لماذا نسمَعُ ونقول "الوطن للجميع"؟ لأن هذه العبارة، نظرِياً، تساوي بين الناس كيفما كانت انتمآتُهم الاجتماعية وكيفما كان وضعُهم المادي وكيفما كانت عقيدتُهم ومهما اختلفت ألسنتُهم وثقافاتُهم ولونُ بشرتِهم. فما هو الوطن؟
وإذا أردنا أن نُترجمَ كلمةَ "وطن" ألى اللغة الفرنسية، أنا شخصيا، أفضِّل أن أستعملَ كلمةَ "patrie" عوض nation. لماذا؟ لأن كلمةَ patrie لها دلالة جغرافية/عاطفية، بل دلالة وِجدانية. والدليل على ذلك، أن كلمة "patrie" بالفرنسية، كانت تُطلق قديما على أرض الآباء. وعندما يُعطى للوطن دلالة وِجدانية، فالأشخاص يُحِسُّون بالانتماء له والتَّغنِّي به، بل يُحسُّون بالانتماء لتُربته، لهوائه، لمائه، لأشجاره، لجباله، لسهوله، لمناظره… لتقاليده، لعاداتِه، لثقافاتِه، لفُلكلوره، لفنونه… ولهذا، فالأدباء والشعراء، عندما يريدون تمجيدَ glorification الوطن، فإنهم يُشيدون بكل هذه الأشياء لتُصبحَ رموزا يُفتَخَر بها. أما كلمة nation، فلها دلالة سياسية، بمعنى أن الوطن هو التراب territoire المنظَّم على شكل دولة لها مؤسَّساتُها العمومية ولها قانونُها الأسمى، أي الدستور، ولها قوانينُها التَّنظيمية وحيث الناس لهم نفس الحقوق وعليهم نفسُ الواجبات. وسواءً تعلَّق الأمر بالوطن ك patrie أو بالوطن ك nation، فالقاسمُ المشترك بينهما، هو التَّساكن والتعايش فوق تُراب الوطن.
فحينما يقول شخصٌ ما "أنا مواطنٌ"، تنتفي عنه كل الاعتبارات التي تجعل منه فردا مخالفا للآخرين. حينها، الشيءُ الوحيد الذي يجعله متساويا مع الآخرين هو المواطنة، أي الانتماء لوطنٍ معيَّنٍ. فتصبح له نفسُ الحقوق التي يتمتَّع بها الآخرون، وتُلقى على عاتقِه نفس الواجبات المفروضة على الآخرين.
إذن، الوطن، سواءً من وِجهة نظر وِجدانية أو سياسية، هو التُّرابُ le territoire الذي يجمع، باسم المُواطنة، بين جميع الناس بغضِّ النظر عن كل الاعتبارات الدينية، الاجتماعية، العِرقية، الثقافية، اللغوية… وهذا هو ما أراده اللهُ، سبحانه وتعالى حين قال في الآية رقم 13 من سورة الحجرات : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
عندما نحلِّل هذه الآية، نلاحظ أنها لا تعترف بالاعتبارات المشار إليها أعلاه. بل إنها تشير إلى المواطنة دون أن تذكرَها حرفيا. لماذا؟
أولا، لأن اللهَ، سبحانه وتعالى، في هذه الآية، يوجِّه كلامَه للناس دون أن يذكرَ ما هي الاختلافات القائمة بينهم. ولا داعي للقول أن هذه الاختلافات موجودة، وخصوصا، عندما يتعلَّق الأمرُ بالقبائل التي هي قائمة على الاختلاف العشائري، اجتماعيا وثقافيا. وعندما قال، سبحانه وتعالى: "إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ"، فإن كلمتي "ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ" وردتا، في نفس الآية، على شكل اسمَين نَكِرَتين. وهذا يعني أن هذين الذكر والأنثى، هما من عامة الناس، أينما وُجِدَا أو يوجدان، أي أينما وُجِدَا أو يوجدان في أية بُقعة من بقاع الأرض. بل إنه، سبحانه وتعالى، لم يذكر، في هذه الآية، أي وجهٍ من وجوه الاختلاف بين هذين الذكر والأنثى. وهذا يعني أنه، بالنسبة لله، سبحانه وتعالى، الناس متساوون سواءً كانوا ذكورا أو إناثا.
