يطلّ علينا الأستاذ فتحي فوراني بكتابه الجديد، الذي يحمل عنوان "كوكتيل ثقافيّ"؛ ليقدّم لنا باقة من المواضيع المتنوّعة، وذلك بأسلوبه الإبداعيّ التّعبيريّ وعرضه الأنيق.
صدر هذا الكتاب عن دار المتنبّي للنّشر والتّوزيع، وهو يُزهر في ثلاثمئة وخمس وعشرين صفحة، حاملا ذكريات اللّقاءات مع نخبة من المثقّفين والمبدعين والأدباء والتربوييّن، ينقل من خلاله الأستاذ فوراني سيمفونيّة من المشاعر المتنوّعة التي تحرّك الإلهام، يربط بها الأحداث الصّغيرة، وينسجنها خيوطا لقصص نابضة بالحياة، تعرّفنا على شخصيّات متباينة بأفكارها وآرائها؛ فتثير فضول القارئ وتدفعه إلى الغوص في رحابها.
يمثّل العنوان "كوكتيل ثقافيّ" مزيجا من الدّلالات، فهو يشير إلى تنوّع المحتوى المقدّم فيه، من أدب وثقافة وفنّ وغيرها من المواضيع، ويعبّر عن ثراء المعرفة التي يقدّمها للقارئ، ففي هذا "الكوكتيل" نجد مقالات أدبيّة ورسائل ثقافيّة، ونصوصا إبداعيّة، كلّ منها يلامس وترا مختلفا في أعماق القارئ.
السّيرة الذاتيّة وعوالم الأدب المتداخلة:
يصنّف هذا الكتاب ضمن أدب كتابة الذكريات، المنبَثِق عن أدب السّيرة، وهو نوّع أدبيّ يتيح للكاتب استعادة لحظات من ماضيه وإعادة إحيائها بكلماته.
يعدّ فنّ كتابة السّيرة الذاتيّة نوعا أدبيّا عريقا، عَبَرَ الزّمن حاملا إبداعاته، تاركا بصماته على مختلف الأجناس الأدبيّة من يوميّات ومذكّرات واعترافات، إلى قصص وروّايات وغيرها.
لطالما اهتمّ النّقاد بقضيّة تداخل الأنواع الأدبيّة، لما لها من أثر عميق في إثراء الإبداع الأدبيّ، فبرز أدب السّيرة كشاهد قويّ على هذا التّوجّه، وقد نجح في استثمار خصائص فنّيّة من مختلف الأنواع الأدبيّة؛ لنقل رسالته في قوالب تعبيريّة متداخلة مع باقي أشكال الكتابة، ممّا يجعَله جنسا أدبيّا غنيّا، فيصعب أحيانا رسم حدود فاصلة قاطعة بينه وبين الأنواع الأدبيّة الأخرى، لكثرة التّداخل والتّلاقح فيما بينها.
في محاولة لفهم ماهيّة السّيرة الذّاتيّة، وضع النّاقد الفرنسيّ "فيليب لوجون" تعريفا محكما لها، حدّد فيه سماتها السّرديّة والأدبيّة، مبرزا ما يميّزها عن غيرها من أشكال التّعبير، وبحسب تعريفه فهي سرد واقعيّ يقدّمه شخص حقيقيّ عن حياته، ملتزما بالصّدق والموضوعيّة مع تركيزه على تجاربه ومشاعره وأفكاره. ونظرا لأهميّة هذا التّعريف وأساسيّته في الدّراسات النّقديّة التي تتناول السّيرة، دائما ما نجعله مُنطلقا لتحليلنا، فالسّيرة والمذكّرات واليوميّات وغيرها، تُتيح للكاتب فرصة الغوص في أعماق ذاته، واستكشاف خبايا ذاكرته، واستجلاء تجاربه ومشاعره بأسلوبه الخاصّ. وبينما تغوص السيرة في أعماق ذات الكاتب وعالمه الدّاخليّ، وخبايا مشاعره وتجارِبه، تُطلّ المذكّرات على عالمه الخارجيّ بكلّ ما فيه من تفاعلات؛ لترصد أحداثا معيّنة عاشها أو شهِدَها وكان له دور فيها، فتصبح بمثابة سجلّ تاريخيّ يخلّد بعض ذكرياته بأحداثها وشخصيّاتها، وذاك ما يميّزها عن السّيرة الذاتيّة التي تصوّر رحلة الكاتب الشخصيّة، وتوثّق مسار حياته.
