أول ما أبدأ به هذه المقالة، هو التَّمييزُ بين مفهومي "الطبيعة" la nature و"البيئة" environnement.
الطبيعة هي كل ما هو موجودٌ في/على سطح الأرض من مُكوِّنات حية وغير حية ما عدا الإنسان، علما أن كلَّ هذه العناصر أو المُكوِّنات، في غياب الإنسان، متداخلة ومترابطة فيما بينها حسب نظام معيَّنٍ يضمن استمرارَ الحياة وبقاءها على سطح الأرض.
بينما البيئة هي وسطٌ حيوي vital، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، حضاري، صناعي، زراعي، فني، تكنولوجي، عقائدي… علما أن كلَّ عناصر البيئة les composantes de l'environnement، حيةً كانت أم غير حية، هي الأخرى، متداخلةٌ ومرتبطةٌ فيما بينها، وعلما أن الإنسانَ جزءٌ لا يتجزَّاُ من البيئة. بل إن مفهوم البيئة مرتبطٌ بظهور الإنسان في الطبيعة وأن هذا الإنسان يلعب دورا حاسما في هذا التَّداخل وفي هذا التَّرابط، إما في الاتجاه الصحيح الذي يضمن استمرارَ الحياة، بصفة عامة، بما فيها حياتُه هو نفسه، وإما في الاتجاه الخاطئ الذي يؤدي إلى خلق بيئة غير سليمة له ولسائر الكائنات.
الحياة ظهرت على وجه الأرض منذ أكثر من 3 مليار سنة. وقد استطاعت هذه الحياةُ أن تصمدَ في وجه التَّقلُّبات المناخية والجيولوجية التي عرفتها الكرةُ الأرضيةُ، كوسط للعيش. إلى أن ظهر الإنسانُ العاقل Homo Sapiens على وجه الأرض.
والعقل هو الذي قاد الإنسانَ العاقلَ إلى إعمارِ الٍأرض لتحقيق الأغراض التي كان في حاجة لها ككائن اجتماعي. فقاده هذا العقلُ إلى إغناء معارفه من خلال الأبحاث والاكتشافات والاختراعات والانتقال، بفضل اتِّساع دائرة علمه، من نظريات إلى أخرى، إلى أن ظنَّ أنه بإمكانه، بواسطة العلم والتِّكنولوجيا، بَسطُ نفوذه على الطبيعة.
حينها، توغَّلَ في هذه الطبيعة بَرّا وجوّا وبحرا، إلى أن استفاق من حُلمه، المتمثِّل في بسط سيطرته على الطبيعة، والذي لم يتحقَّق ولن يتحقَّقَ إلا بثمنٍ باهضٍ ألاَ وهو القضاء على الحياة بجميع تجلِّياتها، بما فيها حياتُه هو الإنسان العاقل.
حينها،تبدَّلت أفكارُه و نظرتُه للطبيعة، فراح يبحث عن الحِفاظ على توازناتها وعن تلاءمها مع مختلف أنماط تنميتِه وعن استدامة عطائها وعن الحِفاظ على تنوُّع الحياة… ومن نتائج تبدُّل أفكاره، أنه أصبح واعيا بأن وجودَه على سطح الأرض، هو الذي أدخل تغييراتٍ على الطبيعة.
حينها، رجع الإنسانُ إلى الصواب وأصبح يعتبر مفهومَ "البيئة السليمة" حقا من حقوق الإنسان. بل إنه أصبح يطالب بحقه في "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة" إلى درجة أن هذا الحقَّ أصبح مُدرجا في المواثيق الدولية، في ميثاق الأمم المتحدة، في التَّصريح العالمي لحقوق الإنسان وفي دساتير كل البلدان.
غير أن الإنسانَ، إذا تغيَّرت أفكارُه حول مفهوم البيئة، على مستوى النوايا وتجسيد هذه النوايا أسود على أبيض، فإنه، على مستوى الممارسات، لا يزال في حالة تناقض مع هذا التَّجديد في الأفكار.