ثانيا، عندما قال، سبحانه وتعالى : "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، وكأنه، عز وجل، يريد أن يُخبرَنا أنه، رغم الاختلافات القائمة بين الناس، سواءً كانوا شعوبا أو قبائل، المُهمُّ هو أن يتساكنوا ويتعايشوا داخل مجتمعات يكون فيها التَّعارفُ هو الأساس. والتعارف هو أن يتعارف الناسُ بعضُهم على البعض الآخر. والتعارف يقود هؤلاء الناس إلى تنظيم تساكنِهم وتعايشِهم داخل المجتمعات، حسب ما اتفقوا عليه من أدوات وآلِياتٍ وترتيب وعمل… وهذا يعني أن التعارفَ بين الناس يُلغِي كل الاختلافات القائمة بينهم.
ثالثا، عندما قال، سبحانه وتعالى : "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، فهذا الجزء من الآية يكتسي أهمِّيةً بالِغة. لماذا؟ لأن الاختلافَ الوحيدَ بين الناس والذي له قيمة عند الله، هو "درجة التَّقوى". وهذا يعني أن اللهَ، سبحانه وتعالى، عندما أراد أن يتساكنَ ويتعايشَ الناسُ داخل المجتمعات، فالمهم عند الله ليس الاختلافات الاجتماعية والثقافية، لكن درجة التَّقوى، أي الإيمان بالله وبوحدانيته وطاعته والامتثال لأوامره… وأن ما تمَّ الاتفاقُ عليه من أدوات وآلِياتٍ وترتيب وعمل… يصبُّ في الصالح العام وما فيه خيرٌ للناس المُتساكنين والمتعايشين داخل المجتمعات، أي الذين يقومون بواجباتهم أحسن قيامٍ وينفعون أنفسَهم وينفعون الآخرين، آخذين بعين الاعتبار ما أراده الله، سبحانه وتعالى، من تآخي بين الناس وما يفرضُه حسنُ التَّساكن والتَّعايش، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" (النساء، 124).
وفي الختام، أليستِ الآيةُ رقم 13 من سورة الحجرات تعبيرٌ واضحٌ عن المواطنة، دون ذكرِها حرفيا؟ والمواطنة، كما سبق الذكرُ، هي التَّشبُّثُ بالانتماء إلى بقعة من بقاع الأرض والتساكن والتعايش فيها بسلامٍ و وئامٍ وتكون فيها القِيم الإنسانية هي القاسم المشترك بين الناس، وليس الاختلافات كيفما كانت، دينية، اجتماعية، مادية، عِرقية، لغوية… المواطنة تُلغي كل الاختلافات وتُساوي بين الناس من حيث الحقوق والواجبات. ولهذا، فالدين أمرٌ محصورٌ بين خالقٍ ومخلوقٍ، أي بين فردٍ وخالقِه بينما المواطنة هي أساسُ استقامةِ وحسنِ التَّساكن والتَّعايش.
وإذا أردنا أن نُترجمَ كلمةَ "وطن" ألى اللغة الفرنسية، أنا شخصيا، أفضِّل أن أستعملَ كلمةَ "patrie" عوض nation. لماذا؟ لأن كلمةَ patrie لها دلالة جغرافية/عاطفية، بل دلالة وِجدانية. والدليل على ذلك، أن كلمة "patrie" بالفرنسية، كانت تُطلق قديما على أرض الآباء. وعندما يُعطى للوطن دلالة وِجدانية، فالأشخاص يُحِسُّون بالانتماء له والتَّغنِّي به، بل يُحسُّون بالانتماء لتُربته، لهوائه، لمائه، لأشجاره، لجباله، لسهوله، لمناظره… لتقاليده، لعاداتِه، لثقافاتِه، لفُلكلوره، لفنونه… ولهذا، فالأدباء والشعراء، عندما يريدون تمجيدَ glorification الوطن، فإنهم يُشيدون بكل هذه الأشياء لتُصبحَ رموزا يُفتَخَر بها. أما كلمة nation، فلها دلالة سياسية، بمعنى أن الوطن هو التراب territoire المنظَّم على شكل دولة لها مؤسَّساتُها العمومية ولها قانونُها الأسمى، أي الدستور، ولها قوانينُها التَّنظيمية وحيث الناس لهم نفس الحقوق وعليهم نفسُ الواجبات. وسواءً تعلَّق الأمر بالوطن ك patrie أو بالوطن ك nation، فالقاسمُ المشترك بينهما، هو التَّساكن والتعايش فوق تُراب الوطن.
