نشرت هذه القصة لماركيز ضمن مجموعة اثنتي عشرة قصة مهاجرة وهي مؤرخة في 1982 وهي ذات السنة التي حصد فيها كاتبها جائزة نوبل .
لقد قرأتها باكثر من خمس ترجمات وارى ان صالح علماني افضل من ترجم لماركيز اطلاقا .
يمكن تلخيص القصة ببضعة سطور عن رجل يسافر في طائرة فيشاهد امراة فاتنة فتسحره تماما ويتفاجا بعد ان بحث عنها عبثا في المطار بانها تستقل المقعد جواره فينتعش الا انها تتناول قرصين وتنام طيلة ساعات ثم تختفي في الزحام دون ان تبادله كلمة واحدة .
لكن القصة اعمق كثيرا من ذلك فهي تعالج الحب الخالص من اول نظرة ومجال الميتافيزيقيا وازمة الوجود والازمات الاجتماعية في ظروف قاهرة وهيمنة الطقس السيء على مجرى الحياة ومحنة الشيخوخة .
(كانت حسناء مرنة ذات بشرة ناعمة بلون الخبز والعينان حبتا لوز اخضر , شعرها ناعم واسود وطويل على الظهر وهالة عراقة , يمكن ان تكون اندونيسية او من الايدز).
هكذا تبدأ القصة , بعدها يصف رشاقتها وهندامها الذي يعكس ذوقا فنيا , وكل ذلك لا يثبت لديك جمالا خارقا الا انك كلما تقدمت في القراءة تظهر للفتاة صفات شكلية واخلاقية اخرى لتكتمل لديك رؤيا عن جمال لا يقاوم .
عندما يصف عيني الحسناء بانهما حبتا لوز خضراء وعيني الموظفة بلون العنب تجذبك بقوة هذه الاستعارات الشعرية الفائقة التي تميز بها ماركيز .
يصف سترتها بانها من الكتان الابيض وفي ترجمة اخرى من فراء او جلد الوشق , ويصف حذاءها حسب تنوع الترجمات بانه مستو ذو حزام ضيق او دقيق اللون او بلون البوغاميليا وهي ازهار متعددة الالوان اشهرها اقرب للون الليلكي .
انه يصفها مكثقا بانها ( اجمل امراة رايتها في حياتي ) وهي تمر بخطى لبوة رشيقة حين مرت عليه وهو يقف في الدور لاجراء الصعود الى طائرة نيويورك .
(كانت طيفا خارقا للطبيعة ظهر برهة واختفى وسط الحشد في بهو المطار ).
تستغرق الرحلة من باريس لنيويورك ثماني ساعات .
الساعة التاسعة صباحا والثلج يتساقط بكثافة منذ ليلة , الشاحنات مصطفة على جانب الطريق والسيارات يتصاعد منها البخار فيما كان الجو ربيعيا داخل بهو المطار .
كان يقف في طابور التسجيل وامامه عجوز هولندية تجادل حول حقائبها الاثنتي عشرة ما اشعره بالملل والغثيان .
اولئك المزعجون سواء البقالون حين يشترون سلعا او البخلاء وهم يساومون او العجائز حين يقتنون يرهقون روحك قبل ان يغادروا رحلة الشراء .
غام البطل في افكاره والحب الذي داهمه فجأة فاعادته للحياة من السحاب الموظفة وسالته عن اختيار مقعد فاختار الرقم 4 ما اذهل الموظفة التي لم تر من اختار هذا الرقم طيلة خمسة عشر عاما .
قال لها الاهم ان لا تكون ذات الحقائب جواره , وهو محق فمن يتمكن من مجاورة عجوز من العصر السحيق طيلة رحلة في الجو لمدة ساعات .
وسال الموظفة ( هل تؤمنين بالحب من اول نظرة ) , فاجابته بالايجاب مع ابتسامة تجارية خبرتها .
واعلمته بان الرحلة ستتاجل الى ان يشاء الله لان عاصفة غير مسبوقة ستحل وصحح لنفسه بعد ذلك بانها اخطر عاصفة خلال قرن .
كان الجو في قاعة الانتظار ربيعيا والرجال يطالعون الصحف فيما زوجاتهم يفكرن بعشاقهن , ازهار في الاصص وموسيقى مثالية تبث , وهن يتاملن الطائرات الميتة في الثلج والمصانع الجليدية واراضي رسية التي عبثت بها الاسود .
عند المنتصف شعر الجميع بانهم غرقى واشتعل الجو سخونة وبتقدم الوقت نفذ كل الطعام واعول الاطفال مرة واحدة ولم يجد أي اثر للحسناء .
بعدها صقع والمضيفة ترشده لمقعده , فقد كانت فتاته تستقل الكرسي جواره .
وهي تستولي على المكان بخبرة الرحالة المجربين , وكانت قد صيرت من مكانها بيتا منظما ومثاليا فكل شيء رهن تناول يدها .
