منزل النساء ومطار بامرني.
تلك كانت سنة 1979 كان قد مضى عام على زجي في القوات المسلحة , لم يخطر في بالي يوما ان اكون عسكريا فمنذ ان سمعت وانا صغير بان الجيش يأمرك ان تحفر حفرة ثم يكرهك على ردمها كرهت العسكر, وكان اخي ضمن وحدة مدفعية لا يمل من قص حكايا عن وحدته حتى اصابنا السأم من قصصه .
ومن طبعي السلام لهذا نشأت على كره مسبق للجيش .
حتما الان لي اراء مختلفة فلا تتمكن دولة من الوجود بلا جيش قوي .
لكن مدة خدمتي بالجيش استغرقت 8 سنوات بسبب الحرب...قلت لو تسرحت فلا ابقي اي اثر لاي شيء بلون الخاكي.
كنت من عام اطلق سراحي من سجن ابي غريب وبعد اسبوعين وجدتني ضمن لواء 33 الفوج السابع قوات خاصة .. ولانا نتبع البحرية فكان النزول يوميا ببزة بيضاء .
انها 1979 حيث تم نقل فوجنا من الشعيبة الرملية الى محافظة دهوك اقصى الشمال نحاذي تركيا .
عسكرنا بمطار بامرني كانت رحلة مضنية من الشعيبة في البصرة للشمال من موقع الصهر الى اراضي الثلج وكنت بتركيبي حساسا من البرد فتخيل حالي وانا انتقل مع بعض جنود سريتي بالايفا المكشوفة .
كنا نسميهم ( العصاة ) اولئك الذين حاربوا عقودا لاجل الحرية والكرامة , ضحايا بعض القرارات البريطانية الجائرة ,وكان اخي قد سبقني هنا قبل سنوات وروى لي صورا عن الرعب والانتهاكات التي كانت تمارس ضد الاكراد , فاية اطلاقة من قرية يتم حرقها تماما , أي رعب هذا .
هناك اقتنيت مجموعة (منزل النساء ) للكاتب البصري المبدع محمد خضير :
(وعبر راسينا القريبين كان ينتقل شلال من الاصوات الساكنة الواخزة على وسادة محشوة بالنواح وبصراخ الورثين المستبعد وباحتضارات الكائنات التائهة: شخير ابي وتنهدات امي وصرير الابواب واذان كل فجر وصياح الديكة ونباح الكلاب وهمهمات العجائز ثم تكسير العيدان في التنور وارتطام العجين بالراحات الماهرة بحة الامهات المزكومات الحبالى والمتخمات بغازات الكراث والفجل وماء الانهارالمسدودة اهازيج جامعي التمر وصفعات الاجسام العارية لماء الانهار الممتلئة بالحشائش الهلاهل والدرابك والطبول الولائم العشائرية وطلقات البنادق القديمة انبجاس الدم انسحاق الحنطة والرز في الجاون ونخل الطحين بالمناخل ودوران الرحى الصخرية المنقرة صليل الاساور والقلائد والاقراط والخلاخل لطم الصدور وقع القباقيب الخشبية صرير المهد الادعية والتلاوات والاهازيج ...) .
مثل هذا المقطع قراته هناك في دهوك فخفف عني الانصهار .
رايت في هذه المجموعة قصصا بنهج متفرد تمثل بخصوصية القاموس والايقاع ودقة التكثيف وروح الشعر .
واذكر في مناسبة ما تحاورت مع الشاعر الرائد البريكان فقال ( محمد خضير تفاءلت به واوصيت ان ازود بنصوص انشرها له في مجلة ( الفكر الحي ) .
من سجن ابي غريب الى عسكري بالكمندوز لشاب شاعر لم يتشاجر يوما حتى براحة اليد .
وكنا نعلم بان الاكراد يحبوننا نحن اهالي البصرة قيل لحفاوة استقبالنا للبرزاني قائدهم يوم زارها .
فكيف ساقتل كرديا , لهذا ابتكرت حيلة نجحت , فاقنعتهم ان نظري ضعيف فتم اعفائي من الاشتراك في الكمائن الليلية , فاشعل الفانوس في خيمتي وحيدا واوقد مدفأتي الصدئة واقضي الليل اقرأ فيما يكمن اصحابي تحت الثلج في انتظار اكراد ليقتلوهم او ياسرون .
ربما كنت الوحيد في وحدتي من يقرأ كتبا فلفت ذلك نظر جندي فقال لي ( انت تقرا سارتر لو تدري ما سيفعل بك ضابط الاستخبارات لو علم بذلك ) كنت حينها اتابع ثلاثيته دروب الحرية .
