أ. د. مصطفى رجب - هل تفهم معنى اسمك ؟

تموج المنطقة العربية بأسماء عديدة يستحيل حصرها، ويتكرر بعضها جيلاً بعد جيل، ويختص بعضها بزمان دون زمان، أو مكان دون مكان . وقد شغلت قضية أصول الأسماء ودلالاتها اللغويين والمفكرين من قديم الزمان.
ففي كتاب "أدب الكاتب" لابن قتيبة الدنيوري (ج1،ص65) نجد مبحثاً اسماه ابن قتيبة ( أصول أسماء الناس) شرح فيه دلالات بعض أسماء الأعلام المنقولة عن أسماء لنباتات مثل اسم "ثمامة" وهو اسم عربي قديم معروف وهو منقول عن الثمام [بضم الثاء] وهو شجر ضعيف له خوص. وكذلك اسم "حمزة" وهو منقول من اسم نبتة بقولية طعمها لاذع للسان. ورمانة حامزة أي فيها حموضة.
وفسر ابن قتيبة أسماء منقولة عن أسماء لطيور أو حيوانات، مثل سعدانة وهو من أسماء الحمامة ، وحيدرة وهو من أسماء الأسد ، ونهشل وهو من أسماء الذئب غير أن أسماء عربية قديمة مثل حيدرة، ونهشل وسعدانة لم يعد لها وجود في العربية المعاصرة. وإن كان حمزة لا يزال متداولاً لارتباطه باسم سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه سيد الشهداء.
وبعد ابن قتيبة جاء ابن جني اللغوي فوضع كتاباً في تفسير أسماء شعراء الحماسة فقال – على سبيل المثال – إن " عثمان" أصل دلالته هو الفرخ الصغير، وجعفر هو النهر، وعنتر هو الذباب الأزرق.
وكذلك الأبشيهي في كتابه (المستطرف في كل فن مستظرف) والقلقشندي في كتابه الشهير (صبح الأعشى). والسيوطي في (المزهر).
وفي العصور الحديثة اهتم بهذه القضية المستشرق الألماني (أنو ليتمان) وأمير بقطر وإبراهيم الفحام. وكلهم تناول معاني الأسماء وتطور دلالاتها تاريخياًَ.
أ‌- أسماء أصولها فارسية:
وإذا كانت الثقافة الفارسية من أهم الثقافات التي تداخلت مع الثقافة العربية قديماً، فقد تسللت أسماء إلى العربية وظلت متوارثة بين الناس وهي ذات أصول فارسية منها :
1- شاهين = والمعنى الأصلي للكلمة في الفارسية = الصقر
2- خورشيد = المعنى الأصلي للكلمة في الفارسية=الصقر
3- نيازي= المعنى الأصلي للكلمة في الفارسية= الصديق
4- درويش= المعنى الأصلي للكلمة في الفارسية= على باب الله
5- شيرين= المعنى الأصلي للكلمة في الفارسية= الحلوة
6- نازك= المعنى الأصلي للكلمة في الفارسية= اللطيفة
7- انجي= المعنى الأصلي للكلمة في الفارسية= الجوهرة
وهناك أسماء دخلها التحريف والإبدال الصوتي عبر الفارسية مثل اسم "هانم" الشائع الاستخدام للنساء في ريف مصر وبخاصة في الصعيد وأصلها كلمة "خانم" وهي مؤنث كلمة "خان" بمعنى السيد أو صاحب السلطة. وقد شاع استخدام كلمة هانم اسماً علماً على سيدة بعينها، ثم أصبح يُضاف وصفاً لأية سيدة فيقال مثلاً (حكمت هانم) أو (ليلى هانم) أو (فوزية هانم) بمعنى السيد الجليلة. كما يستخدم المذكر منها (خان) كلاحقة صوتية في أسماء شاعت بين العرب مثل (بدرخان) و (طرخان) وكلاهما مما يشيع استخدامه في مصر.