لا يزال كثير من ممارساته الفعلية معاديةً لفكرة "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة". هناك صناعاتٌ وأساليب صناعية procédés industriels تتسبَّب في إلقاء ثاني أكسيد الكاربون في الجو، الشيء الذي يكون سببا في الاحتباس الحراري، effet de serre، الذي، بدوره، يؤدي إلى تغيير المناخ changement climatique.
كما أن العديدَ من التكنولوجيات التي هي من صنع الإنسان، هي الأخرى، معادية لفكرة "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة". كما أن مختلف أنواع النقل لا يزال يعتمد على الطاقة الأحفورية énergie fossile التي تُطلق في الجو كمِّيأت ضخمة من ثاني أكسيد الذي، كما سبق الذكرُ، يتسبَّب في الاحتباس الحراري.
ورغم ما يُبدل من جهدٍ لتلائم تجديد الأفكار مع الممارسات، فإن الأنانية الاقتصادية هي المُسيطِرة على مواقف البلدان، وخصوصا، البلدان المصنَّعة، من هذا التجديد في الأفكار. والدليل على ذلك التَّعثُّر الذي يجثم على مؤتمرات المناخ السنوية، في اتخاذ القرارات الحاسمة المتلائمة مع ما استجدَّ على مستوى الأفكار الجديدة.
إلى حدِّ الآن، الأنانية الاقتصادية هي سيدة الموقف. بمعنى أن الاقتصاد هو الذي يحدِّد مواقفَ البلدان من كارثة تغيير المناخ. قد تفضِّل بعض البلدان تغيير الفصول وشُحَّ الأمطار والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات مقابلَ بقاء اقتصادها على ما هو عليه حاليا.
وهذا دليل قاطعٌ على أن الانتقال من رؤية فكرية معادية للبيئة إلى رؤية جديدة صديقةَ لهذه البيئة، ليس بالأمر السهل. كل شيء ممكن إلا تغييرُ الأفكار بصفة جذرية. ولهذا، فتغيير الأفكار يجب أن يتمَّ بالتَّدريج، أي على مراحل قد تكون مسترسلة، كما يمكن أن تكون غير مسترسلة. وكيفما كان الحال، فالانتقال من رؤية فكرية إلى أخرى، يلزمه وقتٌ طويلٌ ليتحقَّق.
والأمثلة في هذا الباب كثيرة، أذكر من بينها الانتقالَ من النظريات الفيزيائية الكلاسيكية théories de la physique classique التي كان وراءها العالم الفيزيائي نيوتن Isaac Newton إلى نظريات الفيزياء الكِمِّية physique quantique التي كان وراءها ماكس بلانك Max Planck ثم إلى نظرية النسبية العامة relativité générale التي كان وراءها ألبير إنشتاين Albert Einstein. نيوتن عاش ما بين القرن السابع عشر والثامن عشر، بينما ماكس بلانك وإنشتاين عاشا ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وهو ما يُبيِّن المسافة الزمنية الطويلة التي تفصل بين هذه النظريات الفيزيائية.
الحق في "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة" مرتبطٌ ارتباطا وثيقا بفكر الإنسان.
فإذا كان يعتبر البيئةَ فقط كخزان للموارد الطبيعية وكمكان للعيش ولممارسة مختلف أنشطه دون أن يراعيَ ما لها من خصائص ومن مميزات، فإنه سيُضيِّعها وسيضيع معها.
أما إذا كان يعتبرها كقيمة في حد ذاتها، أي كوسط يضمن استمرارَ الحياة بجميع أشكالها، بما في ذلك حياته هو نفسه، فإنه مطالبٌ بأن يتعرَّفَ عليها بعمقٍ بفضل عقله وفكره وأن يدركَ ما تُخبِّئه من أسرار، وبالأخص، أن يعتبرَ نفسَه جزأ لا يتجزَّأ منها. في هذه الحالة وفقط في هذه الحالة، سيُعبِّد الطريقَ نحو التَّمتُّع بحقه في"بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة".
