حسب القواميس والمعاجم العربية، الفَقِيهُ هو العالمُ بأصَول الشريعة وأحكامها. وكلمة "العالم" لا تعني، هنا، الشخص الذي يشتغل داخلَ المختبرات لإنتاج المعرفة بطرق ومنهجية علمية. بل تعني فقط أن الفقيهَ على علم أو له معرفة أو دِرايةٌ بأصول الشريعة وأحكامها. وفي غالب الأحيان، الفقيه ليس هو الذي أنتج هذه الأصول والأحكام. بل تمَّ إنتاجُها من طرف فقهاء مجتهدين منذ عدة قرون معتمدين على كلام الله وما جاؤت به السُّنة الصحيحة..
كما أن الفَقِيهُ، حسب نفس المعاجم، هو الشخص الذي يقرأ القرآنَ ويحفظه ويعلِّمه للآخرين.
وحسب ما جاء به الاصطلاح، الفقيه، هو مَن عنده علم بالأحكام الشرعية عن تقليد أو اجتهاد. ما هو مهم في هذا التَّعريف، هو أن الفقيهَ، ليكونَ فقيها، يعتمد إما على التقليد، أي تقليد الآخرين بدون بدل أي جُهدٍ، وإما على الاجتهاد.
والاجتهاد فيه كثيرٌ من الجُهد والمثابرة والجِدّ والعمل والكد والمواظبة سعياً إلى مزيد من المعرفة والإتيان بالجديد. بل الاجتهاد يعني الخروج من دائرة التقليد إلى دائرة تجديد المعرفة
التي تنال رضا المجتمع ولا تتعارض مع ما يقبله العقل والمنطق.
وبصفة عامة، أي فيما يخص المعنى العام أو المتداول، الفقيه هو كل شخص شديد الفهم والذكاء. في هذه الحالة، كل النُّبغاء الذين عرفهم التاريخ البشري في مختلف الحضارات، وكانوا متضلِّعين في مجالات المعرفة، هم فقهاء، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية، الإيديولوجية والعقائدية.
السؤال الذي يفرض نفسَه هنا، والذي هو عنوان هذه المقالة، هو : "هل بإمكان الفقيه أن يصبحَ عالما؟"
قبل الإجابة على هذا السؤال، أريد أن أوضِّحَ أن كل ما قلتُه أعلاه لا ينطبق على العبادات التي هي الأركان الخمسة للإسلام. إن هذه الأركان تستلزم الإيمان بها، أو عدم الإيمان بها. فهي متروكة لإرادة الفرد. والإيمان الراسخ بها يحتَّم على الفرد أن لا يُناقشَها أو يطعن فيها لأنها ثوابتٌ أراد اللهُ، سبحانه وتعالى، أن تكون دعامةً للإسلام . إما أن يُؤمنَ بها الفردُ أو لا يؤمن. لكن هذا لا يمنع من تفسيرها أو توضيحها لمَن أراد أن يُقوِّيَ إيمانه. غير أن هذا التفسير أو التَّوضوح يبقى نسبيا ما دام من إنتاج بشري. الثوابت، في حد ذاتِها، لا تتغيَّر والتَّفاسير يمكن أن تتغيَّر حسب ما يفرضانه الزمان والمكان. واختلاف التَّفاسير، في مجال الدين، هو الذي فكَّكَ الأسلامَ، كدين، إلى أكثر من 70 مذهب وطائفة وفرقة.
وجوابا على السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة، أقول : نعم وبكل تأكيد، يمكن للفقيه أن يصبح عالما بشرط أن يكون مُحرِّكُه الأساسي، في الانتقال من مجرد ناقل أو مُقلِّد إلى مُنتِجٍ، هو الاجتهاد، حسب ما تم تفسيرُ هذا المفهوم أعلاه. والاجتهاد يحتِّم على الفقيه الذي يطمح أن يصبحَ عالما، أن يُطوِّرَ فقهَه، وبالأخص أن يلائمَه مع ظروف العصر الذي يعيش فيه.
وإذا أراد الفقيهُ أن يصبح عالما، فعليه، أولا وقبل كل شيءٍ، أن يكون باحثا chercheur. والباحث لن يكونَ باحثا إلا إذا توفَّرت فيه شروط البحث التي هي : الموضوعية، المنهجية والدقة في الملاحظة observation وصياغة الفرضيات formulation des hypothèses والقيام بالتَّجارب la réalisation des expériences، إضافةً إلى الفضول curiosité والذكاء والصرامة rigueur وحب الاستطلاع والنزاهة intégrité والإتيان بالجديد…، علما أن كلَّ هذه المميِّزات والصفات لا تتوفَّر إلا في الباحث الذي له باعٌ طويلٌ في مجال البحث، أي يعرف بواطنَ ومظاهرَ les tenants et aboutissants de la recherche هذا البحث. والإتيان بالجديد هو أساس البحث، كيفما كان المجال الذي يشتغل فيه الباحث.