لا بد انه قال في نفسه ( انه ستكون اجمل رحلة في حياته ).
لكن القدر كان يحوك له شيئا اخر لونا من خيبة الظن العميقة الطعن .
فقد طلبت الحسناء من المشرف كاس ماء واخرجت علبة ذات زوايا نحاسية كعلب العجائز وتناولت قرصين ذهبيين وشربت عليهما الماء ثم مدت الكرسي للخلف ووضعت البطانية حتى منتصف جسدها والقناع على وجهها واعطته ظهرها وغطست بنوم عميق .
هنا يصفها بانها مخلوقة ذات سحر منبثقة من قصة خرافية , وان تلك الرحلة كانت مشحونة تماما .
تاملها شبرا شبرا وتهجاها بشغف.
انها تعلق على رقبتها سلسلة ذهبية تكاد تفقد لونها في البشرة المذهبة .
انها ( نائمة , حقيقية , اكيدة , مسيل مامون من الهجران , خط نقي , قريبة جدا من ذراعي المكبلتين ).
كانا قريبين من بعضهما كما في سرير زوجي , وجو تنفسها هو جو صوتها ذاته , وبشرتها تطلق بخارا خفيفا هو الرائحة الخاصة بجمالها ).
هنا يتذكر رواية ياسوناري كاواباتا والتي لم يسمها وهي رواية الجميلات النائمات التي قال عنها مرة تمنيت ان اكتبها , وهي رواية عن اثرياء مسنين يدفعون مبلغا مرتفعا مقابل النوم جوار فتيات جميلات مخدرات شرط ان لا يفعلوا بهن شيئا فقط ليتذكروا شبابهم ويعيشوا متعة تامل الجمال العاري .
ان ذكر ملخص للرواية في هذه القصة مضت بها عميقا واضافت لها بعدا غائرا .
انها محنة العجز لدى المسنين من اقامة علاقات حميمية مع الجمال المتوفر والعاري , انها النهاية الفاجعة لخريف العمر .
وهي توتر وجودي تقف خلفه قبضة القدر الغامضة .
كم تمنى ان تكون اضطرابات مهولة يرسلها الرب لتصحو فتاته وتهرب من رعبها لذراعيه.
كانت المسنة الهولنديه خلفه تغفو بشكل بشجع مسقطة نظارتها على الارض حين قصد الحمام وكاد يسحقها ما يجعله سعيدا , لكنه عند عودته لمقعده تناول العوينات وارقدها بحجرها فيما هبطت الطائرة تتقافز كخبب الخيل .
لقد قرأتها باكثر من خمس ترجمات وارى ان صالح علماني افضل من ترجم لماركيز اطلاقا .
يمكن تلخيص القصة ببضعة سطور عن رجل يسافر في طائرة فيشاهد امراة فاتنة فتسحره تماما ويتفاجا بعد ان بحث عنها عبثا في المطار بانها تستقل المقعد جواره فينتعش الا انها تتناول قرصين وتنام طيلة ساعات ثم تختفي في الزحام دون ان تبادله كلمة واحدة .
لكن القصة اعمق كثيرا من ذلك فهي تعالج الحب الخالص من اول نظرة ومجال الميتافيزيقيا وازمة الوجود والازمات الاجتماعية في ظروف قاهرة وهيمنة الطقس السيء على مجرى الحياة ومحنة الشيخوخة .
(كانت حسناء مرنة ذات بشرة ناعمة بلون الخبز والعينان حبتا لوز اخضر , شعرها ناعم واسود وطويل على الظهر وهالة عراقة , يمكن ان تكون اندونيسية او من الايدز).
هكذا تبدأ القصة , بعدها يصف رشاقتها وهندامها الذي يعكس ذوقا فنيا , وكل ذلك لا يثبت لديك جمالا خارقا الا انك كلما تقدمت في القراءة تظهر للفتاة صفات شكلية واخلاقية اخرى لتكتمل لديك رؤيا عن جمال لا يقاوم .
عندما يصف عيني الحسناء بانهما حبتا لوز خضراء وعيني الموظفة بلون العنب تجذبك بقوة هذه الاستعارات الشعرية الفائقة التي تميز بها ماركيز .
يصف سترتها بانها من الكتان الابيض وفي ترجمة اخرى من فراء او جلد الوشق , ويصف حذاءها حسب تنوع الترجمات بانه مستو ذو حزام ضيق او دقيق اللون او بلون البوغاميليا وهي ازهار متعددة الالوان اشهرها اقرب للون الليلكي .
انه يصفها مكثقا بانها ( اجمل امراة رايتها في حياتي ) وهي تمر بخطى لبوة رشيقة حين مرت عليه وهو يقف في الدور لاجراء الصعود الى طائرة نيويورك .
(كانت طيفا خارقا للطبيعة ظهر برهة واختفى وسط الحشد في بهو المطار ).