نجد فيما كتبه الأستاذ فوراني، تجربة تُجسّد هذا التوجّه، فقد أظهر بمهارة قدرة المذكّرات على استيعاب مختلف الأشكال الأدبيّة المتداخلة. اصطحبنا معه إلى دروب السيرة الذاتيّة والغيريّة، والذّكريات وعبير الرّسائل والمقالات والنّصوص الشّعريّة، ليقدّم لنا فسيفساءً من المشاعر والأفكار والحكايات، وبعض الوقائع اللّطيفة، معتمدا بديع السرد والتّصوير وصدق الوصف؛ لتتفتَّح صفحاته كنافذة على صداقاته وعلاقاته الاجتماعيّة والثّقافيّة، وعلى تلك الوشائج التي نسجت خيوطها بدقّة، وتلك الرّوابط التي شكّلت جزءا لا يتجزأ من حياته، جاعلا من أصدقائه ومعارفه حاضرين في كلّ صفحة من صفحاته، ليخلّدهم بالكتابة عنهم، ويعبّر عن امتنانه وتقديره لهم.
نجد العديد من الأدباء يكتبون سيرهم وذكرياتهم بأسلوب مبدع، موظّفين التقنيّات الأدبيّة؛ لخلق تجربة قرائيّة ممتعة، فمن خلال سرد الأحداث والتّركيز على لحظات محدّدة ذات دلالات رمزيّة، أو من خلال استخدام لغة غنيّة بالصّور والتّشبيهات، ينجح الكاتب في تحويل سيرته وذكرياته إلى عمل أدبيّ يلامس المشاعر.
من أشهر الأدباء الذين برعوا في هذا المجال: طه حسين، الذي أبدع في كتابة ذكرياته وسيرته "الأيّام"، وأحمد أمين الذي كتب سيرته بعنوان "حياتي". وقد ساهم في إثراء هذا الفنّ، أدباء كثر بإبداعاتهم، وساروا على خطى الرّوّاد الأوائل من كبار الأدباء الذين سبقوهم.
كتب الأستاذ فوراني سيرته الذاتيّة "بين مدينتين"، وأبرز من خلالها قدرته على صياغة تجاربه الشخصيّة وتحويلها إلى عمل أدبيّ جميل، تحوّل إلى راوٍ مبدع ينقل لنا الواقع برؤيته الخاصّة، وأصبح شاهد عيان على فترة من الزّمن، خلّدها في ذاكرة الأدب.
مزج بين الأحداث التاريخيّة والاجتماعيّة مع المشاهدات الشخصيّة والمواقف والذّكريات، وقدّم صورا متكاملة للظّروف التي عاشها، ممّا أضفى عليها بعدا إنسانيّا عميقا. وهكذا، تمثّل نصوص السِيَرِ والمذكّرات، رافدا غنيّا في الأدب العربيّ، تتدفّق من خلالها حكايات متنوعة. وما انتشار هذا النوّع الأدبيّ في الآونة الأخيرة إلا إشارة إلى رغبة ملحّة، في استعادة الماضي وفهمه بشكل أعمق، ففي خضمّ المشهد السرديّ العربيّ، الذي تهيمن عليهِ الرّواية، تحمل نصوص السِّيَر والمذكّرات راية التنوّع والتّجديد.
لعلّ هذا الازدياد يعكس رغبة القارئ في العثور على تجارب إنسانيّة تشبه تجاربه، وتلامس مشاعره وتثير تساؤلاته.
تقدّم لنا هذه الكتابات فرصة للعودة إلى الماضي، واستكشافه من منظور مختلف، وما جاء في هذا الكتاب "كوكتيل ثقافيّ" وفي كتب الأستاذ فوراني السّابقة "بين مدينتين" و"حكاية عشق"، و "أقمار خضراء"، كلّها تشكل باقة ثقافيّة عطرة، تجسّد رحلته، وتسلّط الضوء على إبداعه، فهو يوثّق بعناية الأحداث الّتي عايشها؛ كشهادة على مسيرته الثريّة.
السرد، مرويّات الذّاكرة ومرآة اجتماعيّة:
أمّا عن السّرد التوثيقيّ، فهو ذاكرة حيّة تروى. ونحن كشعب له خصوصيّة متجذّرة في الأرض والتّاريخ، تمثّل حكاياتنا ذاكرة أمّة، ونسيجا حيّا من أرشيفنا الاجتماعيّ والتّراثيّ، وهي جزء لا يتجزّأ من ثقافتنا، تساهم في حفظ تراثنا ونقله للأجيال القادمة. من خلالها نساهم في إثراء ذاكرتنا الجماعيّة وبلورة هويّتنا، وما السِيّر والمرويات إلّا مرآة، تعكس الواقع بصدق، وتعرّفنا على تجارب الأجيال السّابقة وأفكارهم، وبالتّالي فهي تُساعدنا على فهم حاضرنا بشكل أفضل.
