ القصيدة قيلت من قبل، رغم أنّها واقعاً من تأليفه. كان الخليفة يكرر الأمر مع كافّة الشعراء، مما أصابهم بالإحباط والخيبة، خصوصاً أنّ الملك كان وعد بمكافأة للقصيدة التي لا يتمكّن من سردها، وهي عبارة عن ذهب بوزن ما كتبت عليه القصيدة؛ فسمع الأصمعي ذلك، وأعدّ قصيدة تحمل كلمات متنوّعة ومعانٍ غريبة، ولبس رداء الأعراب وتنكّر؛ حيث إنّه كان معروفاً لدى الخليفة، فدخل عليه وأخبره أنّ لديه قصيدة يرغب بإلقائها عليه، ولا يعتقد أنّه سمعها من قبل، فطلب منه الخليفة إلقاءها، فردّد القصيدة.
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ
هَيَّجَ قَلْبِيَ الثَمِلِ
المَاءُ وَالزَّهْرُ مَعَاً
مَعَ زَهرِ لَحْظِ المُقَلِ
وَأَنْتَ يَاسَيِّدَ لِي
وَسَيِّدِي وَمَوْلَى لِي
فَكَمْ فَكَمْ تَيَّمَنِي
غُزَيِّلٌ عَقَيْقَلي
قَطَّفْتُ مِنْ وَجْنَتِهِ
مِنْ لَثْمِ وَرْدِ الخَجَلِ
فَقَالَ بَسْ بَسْبَسْتَنِي
فَلَمْ يَجُد بالقُبَلِ
فَقَالَ لاَ لاَ لاَ ثم لاَ لاَ لاَ
وَقَدْ غَدَا مُهَرْوِلِ
وَالخُودُ مَالَتْ طَرَبَاً
مِنْ فِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ
فَوَلْوَلَتْ وَوَلْوَلَتُ
وَلي وَلييَاوَيْلَ لِي
فَقُلْتُ لا تُوَلْوِلِي
وَبَيِّنِي اللُؤْلُؤَ لَي
لَمَّا رَأَتْهُ أَشْمَطَا
يُرِيدُ غَيْرَ القُبَلِ
وَبَعْدَهُ لاَيَكْتَفِي
إلاَّ بِطِيْبِ الوَصْلَ لِي
قَالَتْ لَهُ حِيْنَ كَذَا
انْهَضْ وَجِدْ بِالنَّقَلِ
وَفِتْيَةٍ سَقَوْنَنِي
قَهْوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمْتُهَا بِأَنْفِي
أَزْكَى مِنَ القَرَنْفُلِ
فِي وَسْطِ بُسْتَانٍ حُلِي
بالزَّهْرِ وَالسُرُورُ لِي
وَالعُودُ دَنْ دَنْدَنَ لِي
وَالطَّبْلُ طَبْ طَبَّلَ لِي
طَب طَبِطَبطَبِ
طَب طَبطَبَ لي
وَالسَّقْفُ قَدْ سَقْسَقَ لِي
وَالرَّقْصُ قَدْ طَبْطَبَ لِي
شَوَى شَوَىوَشَاهِشُ
عَلَى وَرَقْ سَفَرجَلِ
وَغَرَّدَ القَمْرُ يَصِيحُ
مِنْ مَلَلٍ فِي مَلَلِ
فَلَوْ تَرَانِي رَاكِباً
عَلَى حِمَارٍ أَهْزَلِ
يَمْشِي عَلَى ثَلاثَةٍ
كَمَشْيَةِ العَرَنْجِلِ
وَالنَّاسُ تَرْجِمْ جَمَلِي
فِي السُوقِ بالقُلْقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعْكَعْ كَعِكَعْ
خَلْفِي وَمِنْ حُوَيْلَلِي
لكِنْ مَشَيتُ هَارِبا
مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ
مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخِلْعَةٍ
حَمْرَاءُ كَالدَّمْ دَمَلِي
أَجُرُّ فِيهَا مَاشِياً
مُبَغْدِدَاً للذيَّلِ
أَنَا الأَدِيْبُ الأَلْمَعِي
مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوْصِلِ
نَظَمْتُ قِطَعاً زُخْرِفَتْ
يَعْجَزُ عَنْهَا الأَدْبُ لِي
أَقُولُ فِي مَطْلَعِهَا
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ
الأصمعي وقافية الواو
يروي الأصمعيُّ أنه مرة كان يحضر مأدبة غداء، وكان بجانبه أعرابي
يأكل بشراهة والسمن يسيل على كراعه فنظر إليه الأصمعيُّ بتعجب واحتقار
وقال لأضحكنَّ الحاضرين عليه، فقال له:
كأنك أثْلَةٌ فِي أرضِ هَشًّ **** أتاها وابلٌ مِن بعد رشٍّ
فنظر إليه الأعرابي بعين مبحلقة، وقال: الكلام انثى والجواب ذكر. وأنت:
كأنك بَعْرَة فِي اسْت كبشٍ**** مُدَلاَّة وذاك الكبشُ يمشِي
فغضب الأصمعيُّ وقال للأعرابي: هل تعرف شيئا من الشعر أو ترويه!
فقال الأعرابي: كيف لا أقول الشعر وأنا أمه وأبوه!
قال الأصمعي: إنَّ عندي قافية تحتاج الي غطاء.
فقال الأعرابي: هاتِ ما عندك .
قال الأصمعي: فغطست في بحور الأشعار فما وجدت قافيه أصعب من الواو
الساكنة المفتوحُ ما قبلها، فقلت له: ائتني ببيت آخره واو ساكنة مفتوح ماقبلها!
فقال الأعرابي : قوم بنجد عهدتهم **** سقاهم الله من النوّ
فقال الاصمعي نَوْ ماذا؟
فقال الاعرابي :نَوْ تلألأ في دُجَى *** ليلة مظلمة حالكةِ لَو؟ (النو = القمر)
رد الأصمعي: لَوْ ماذا ؟ (يريد أن يعجِّزه)
فقال : لو سار فيها فارسٌ لانثنى***على بساط الأرض مُنْطَوْ (منطو= سريع)
فقال الاصمعي : مُنْطَوْ ماذا؟
فقال الأعرابي: منطو الكشح هضيم الحشا **** كالباز ينقض من الجو
قال الأصمعي : جَوْ ماذا ؟
فقال: جو السما والريح تعلو به **** فاشتم ريح الأرض فاعلَوْ
قال الأصمعي: فاعلو ماذا ؟
فقال: فاعلَوْ لمّا عِيل من صبره **** فصار نحو القوم ينعَوْ
قال الأصمعي :ينعو ماذا ؟
فقال الأعرابي: ينعو رجالاً للقنا شرعت****كفيت بما لاقوا ويلقوا
قال فعلمت انه لاشيء بعد القنا، ولكن أردت أن اثقل عليه فقلت: ويلقوا ماذا؟
فقال الأعرابي: إن كنت لا تفهم ما قلته **** فأنت عندي رجل بَوْ
قال الأصمعي: ما البو؟
فقال الأعرابي: البَوُّ سلخٌ قد حشي جلده **** يألف قرنان تقوم أوْ
(البو= الجلد المسلوخ لصغير البقر يموت فيحشونه قشا أو تبنا ليوهموا أمه
أنه مازال حي ويقربونه لها حتى يدر حليبها).
رد الأصمعي: أو ماذا يا أعرابي؟
فقال الأعرابي: أوْ أضرب الرأس بصوانة **** تقول في ضربتها قَوْ
قال الأصمعي فخشيت أن أقول له قَوْ ماذا؟ فيضربني بالصوانة (الصحن)
قال الأصمعي : عجبت لشعره وحديثه فقلت له أنت ضيفي الليلة
وكان للأصمعي زوجة وولدان وبنتان .