تستغرق الرحلة من باريس لنيويورك ثماني ساعات .
الساعة التاسعة صباحا والثلج يتساقط بكثافة منذ ليلة , الشاحنات مصطفة على جانب الطريق والسيارات يتصاعد منها البخار فيما كان الجو ربيعيا داخل بهو المطار .
كان يقف في طابور التسجيل وامامه عجوز هولندية تجادل حول حقائبها الاثنتي عشرة ما اشعره بالملل والغثيان .
اولئك المزعجون سواء البقالون حين يشترون سلعا او البخلاء وهم يساومون او العجائز حين يقتنون يرهقون روحك قبل ان يغادروا رحلة الشراء .
غام البطل في افكاره والحب الذي داهمه فجأة فاعادته للحياة من السحاب الموظفة وسالته عن اختيار مقعد فاختار الرقم 4 ما اذهل الموظفة التي لم تر من اختار هذا الرقم طيلة خمسة عشر عاما .
قال لها الاهم ان لا تكون ذات الحقائب جواره , وهو محق فمن يتمكن من مجاورة عجوز من العصر السحيق طيلة رحلة في الجو لمدة ساعات .
وسال الموظفة ( هل تؤمنين بالحب من اول نظرة ) , فاجابته بالايجاب مع ابتسامة تجارية خبرتها .
واعلمته بان الرحلة ستتاجل الى ان يشاء الله لان عاصفة غير مسبوقة ستحل وصحح لنفسه بعد ذلك بانها اخطر عاصفة خلال قرن .
كان الجو في قاعة الانتظار ربيعيا والرجال يطالعون الصحف فيما زوجاتهم يفكرن بعشاقهن , ازهار في الاصص وموسيقى مثالية تبث , وهن يتاملن الطائرات الميتة في الثلج والمصانع الجليدية واراضي رسية التي عبثت بها الاسود .
عند المنتصف شعر الجميع بانهم غرقى واشتعل الجو سخونة وبتقدم الوقت نفذ كل الطعام واعول الاطفال مرة واحدة ولم يجد أي اثر للحسناء .
بعدها صقع والمضيفة ترشده لمقعده , فقد كانت فتاته تستقل الكرسي جواره .
وهي تستولي على المكان بخبرة الرحالة المجربين , وكانت قد صيرت من مكانها بيتا منظما ومثاليا فكل شيء رهن تناول يدها .
لا بد انه قال في نفسه ( انه ستكون اجمل رحلة في حياته ).
لكن القدر كان يحوك له شيئا اخر لونا من خيبة الظن العميقة الطعن .
فقد طلبت الحسناء من المشرف كاس ماء واخرجت علبة ذات زوايا نحاسية كعلب العجائز وتناولت قرصين ذهبيين وشربت عليهما الماء ثم مدت الكرسي للخلف ووضعت البطانية حتى منتصف جسدها والقناع على وجهها واعطته ظهرها وغطست بنوم عميق .
هنا يصفها بانها مخلوقة ذات سحر منبثقة من قصة خرافية , وان تلك الرحلة كانت مشحونة تماما .
تاملها شبرا شبرا وتهجاها بشغف.
انها تعلق على رقبتها سلسلة ذهبية تكاد تفقد لونها في البشرة المذهبة .
انها ( نائمة , حقيقية , اكيدة , مسيل مامون من الهجران , خط نقي , قريبة جدا من ذراعي المكبلتين ).
كانا قريبين من بعضهما كما في سرير زوجي , وجو تنفسها هو جو صوتها ذاته , وبشرتها تطلق بخارا خفيفا هو الرائحة الخاصة بجمالها ).
هنا يتذكر رواية ياسوناري كاواباتا والتي لم يسمها وهي رواية الجميلات النائمات التي قال عنها مرة تمنيت ان اكتبها , وهي رواية عن اثرياء مسنين يدفعون مبلغا مرتفعا مقابل النوم جوار فتيات جميلات مخدرات شرط ان لا يفعلوا بهن شيئا فقط ليتذكروا شبابهم ويعيشوا متعة تامل الجمال العاري .
ان ذكر ملخص للرواية في هذه القصة مضت بها عميقا واضافت لها بعدا غائرا .
انها محنة العجز لدى المسنين من اقامة علاقات حميمية مع الجمال المتوفر والعاري , انها النهاية الفاجعة لخريف العمر .
وهي توتر وجودي تقف خلفه قبضة القدر الغامضة .
كم تمنى ان تكون اضطرابات مهولة يرسلها الرب لتصحو فتاته وتهرب من رعبها لذراعيه.
كانت المسنة الهولنديه خلفه تغفو بشكل بشجع مسقطة نظارتها على الارض حين قصد الحمام وكاد يسحقها ما يجعله سعيدا , لكنه عند عودته لمقعده تناول العوينات وارقدها بحجرها فيما هبطت الطائرة تتقافز كخبب الخيل .