يلعب هذا النمط الأدبيّ، دورا هامّا في الكشف عن حضورنا المركزيّ الأصيل على هذه الأرض، ويوفّرُ للهويّة طاقة تمنحها الحيويّة والبقاء، وما قام به الأستاذ فوراني هو تدوين للأفعال والأفكار والعواطف والمواقف، تحدّث عن الآخرين وعن نفسه، معتمدا على الذّاكرة فيما قصّه علينا؛ لنعيش معه بشغف في عوالم التّذكّر ومنارات الحنين؛ كجسور نعبرها إلى ضفاف الأجواء الدّافئة. وبالطّبع، يستحقّ تراثنا الثّقافيّ أن يُحفَظ ويخلّد، فإن أردنا الحفاظ عليه، لا بدّ من تشجيع الآخرين على كتابة ذكرياتهم وسِيَرِهم؛ لنحتفظ بها وبوهجها إلى الأجيال القادمة، فلا تغيب عنهم ملامح الآباء والأجداد. وإن أردنا استعادة ما كنّا عليه في الماضي، فعلينا بقراءة الأدب، الذي يقدّم لنا نظرة عن حياة النّاس الاجتماعيّة والثّقافيّة في الماضي والحاضر، ويساعدنا على فهم السّياق التّاريخيّ للأحداث، فكلّ حكاية هي حكاية إِنسان، وكلّ إنسان هو حكاية وجزء من تاريخ البشريّة، وكلّ تاريخ هو حكاية تستحقّ القراءة والتأمّل. وكما جاء في مقولة الكاتب الفلسطينيّ الرّاحل سلمان ناطور: "ستأكلنا الضّباع إن بقينا بلا ذاكرة".
نوستالجيا ورؤية خاصّة:
استخدم الكاتب أسلوبا مؤثّرا في كتابة ذكرياته، سعيا منه للتّواصل مع ماضيه، يحرّكه شوق عارم للعودة إلى الأمس، والأماكن التي خلت، والأشخاص الذين غابوا، والعلاقات الاجتماعيّة القويّة، التي غزلت خيوطها من قلوب متحابّة، ومن اللّحظات القديمة الدّافئة التي يتحدّث عنها؛ فيسافر بنا إلى زمن مضى، يجسّده في مشاهد حيّة تنساب من ينابيع أفكاره بعبق خاصّ؛ كصوت يخلق من رنينه صورة بجسد ومظهر، وكحلم بصوت وهيئة. وهو يكتب من منظور شخصيّ وبعد إنسانيّ، ومن منطلق الحنين إلى فترات حجبها الزّمن بتراكم الأيّام والسّنين. وإذ يعيد إحياء الماضي بكلماته، لا يمارس نوستالجيا تقليديّة، بل يقدّم لنا نظرة على طبيعة الحياة وتغيّراتها، وهو لا يمجّد الماضي غافلا عن إيجابيّات الحاضر، بل يرسم صورة متوازنة يحاور بها الماضي والحاضر في آن واحد، ويسلّط الضّوء على العلاقة المتشابكة بينهما، ويؤكّد على أنّ الماضي ليس مجرّد ذكريات فقط، بل هو أساس حاضر يبنى عليه المستقبل. وما احتواه هذا الكوكتيل حوّلهُ كاتبنا إلى لوحات فنّيّة خطَّها بريشته، كتب عن غيره من الشّخصيات الأدبيّة والثّقافيّة والمبدعين، راسما بحبر القلب ومداده ما يلامس الوجدان.
يعرّفنا على كوكبة من التربويين والمعلّمين الذين غرسوا بذور الخير في نفوس طلّابهم؛ لتنبت منها أجيال تنير سماء البلاد. ويسير بنا نحو الكليّة الأرثوذكسيّة العربيّة في حيفا، فنطّلع على نخبة أخرى من الرّموز التي تخرّجت منها وانطلقت؛ لتتبوأ المراتب الرفيعة في الميادين المختلفة.
يحلّق بنا في حدائق الياسمين العطرة، لنكون في حضرة الموسيقار نبيل عزّام، وحوار بين لوس أنجلس وعروس الكرمل. ننطلق بعد ذلك إلى الكاتب توفيق فيّاض، وإلى ينابيع الذّاكرة، ومن المنفى التّونسيّ إلى مدينة الحمّامات السّاحرة، ونقف عند محطّات العواصف الأدبيّة، التي اجتاحت المشهد الثّقافيّ.
نكون بعد ذلك في حضرة الشّاعر سعود الأسدي، والفنّان التشكيليّ مارون قعبور، الذي انتقل من ورشة الصّراع مع الحجر، إلى ورشة تحمل لافتة كُتِب عليها "بناءُ البشر".
