المستشار بهاء المري - نساء في قفص الاتهام: عندما يَنقلبُ الحال

عندما يَنقلبُ الحال

ما من تكنولوجيا أُسِيءَ استخدامُها في عالم الجريمة بين أفراد المجتمع؛ أكثرَ مما أُسِيءَ من استخدام تقنيات ووسائل الاتصال الحديثة ومواقع وبرامج التواصل والتراسُل الاجتماعي، لا سيما في الوقت الراهن.

بل إنَّ هذه الوسائلُ - من وجهة نظري - لمِن أشَد أدوات ارتكاب الجرائم فَتكًا بالضحية، ومن أنسَبِها لطبيعة الجبناء.
إنَّ السكين والمسدس والنبُّوت، وغيرها من الأدوات التقليدية الشائعة في ارتكاب الجرائم، يقتضي استخدامها الظهور والمواجهة، سواء أكان ذلك للقتل أَم للطعن أَم للضرب، أَم لإحداث العاهات الجسدية بينما ارتكاب الجريمة الإلكترونية واستعمال أدواتها من طبيعته التَّخفي لا الظهور، وهي في القتل أو الطعن المعنوي، أو إحداث العاهات في النفوس، لأسرع وأفدح وأشمَل.
إن استعمال الإنترنت في غير موضعه، وكذلكَ مواقع وبرامج التواصل والتراسل الاجتماعي، لأسوأ في النتائج الجُرميةِ من كل ما عداها من سُبُل تقليدية في ارتكاب الجرائم.
ومن الطريف في عالم الجريمة الإلكترونية، أنَّ أمر التهديد والابتزاز المالي والجنسي عَبرَ هذه الوسائل، لم يقتصر على تهديد الرجال للنساء، بل كانت بعض النساء فاعلةٌ في هذا الصدد لا مفعولُ بها؛ فهدَّدنَ بالطريقة ذاتها بعض الرجال وابتزُّوهُنَّ.
ولم تقتصر إساءة الاستعمال هذه، على الحصول أو التَحصُّل على صور فاضحة لامرأة، أو مقطع فيديو لها يخدش الحياء، بل طال هذا السلوك الرجال اعتداء عليهم من نساء! ولمَ لا وقد وقعت واقعة هتك عِرض رجل من امرأتيه اللتين على ذمته، لما وقع بينهم من خلافات!
أسَالَ لُعابها ما شاع بين الشباب والشابات وما يتناقلونه من سُبُل سهلة للحصول على المال بلا عمل نافع، فها هي مقاطع فيديو مبتذلة تُحقق مشاهدات عالية فتُدر ربحًا وفيرا دونما عناء يُذكر، إذ يكفي مؤهلات تتمثل في الخلاعة أو قلة الحياء والجرأة على القِيَم.
ولكنها لم تكن تملك من الإمكانيات الجسدية ما يَشفع لها في سلوك هذا الطريق، فلِمَ لا تفعل كما فعَلت صديقاتها من الخليعات من إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، تضع فيها رقما لهاتف محمول تُعلن فيها عن ترحيبها بأصدقاء من الجنسين للترويح عنهم، ومن خلال سقطاتهم الجنسية تهُددهم بنشر فضائحهم فيضطرون للدفع مَخافة ذلك.
أنشأت الصفحة وصدِّرتها برقم هاتف لها، ووضعت صورةً مَستعارة لفتاة جميلة، تلفتُ مفاتنها الجسدية أنظار كل مَن تُقابله هذه الصفحة، وسرعان ما يسيلُ لُعابة حين يرى الإعلان عن ترحيبها بالاتصال للترفيه، وكل من يدخل صفحتها - لا شك - يفهم جيدا ما هو المعنى المقصود "بالترفيه"! وفي الوقت ذاته أنشأت لما ترمي إليه "محفظة مالية إلكترونية" برقم هاتف آخر لتَلقِّي ما سيُسفر عنه هذا النشاط الوليد.
انبهرَ الرجل المقاول الأربعينيِّ - المتزوج - بما رأى، ما لهذا الجمال وتلك الأنوثة الفوارة البادية من تضاريسَ شَتَّى! فما أن وقعَت عيناه على الصفحة حتى بادَر بالتواصل ودارت بينهما الدردشات.
كان جليا من سفاهَته أنه صيدٌ ثمين، إذا فلتكن له خصوصية أخرى، وهي التعامل معه على رقم خاص لها عبر تطبيق واتس آب، ولمَ لا وهو في خلال وقت قصير أبدى إعجابه بخفة ظلها وطرافة أحاديثها، فابلتع الرجل الطُعم، ولم يكلفها عناءً كثيرا في إيقاعه في شِباكها.
لم يطُل وقت الرَّغي معه من دون طائل، كان لابُدَّ من عمل اختبار للتأكد من "خَيبتِه"!
حبيبي: هل لي أن أطلب منكَ خمسة آلاف جنيه لفترة وجيزة ولديك رقم هاتفي الخاص ولو دخلت على "تروكلر" ستجده باسمي؟! وقربيًا جدا سألقاك لنتعرف وتطمئن إلى أنني لست عابثة؟!
