ينطوي الكثير من كتب علماء السلف في مختلف فروع العلم والمعرفةعلى موضوعات وقضايا ومباحث يرقى بعضها إلى ما يمكن وصفه بالكنوز العلميّة . من المفهوم بطبيعة الحال أنّ
مثل هذه المصادر التاريخية تتطلّب عناية خاصة تتمثّل في تحقيقها وتنقيتها ممّا يمكن أن يكون قد طالها من خَللٍ أوتحريف مع تقادم العهد عليها، وإعدادها بما يلائم روح العصر ، شكلاً ومضموناً، دون المساس بأصولها .ثمّ لا بدّ أن يتصدّى أهل العلم والاختصاص- كلّ في مجاله- لتفسيرها وتحليلها وبيان الصحيح منها ، وكذلك غير الصحيح، إمّا ابتداءً وإمّا بفعل ما طرأ ويطرأ من تطوّر طبيعيّ على المعارف والعلوم . يأتي ذلك كلّه تمهيداً لمتابعة البحث العلميّ
من قِبَل الباحثين المعاصرين، كلّ في مجال علمه واختصاصه.
أعرض فيمايلي لنص في" فقه اللغة" مأخوذ من كتاب
( المزهِر في علوم اللغة) للعالم الموسوعيّ( جلال الدين السيوطي ٨٤٩- ٩١١ للهجرة) الذي ألّف في علوم القرآن والحديث والتاريخ والتراجم وعلوم العربية .
نذكر من كتبه في علوم اللغة :
- المزهِر في علوم اللغة
- الاقتراح في أصول النّحو
- الأشباه والنظائر
- شرح شواهد المغني
- همع الهوامع( شرح جمع الجوامع في العربية)
جاء في كتاب( المزهِر....) تحت عنوان" المسألة العاشرة":
" نقل أهل أصول الفقه عن عبّاد بن سليمان الصيْمريّ، من
المعتزلة، أنّه ذهب إلى أنّ بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية
حاملة للواضع على أنْ يضع، قال: وإلاّ لكان تخصيص الاسم المعيَّن بالمسمّى المعيَّن ترجيحاً من غير مرجِّح. وكان بعض من يرى رأيه يقول إنّه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، فسُئلَ ما مسمَّى( إذغاغ)؟ وهو بالفارسيّة الحَجَر، فقال: أجد فيه
يُبْساً شديداً ، وأراه الحجر .
وأنكر الجمهور هذه المقالة، وقال: لو ثبت ما قاله لاهتدى كلّ إنسان إلى كلّ لغة، ولما صحَّ وضع اللفظ للضدَّين، كالقَرْء:
للطُّهر والحَيْض، والجَوْن: للأبيض والأسود...... وأمّا أهل اللغة والعربيّة فقد كادوا يُطبقون على ثبوت المناسبة بين
الألفاظ والمعاني، لكنّ الفرق بين مذهبهم ومذهب عبّاد أنّ
عباداً يراها ذاتية موجبة، بخلافهم . وهذا كما تقول المعتزلة
بمراعاة الأصلح في أفعال الله تعالى وجوباً، وأهل السنّة لا
يقولون بذلك مع قولهم إنّه تعالى يفعل الأصلح، لكنْ فضلاً
منه ومنَّاً لا وجوباً. ولو شاء الله لم يفعلْه " .
يتناول النص- كما هو واضح- مسألة العلاقة بين الألفاظ
والمعاني ، أي: هل هناك علاقة ومناسبة طبيعية بين الألفاظ
ومعانيها ، وهي مسألة خلافية عند القدماء من علماء اللغة،
كما أنّ للموضوع صلة بالمذاهب الدينية؛ إذ يقرّ كلّ من السنّة
والمعتزلة بوجود مناسبة بين اللفظ ومدلوله، لكنّ المعتزلة
يذهبون إلى وجوبها، بينما يرى السنّة وجودها دون وجوب .
وهذا متفرّع عن الخلاف المشهور بين الفريقين حول فعل
الأصلح . هذا، أمّا في اللغويّات الحديثة ( اللسانيات) فإنّ
العلماء يجمعون على مبدأ" اعتباطيّة العلامة اللغويّة" أي:
نفي وجود أي تلازم طبيعي أو منطقي بين " الدّوال والمدلولات" أو الألفاظ والمعاني . ويترتّب على ذلك نفي وجود علاقة طبيعية أو معلّلة بين : الصوت( الحرف) والمعنى، والدال والمدلول، والتركيب النحْوي والمنطق ،
وبين الوحدات اللغوية وغير اللغوية . وينتج عن ذلك نتيجة مهمّة مفادها: إنّه لا يمكن تحديد الوحدات اللغوية الصغرى بشكل مستقلّ عن اللغة التي تنتمي إليها هذه الوحدات .
وهذا- دون شكّ- أحد الأسباب الرئيسة لاختلاف اللغات الإنسانيّة .
بقي أن نشير إلى أنّ مفهوم( الاعتباطية اللغوية) إنّما هو
آنيّ أوّليّ؛ إذ إنّ الاستعمال اللغوي عبر الزمن، أي اطّراد الاستعمالات اللغوية يُضفي على اللغة صفة( المواضَعة).