نشهد بعد ذلك على زيارة الشّاعر سميح القاسم، فنعثر على قصيدة خاصّة، كتبها ولم تنشر في أيّ من دواوينه. وفي سياق زيارة الباحث والنّاقد د. عادل الأسطة لبيت الأديب فوراني، نجد وصفا لهذه الزيارة بقلم الأسطة. ونبحر في رحلة بعيدة، فنجد صورة من أيام الزّمن الأخضر لأصدقاء المدرسة الثّانويّة في النّاصرة. وحين نصل إلى الصّفحة السّتين، نقرأ عن فكرة إقامة نادي حيفا الثّقافيّ، الصّرح الثقافيّ الأوّل في البلاد. وتحت عنوان "نادي حيفا الثّقافي، مشروع ثقافيّ وطنيّ رائد"، نقرأ ما خطّه الكاتب من وحي الذّاكرة، قبل ثلاثة عشر عاما، فيقول:
"كان الدّاعي لهذهِ الفكرة المحامي فؤاد نقّارة، ومعه أصدقاء آمنوا بفكرة إقامة نادي الكتاب؛ ليكون لنا لقاء أسبوعيّ لمناقشة كتاب يتّفق عليه، أو دعوة كاتب للحوار معه حول أحد مؤلّفاته. من هنا، تشكّلت وانطلقت لقاءات أسبوعيّة استمرّت حوالي السّنة، ثمّ كان القرار بإقامة نادي حيفا الثقافيّ، والانفتاح على الجمهور الواسع؛ فأقيمت مئات النّدوات والمحاضرات خلال السنوات الأخيرة، شارك فيها المئات من الأدباء والشّعراء والمثقّفين والمهتمّين باللّغة العربيّة، وولد النّادي موقعا عزّ نظيره في المشهد الثّقافيّ في هذا الوطن".
بعد هذه الكلمات الصّادقة التي عبّرت عن الوفاء لهذا الصّرح، نقرأ عن بعض المواهب الأدبيّة والفنيّة الواعدة، ونطلّ على لمحة من أرشيف الأفلام الوثائقيّة الفلسطينيّ.
نعاود اللّقاء مع الأحبّة من الأيّام الماضيّة، ونصل إلى فصل مُعَنوَن بـ "أقواس"، نحطّ رحالنا عند الصّداقات الخالدة، فنتذوّق بعضا من تراث المحبّة والعَيش والملح، ونقرأ عن لحظات جميلة، لم تُمح من ذاكرَة الكاتب.
أمّا في قسم اللّغة العربيّة، فنجد ما يسرّنا عن لغتنا البديعة. ننطلق بعد ذلك إلى أرشيف النّصوص الشّعريّة والإبداعيّة، ثمّ نستنشق عبير الرّسائل والإضاءات والآراء والمقالات النّقديّة لباقة من المبدعين، نتعمّق في كتاباتهم ونقرأ ما يسعدنا لمجموعة من الأدباء، منهم: الشّاعر جريس دبيّات، الأستاذ حنّا أبو حنّا، الكاتبة صباح بشير، الكاتبة رنا أبو حنّا، الكاتب عبد الخالق أسدي، بروفيسور محمد وتد، والإعلاميّ الفلسطينيّ هشام دبّاغ، وغيرهم.
المكان، ورحلة في صندوق الذّكريات:
خلال القراءة، نستشعر ارتباط الكاتب بالمكان كجزء لا يتجزّأ من هويّته ووجوده، ينتمي إليه بمشاعره وذكرياته ويستمدّ منه الإلهام.
نجده حاضرا من خلال الوصف وربطه بما كتب؛ لتغدو الصفحات أكثر ثراء وعمقا، وتغدو الأمكنة فيها كيانات حيّة، متفاعلة، وحكايات تُروى، وذاكرة تُحفَر، وروحا تُلامس، وامتدادا للوعي والنّبض.
لقد توشّح هذا الكتاب بحبّ الوطن، وتناثرت عبارة "أرض الآباء والأجداد" بين فقراته كأيقونة للانتماء، جسّدت مدينة النّاصرة والكرمل الأخضر، وغيرها من المدن والبلدات، مشاعر الكاتب تجاه الأرض التي نشأ فيها وعاش، تلك التي نقلها بأسلوبه الخاصّ بين ثنايا الصّور، التي تجاوزت حدود الزّمان، وخلّدت الأحداث بعين المبدع التي لا تفوتها التّفاصيل، ففي كلّ فقرة قصّة، وفي كلّ مشهد لوحة، وفي كلّ شخصيّة رمز يمثّل جانبا من جوانب الحياةِ
وبعد.. وإذ نسدل السّتار على رحلتنا في عوالم هذا الكتاب، ندرك أنّنا أمام كاتب مبدع، ليس إبداعه هبة عابرة، بل ثمرة أعوام من التّأمّل والجهد والعمل الدّؤوب والقراءة المتعمّقة، وهو يولي اهتماما بقُرّائه، يشاركهم تفاصيل الأحداث وخيوط السّرد؛ ليساهم بفاعليّة في إثراء ثقافتهم ومعارفهم، جاعلا إيّاهم شركاء فاعلين في رحلته الإبداعيّة، وهو لا يكتب من برج عاجيّ بوصفه مراقبا محايدا، بل يكتب بموضوعيّة، ويشارك بفاعليّة بما يَموجُ في مجتمعه، يسخّر قلمه لخدمته، متّخذا من الكتابة رسالة سامية، فيكتب ما يفيد ويسعد الآخرين، تاركا بصمة لا تمحى في أذهانهم.
نبارك للأستاذ فتحي فوراني هذا الإصدار، الذي ينعش الذّاكرة، ويحفظها للأجيال القادمة.
