كاظم حسن سعيد - رواية الزجاج المكسور افريقيا عبر اعترافاتهم

( عندما جاء الرجال البيض الى افريقيا كانت لدينا الارض ولديهم الكتاب المقدس علمونا ان نصلي واعيننا مغمضة وعندما فتحناها كان للابيض الارض ولدينا الكتاب المقدس - من رواية الفلفل الصغير لمابانكو ).
الزجاج المكسور هي الرواية الخامسة للكنغولي آلان ما بانكو الذي اهتم بالسرد بعد عدة دواوين شعرية انجزها .
تتميز الرواية بالثراء الرمزي والاستعارات الكثيرة لكتاب وعلماء ورؤساء وكتب ,فضلا عن احتوائها على كم لافت من الاساطير ومقتطفات من تاريخ الشعوب تمتد من المعاصرة وتتوغل عميقا حتى الاغريق , وتظهر روح السخرية من المتسلطين ومدعي الدين والعادات البالية .
ورغم الحواجز المتمثلة بالمفردات العديدة التي تحتاج بحثا لتفهمها والمفردات الفرنسية ومن لغات اخرى التي لم تترجم والاشارات العصية على الفهم رغم كل ذلك تسحرك هذه الرواية وتكاد الا تعطيك مجالا للتنفس وانت تقرؤها .
وليس دقيقا ان يصفها بعض النقاد بانها معرض صور بل هي رواية سينمائية بامتياز تعكس اعمق الفواجع التي خلفها المحتلون للقارة السمراء متعمدين تجهيلها وممتصين ثرواتها بلا رحمة .
لقد انتبه الفن الاوربي لما تزخر به افريقيا من تراث حقيقي مميز وهائل مثال ذلك ما استفاد منه بيكاسو في التكعيبة من جمال الاقنعة .
لقد انتقل الكاتب من كنغولو الى فرنسا ليدرس في جامعاتها وينتقل بعدها الى امريكا ليحاضر في كاليفورنيا ما جعله واسع الفكر والخيال وعميق التجربة .
تبدأ الرواية بان يطلب لوكوردي صاحب المشرب من زبونه وصديقه الدائم ان يؤرخ للمشرب ليظل خالدا فان الناس تنسى الاحداث بمرور الايام .
ان رجال الكنيسة قد لاحظوا تناقص اعداد المصلين المؤمنين ايام الاحاد فشنوا حربا مقدسة على صاحب المشرب , ثم جاءت الضربة القوية من نقابة الازواج اولئك الذين تخدعهم زوجاتهم فقالوا ان الزوجات لم يعدن يقدمن طعاما طيبا لاطفالهن ولا يحترمن ازواجهن كما كان يحدث في الماضي والمتسبب بكل ذلك هو مشرب لو كريدي .
بعدها جاء التخويف والوعيد من احدى الجمعيات الخيرية التي تسعى لتهذيب المدمنين على شرب الخمر .ثم جاءت الحركات الصوفية الروحانية اتوا يحملون تمائمهم وطلاسمهم لتحل اللعنة على صاحب المشرب .
اخيرا اتى دور اللصوص الذين يحطمون كل شيء والذين دفع اجرتهم اولئك العجائز المغفلون الذين يتحسرون على فقدان ايام ديجول تلك الايام التي كانوا يعيشون فيها في اكشاك خشبية ضيقة ولا يناديهم المستعمرون الا بعبارات التحقير وكان الزنوج حينها يضعون مثل الكلاب ميداليات في اعناقهم كتب عليها اسم الزنجي واسم الرجل الابيض المستعمر .
لقد وصل اللصوص المشرب يحملون كل ادوات الرعب وحطموا اجزاء منه ما جعل الحادثة موضع الصدارة في الصحف فيما صرح البارمان ( خادم المشرب ) باحاديث لوسائل الاعلام وصار اثرها رجلا مشهورا .
ثم تحولت هذه القصة التافهة الى شرف القومية الكونجولية .
ما دعا وزير الزراعة لان يلقي خطابا احتجاج يدين الاعتداء بدأه بقوله ( اني اتهم ) تلك العبارة المستعارة من زولا اصبحت على كل لسان حتى ان زبائن المومسات يسألن اولا هل نقشن العبارة على الياتهن .
الرئيس تملكه الحسد لنجاح وزيرة بقوة العبارة وتاثيرها فاجتمع مع وزرائه ومستشاريه وادانهم وعبر لهم عن اقصى الغضب لانهم لم يقدموا له عبارة مؤثرة تهز الشارع وهددهم بان مصيرهم الموت او النفي ان لم يهتدوا لعبارة تحمل قوة انا اتهم .
فاجتمعوا ونبشوا كل المجلدات والموسوعات التي اكلها التراب وعادوا حتى الى اللغة الهيروغليفية لكنهم لم يعثروا على ضالتهم .
وقبيل ياسهم توصلوا الى حل وهو ان يسجلوا اقوال الحكماء في قصاصات ويختبرونها .
حوالي 19 قصاصة تم فرزها ومناقشتها لعلهم يعثروا على عبارة تؤثر بالناس كما فعل الوزير .
لكن كبيرهم فندها جميعا مقدما الحجج الدامغة للرفض .
في المشرب ياتي الناس ليكرعوا ويبثوا هموهم للزجاج المكسور ولصاحب المشرب الذين تجاوزا الستين وهم يرون فيهما مقدرة على تقديم الحلول بحكم عمرهم وتجاربهم الغنية .
يسجل الزجاج المكسور تلك الشكاوى والهموم والانكسارات التي تراق من افوه الممزقين الضائعين ويتقدم دفتره الذي يؤرخ للمشرب تنفيذا لطلب صاحبه .
وانت من خلال منلوجاتهم تندفع متحمسا لمعرفة مصائرهم بشغف وفضول عارم , ومن خلال كل ذلك ترى الشعب الافريقي ممزق الروح متبعثر القلب يحاصره الانكسار والتمزق .
تصل الرواية ذروتها بعد الصفحة 253 اذا بخادم المشرب الذي قص عليه قصته شاكيا من زوجته ينقلب عليه وبدلا ان يقول عنها كما في الماضي بانها شيطانة اذا به يقدسها ويغضب من الزجاج لانه كتب عنها كما اخبره ويصل بهم الامر الى الصراع بالايدي .
وتاتي المراة التي كانت تجاذبه سابقا وقد تانقت باقوى ما تستطيع وتتصارع معه لانه كاذب ولا يهتم بها وعندما يخبره صاحب المشرب بانها تلوّح له الى ان ينام معها ويعطيه مفاتيح غرفته يرفض الامر ويرى نفسه عاجزا عن فعل شيء معها .. بعدها يدعوه احد الزبائن ليستمع الى قصته الطريفة فيرفض الاستماع .
لقد تحكمت به الشيخوخة واصبح لا يستسيغ الاشياء انه يفكر فقط بمغادرة العالم ويستريح ,لقد تهاوت جميع اسلحته تماما .

ولد ماباكو 1966 حصل على عشر جوائز ادبية وعالمية منها جائزة رينودو الادبية سنة 2006 له 4 دواوين ومن رواياته اللقالق لا تموت واضواء على الراس الاسود وفلفل الصغير ومذكرات شيهم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...