والبحث، حسب الشروط المشار إليها أعلاه، ليس بحثا إن لم يأتِ بالجديد. والبحث، إن لم يتوفَّر مَن يقوم به على دلائل قطعية لإثبات ما وصل إليه من نتائج ومعارف جديدة، ليس بحثا.
لكن، السؤال الذي يجب طرحُه هنا هو : "هل الفقهاء الحاليون تتوفَّر فيهم شروط الباحث المشار إليها أعلاه"؟
قبل الجواب على هذا السؤال، يجدر بنا أن لا ننسى أن أي باحث، كيفما كان، لا ينطلق بحثُه من فراغ. بل الباحث الموثوق به ينطلق دائما من ما أنجزه الباحثون الآخرون في نفس الموضوع الذي هو بصدد الاشتغال به، أو من مشكلات طرحتها أبحاثٌ سابقة أو من مشكلات يطرحها الواقع المعاش للمجتمعات…
وجوابا على السؤال ألأخير، "هل الفقهاء الحاليون تتوفَّر فيهم شروط الباحث المشار إليها أعلاه"، أقول : إن أرادوا أن يكونوا علماء، عليهم أن ينطلقوا من أبحاث مَن سبقوهم من باحثين في المجال الديني أو من مشكلاتٍ طرحها باحثون دينيون من قبلهم أو من ما يطرحه المجتمع من مشكلات لها علاقة بالدين.
وبكل أسف، هذا النوع من الباحثين في المجال الديني، أصبح عُملةً نادرة. لماذا؟ لأن السند الوحيد الذي يعتمدون عليه، سواءً العلماء أو الفقهاء في بحثهم، إن استطعنا أن نسميه بحثا، هي كُتُبُ الثرات الإسلامي، الديني والفقهي الذي أنتجه علماء وفقهاء سابقون مضت على إنتاجاتهم الفكرية عدَّة قرون.
ولهذا، ما يُسمى بحثٌ في المجال الدينى، ليس إلا نقلٌ وتكرارٌ وترديدٌ لِما قاله الأولون. لماذا؟ لأن البحثَ، بقواعده المعروفة والمشار إليها أعلاه، يكاد يكون منعدما في المجال الديني، علما أن المجتمعَ المتديِّن يتطوَّر. وبحكم تطوُّرِه، يطرح دائما مشكلات لها علاقة بالعيادات والمعاملات وبكل ما له علاقة بالدين تمشيا مع روح العصر الذي يعيش فيه.
فما هو دور الفقهاء والعلماء أمام هذه المشكلات التي هي مشكلات اجتماعية تكتسي طابعا دينيا؟ دور هؤلاء الفقهاء والعلماء هو إخضاع هذه المشكلات للبحث المنهجي. وإن لم يستطيعوا القيامَ بالبحث العلمي المنهجي، فعليهم، على الأقل، أن يقوموا بشيءٍ من الاجتهاد لإيجاد حلول مبتكرة لهذه المشكلات. حلول تساير العصرَ ولا تتناقض مع ما جاء به القرآن الكريم وما جاءت به السُّنَّة التي لم تتعرَّض للتَّحريف.
في غياب البحث العلمي المنهجي، فكيف يتعامل فقهاء وعلماء الدين مع مشكلات أو قضايا العصر؟ يتعاملون معها بطريقة، بعيدة كل البعد، عن البحث العلمي المنهجي المتعارف عليه كونيا. فتراهم، لإيجاد حلول للقضايا والمشكلات المعاصرة، يلجأون للتراث الإسلامي الذي مضت عليه قرون من الزمن، علما أن مَن كانوا وراء هذا التراث، كلهم صاروا من عٍداد الأموات. ولهذا، تراهم يلجأون إلى سلسلة من العَنعَنات لا يمكن للسامع أو القارئ، أن يتأكَّد من وجودها أو عدم وجودها. فإن كان هذا هو البحث العلمي المنهجي، فإنه، بكل بساطة، غريب الأطوار.
فهل رأيتم باحثين في شتى مجالات العلوم الدنيوية، من فيزياء وكيمياء ولسانيات وبيولوجيا وجيولوجيا وعلم الاجتماع وتاريخ… يستدل في أبحاثه بباحثين صاروا في عِداد الأموات مند قرون؟ لا، ابدا. لماذا؟ لأن العلوم الدنيوية تتطوَّر وتتغيَّر بسرعة، وبالتالي، الباحثون لا يستدلون إلا بما جدَّ في مختلف مجالات البحث.