- ورقة مقدّمة إلى نادي حيفا الثقافيّ / 18.4.2024
صدر هذا الكتاب عن دار المتنبّي للنّشر والتّوزيع، وهو يُزهر في ثلاثمئة وخمس وعشرين صفحة، حاملا ذكريات اللّقاءات مع نخبة من المثقّفين والمبدعين والأدباء والتربوييّن، ينقل من خلاله الأستاذ فوراني سيمفونيّة من المشاعر المتنوّعة التي تحرّك الإلهام، يربط بها الأحداث الصّغيرة، وينسجنها خيوطا لقصص نابضة بالحياة، تعرّفنا على شخصيّات متباينة بأفكارها وآرائها؛ فتثير فضول القارئ وتدفعه إلى الغوص في رحابها.
يمثّل العنوان "كوكتيل ثقافيّ" مزيجا من الدّلالات، فهو يشير إلى تنوّع المحتوى المقدّم فيه، من أدب وثقافة وفنّ وغيرها من المواضيع، ويعبّر عن ثراء المعرفة التي يقدّمها للقارئ، ففي هذا "الكوكتيل" نجد مقالات أدبيّة ورسائل ثقافيّة، ونصوصا إبداعيّة، كلّ منها يلامس وترا مختلفا في أعماق القارئ.
السّيرة الذاتيّة وعوالم الأدب المتداخلة:
يصنّف هذا الكتاب ضمن أدب كتابة الذكريات، المنبَثِق عن أدب السّيرة، وهو نوّع أدبيّ يتيح للكاتب استعادة لحظات من ماضيه وإعادة إحيائها بكلماته.
يعدّ فنّ كتابة السّيرة الذاتيّة نوعا أدبيّا عريقا، عَبَرَ الزّمن حاملا إبداعاته، تاركا بصماته على مختلف الأجناس الأدبيّة من يوميّات ومذكّرات واعترافات، إلى قصص وروّايات وغيرها.
لطالما اهتمّ النّقاد بقضيّة تداخل الأنواع الأدبيّة، لما لها من أثر عميق في إثراء الإبداع الأدبيّ، فبرز أدب السّيرة كشاهد قويّ على هذا التّوجّه، وقد نجح في استثمار خصائص فنّيّة من مختلف الأنواع الأدبيّة؛ لنقل رسالته في قوالب تعبيريّة متداخلة مع باقي أشكال الكتابة، ممّا يجعَله جنسا أدبيّا غنيّا، فيصعب أحيانا رسم حدود فاصلة قاطعة بينه وبين الأنواع الأدبيّة الأخرى، لكثرة التّداخل والتّلاقح فيما بينها.
في محاولة لفهم ماهيّة السّيرة الذّاتيّة، وضع النّاقد الفرنسيّ "فيليب لوجون" تعريفا محكما لها، حدّد فيه سماتها السّرديّة والأدبيّة، مبرزا ما يميّزها عن غيرها من أشكال التّعبير، وبحسب تعريفه فهي سرد واقعيّ يقدّمه شخص حقيقيّ عن حياته، ملتزما بالصّدق والموضوعيّة مع تركيزه على تجاربه ومشاعره وأفكاره. ونظرا لأهميّة هذا التّعريف وأساسيّته في الدّراسات النّقديّة التي تتناول السّيرة، دائما ما نجعله مُنطلقا لتحليلنا، فالسّيرة والمذكّرات واليوميّات وغيرها، تُتيح للكاتب فرصة الغوص في أعماق ذاته، واستكشاف خبايا ذاكرته، واستجلاء تجاربه ومشاعره بأسلوبه الخاصّ. وبينما تغوص السيرة في أعماق ذات الكاتب وعالمه الدّاخليّ، وخبايا مشاعره وتجارِبه، تُطلّ المذكّرات على عالمه الخارجيّ بكلّ ما فيه من تفاعلات؛ لترصد أحداثا معيّنة عاشها أو شهِدَها وكان له دور فيها، فتصبح بمثابة سجلّ تاريخيّ يخلّد بعض ذكرياته بأحداثها وشخصيّاتها، وذاك ما يميّزها عن السّيرة الذاتيّة التي تصوّر رحلة الكاتب الشخصيّة، وتوثّق مسار حياته.
نجد فيما كتبه الأستاذ فوراني، تجربة تُجسّد هذا التوجّه، فقد أظهر بمهارة قدرة المذكّرات على استيعاب مختلف الأشكال الأدبيّة المتداخلة. اصطحبنا معه إلى دروب السيرة الذاتيّة والغيريّة، والذّكريات وعبير الرّسائل والمقالات والنّصوص الشّعريّة، ليقدّم لنا فسيفساءً من المشاعر والأفكار والحكايات، وبعض الوقائع اللّطيفة، معتمدا بديع السرد والتّصوير وصدق الوصف؛ لتتفتَّح صفحاته كنافذة على صداقاته وعلاقاته الاجتماعيّة والثّقافيّة، وعلى تلك الوشائج التي نسجت خيوطها بدقّة، وتلك الرّوابط التي شكّلت جزءا لا يتجزأ من حياته، جاعلا من أصدقائه ومعارفه حاضرين في كلّ صفحة من صفحاته، ليخلّدهم بالكتابة عنهم، ويعبّر عن امتنانه وتقديره لهم.
