إن الأسلوبية التأويلية تقوم بتحديد خصائص الأسلوب، وتسعى إلى تحليله وتأويله التأويل المناسب، بحكم إدراكها مميزات التأويل ومستوياته وآلياته، وتدرس كل ما له علاقة به، وتعتمد منظومة فكرية متحاقلة المعارف، متضايفة العلوم، منتظمة البناء، ومحددة الوظائف في إطار استراتيجية التلقي وتحليل الخطاب بوجه عام.
إذا كان التأويل هو إنتاج معنى من المعاني المتاحة أثناء تلقي خطاب ما، فإن موضوع التأويل تشترك فيه معظم الحقول المعرفية المدرجة في منظومات العلوم الإنسانية والاجتماعية،
وإذا كان الأسلوب موضوع دراسة الأسلوبية، فإن التأويل رديف الدرس الأسلوبي وصنوه، ولا يمكن بأي حال فصل التأويل عن أساليب الخطابات، مهما كان نوعها وجنسها - في مسألة تحديد النوع والجنس أقول تقريبا للفهم؛ الإنسان نوع والرجل جنس والمرأة جنس، وكذلك الأدب نوع والشعر جنس والنثر جنس-، كما أقول إن التأويل ليس حكرا على حقل معرفي دون حقل معرفي آخر، بل هو موضوع مشترك بين جميع المعارف والعلوم، ولكن الأسلوبية التأويلية لها من الإمكانات والعدة الآلية والإجرائية، ما يمكنها من تفكيك الأساليب في الخطابات، ولها ما يجعلها أكثر قدرة على تأويل قصود الخطابات بأنواعها، وإنتاج المعاني منها، وعلى هذا التوجه تقوم الأسلوبية التأويلية بتقسيم التأويل إلى ثلاثة مستويات حسب مراحل التلقي وأوضاعه؛ وهي متحدة فيما بينها، ولا يمكن الفصل بينها، إلا من قبيل ما تمليه الضرورة المنهجية لتقريب الفهم، والتقسيم هنا إجرائي إيضاحي لاغير :
--1 - التأويل الانطباعي الآني: يكون آنيا أو فوريا بمعنى يتأول الخطاب في اللحظة التي يتلقى فيها القارئ الخطاب؛ ويعد نتاج الاستجابة الأولية التي يشتغل فيها العقل بتصنيف الخطاب وتجنيسه، ومباشرته ببناء المعاني منذ الوهلة الأولى التي يتلقى فيها الخطاب، فيؤول المتلقي الخطاب انفعاليا تحت تأثير المقام ومقتضياته، والحدث ومجرياته، دون إغفال ما تمليه المدارك والانفعالات النفسية، وطبيعة موضوع الخطاب وجنسه وشكله ومضمونة وطريقة عرضه، واشتغال الرصيد اللغوي والثقافي والعلمي للملتقى لفك شفرات الخطاب وتأويله لحظة تلقيه، والتأويل الانطباعي الآني يقتضي فهما آنيا بالضرورة.
-2 التأويل الاستذكاري القياسي: وفيه يتم استجلاء المعاني انطلاقا من مقارنة الخطاب بخطابات سابقة أو مماثلة؛ ليسهل على المتلقي قياس مباني الخطاب وعلاماته على ما هو شبيه به أو قريب منه من حيث النوع والجنس والتشكيل والإيحاء، وسوى ذلك، وبهذا تتجلى ملامح الخطاب، ويشرع في تأويل مكوناته واستظهار جمالياته وقبحياته، ومقاصده ومراميه، وطبيعة الفهم في هذا التأويل تكون مبنية على تجربة قياسية، ووعي مسبق بتجارب خطابية فائتة، وتحصيل معرفي متراكم.