حين استقر جسدي في دهوك كانت الحركة الكردية في خمول , لهذا بعد ان نوزع القصعة,( كنت ضمن الطباخين ) ,امضي مشيا لساعة بحزامي حربة فقط بين بساتين العنب والتفاح والمشمش وغيرها , بساتين هجرها اهلها , كنت اقطف فاكهة واحدة كل عشرين مترا فلما اصل موقعي الذي ساعود منه يكون لدي نصف كيس تمن من الفاكهة فاضعها في مجرى ماء مبرد ونستحم على الحجر البهي ونعود .
من خيمتي في السليمانية سمعت جنديا يبكي ويشهق في التاسعة ليلا , ثم رايت احدا يضع اقدام جندي بماء ساخن فتخرج مثلجة ... ما حدث ان سريتنا قصدت اكرادا مسلحين وحذرهم الدليل من عاصفة ثلجية لكن الآمر لم يقتنع وامر الجنود بالتقدم فتمكن منهم الكرد المسلحون وتساقط الرجال بين جريح وقتيل ومعاق ولم ينقذ الموقف الا فوج من الحرس الجمهوري نقل من بغداد بالطائرات ليعالج الموقف .
كنت اتنزه وحدي في غابات دهوك..ملبدا بالظلال...منتشيا بجمال الاشجار ...ولاول مرة ارى اشجار الجوز شامخة باماكن مرتفعة.
جذبتني الربايا والمرتفعات وسجائر المقاتلين الكرد يضعونها داخل قصبة مثقبة مغطاة بطاقية خشبية كي لا يستهدفهم القناصون لضوء الجمر.
هناك شرعت بكتابة اراء نقدية حول قصيدة النثر...تجمعت بدفتر ضاع مني..
كنت مختصا بالمطبخ بسلخ الخرفان..التي نستولي عليها من الكرد الهاربين..
كنت اتسلى بكتابة زهيريات
( مايلة
عطشان حبك سراب الما روة مايله
وخمر الغرور بدليلك غيرة ومايلة..
كلبك الي ومن تمر عينك لهم مايلة
...الخ ).
وكتبت العديد من الابوذيات ذكرت فيها المناطق الدهوكية مثل سولاف وسرسنك وغيرها.
وربما الطرق المتعرجة في الجبال هي من ارهبتني فقلت ان غادرت فلن ازور الشمال الذي لم ازره حتى 2024.
فجرا نباغت القرى مدججين لكنا خلال سنة لم نمسك كرديا واحدا..النساء وحدها من نرى.
وكم اشعر بالخجل للان فيوم عودة فوجنا للبصرة كنا نطلق في الوديان عبثا وقد جاريت الجنود واطلقت مثلهم على الفراغ
تلك كانت سنة 1979 كان قد مضى عام على زجي في القوات المسلحة , لم يخطر في بالي يوما ان اكون عسكريا فمنذ ان سمعت وانا صغير بان الجيش يأمرك ان تحفر حفرة ثم يكرهك على ردمها كرهت العسكر, وكان اخي ضمن وحدة مدفعية لا يمل من قص حكايا عن وحدته حتى اصابنا السأم من قصصه .
ومن طبعي السلام لهذا نشأت على كره مسبق للجيش .
حتما الان لي اراء مختلفة فلا تتمكن دولة من الوجود بلا جيش قوي .
لكن مدة خدمتي بالجيش استغرقت 8 سنوات بسبب الحرب...قلت لو تسرحت فلا ابقي اي اثر لاي شيء بلون الخاكي.
كنت من عام اطلق سراحي من سجن ابي غريب وبعد اسبوعين وجدتني ضمن لواء 33 الفوج السابع قوات خاصة .. ولانا نتبع البحرية فكان النزول يوميا ببزة بيضاء .
انها 1979 حيث تم نقل فوجنا من الشعيبة الرملية الى محافظة دهوك اقصى الشمال نحاذي تركيا .
عسكرنا بمطار بامرني كانت رحلة مضنية من الشعيبة في البصرة للشمال من موقع الصهر الى اراضي الثلج وكنت بتركيبي حساسا من البرد فتخيل حالي وانا انتقل مع بعض جنود سريتي بالايفا المكشوفة .
كنا نسميهم ( العصاة ) اولئك الذين حاربوا عقودا لاجل الحرية والكرامة , ضحايا بعض القرارات البريطانية الجائرة ,وكان اخي قد سبقني هنا قبل سنوات وروى لي صورا عن الرعب والانتهاكات التي كانت تمارس ضد الاكراد , فاية اطلاقة من قرية يتم حرقها تماما , أي رعب هذا .