نجد العديد من الأدباء يكتبون سيرهم وذكرياتهم بأسلوب مبدع، موظّفين التقنيّات الأدبيّة؛ لخلق تجربة قرائيّة ممتعة، فمن خلال سرد الأحداث والتّركيز على لحظات محدّدة ذات دلالات رمزيّة، أو من خلال استخدام لغة غنيّة بالصّور والتّشبيهات، ينجح الكاتب في تحويل سيرته وذكرياته إلى عمل أدبيّ يلامس المشاعر.
من أشهر الأدباء الذين برعوا في هذا المجال: طه حسين، الذي أبدع في كتابة ذكرياته وسيرته "الأيّام"، وأحمد أمين الذي كتب سيرته بعنوان "حياتي". وقد ساهم في إثراء هذا الفنّ، أدباء كثر بإبداعاتهم، وساروا على خطى الرّوّاد الأوائل من كبار الأدباء الذين سبقوهم.
كتب الأستاذ فوراني سيرته الذاتيّة "بين مدينتين"، وأبرز من خلالها قدرته على صياغة تجاربه الشخصيّة وتحويلها إلى عمل أدبيّ جميل، تحوّل إلى راوٍ مبدع ينقل لنا الواقع برؤيته الخاصّة، وأصبح شاهد عيان على فترة من الزّمن، خلّدها في ذاكرة الأدب.
مزج بين الأحداث التاريخيّة والاجتماعيّة مع المشاهدات الشخصيّة والمواقف والذّكريات، وقدّم صورا متكاملة للظّروف التي عاشها، ممّا أضفى عليها بعدا إنسانيّا عميقا. وهكذا، تمثّل نصوص السِيَرِ والمذكّرات، رافدا غنيّا في الأدب العربيّ، تتدفّق من خلالها حكايات متنوعة. وما انتشار هذا النوّع الأدبيّ في الآونة الأخيرة إلا إشارة إلى رغبة ملحّة، في استعادة الماضي وفهمه بشكل أعمق، ففي خضمّ المشهد السرديّ العربيّ، الذي تهيمن عليهِ الرّواية، تحمل نصوص السِّيَر والمذكّرات راية التنوّع والتّجديد.
لعلّ هذا الازدياد يعكس رغبة القارئ في العثور على تجارب إنسانيّة تشبه تجاربه، وتلامس مشاعره وتثير تساؤلاته.
تقدّم لنا هذه الكتابات فرصة للعودة إلى الماضي، واستكشافه من منظور مختلف، وما جاء في هذا الكتاب "كوكتيل ثقافيّ" وفي كتب الأستاذ فوراني السّابقة "بين مدينتين" و"حكاية عشق"، و "أقمار خضراء"، كلّها تشكل باقة ثقافيّة عطرة، تجسّد رحلته، وتسلّط الضوء على إبداعه، فهو يوثّق بعناية الأحداث الّتي عايشها؛ كشهادة على مسيرته الثريّة.
السرد، مرويّات الذّاكرة ومرآة اجتماعيّة:
أمّا عن السّرد التوثيقيّ، فهو ذاكرة حيّة تروى. ونحن كشعب له خصوصيّة متجذّرة في الأرض والتّاريخ، تمثّل حكاياتنا ذاكرة أمّة، ونسيجا حيّا من أرشيفنا الاجتماعيّ والتّراثيّ، وهي جزء لا يتجزّأ من ثقافتنا، تساهم في حفظ تراثنا ونقله للأجيال القادمة. من خلالها نساهم في إثراء ذاكرتنا الجماعيّة وبلورة هويّتنا، وما السِيّر والمرويات إلّا مرآة، تعكس الواقع بصدق، وتعرّفنا على تجارب الأجيال السّابقة وأفكارهم، وبالتّالي فهي تُساعدنا على فهم حاضرنا بشكل أفضل.