-3 التأويل الاحترافي: وهو نتاج القراءة الموضوعية والمنهجية الرصينة التي تعيد بناء أفق الانتظار لدى المتلقي المؤول، وهو تأويل العلامات ضمن النسيج الأسلوبي للخطاب، بمعنى أن التأويل يكون غوصا في جذور الخطاب، وبحثا في أصول تكوينه، وتنقيبا عن زمن إنشائه، وإلماما بسياقه، وتعريفا بشرطه التاريخي، وكشفا عن مستويات الخطابات المضمنة فيه، والأنماط اللسانية المتأسلبة معه، والمؤسلبة له، وإدلالا عن الأنساق المضمرة فيه، وفي هذا السياق يمكن القول: إنه لا مجال إلى تأويل الخطاب وفهمه إلا في دائرة تفكيك بنيته الأسلوبية، لأن القارئ أو المتلقي أو الأسلوبي في هذه الحال مطالب بفك أواصر النظام الإشاري اللغوي وسماته الأسلوبية لاستجلاء علامات الخطاب، وبناء معناه، وذلك مرهون بتفعيل النشاط التأويلي للقارئ الأسلوبي مفكك الخطاب، ولا مجال للتأويل ما لم تسبقه قراءة متأنية ينتبه عبرها القارئ إلى مواطن التشكيل الأسلوبي وسماته الجمالية والقبحية، وتحليل العلاقة التضايفية بين مكوناته البنيوية والوظيفية.
الأسلوبية التأويلية علم قائم على أسس منهجية في تحليل الأساليب في الخطابات بأصنافها وأنواعه وأجناسها، وتوصيف طرائق تشكيلها، وتفكيك مكوناتها، وتأويل محتوياتها، بإنتاج المعاني منها وبنائها، ذلك أن التأويل نشاط فكري وطاقة ذهنية مجردة، وهو فعالية إنسانية ملازمة لكل أنشطة الإنسان، وما أنتج من الأدلة المؤولة التي تعد أشكالا لمستويات وعي الظواهر والخطابات وتفسيرها ومحاولة فهمها، والتأويل بهذا المعنى يشكل التجسيد الشكلي لمضمون الفهم ومستوى الاستجابة لعملية التواصل والتلقي؛ فيكون بذلك منتج تأويل الخطاب؛ خطابا على خطاب.
وبالإضافة إلى ما أنشأنا من آليات للإجابة عما غفله اللغويون والأسلوبيون في تحليل مكونات الخطاب، اجتهدنا في ضبط منظومة الأسلوبية التأويلية لتكون منسجمة منهجيا بتوظيفها كل الاتجاهات الأسلوبية بمرجعياتها ومنظوماتها وآلياتها الإجرائية في تحليل الخطاب، ذلك لأن السمات الأسلوبية في الخطاب بما يحوي من معاني تفوق قدرات الآليات المحدودة في أي اتجاه من الاتجاهات الأسلوبية الرائجة، وعجز طاقاتها التأويلية، لذلك جمعناها في رؤية منهجية واحدة قصدنا بها التوسع إلى مضايفة جميع الآليات الإجرائية في اتجاهات تحليل الأسلوب وتأويله، بالإضافة إلى توظيف ما رأيناه مناسبا لتحليل الخطاب في المناهج النقدية المعاصرة، بإلغاء الحدود بينها منهجيا ووظيفيا لرؤية نراها في مسألة تحاقل المعارف وتضايف العلوم عندما يقتضي الوضع تحليل الخطاب وفق منهجية شمولية ، بقصد الإلمام بتحليل جميع السمات الأسلوبية المضمنة في مكونات الخطاب بأصنافه، وعليه نرى أن عملية التأويل في الأسلوبية التأويلية تخضع لمهارات المؤولين، وقدراتهم العلمية، وكفاءاتهم الثقافية، وخبراتهم النقدية...
ولذا يمكن الاستئناس بالأسلوبية التأويلية في تحليل الخطاب السياسي وغيره من أصناف الخطابات.