دكتور زياد العوف
مثل هذه المصادر التاريخية تتطلّب عناية خاصة تتمثّل في تحقيقها وتنقيتها ممّا يمكن أن يكون قد طالها من خَللٍ أوتحريف مع تقادم العهد عليها، وإعدادها بما يلائم روح العصر ، شكلاً ومضموناً، دون المساس بأصولها .ثمّ لا بدّ أن يتصدّى أهل العلم والاختصاص- كلّ في مجاله- لتفسيرها وتحليلها وبيان الصحيح منها ، وكذلك غير الصحيح، إمّا ابتداءً وإمّا بفعل ما طرأ ويطرأ من تطوّر طبيعيّ على المعارف والعلوم . يأتي ذلك كلّه تمهيداً لمتابعة البحث العلميّ
من قِبَل الباحثين المعاصرين، كلّ في مجال علمه واختصاصه.
أعرض فيمايلي لنص في" فقه اللغة" مأخوذ من كتاب
( المزهِر في علوم اللغة) للعالم الموسوعيّ( جلال الدين السيوطي ٨٤٩- ٩١١ للهجرة) الذي ألّف في علوم القرآن والحديث والتاريخ والتراجم وعلوم العربية .
نذكر من كتبه في علوم اللغة :
- المزهِر في علوم اللغة
- الاقتراح في أصول النّحو
- الأشباه والنظائر
- شرح شواهد المغني
- همع الهوامع( شرح جمع الجوامع في العربية)
جاء في كتاب( المزهِر....) تحت عنوان" المسألة العاشرة":
" نقل أهل أصول الفقه عن عبّاد بن سليمان الصيْمريّ، من
المعتزلة، أنّه ذهب إلى أنّ بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية
حاملة للواضع على أنْ يضع، قال: وإلاّ لكان تخصيص الاسم المعيَّن بالمسمّى المعيَّن ترجيحاً من غير مرجِّح. وكان بعض من يرى رأيه يقول إنّه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، فسُئلَ ما مسمَّى( إذغاغ)؟ وهو بالفارسيّة الحَجَر، فقال: أجد فيه
يُبْساً شديداً ، وأراه الحجر .
وأنكر الجمهور هذه المقالة، وقال: لو ثبت ما قاله لاهتدى كلّ إنسان إلى كلّ لغة، ولما صحَّ وضع اللفظ للضدَّين، كالقَرْء:
للطُّهر والحَيْض، والجَوْن: للأبيض والأسود...... وأمّا أهل اللغة والعربيّة فقد كادوا يُطبقون على ثبوت المناسبة بين
الألفاظ والمعاني، لكنّ الفرق بين مذهبهم ومذهب عبّاد أنّ
عباداً يراها ذاتية موجبة، بخلافهم . وهذا كما تقول المعتزلة
بمراعاة الأصلح في أفعال الله تعالى وجوباً، وأهل السنّة لا
يقولون بذلك مع قولهم إنّه تعالى يفعل الأصلح، لكنْ فضلاً
منه ومنَّاً لا وجوباً. ولو شاء الله لم يفعلْه " .
يتناول النص- كما هو واضح- مسألة العلاقة بين الألفاظ
والمعاني ، أي: هل هناك علاقة ومناسبة طبيعية بين الألفاظ
ومعانيها ، وهي مسألة خلافية عند القدماء من علماء اللغة،
كما أنّ للموضوع صلة بالمذاهب الدينية؛ إذ يقرّ كلّ من السنّة
والمعتزلة بوجود مناسبة بين اللفظ ومدلوله، لكنّ المعتزلة
يذهبون إلى وجوبها، بينما يرى السنّة وجودها دون وجوب .
وهذا متفرّع عن الخلاف المشهور بين الفريقين حول فعل
الأصلح . هذا، أمّا في اللغويّات الحديثة ( اللسانيات) فإنّ
العلماء يجمعون على مبدأ" اعتباطيّة العلامة اللغويّة" أي:
نفي وجود أي تلازم طبيعي أو منطقي بين " الدّوال والمدلولات" أو الألفاظ والمعاني . ويترتّب على ذلك نفي وجود علاقة طبيعية أو معلّلة بين : الصوت( الحرف) والمعنى، والدال والمدلول، والتركيب النحْوي والمنطق ،
وبين الوحدات اللغوية وغير اللغوية . وينتج عن ذلك نتيجة مهمّة مفادها: إنّه لا يمكن تحديد الوحدات اللغوية الصغرى بشكل مستقلّ عن اللغة التي تنتمي إليها هذه الوحدات .
وهذا- دون شكّ- أحد الأسباب الرئيسة لاختلاف اللغات الإنسانيّة .
بقي أن نشير إلى أنّ مفهوم( الاعتباطية اللغوية) إنّما هو
آنيّ أوّليّ؛ إذ إنّ الاستعمال اللغوي عبر الزمن، أي اطّراد الاستعمالات اللغوية يُضفي على اللغة صفة( المواضَعة).
دكتور زياد العوف