ب‌- أسماء عربية أصولها تركية:
وخلال مرحلة استقرار الخلافة الإسلامية في تركيا في عصر الدولة العثمانية زاد احتكاك العرب بالأتراك، فتولدت أسماء تحمل دلالات ذات ارتباط باللغة التركية صرفياً أو دلالياً مثل:
1- سهير : اسم أنثى ونطقها الصحيح يكون بفتح السين وكسر الهاء كما كانت تنطقها دائماً الدكتورة سهير القلماوي وهي مشتقة من وقت السحر.
2- ميرفت : اسم أنثى باللهجة التركية ثيل إنه مشتق من اسم جبل " مروة" بمكة المكرمة، وقيل إنه مشتق من "المرود" الذي يستخدم في تكحيل العينين. وقلب الواو فاءً معروف في اللغة الفارسية والتركية ، والنطق بالتاء المربوطة مفتوحة معروف في التركية. ومنه أسماء شاع استخدامها عند العرب تأثراً بالتركية مثل حشمت وأصلها (حشمة) وجودت وأصلها (جودة) ورأفت وأصلها ( رأفة).
3- إضافة لواحق للأسماء مثل ( جي ، لي ، دار ) في أواخر الأسماء فمقطع (جي) من اللواحق الصوتية التي تأتي للدلالة على الصفة مثل ( الحلوجي) أي صانع الحلوى أو ( العربجي) أي صاحب العربة ، أو مثل المقطع اللاحق (لي) الذي يأتي للدلالة على موطن الإنسان أو مكان ولادته مثل ( الخربوطلي) للدلالة على النسب إلى مدينة ( خربوط) ومثلي ( الجريتلي) للدلالة على النسب إلى جزيرة ( جريت) أو ( كريت). أما اللاحقة (دار) بمعنى صاحب فقد شاعت في كلمات صارت أعلاماً بعد أن كانت صفات لصاحب مهنة بعينها مثل : الخازندار ( خازن + دار ) أي أمين المخزن، أو السردار ( السر+ دار ) أي أمين السر أو ( الحكمدار ) أي أمين دار الحكم ، بمعنى نائب الحاكم أو مدير مكتبه.
جـ- أسماء ذات أصول غربية :
وقد أثمرت حقبة الاستعمار الغربي للدول العربية والإسلامية تولد أسماء دخلت العربية تأثراً بما شاع منها عند الأوربيين على مختلف جنسياتهم . مثل ( ويليام ) و ( وجون ) و ( فرانكلين) و ( جوليانا) و ( ميشيل ) وأكثر ما تشيع هذه الأسماء عند المسيحيين العرب.
د- نسبة الأسماء إلى البلاد أو الصناعات:
وقد عرف تراثنا العربي القديم زاهرة اشتقاق الأسماء من الصناعات مثل ( الكسائي) و ( الفراء) و ( الرفاء) و ( الفحام) وهذه الكلمات يبدأ استعمالها صفات ثم تنتقل من الوصفية إلى العلمية. ومنها الحموي والبغدادي والأصفهاني وما جرى مجراها مما ينسب إلى المدن أو الأقطار أو الصناعات. ومن العجيب أن تراثنا العربي القديم نقل هذه الخاصية، وهي النسبة إلى البلاد من المشرق العربي إلى المغرب العربي. فرأينا اسم أبي العباس ( المرسي) المنسوب إلى مدينة ( مرسية) و ( القرطبي) نسبة إلى مدينة ( قرطبة) من بلاد الأندلس. كما عرفت الأسماء في المغرب العربي اللاحقة الصوتية (دون) ومعناها السيد سواء أجاءت في صدر الكلمة منفصلة عنها ( الدون علي) بمعنى السيد علي ، أم جاءت في آخرها مثل ( خلدون وزيدون وعبدون) .
وقد أسهمت شهرة بعض العلماء في إشهار أسماء قرى صغيرة عاشوا بها ، أو مدن صغيرة ولدوا بها مثل ( الشبلَّنجي) صاحب " نور الأبصار" فهو منسوب إلى قرية صغيرة تسمى ( شبلَّنجة) – بتشديد اللام- من قرى محافظة القليوبية بمصر، ومثل ( الببلاوي) المنسوب إلى مدينة ( بيلا) شمالي مصر في محافظة كفر الشيخ، أو الشيخ ( البيلاوي ) المنسوب إلى قرية صغيرة تسمى ( بيبلاو) تتبع مركز ديروط بمحافظة أسيوط بصعيد مصر. وقد يحدث لبس في اسمي ( الببلاوي ) والبيلاوي) لسهولة التصحيف بين الباء والياء. كما يحدث اللبس كثيراً حين يخلط بعضهم بين الهيثمي ( نور الدين الهيثمي ) صاحب ( مجمع الزوائد ) والهيتمي ( بالتاء ) وهو أحمد بن حجر الهيتمي صاحب ( الصواعق المحرقة) المنسوب إلى قرية صغيرة تسمى محلة ( أبي الهيتم ) تتبع مدينة طنطا بمحافظة الغربية بمصر.
