يَبْدو أن العالم عاد كما كان في عهد الديكتاتوريات الكبرى، يخْضع لهيْمنة النظام الفاشِسْتي الأحادي، ألم تَرَ كيف يُكيِّفُ دون غلْيون أو سَبْسي من الطِّراز المغربي الأطْول من الأصابع، كل القوانين الدّولية لصالح مِدْفعيته التي تكيل بأكثر من فُوّهة، لم تعُد الشُّعوب تَمْلك نفْسها في إسْطبل البُلدان المُمْتدة كإقطاعيات تخضع لمنطق الإستعباد، لا أحد يسمع الأصوات التي تقْرع بالصُّراخ أجراس السماء، ما دامت قِوى الشَّر في العالم قد اصْطفَّت في ترْسانة حربية واحدة ضد البشرية، وعلى استعداد للبطْش بكل من يقف أمام مُخطّطاتها في التوسُّع والسِّيادة، ولو كان الثمن التخلُّص من كل الشُّعوب المُتمرِّدة بالإبادة !
عُموماً رغم أن الإنسان تخَوْصص وأصبح اليوم مملوكاً لإقطاعية مُترامية الأطراف، لا أحد يتمتَّع في مسافة زمنية بين خُروجه من الرحم وعودته إلى حفرة الأرض، بالمِلكيَّة الذاتية لنفسه، فهو لا يفتأ ينتقل من الديباجة النظرية إلى الممارسة اليومية طيلة العمر، بالنشيد المدرسي الذي تلقَّنَه عن ظهر ببغاء، والذي يقول؛ هيَّا .. هيَّا، نجري جرياً، وما زلنا ننتظر ونحن نعتقد أننا نلعب فقط، أن تَحُلَّ بحركة هذا الجري اللاهث البركة، ليس من السماء التي تُعطي دائماً بدون حساب، بل مِمَّن يعتبرون البشر مصيراً في جيوبهم الموصولة بثُقب أسود وسحيق في النفس!
من قال إنه يملك نفسه، فَلْيَمُدَّ اليد إلى السلسلة التي تُطَوِّقُه من الرقبة مثلاً بأفظع الالتزامات الحياتية، ألم تَرَ أننا لا نُوقِّعُ في حضيض الورق أسفل سافلين، إلا ما يُوقِعُنا في شَرِّ بُؤْسنا، لا نُوقِّعُ إلا ما يُشكِّلُ حلقات في سلسلة عبوديتنا الحديثة، بالديون مع الأبناك التي تُحوِّلُ الجهد الإنساني إلى حجارة في شُقق صالحة للموت طيلة القبر، أو إلى عجلات سيَّارة يعتقد المرء أنه يركَبُها بينما هي التي تمتطيه بِهَمّ الأقساط، تلك التي تَقْتطِعُ شريحة من لحمه كل شهر حتى يصير قديداً منشوراً في الشوارع، ناهيك عن الفواتير الشهرية للماء الذي أصبح ثمنه غرقاً في جرعات، وللكهرباء الذي صار سعرُه احتراقاً في شرارات، ولأسلاك الإتصال هاتفاً وأنترنيتاً قد يكملها الإنسان في حالة الانقطاع، من أمعائه إلى آخر صبيب !
ولا يفُوتنا أنْ نزيد في سلسلة عبوديتنا حلَقة تجعل أجيال المُتعلِّمين يدورون في فراغ، إنها الفاتورة الشهرية لدراسة الأبناء، كيف لا وقد صار العلم تجارة تُدِرُّ الجهل الوفير إذا لم تدفع ثمنها في مدارس خصوصية، أضفْ إلى هذه الحلقات في سلسلة عبوديتنا الحديثة دائماً، ما خَفِي وظهر من ضرائب تختلس دم الأفراد، ما أشبهها بنمْلٍ يفِرُّ بالقمح من ثقوب الأكياس، ليست في حقيقة استعارتها، سوى بشر يستحيي أن يزيدهم الهواء خَواءً !
من قال إنه يملك نفسه، فلينظر للشاعر الذي توفَّتْهُ القصيدة قبل أن يُكملها ديوانا، وينظر للكاتب الذي أجَّل الفصل الأخير لروايته عساه يكون ربيعاً، فأدركه خريف العمر بأعطاب الشيخوخة التي شلَّت في يده القلم!
من قال إنه يملك نفسه، فلينظر للمهندس المعماري الذي نَذَر كل صلْب وحديد في مشاعره البرغماتية، لبناء سكن اجتماعي مُريح لفئات تُعتبر دون حاجة لتحليل الدم مُعوزَةً، لكن الميزانية الشحيحة خذلتْهُ في آخر باب، فاضطر إلى أن يُحوِّل السكن الإجتماعي إلى سجن!
من قال إنه يتمتع بالملكية الذاتية لنفسه، لِيُجرِّب أن يحْمِلها للسُّوق ويمارس حُريته التجارية في بيعها كالبرقوق، لكن حذار أن يظهر المالك الحقيقي لنفسه وَيتَّهمه بالسّرقة!
لا أجد خاتمة تُعيد إلى نفسي نفسها، وإلى رئتي أنفاسها المكتومة في عالم موبوء، لذا لن أُسْهب توضيحاً وتشريحاً في أزمة إنسانية عَطنتْ جُثّتها في زمننا حتى عافتْها الدِّيدان، لندرك أنّ الانعتاق من ربْقة المنظومة الرأسمالية لمُجرّدِ شهرٍ أو شهرين، يؤدي إلى نفس المصير الذي كان يحيق بكل عبْد آبق كسَر الطّوْق، ألا هو الجَلْد بسِياط الدُّيون ثم العودة برقبة واطئة لاستئناف جرٍّ العربة، أجل لا نملك من أنفُسنا شيئا، ولكن لدينا دائماً ذلك النشيد المدرسي الذي نحفظه عن ظهر ببغاء، ويسعفنا في الاستمرار في الحياة بالغناء؛ هيا.. هيا، نجري جرياً.. بهذا النشيد نأخذ بدل الحذر بزمام الحركة في انتظار أنْ تحُلَّ البركة !