خلافا لعلمائنا وفقهائنا الذين يلجأون للماضي السحيق لتجميد الحاضر. في هذه الحالة، الفقهاء سيبقون فقهاء ولن يستطيعوا أن يصبحوا علماء وباحثين إلا إذا غيَّروا منهجيتَهم البحثية التي، حاليا، تعتمد، فقط وحصريا، على النقل.
كما أن الفَقِيهُ، حسب نفس المعاجم، هو الشخص الذي يقرأ القرآنَ ويحفظه ويعلِّمه للآخرين.
وحسب ما جاء به الاصطلاح، الفقيه، هو مَن عنده علم بالأحكام الشرعية عن تقليد أو اجتهاد. ما هو مهم في هذا التَّعريف، هو أن الفقيهَ، ليكونَ فقيها، يعتمد إما على التقليد، أي تقليد الآخرين بدون بدل أي جُهدٍ، وإما على الاجتهاد.
والاجتهاد فيه كثيرٌ من الجُهد والمثابرة والجِدّ والعمل والكد والمواظبة سعياً إلى مزيد من المعرفة والإتيان بالجديد. بل الاجتهاد يعني الخروج من دائرة التقليد إلى دائرة تجديد المعرفة
التي تنال رضا المجتمع ولا تتعارض مع ما يقبله العقل والمنطق.
وبصفة عامة، أي فيما يخص المعنى العام أو المتداول، الفقيه هو كل شخص شديد الفهم والذكاء. في هذه الحالة، كل النُّبغاء الذين عرفهم التاريخ البشري في مختلف الحضارات، وكانوا متضلِّعين في مجالات المعرفة، هم فقهاء، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية، الإيديولوجية والعقائدية.
السؤال الذي يفرض نفسَه هنا، والذي هو عنوان هذه المقالة، هو : "هل بإمكان الفقيه أن يصبحَ عالما؟"
قبل الإجابة على هذا السؤال، أريد أن أوضِّحَ أن كل ما قلتُه أعلاه لا ينطبق على العبادات التي هي الأركان الخمسة للإسلام. إن هذه الأركان تستلزم الإيمان بها، أو عدم الإيمان بها. فهي متروكة لإرادة الفرد. والإيمان الراسخ بها يحتَّم على الفرد أن لا يُناقشَها أو يطعن فيها لأنها ثوابتٌ أراد اللهُ، سبحانه وتعالى، أن تكون دعامةً للإسلام . إما أن يُؤمنَ بها الفردُ أو لا يؤمن. لكن هذا لا يمنع من تفسيرها أو توضيحها لمَن أراد أن يُقوِّيَ إيمانه. غير أن هذا التفسير أو التَّوضوح يبقى نسبيا ما دام من إنتاج بشري. الثوابت، في حد ذاتِها، لا تتغيَّر والتَّفاسير يمكن أن تتغيَّر حسب ما يفرضانه الزمان والمكان. واختلاف التَّفاسير، في مجال الدين، هو الذي فكَّكَ الأسلامَ، كدين، إلى أكثر من 70 مذهب وطائفة وفرقة.
وجوابا على السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة، أقول : نعم وبكل تأكيد، يمكن للفقيه أن يصبح عالما بشرط أن يكون مُحرِّكُه الأساسي، في الانتقال من مجرد ناقل أو مُقلِّد إلى مُنتِجٍ، هو الاجتهاد، حسب ما تم تفسيرُ هذا المفهوم أعلاه. والاجتهاد يحتِّم على الفقيه الذي يطمح أن يصبحَ عالما، أن يُطوِّرَ فقهَه، وبالأخص أن يلائمَه مع ظروف العصر الذي يعيش فيه.
وإذا أراد الفقيهُ أن يصبح عالما، فعليه، أولا وقبل كل شيءٍ، أن يكون باحثا chercheur. والباحث لن يكونَ باحثا إلا إذا توفَّرت فيه شروط البحث التي هي : الموضوعية، المنهجية والدقة في الملاحظة observation وصياغة الفرضيات formulation des hypothèses والقيام بالتَّجارب la réalisation des expériences، إضافةً إلى الفضول curiosité والذكاء والصرامة rigueur وحب الاستطلاع والنزاهة intégrité والإتيان بالجديد…، علما أن كلَّ هذه المميِّزات والصفات لا تتوفَّر إلا في الباحث الذي له باعٌ طويلٌ في مجال البحث، أي يعرف بواطنَ ومظاهرَ les tenants et aboutissants de la recherche هذا البحث. والإتيان بالجديد هو أساس البحث، كيفما كان المجال الذي يشتغل فيه الباحث.