الطبيعة هي كل ما هو موجودٌ في/على سطح الأرض من مُكوِّنات حية وغير حية ما عدا الإنسان، علما أن كلَّ هذه العناصر أو المُكوِّنات، في غياب الإنسان، متداخلة ومترابطة فيما بينها حسب نظام معيَّنٍ يضمن استمرارَ الحياة وبقاءها على سطح الأرض.
بينما البيئة هي وسطٌ حيوي vital، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، حضاري، صناعي، زراعي، فني، تكنولوجي، عقائدي… علما أن كلَّ عناصر البيئة les composantes de l'environnement، حيةً كانت أم غير حية، هي الأخرى، متداخلةٌ ومرتبطةٌ فيما بينها، وعلما أن الإنسانَ جزءٌ لا يتجزَّاُ من البيئة. بل إن مفهوم البيئة مرتبطٌ بظهور الإنسان في الطبيعة وأن هذا الإنسان يلعب دورا حاسما في هذا التَّداخل وفي هذا التَّرابط، إما في الاتجاه الصحيح الذي يضمن استمرارَ الحياة، بصفة عامة، بما فيها حياتُه هو نفسه، وإما في الاتجاه الخاطئ الذي يؤدي إلى خلق بيئة غير سليمة له ولسائر الكائنات.
الحياة ظهرت على وجه الأرض منذ أكثر من 3 مليار سنة. وقد استطاعت هذه الحياةُ أن تصمدَ في وجه التَّقلُّبات المناخية والجيولوجية التي عرفتها الكرةُ الأرضيةُ، كوسط للعيش. إلى أن ظهر الإنسانُ العاقل Homo Sapiens على وجه الأرض.
والعقل هو الذي قاد الإنسانَ العاقلَ إلى إعمارِ الٍأرض لتحقيق الأغراض التي كان في حاجة لها ككائن اجتماعي. فقاده هذا العقلُ إلى إغناء معارفه من خلال الأبحاث والاكتشافات والاختراعات والانتقال، بفضل اتِّساع دائرة علمه، من نظريات إلى أخرى، إلى أن ظنَّ أنه بإمكانه، بواسطة العلم والتِّكنولوجيا، بَسطُ نفوذه على الطبيعة.
حينها، توغَّلَ في هذه الطبيعة بَرّا وجوّا وبحرا، إلى أن استفاق من حُلمه، المتمثِّل في بسط سيطرته على الطبيعة، والذي لم يتحقَّق ولن يتحقَّقَ إلا بثمنٍ باهضٍ ألاَ وهو القضاء على الحياة بجميع تجلِّياتها، بما فيها حياتُه هو الإنسان العاقل.
حينها،تبدَّلت أفكارُه و نظرتُه للطبيعة، فراح يبحث عن الحِفاظ على توازناتها وعن تلاءمها مع مختلف أنماط تنميتِه وعن استدامة عطائها وعن الحِفاظ على تنوُّع الحياة… ومن نتائج تبدُّل أفكاره، أنه أصبح واعيا بأن وجودَه على سطح الأرض، هو الذي أدخل تغييراتٍ على الطبيعة.
حينها، رجع الإنسانُ إلى الصواب وأصبح يعتبر مفهومَ "البيئة السليمة" حقا من حقوق الإنسان. بل إنه أصبح يطالب بحقه في "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة" إلى درجة أن هذا الحقَّ أصبح مُدرجا في المواثيق الدولية، في ميثاق الأمم المتحدة، في التَّصريح العالمي لحقوق الإنسان وفي دساتير كل البلدان.
غير أن الإنسانَ، إذا تغيَّرت أفكارُه حول مفهوم البيئة، على مستوى النوايا وتجسيد هذه النوايا أسود على أبيض، فإنه، على مستوى الممارسات، لا يزال في حالة تناقض مع هذا التَّجديد في الأفكار.