يلعب هذا النمط الأدبيّ، دورا هامّا في الكشف عن حضورنا المركزيّ الأصيل على هذه الأرض، ويوفّرُ للهويّة طاقة تمنحها الحيويّة والبقاء، وما قام به الأستاذ فوراني هو تدوين للأفعال والأفكار والعواطف والمواقف، تحدّث عن الآخرين وعن نفسه، معتمدا على الذّاكرة فيما قصّه علينا؛ لنعيش معه بشغف في عوالم التّذكّر ومنارات الحنين؛ كجسور نعبرها إلى ضفاف الأجواء الدّافئة. وبالطّبع، يستحقّ تراثنا الثّقافيّ أن يُحفَظ ويخلّد، فإن أردنا الحفاظ عليه، لا بدّ من تشجيع الآخرين على كتابة ذكرياتهم وسِيَرِهم؛ لنحتفظ بها وبوهجها إلى الأجيال القادمة، فلا تغيب عنهم ملامح الآباء والأجداد. وإن أردنا استعادة ما كنّا عليه في الماضي، فعلينا بقراءة الأدب، الذي يقدّم لنا نظرة عن حياة النّاس الاجتماعيّة والثّقافيّة في الماضي والحاضر، ويساعدنا على فهم السّياق التّاريخيّ للأحداث، فكلّ حكاية هي حكاية إِنسان، وكلّ إنسان هو حكاية وجزء من تاريخ البشريّة، وكلّ تاريخ هو حكاية تستحقّ القراءة والتأمّل. وكما جاء في مقولة الكاتب الفلسطينيّ الرّاحل سلمان ناطور: "ستأكلنا الضّباع إن بقينا بلا ذاكرة".
نوستالجيا ورؤية خاصّة:
استخدم الكاتب أسلوبا مؤثّرا في كتابة ذكرياته، سعيا منه للتّواصل مع ماضيه، يحرّكه شوق عارم للعودة إلى الأمس، والأماكن التي خلت، والأشخاص الذين غابوا، والعلاقات الاجتماعيّة القويّة، التي غزلت خيوطها من قلوب متحابّة، ومن اللّحظات القديمة الدّافئة التي يتحدّث عنها؛ فيسافر بنا إلى زمن مضى، يجسّده في مشاهد حيّة تنساب من ينابيع أفكاره بعبق خاصّ؛ كصوت يخلق من رنينه صورة بجسد ومظهر، وكحلم بصوت وهيئة. وهو يكتب من منظور شخصيّ وبعد إنسانيّ، ومن منطلق الحنين إلى فترات حجبها الزّمن بتراكم الأيّام والسّنين. وإذ يعيد إحياء الماضي بكلماته، لا يمارس نوستالجيا تقليديّة، بل يقدّم لنا نظرة على طبيعة الحياة وتغيّراتها، وهو لا يمجّد الماضي غافلا عن إيجابيّات الحاضر، بل يرسم صورة متوازنة يحاور بها الماضي والحاضر في آن واحد، ويسلّط الضّوء على العلاقة المتشابكة بينهما، ويؤكّد على أنّ الماضي ليس مجرّد ذكريات فقط، بل هو أساس حاضر يبنى عليه المستقبل. وما احتواه هذا الكوكتيل حوّلهُ كاتبنا إلى لوحات فنّيّة خطَّها بريشته، كتب عن غيره من الشّخصيات الأدبيّة والثّقافيّة والمبدعين، راسما بحبر القلب ومداده ما يلامس الوجدان.
يعرّفنا على كوكبة من التربويين والمعلّمين الذين غرسوا بذور الخير في نفوس طلّابهم؛ لتنبت منها أجيال تنير سماء البلاد. ويسير بنا نحو الكليّة الأرثوذكسيّة العربيّة في حيفا، فنطّلع على نخبة أخرى من الرّموز التي تخرّجت منها وانطلقت؛ لتتبوأ المراتب الرفيعة في الميادين المختلفة.
يحلّق بنا في حدائق الياسمين العطرة، لنكون في حضرة الموسيقار نبيل عزّام، وحوار بين لوس أنجلس وعروس الكرمل. ننطلق بعد ذلك إلى الكاتب توفيق فيّاض، وإلى ينابيع الذّاكرة، ومن المنفى التّونسيّ إلى مدينة الحمّامات السّاحرة، ونقف عند محطّات العواصف الأدبيّة، التي اجتاحت المشهد الثّقافيّ.
نكون بعد ذلك في حضرة الشّاعر سعود الأسدي، والفنّان التشكيليّ مارون قعبور، الذي انتقل من ورشة الصّراع مع الحجر، إلى ورشة تحمل لافتة كُتِب عليها "بناءُ البشر".