والبحث، حسب الشروط المشار إليها أعلاه، ليس بحثا إن لم يأتِ بالجديد. والبحث، إن لم يتوفَّر مَن يقوم به على دلائل قطعية لإثبات ما وصل إليه من نتائج ومعارف جديدة، ليس بحثا.
لكن، السؤال الذي يجب طرحُه هنا هو : "هل الفقهاء الحاليون تتوفَّر فيهم شروط الباحث المشار إليها أعلاه"؟
قبل الجواب على هذا السؤال، يجدر بنا أن لا ننسى أن أي باحث، كيفما كان، لا ينطلق بحثُه من فراغ. بل الباحث الموثوق به ينطلق دائما من ما أنجزه الباحثون الآخرون في نفس الموضوع الذي هو بصدد الاشتغال به، أو من مشكلات طرحتها أبحاثٌ سابقة أو من مشكلات يطرحها الواقع المعاش للمجتمعات…
وجوابا على السؤال ألأخير، "هل الفقهاء الحاليون تتوفَّر فيهم شروط الباحث المشار إليها أعلاه"، أقول : إن أرادوا أن يكونوا علماء، عليهم أن ينطلقوا من أبحاث مَن سبقوهم من باحثين في المجال الديني أو من مشكلاتٍ طرحها باحثون دينيون من قبلهم أو من ما يطرحه المجتمع من مشكلات لها علاقة بالدين.
وبكل أسف، هذا النوع من الباحثين في المجال الديني، أصبح عُملةً نادرة. لماذا؟ لأن السند الوحيد الذي يعتمدون عليه، سواءً العلماء أو الفقهاء في بحثهم، إن استطعنا أن نسميه بحثا، هي كُتُبُ الثرات الإسلامي، الديني والفقهي الذي أنتجه علماء وفقهاء سابقون مضت على إنتاجاتهم الفكرية عدَّة قرون.
ولهذا، ما يُسمى بحثٌ في المجال الدينى، ليس إلا نقلٌ وتكرارٌ وترديدٌ لِما قاله الأولون. لماذا؟ لأن البحثَ، بقواعده المعروفة والمشار إليها أعلاه، يكاد يكون منعدما في المجال الديني، علما أن المجتمعَ المتديِّن يتطوَّر. وبحكم تطوُّرِه، يطرح دائما مشكلات لها علاقة بالعيادات والمعاملات وبكل ما له علاقة بالدين تمشيا مع روح العصر الذي يعيش فيه.
فما هو دور الفقهاء والعلماء أمام هذه المشكلات التي هي مشكلات اجتماعية تكتسي طابعا دينيا؟ دور هؤلاء الفقهاء والعلماء هو إخضاع هذه المشكلات للبحث المنهجي. وإن لم يستطيعوا القيامَ بالبحث العلمي المنهجي، فعليهم، على الأقل، أن يقوموا بشيءٍ من الاجتهاد لإيجاد حلول مبتكرة لهذه المشكلات. حلول تساير العصرَ ولا تتناقض مع ما جاء به القرآن الكريم وما جاءت به السُّنَّة التي لم تتعرَّض للتَّحريف.
في غياب البحث العلمي المنهجي، فكيف يتعامل فقهاء وعلماء الدين مع مشكلات أو قضايا العصر؟ يتعاملون معها بطريقة، بعيدة كل البعد، عن البحث العلمي المنهجي المتعارف عليه كونيا. فتراهم، لإيجاد حلول للقضايا والمشكلات المعاصرة، يلجأون للتراث الإسلامي الذي مضت عليه قرون من الزمن، علما أن مَن كانوا وراء هذا التراث، كلهم صاروا من عٍداد الأموات. ولهذا، تراهم يلجأون إلى سلسلة من العَنعَنات لا يمكن للسامع أو القارئ، أن يتأكَّد من وجودها أو عدم وجودها. فإن كان هذا هو البحث العلمي المنهجي، فإنه، بكل بساطة، غريب الأطوار.
فهل رأيتم باحثين في شتى مجالات العلوم الدنيوية، من فيزياء وكيمياء ولسانيات وبيولوجيا وجيولوجيا وعلم الاجتماع وتاريخ… يستدل في أبحاثه بباحثين صاروا في عِداد الأموات مند قرون؟ لا، ابدا. لماذا؟ لأن العلوم الدنيوية تتطوَّر وتتغيَّر بسرعة، وبالتالي، الباحثون لا يستدلون إلا بما جدَّ في مختلف مجالات البحث.
خلافا لعلمائنا وفقهائنا الذين يلجأون للماضي السحيق لتجميد الحاضر. في هذه الحالة، الفقهاء سيبقون فقهاء ولن يستطيعوا أن يصبحوا علماء وباحثين إلا إذا غيَّروا منهجيتَهم البحثية التي، حاليا، تعتمد، فقط وحصريا، على النقل.