لا يزال كثير من ممارساته الفعلية معاديةً لفكرة "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة". هناك صناعاتٌ وأساليب صناعية procédés industriels تتسبَّب في إلقاء ثاني أكسيد الكاربون في الجو، الشيء الذي يكون سببا في الاحتباس الحراري، effet de serre، الذي، بدوره، يؤدي إلى تغيير المناخ changement climatique.
كما أن العديدَ من التكنولوجيات التي هي من صنع الإنسان، هي الأخرى، معادية لفكرة "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة". كما أن مختلف أنواع النقل لا يزال يعتمد على الطاقة الأحفورية énergie fossile التي تُطلق في الجو كمِّيأت ضخمة من ثاني أكسيد الذي، كما سبق الذكرُ، يتسبَّب في الاحتباس الحراري.
ورغم ما يُبدل من جهدٍ لتلائم تجديد الأفكار مع الممارسات، فإن الأنانية الاقتصادية هي المُسيطِرة على مواقف البلدان، وخصوصا، البلدان المصنَّعة، من هذا التجديد في الأفكار. والدليل على ذلك التَّعثُّر الذي يجثم على مؤتمرات المناخ السنوية، في اتخاذ القرارات الحاسمة المتلائمة مع ما استجدَّ على مستوى الأفكار الجديدة.
إلى حدِّ الآن، الأنانية الاقتصادية هي سيدة الموقف. بمعنى أن الاقتصاد هو الذي يحدِّد مواقفَ البلدان من كارثة تغيير المناخ. قد تفضِّل بعض البلدان تغيير الفصول وشُحَّ الأمطار والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات مقابلَ بقاء اقتصادها على ما هو عليه حاليا.
وهذا دليل قاطعٌ على أن الانتقال من رؤية فكرية معادية للبيئة إلى رؤية جديدة صديقةَ لهذه البيئة، ليس بالأمر السهل. كل شيء ممكن إلا تغييرُ الأفكار بصفة جذرية. ولهذا، فتغيير الأفكار يجب أن يتمَّ بالتَّدريج، أي على مراحل قد تكون مسترسلة، كما يمكن أن تكون غير مسترسلة. وكيفما كان الحال، فالانتقال من رؤية فكرية إلى أخرى، يلزمه وقتٌ طويلٌ ليتحقَّق.
والأمثلة في هذا الباب كثيرة، أذكر من بينها الانتقالَ من النظريات الفيزيائية الكلاسيكية théories de la physique classique التي كان وراءها العالم الفيزيائي نيوتن Isaac Newton إلى نظريات الفيزياء الكِمِّية physique quantique التي كان وراءها ماكس بلانك Max Planck ثم إلى نظرية النسبية العامة relativité générale التي كان وراءها ألبير إنشتاين Albert Einstein. نيوتن عاش ما بين القرن السابع عشر والثامن عشر، بينما ماكس بلانك وإنشتاين عاشا ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وهو ما يُبيِّن المسافة الزمنية الطويلة التي تفصل بين هذه النظريات الفيزيائية.
الحق في "بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة" مرتبطٌ ارتباطا وثيقا بفكر الإنسان.
فإذا كان يعتبر البيئةَ فقط كخزان للموارد الطبيعية وكمكان للعيش ولممارسة مختلف أنشطه دون أن يراعيَ ما لها من خصائص ومن مميزات، فإنه سيُضيِّعها وسيضيع معها.
أما إذا كان يعتبرها كقيمة في حد ذاتها، أي كوسط يضمن استمرارَ الحياة بجميع أشكالها، بما في ذلك حياته هو نفسه، فإنه مطالبٌ بأن يتعرَّفَ عليها بعمقٍ بفضل عقله وفكره وأن يدركَ ما تُخبِّئه من أسرار، وبالأخص، أن يعتبرَ نفسَه جزأ لا يتجزَّأ منها. في هذه الحالة وفقط في هذه الحالة، سيُعبِّد الطريقَ نحو التَّمتُّع بحقه في"بيئة نظيفة، سليمة ومستدامة".