(هذه إجابة موجزة عن سؤال وردني على الخاص من أستاذة باحثة في العلوم السياسية تستوضح عن كيفية تحليل الأسلوب في الخطاب السياسي، وكيفية اعتماد الأسلوبية التأويلية في ذلك، في إشارة منها إلى منجزنا في هذا الاتجاه)
إذا كان التأويل هو إنتاج معنى من المعاني المتاحة أثناء تلقي خطاب ما، فإن موضوع التأويل تشترك فيه معظم الحقول المعرفية المدرجة في منظومات العلوم الإنسانية والاجتماعية،
وإذا كان الأسلوب موضوع دراسة الأسلوبية، فإن التأويل رديف الدرس الأسلوبي وصنوه، ولا يمكن بأي حال فصل التأويل عن أساليب الخطابات، مهما كان نوعها وجنسها - في مسألة تحديد النوع والجنس أقول تقريبا للفهم؛ الإنسان نوع والرجل جنس والمرأة جنس، وكذلك الأدب نوع والشعر جنس والنثر جنس-، كما أقول إن التأويل ليس حكرا على حقل معرفي دون حقل معرفي آخر، بل هو موضوع مشترك بين جميع المعارف والعلوم، ولكن الأسلوبية التأويلية لها من الإمكانات والعدة الآلية والإجرائية، ما يمكنها من تفكيك الأساليب في الخطابات، ولها ما يجعلها أكثر قدرة على تأويل قصود الخطابات بأنواعها، وإنتاج المعاني منها، وعلى هذا التوجه تقوم الأسلوبية التأويلية بتقسيم التأويل إلى ثلاثة مستويات حسب مراحل التلقي وأوضاعه؛ وهي متحدة فيما بينها، ولا يمكن الفصل بينها، إلا من قبيل ما تمليه الضرورة المنهجية لتقريب الفهم، والتقسيم هنا إجرائي إيضاحي لاغير :
--1 - التأويل الانطباعي الآني: يكون آنيا أو فوريا بمعنى يتأول الخطاب في اللحظة التي يتلقى فيها القارئ الخطاب؛ ويعد نتاج الاستجابة الأولية التي يشتغل فيها العقل بتصنيف الخطاب وتجنيسه، ومباشرته ببناء المعاني منذ الوهلة الأولى التي يتلقى فيها الخطاب، فيؤول المتلقي الخطاب انفعاليا تحت تأثير المقام ومقتضياته، والحدث ومجرياته، دون إغفال ما تمليه المدارك والانفعالات النفسية، وطبيعة موضوع الخطاب وجنسه وشكله ومضمونة وطريقة عرضه، واشتغال الرصيد اللغوي والثقافي والعلمي للملتقى لفك شفرات الخطاب وتأويله لحظة تلقيه، والتأويل الانطباعي الآني يقتضي فهما آنيا بالضرورة.
-2 التأويل الاستذكاري القياسي: وفيه يتم استجلاء المعاني انطلاقا من مقارنة الخطاب بخطابات سابقة أو مماثلة؛ ليسهل على المتلقي قياس مباني الخطاب وعلاماته على ما هو شبيه به أو قريب منه من حيث النوع والجنس والتشكيل والإيحاء، وسوى ذلك، وبهذا تتجلى ملامح الخطاب، ويشرع في تأويل مكوناته واستظهار جمالياته وقبحياته، ومقاصده ومراميه، وطبيعة الفهم في هذا التأويل تكون مبنية على تجربة قياسية، ووعي مسبق بتجارب خطابية فائتة، وتحصيل معرفي متراكم.