نشهد بعد ذلك على زيارة الشّاعر سميح القاسم، فنعثر على قصيدة خاصّة، كتبها ولم تنشر في أيّ من دواوينه. وفي سياق زيارة الباحث والنّاقد د. عادل الأسطة لبيت الأديب فوراني، نجد وصفا لهذه الزيارة بقلم الأسطة. ونبحر في رحلة بعيدة، فنجد صورة من أيام الزّمن الأخضر لأصدقاء المدرسة الثّانويّة في النّاصرة. وحين نصل إلى الصّفحة السّتين، نقرأ عن فكرة إقامة نادي حيفا الثّقافيّ، الصّرح الثقافيّ الأوّل في البلاد. وتحت عنوان "نادي حيفا الثّقافي، مشروع ثقافيّ وطنيّ رائد"، نقرأ ما خطّه الكاتب من وحي الذّاكرة، قبل ثلاثة عشر عاما، فيقول:
"كان الدّاعي لهذهِ الفكرة المحامي فؤاد نقّارة، ومعه أصدقاء آمنوا بفكرة إقامة نادي الكتاب؛ ليكون لنا لقاء أسبوعيّ لمناقشة كتاب يتّفق عليه، أو دعوة كاتب للحوار معه حول أحد مؤلّفاته. من هنا، تشكّلت وانطلقت لقاءات أسبوعيّة استمرّت حوالي السّنة، ثمّ كان القرار بإقامة نادي حيفا الثقافيّ، والانفتاح على الجمهور الواسع؛ فأقيمت مئات النّدوات والمحاضرات خلال السنوات الأخيرة، شارك فيها المئات من الأدباء والشّعراء والمثقّفين والمهتمّين باللّغة العربيّة، وولد النّادي موقعا عزّ نظيره في المشهد الثّقافيّ في هذا الوطن".
بعد هذه الكلمات الصّادقة التي عبّرت عن الوفاء لهذا الصّرح، نقرأ عن بعض المواهب الأدبيّة والفنيّة الواعدة، ونطلّ على لمحة من أرشيف الأفلام الوثائقيّة الفلسطينيّ.
نعاود اللّقاء مع الأحبّة من الأيّام الماضيّة، ونصل إلى فصل مُعَنوَن بـ "أقواس"، نحطّ رحالنا عند الصّداقات الخالدة، فنتذوّق بعضا من تراث المحبّة والعَيش والملح، ونقرأ عن لحظات جميلة، لم تُمح من ذاكرَة الكاتب.
أمّا في قسم اللّغة العربيّة، فنجد ما يسرّنا عن لغتنا البديعة. ننطلق بعد ذلك إلى أرشيف النّصوص الشّعريّة والإبداعيّة، ثمّ نستنشق عبير الرّسائل والإضاءات والآراء والمقالات النّقديّة لباقة من المبدعين، نتعمّق في كتاباتهم ونقرأ ما يسعدنا لمجموعة من الأدباء، منهم: الشّاعر جريس دبيّات، الأستاذ حنّا أبو حنّا، الكاتبة صباح بشير، الكاتبة رنا أبو حنّا، الكاتب عبد الخالق أسدي، بروفيسور محمد وتد، والإعلاميّ الفلسطينيّ هشام دبّاغ، وغيرهم.
المكان، ورحلة في صندوق الذّكريات:
خلال القراءة، نستشعر ارتباط الكاتب بالمكان كجزء لا يتجزّأ من هويّته ووجوده، ينتمي إليه بمشاعره وذكرياته ويستمدّ منه الإلهام.
نجده حاضرا من خلال الوصف وربطه بما كتب؛ لتغدو الصفحات أكثر ثراء وعمقا، وتغدو الأمكنة فيها كيانات حيّة، متفاعلة، وحكايات تُروى، وذاكرة تُحفَر، وروحا تُلامس، وامتدادا للوعي والنّبض.
لقد توشّح هذا الكتاب بحبّ الوطن، وتناثرت عبارة "أرض الآباء والأجداد" بين فقراته كأيقونة للانتماء، جسّدت مدينة النّاصرة والكرمل الأخضر، وغيرها من المدن والبلدات، مشاعر الكاتب تجاه الأرض التي نشأ فيها وعاش، تلك التي نقلها بأسلوبه الخاصّ بين ثنايا الصّور، التي تجاوزت حدود الزّمان، وخلّدت الأحداث بعين المبدع التي لا تفوتها التّفاصيل، ففي كلّ فقرة قصّة، وفي كلّ مشهد لوحة، وفي كلّ شخصيّة رمز يمثّل جانبا من جوانب الحياةِ
وبعد.. وإذ نسدل السّتار على رحلتنا في عوالم هذا الكتاب، ندرك أنّنا أمام كاتب مبدع، ليس إبداعه هبة عابرة، بل ثمرة أعوام من التّأمّل والجهد والعمل الدّؤوب والقراءة المتعمّقة، وهو يولي اهتماما بقُرّائه، يشاركهم تفاصيل الأحداث وخيوط السّرد؛ ليساهم بفاعليّة في إثراء ثقافتهم ومعارفهم، جاعلا إيّاهم شركاء فاعلين في رحلته الإبداعيّة، وهو لا يكتب من برج عاجيّ بوصفه مراقبا محايدا، بل يكتب بموضوعيّة، ويشارك بفاعليّة بما يَموجُ في مجتمعه، يسخّر قلمه لخدمته، متّخذا من الكتابة رسالة سامية، فيكتب ما يفيد ويسعد الآخرين، تاركا بصمة لا تمحى في أذهانهم.
نبارك للأستاذ فتحي فوراني هذا الإصدار، الذي ينعش الذّاكرة، ويحفظها للأجيال القادمة.
- ورقة مقدّمة إلى نادي حيفا الثقافيّ / 18.4.2024