فذبح له دجاجة ومن عادة العرب أن الضيف هو من يقسم اللحم .
فأمسك الأعرابي الدجاجة وبدأ بفصل الرأس قاىلا الرأس للرئيس
ثم العنق وقال الرقبة للعتبة(المرأة)
ثم الرجلان وقال الرجلان للولدان تم الجناحان وقال الجناحان للبنتان .
وأخذ ما بفي من صدر غني باللحم وقال .
الباقي للضيف .
فأسرها الأصمعي في نفسه وفي الغد ذبح خمس دجاجات وقال في نفسه
هكذا يكون لنا نصيب من اللحم مع الضيف .
ولما جلسواةإلى الطعام قرب الأصمعي الدجاجات من الضيف ليقسمها
فقال الضيف . أتريها وترا أم م3نى ؟؟
فقال الأصمعي . إن الله وتر يحب الوتر .فأوتر .
فقال الضيف .
أنت وزوجك ودجاجة ثلاث وهذا وتر .
والولدان ودجاجة ثلاث وهذا وتر .
والبنتان ودجاجة ثلاث وهذا وتر
وأنا ودجاجتين ثلاث وهذا وتر
فنظر الأصمعي فقال . والله ما رضيت .
اجعلها مثنى
فقال الضيف .
أنت والولدان ودجاجة أربعة وهذا مثنى
وزجتك والبنتان ودجاجة أربعة وهذا مثنى
وأنا وثلاث دجاجات أربعة وهذا مثنى .
فنظر إليه الأصمعي وقال .
والله ماغلبتك في الشعر ولا في القسمة.
رحم الله الأصمعي جزاء ما قدم للعربية والعلوم الطبيعية، وإني لأقترح عقد مزيد من المنتديات والمؤتمرات الثقافية لمناقشة تراثه، وعلى الباحثين إجراء مزيد من الدراسات حوله.
المراجع:
المادة العلمية مأخوذة من رجع المراجع التالية:
الذهبي في سير أعلام النبلاء
سيد البلك، الأصمعي، القاهرة، الأصيل للطباعة والنشر.
مشعل السديري (وفي السماء رزقكم). صحيفة الشرق الأوسط ،الاثنين - 01 ربيع الأول 1437 هـ - 14 ديسمبر 2015 م
حامد، فاطمة محمد طاهر، الأصمعي: حياته وآثاره
مجلة آداب الفراهيدي
جامعة تكريت - كلية الآداب العراق
مج14, ع51 ،أيلول 2022م
ص ص 84 - 112
العامر، فهد بن عبدالعزيز (2013) الأصمعي محدثاً
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة العلوم الشرعية، ع28،رجب 1434هـ، مايو / رجب ،ص ص 159 - 233
إسلام ويب - سير أعلام النبلاء - الطبقة العاشرة - الأصمعي- الجزء رقم10
الأصمعي د ت الإمام العلامة الحافظ حجة الأدب لسان العرب أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأصمعي البصري اللغوي الأخباري أحد الأعلام...
محمد إسماعيل زاهر : الأصمعي .. اللغة قلب الثقافة
علامة في أيام العرب وأخبارهم
6 أغسطس 2016،صحيفة الخليج
الحكواتي :الأصمعي123- 216 هـالحكواتي - الأصمعي
موضوع، أكبر موقع عربي بالعالم قصيدة صوت صفير البلبل
إسلام فتحي
٢٠ يونيو ٢٠١٧
https://www.facebook.com/100026831452047/posts/713226106108740 العامر، فهد بن عبدالعزيز (2013) الأصمعي محدثاً
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة العلوم الشرعية، ع28،رجب 1434هـ، مايو / رجب ،ص ص 159 - 233
مصدر الصور :Home - مدونة الحمد والجمال
https://wrraqoon.comالأصمعيات
https://ar.wikipedia.org/wikiالأصمعيات