من فوره أرسل الرجل المبلغ المطلوب، ومن فورها كان الشكر والامتنان والميوعة والخضوع في القول واللعب بالألفاظ والإيحاءات.
إنَّ الصيدَ سَمين، والطَرق على الحديد وهو ساخن مطلوب الآن فطوَرت من أساليب الاستدراج عبر وسائل التواصل:
- افتح كاميرا الفيديو
- معقول؟! لماذا؟ هل لأعرفك عندما نلتقي؟
- لا.. وإنما سأُريك ما تحب أن ترى، ولكن لا تطلب مِنِّي إظهار وجهي.
- سَمعًا وطاعة، ها هي الكاميرا!
فَغرَ فاه. تعالت دقات قلبه. تَسارَعت لديه أصواتُ الشهيق والزفير وهو يرى ما شاءت أن تُريه من مفاتنها، وكأنه لم يرَ من قبل ما رأى، وهو الرجل المتزوج.
أفعالٌ تُشكل في القانون جريمة فعل فاضح وغيرها من أوصاف قانونية أخرى يُجرمها القانون، مع ما صاحَبَ ذلك من ضحكاتٍ خليعة ردًا على تعليقاته وشرحه لأثر ما ألمَّ به من مما يَرى. همَسَ في غير وعي: الخمسة آلاف هدية مِنِّي لكِ لا تَرديها. أجابته بضحكات أكثر خلاعة وأغلقت الكاميرا.
يُعاودُ الاتصال بها من دون إجابة، طلبها هاتفيا على هاتفها الخاص، أجابت بضحكات ماجنة وهمس ساقط:
- ما لكَ يا رجُل؟ هل وحشتُكَ بهذه السرعة؟! سأتصلُ بكَ ليلا.
إنَّ ما حدث - عند هذا الحدِّ - لم يكن كافيًا للسيطرة عليه من وجهة نظرها، فكان الاتصال الليلي عبر الكاميرا ذاتها وفي هذه المرة أظهرت وجهها الملطَّخ بالمساحيق: بادَرها قبل أن تتكلم:
- ماذا ستُريني الآن؟
- لا... بل إنَّ الدَّورَ عليكَ الآن. أرني أنتَ.
- أُريكِ ماذا؟
تُوالي الضحكَ الخليع قائلة:
- قُل أنتَ، ماذا سُتريني؟
- هل أنتِ جادة؟
-طبعا جادة.
- تقصدين .......؟
- طبعًا أقصِد.
تَجرَّد من ملابسه، كشفَ لها أمام الكاميرا عما ألمحَت إليه، كانت ضحكاتها الماجنة وهمسها المائع يتناهى إلى سمعه إلى الحد الذي أفقده توقُّع تسجيلها لكل ما يدور، بل تَرخَّصَ في القول المبتذل إلى أقصى حد.
لم يمض إلا يوما واحدا وفاجأته في أول اتصال منه:
- أحتاج إلى مائة ألف جنيه.
- ماذا؟
- كما سمِعت. مائة ألف جنيه.
- هذا صعب.
- تَصرَّف.
- سأرسل خمسة.
- لا
- وإذا لم أُرسِل؟
- سأفضَحك!!
- سأرسل عشرة. عشرين. ثلاثين.
- بل اجعله خمسين.
أرسل خمسين ألفا صاغرًا على حافظتها الإلكترونية وكان يحتفظ بالرسائل الدالة على حصول الإرسال. وفي اليوم التالي كان اتصالها:
- الخمسين ألف الباقية تأتيني غدا وإلا أبلغتُ زوجتك وأرسلتُ لها كل ما لدي من صور وأحاديث وفيديوهات.
في هذه اللحظة فقط تأكد أنها يُمكن أن تفعل، فأرسل خمسة وعشرون ألفا. فما أن تلقت رسالة تفيد تلقيها إياه حتى هاتفته قائلة: "أنتَ الجاني على نفسك". ثم أغلقت الهاتف.
أسرعَ إلى محاميه، قَصَّ عليه كل ما كان على مدار شهر كامل. فاجأه المحامي:
- لابد من الإبلاغ.
- إبلاغ لا. سأدفع الباقي.
- وهل تعتقد أنك إذا دفعت الباقي ستتوقف هذه الفاجرة؟!
- وما الحل؟ وماذا عن زوجتي وأولادي وأهلي وأصدقائي عندما يشيع نبأ المحضر ويعلمون ما فيه؟
- ..........................
هددها بالإبلاغ، فكانت أسرع منه إبلاغًا، ولكن ليس إلى الشرطة، وإنما على صفحته التي يُشاهدها زوجته والأبناء ولأصدقاء وقبل أن يُغلقها تَناهى نبأ الكارثة إلى الجميع.
أُسقِطَ في يده. هُرع إلى الشرطة، ضُبطت الواقعة، أرفقت الشرطة بمحضرها صورا للمحادثات والصور والفيديوهات ودلائل تحويل المبالغ المالية.
قبضوا على المتهمة. أُحيلت إلى محكمة الجنايات بتهمة التهديد وجرائم أخرى مرتبطة بها. عُوقبت بالسَّجن (عشر سنوات). تَصدَّع بيتُ الرجل بتطليق زوجته نزولا على رغبتها!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...