-3 التأويل الاحترافي: وهو نتاج القراءة الموضوعية والمنهجية الرصينة التي تعيد بناء أفق الانتظار لدى المتلقي المؤول، وهو تأويل العلامات ضمن النسيج الأسلوبي للخطاب، بمعنى أن التأويل يكون غوصا في جذور الخطاب، وبحثا في أصول تكوينه، وتنقيبا عن زمن إنشائه، وإلماما بسياقه، وتعريفا بشرطه التاريخي، وكشفا عن مستويات الخطابات المضمنة فيه، والأنماط اللسانية المتأسلبة معه، والمؤسلبة له، وإدلالا عن الأنساق المضمرة فيه، وفي هذا السياق يمكن القول: إنه لا مجال إلى تأويل الخطاب وفهمه إلا في دائرة تفكيك بنيته الأسلوبية، لأن القارئ أو المتلقي أو الأسلوبي في هذه الحال مطالب بفك أواصر النظام الإشاري اللغوي وسماته الأسلوبية لاستجلاء علامات الخطاب، وبناء معناه، وذلك مرهون بتفعيل النشاط التأويلي للقارئ الأسلوبي مفكك الخطاب، ولا مجال للتأويل ما لم تسبقه قراءة متأنية ينتبه عبرها القارئ إلى مواطن التشكيل الأسلوبي وسماته الجمالية والقبحية، وتحليل العلاقة التضايفية بين مكوناته البنيوية والوظيفية.
الأسلوبية التأويلية علم قائم على أسس منهجية في تحليل الأساليب في الخطابات بأصنافها وأنواعه وأجناسها، وتوصيف طرائق تشكيلها، وتفكيك مكوناتها، وتأويل محتوياتها، بإنتاج المعاني منها وبنائها، ذلك أن التأويل نشاط فكري وطاقة ذهنية مجردة، وهو فعالية إنسانية ملازمة لكل أنشطة الإنسان، وما أنتج من الأدلة المؤولة التي تعد أشكالا لمستويات وعي الظواهر والخطابات وتفسيرها ومحاولة فهمها، والتأويل بهذا المعنى يشكل التجسيد الشكلي لمضمون الفهم ومستوى الاستجابة لعملية التواصل والتلقي؛ فيكون بذلك منتج تأويل الخطاب؛ خطابا على خطاب.
وبالإضافة إلى ما أنشأنا من آليات للإجابة عما غفله اللغويون والأسلوبيون في تحليل مكونات الخطاب، اجتهدنا في ضبط منظومة الأسلوبية التأويلية لتكون منسجمة منهجيا بتوظيفها كل الاتجاهات الأسلوبية بمرجعياتها ومنظوماتها وآلياتها الإجرائية في تحليل الخطاب، ذلك لأن السمات الأسلوبية في الخطاب بما يحوي من معاني تفوق قدرات الآليات المحدودة في أي اتجاه من الاتجاهات الأسلوبية الرائجة، وعجز طاقاتها التأويلية، لذلك جمعناها في رؤية منهجية واحدة قصدنا بها التوسع إلى مضايفة جميع الآليات الإجرائية في اتجاهات تحليل الأسلوب وتأويله، بالإضافة إلى توظيف ما رأيناه مناسبا لتحليل الخطاب في المناهج النقدية المعاصرة، بإلغاء الحدود بينها منهجيا ووظيفيا لرؤية نراها في مسألة تحاقل المعارف وتضايف العلوم عندما يقتضي الوضع تحليل الخطاب وفق منهجية شمولية ، بقصد الإلمام بتحليل جميع السمات الأسلوبية المضمنة في مكونات الخطاب بأصنافه، وعليه نرى أن عملية التأويل في الأسلوبية التأويلية تخضع لمهارات المؤولين، وقدراتهم العلمية، وكفاءاتهم الثقافية، وخبراتهم النقدية...
ولذا يمكن الاستئناس بالأسلوبية التأويلية في تحليل الخطاب السياسي وغيره من أصناف الخطابات.
(هذه إجابة موجزة عن سؤال وردني على الخاص من أستاذة باحثة في العلوم السياسية تستوضح عن كيفية تحليل الأسلوب في الخطاب السياسي، وكيفية اعتماد الأسلوبية التأويلية في ذلك، في إشارة منها إلى منجزنا في هذا الاتجاه)