هناك اقتنيت مجموعة (منزل النساء ) للكاتب البصري المبدع محمد خضير :
(وعبر راسينا القريبين كان ينتقل شلال من الاصوات الساكنة الواخزة على وسادة محشوة بالنواح وبصراخ الورثين المستبعد وباحتضارات الكائنات التائهة: شخير ابي وتنهدات امي وصرير الابواب واذان كل فجر وصياح الديكة ونباح الكلاب وهمهمات العجائز ثم تكسير العيدان في التنور وارتطام العجين بالراحات الماهرة بحة الامهات المزكومات الحبالى والمتخمات بغازات الكراث والفجل وماء الانهارالمسدودة اهازيج جامعي التمر وصفعات الاجسام العارية لماء الانهار الممتلئة بالحشائش الهلاهل والدرابك والطبول الولائم العشائرية وطلقات البنادق القديمة انبجاس الدم انسحاق الحنطة والرز في الجاون ونخل الطحين بالمناخل ودوران الرحى الصخرية المنقرة صليل الاساور والقلائد والاقراط والخلاخل لطم الصدور وقع القباقيب الخشبية صرير المهد الادعية والتلاوات والاهازيج ...) .
مثل هذا المقطع قراته هناك في دهوك فخفف عني الانصهار .
رايت في هذه المجموعة قصصا بنهج متفرد تمثل بخصوصية القاموس والايقاع ودقة التكثيف وروح الشعر .
واذكر في مناسبة ما تحاورت مع الشاعر الرائد البريكان فقال ( محمد خضير تفاءلت به واوصيت ان ازود بنصوص انشرها له في مجلة ( الفكر الحي ) .
من سجن ابي غريب الى عسكري بالكمندوز لشاب شاعر لم يتشاجر يوما حتى براحة اليد .
وكنا نعلم بان الاكراد يحبوننا نحن اهالي البصرة قيل لحفاوة استقبالنا للبرزاني قائدهم يوم زارها .
فكيف ساقتل كرديا , لهذا ابتكرت حيلة نجحت , فاقنعتهم ان نظري ضعيف فتم اعفائي من الاشتراك في الكمائن الليلية , فاشعل الفانوس في خيمتي وحيدا واوقد مدفأتي الصدئة واقضي الليل اقرأ فيما يكمن اصحابي تحت الثلج في انتظار اكراد ليقتلوهم او ياسرون .
ربما كنت الوحيد في وحدتي من يقرأ كتبا فلفت ذلك نظر جندي فقال لي ( انت تقرا سارتر لو تدري ما سيفعل بك ضابط الاستخبارات لو علم بذلك ) كنت حينها اتابع ثلاثيته دروب الحرية .
حين استقر جسدي في دهوك كانت الحركة الكردية في خمول , لهذا بعد ان نوزع القصعة,( كنت ضمن الطباخين ) ,امضي مشيا لساعة بحزامي حربة فقط بين بساتين العنب والتفاح والمشمش وغيرها , بساتين هجرها اهلها , كنت اقطف فاكهة واحدة كل عشرين مترا فلما اصل موقعي الذي ساعود منه يكون لدي نصف كيس تمن من الفاكهة فاضعها في مجرى ماء مبرد ونستحم على الحجر البهي ونعود .
من خيمتي في السليمانية سمعت جنديا يبكي ويشهق في التاسعة ليلا , ثم رايت احدا يضع اقدام جندي بماء ساخن فتخرج مثلجة ... ما حدث ان سريتنا قصدت اكرادا مسلحين وحذرهم الدليل من عاصفة ثلجية لكن الآمر لم يقتنع وامر الجنود بالتقدم فتمكن منهم الكرد المسلحون وتساقط الرجال بين جريح وقتيل ومعاق ولم ينقذ الموقف الا فوج من الحرس الجمهوري نقل من بغداد بالطائرات ليعالج الموقف .
كنت اتنزه وحدي في غابات دهوك..ملبدا بالظلال...منتشيا بجمال الاشجار ...ولاول مرة ارى اشجار الجوز شامخة باماكن مرتفعة.
جذبتني الربايا والمرتفعات وسجائر المقاتلين الكرد يضعونها داخل قصبة مثقبة مغطاة بطاقية خشبية كي لا يستهدفهم القناصون لضوء الجمر.
هناك شرعت بكتابة اراء نقدية حول قصيدة النثر...تجمعت بدفتر ضاع مني..
كنت مختصا بالمطبخ بسلخ الخرفان..التي نستولي عليها من الكرد الهاربين..
كنت اتسلى بكتابة زهيريات
( مايلة
عطشان حبك سراب الما روة مايله
وخمر الغرور بدليلك غيرة ومايلة..
كلبك الي ومن تمر عينك لهم مايلة
...الخ ).
وكتبت العديد من الابوذيات ذكرت فيها المناطق الدهوكية مثل سولاف وسرسنك وغيرها.
وربما الطرق المتعرجة في الجبال هي من ارهبتني فقلت ان غادرت فلن ازور الشمال الذي لم ازره حتى 2024.
فجرا نباغت القرى مدججين لكنا خلال سنة لم نمسك كرديا واحدا..النساء وحدها من نرى.
وكم اشعر بالخجل للان فيوم عودة فوجنا للبصرة كنا نطلق في الوديان عبثا وقد جاريت الجنود واطلقت مثلهم على الفراغ