هـ- الكنى الشهيرة وأسبابها:
وقد عرفت العربية قديماً وحديثاً ظاهرة الكنى، وكان النداء بالكنية قديماً من مؤشرات التكريم والتقدير، أما في العربية المعاصرة فإن استخدام الكنية فهو مؤشر على سلوك وحيد هو التودد وإسقاط التكلف بين الأصدقاء.
ومن أشهر الكنى المعاصرة:
- أبو علي- وهي كنية لكل من اسمه حسن استشعاراً للإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما.
- أبو خليل وهي كنية لمن يسمى إبراهيم ، لأن إبراهيم عليه السلام عُرف بإبراهيم الخليل.
- أبو الحجاج وهي كنية لمن يسمى يوسف نسبة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي.
- أبو درش أو أبو درويش وهي كنية لكل من يسمى بـ مصطفى والأصل فيها أن السلطان مصطفى العثماني تنازل عن الحكم في أواسط القرن الحادي عشر الهجري ، وانضم إلى طائفة الصوفية الذين كان يطلق عليهم بالتركية – نقلاً من الفارسية فيما يبدو- لقب درويش أي على الباب أو على باب الله بمعنى أنهم لا يملكون شيئاً . ثم صرفت درويش إلى درش تخفيفاً.
- أبو السباع وهي كنية لمن يسمى بإسماعيل لأن العامية المصرية اعتادت أن تصف الخديوي إسماعيل بأنه ( أبو السباع ) ويقصدون بذلك تلك التماثيل للسباع التي أقامها الخديوي إسماعيل على كوبري قصر النيل أوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر.
و- أسماء خاصة لمعان عامة:
والحديث عن صلة أسماء الأعلام ودلالاتها يقودنا للحديث عن ظاهرة مقاربة عرفتها العربية وهي تخصيص اسم معين لمعنى بعينه خروجاً على أصل الدلالة. فمثلاً:
- الحديث : لفظ عام دلالته تشمل كل حوار بين اثنين فأكثر من الناس، وقد انفرد لفظ ( السمر) بحديث الليل خاصة.
- السير : لفظ عام ، والسُّرى : للسير ليلاً خاصة.
- الطلب : لفظ عام ، والتوخي : في طلب الخير خاصة.
- التحريك : لفظَ عام ، والإنغاض : لتحريك الرأس خاصة. قال تعالى (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ ){الإسراء:51} .
- النوم : لفظ عام ، والقيلولة : نوم ما بعد الظهر خاصة.
كما أن هناك كلمات أطلقت أسماءً على شيء بعينه ثم توسعوا في دلالتها. فكلمة منحة أي عطية أو هبة تولدت عن ( منيحة) – بفتح الميم - التي وضعت اسماً للشاه أو الناقة إذا أعطيت إلى رجل فشرب من لبنها حيناً ثم أعادها إلى صاحبها.
وكذلك قولهم " بنى فلان بزوجته" بمعنى دخل بها، أصله من إطلاق لفظ البناء بمعناه العام لأن العرب كانوا إذا تزوج أحدهم بنوا له ولزوجته خباءً جديداً. فتوسعوا في استعمال لفظ البناء حتى تنوسيت الدلالة الأولى للفظ.
وكذلك لفظ ( التخمة ) وضع في أصل دلالته للتعبير عن عدم زجر البهيمة للتوقف عن الأكل ، حيث تضر كثرته بها ضرراً واضحاً ثم توسعوا في دلالته ، فأصبحت كثرة الأكل – مع غير البهائم – توصف بالتخمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...