...................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 22 فبراير 2024
عُموماً رغم أن الإنسان تخَوْصص وأصبح اليوم مملوكاً لإقطاعية مُترامية الأطراف، لا أحد يتمتَّع في مسافة زمنية بين خُروجه من الرحم وعودته إلى حفرة الأرض، بالمِلكيَّة الذاتية لنفسه، فهو لا يفتأ ينتقل من الديباجة النظرية إلى الممارسة اليومية طيلة العمر، بالنشيد المدرسي الذي تلقَّنَه عن ظهر ببغاء، والذي يقول؛ هيَّا .. هيَّا، نجري جرياً، وما زلنا ننتظر ونحن نعتقد أننا نلعب فقط، أن تَحُلَّ بحركة هذا الجري اللاهث البركة، ليس من السماء التي تُعطي دائماً بدون حساب، بل مِمَّن يعتبرون البشر مصيراً في جيوبهم الموصولة بثُقب أسود وسحيق في النفس!
من قال إنه يملك نفسه، فَلْيَمُدَّ اليد إلى السلسلة التي تُطَوِّقُه من الرقبة مثلاً بأفظع الالتزامات الحياتية، ألم تَرَ أننا لا نُوقِّعُ في حضيض الورق أسفل سافلين، إلا ما يُوقِعُنا في شَرِّ بُؤْسنا، لا نُوقِّعُ إلا ما يُشكِّلُ حلقات في سلسلة عبوديتنا الحديثة، بالديون مع الأبناك التي تُحوِّلُ الجهد الإنساني إلى حجارة في شُقق صالحة للموت طيلة القبر، أو إلى عجلات سيَّارة يعتقد المرء أنه يركَبُها بينما هي التي تمتطيه بِهَمّ الأقساط، تلك التي تَقْتطِعُ شريحة من لحمه كل شهر حتى يصير قديداً منشوراً في الشوارع، ناهيك عن الفواتير الشهرية للماء الذي أصبح ثمنه غرقاً في جرعات، وللكهرباء الذي صار سعرُه احتراقاً في شرارات، ولأسلاك الإتصال هاتفاً وأنترنيتاً قد يكملها الإنسان في حالة الانقطاع، من أمعائه إلى آخر صبيب !
ولا يفُوتنا أنْ نزيد في سلسلة عبوديتنا حلَقة تجعل أجيال المُتعلِّمين يدورون في فراغ، إنها الفاتورة الشهرية لدراسة الأبناء، كيف لا وقد صار العلم تجارة تُدِرُّ الجهل الوفير إذا لم تدفع ثمنها في مدارس خصوصية، أضفْ إلى هذه الحلقات في سلسلة عبوديتنا الحديثة دائماً، ما خَفِي وظهر من ضرائب تختلس دم الأفراد، ما أشبهها بنمْلٍ يفِرُّ بالقمح من ثقوب الأكياس، ليست في حقيقة استعارتها، سوى بشر يستحيي أن يزيدهم الهواء خَواءً !
من قال إنه يملك نفسه، فلينظر للشاعر الذي توفَّتْهُ القصيدة قبل أن يُكملها ديوانا، وينظر للكاتب الذي أجَّل الفصل الأخير لروايته عساه يكون ربيعاً، فأدركه خريف العمر بأعطاب الشيخوخة التي شلَّت في يده القلم!
من قال إنه يملك نفسه، فلينظر للمهندس المعماري الذي نَذَر كل صلْب وحديد في مشاعره البرغماتية، لبناء سكن اجتماعي مُريح لفئات تُعتبر دون حاجة لتحليل الدم مُعوزَةً، لكن الميزانية الشحيحة خذلتْهُ في آخر باب، فاضطر إلى أن يُحوِّل السكن الإجتماعي إلى سجن!
من قال إنه يتمتع بالملكية الذاتية لنفسه، لِيُجرِّب أن يحْمِلها للسُّوق ويمارس حُريته التجارية في بيعها كالبرقوق، لكن حذار أن يظهر المالك الحقيقي لنفسه وَيتَّهمه بالسّرقة!
لا أجد خاتمة تُعيد إلى نفسي نفسها، وإلى رئتي أنفاسها المكتومة في عالم موبوء، لذا لن أُسْهب توضيحاً وتشريحاً في أزمة إنسانية عَطنتْ جُثّتها في زمننا حتى عافتْها الدِّيدان، لندرك أنّ الانعتاق من ربْقة المنظومة الرأسمالية لمُجرّدِ شهرٍ أو شهرين، يؤدي إلى نفس المصير الذي كان يحيق بكل عبْد آبق كسَر الطّوْق، ألا هو الجَلْد بسِياط الدُّيون ثم العودة برقبة واطئة لاستئناف جرٍّ العربة، أجل لا نملك من أنفُسنا شيئا، ولكن لدينا دائماً ذلك النشيد المدرسي الذي نحفظه عن ظهر ببغاء، ويسعفنا في الاستمرار في الحياة بالغناء؛ هيا.. هيا، نجري جرياً.. بهذا النشيد نأخذ بدل الحذر بزمام الحركة في انتظار أنْ تحُلَّ البركة !
...................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 22 فبراير 2024