فحينما يقول شخصٌ ما "أنا مواطنٌ"، تنتفي عنه كل الاعتبارات التي تجعل منه فردا مخالفا للآخرين. حينها، الشيءُ الوحيد الذي يجعله متساويا مع الآخرين هو المواطنة، أي الانتماء لوطنٍ معيَّنٍ. فتصبح له نفسُ الحقوق التي يتمتَّع بها الآخرون، وتُلقى على عاتقِه نفس الواجبات المفروضة على الآخرين.
إذن، الوطن، سواءً من وِجهة نظر وِجدانية أو سياسية، هو التُّرابُ le territoire الذي يجمع، باسم المُواطنة، بين جميع الناس بغضِّ النظر عن كل الاعتبارات الدينية، الاجتماعية، العِرقية، الثقافية، اللغوية… وهذا هو ما أراده اللهُ، سبحانه وتعالى حين قال في الآية رقم 13 من سورة الحجرات : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
عندما نحلِّل هذه الآية، نلاحظ أنها لا تعترف بالاعتبارات المشار إليها أعلاه. بل إنها تشير إلى المواطنة دون أن تذكرَها حرفيا. لماذا؟
أولا، لأن اللهَ، سبحانه وتعالى، في هذه الآية، يوجِّه كلامَه للناس دون أن يذكرَ ما هي الاختلافات القائمة بينهم. ولا داعي للقول أن هذه الاختلافات موجودة، وخصوصا، عندما يتعلَّق الأمرُ بالقبائل التي هي قائمة على الاختلاف العشائري، اجتماعيا وثقافيا. وعندما قال، سبحانه وتعالى: "إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ"، فإن كلمتي "ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ" وردتا، في نفس الآية، على شكل اسمَين نَكِرَتين. وهذا يعني أن هذين الذكر والأنثى، هما من عامة الناس، أينما وُجِدَا أو يوجدان، أي أينما وُجِدَا أو يوجدان في أية بُقعة من بقاع الأرض. بل إنه، سبحانه وتعالى، لم يذكر، في هذه الآية، أي وجهٍ من وجوه الاختلاف بين هذين الذكر والأنثى. وهذا يعني أنه، بالنسبة لله، سبحانه وتعالى، الناس متساوون سواءً كانوا ذكورا أو إناثا.
ثانيا، عندما قال، سبحانه وتعالى : "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، وكأنه، عز وجل، يريد أن يُخبرَنا أنه، رغم الاختلافات القائمة بين الناس، سواءً كانوا شعوبا أو قبائل، المُهمُّ هو أن يتساكنوا ويتعايشوا داخل مجتمعات يكون فيها التَّعارفُ هو الأساس. والتعارف هو أن يتعارف الناسُ بعضُهم على البعض الآخر. والتعارف يقود هؤلاء الناس إلى تنظيم تساكنِهم وتعايشِهم داخل المجتمعات، حسب ما اتفقوا عليه من أدوات وآلِياتٍ وترتيب وعمل… وهذا يعني أن التعارفَ بين الناس يُلغِي كل الاختلافات القائمة بينهم.
ثالثا، عندما قال، سبحانه وتعالى : "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، فهذا الجزء من الآية يكتسي أهمِّيةً بالِغة. لماذا؟ لأن الاختلافَ الوحيدَ بين الناس والذي له قيمة عند الله، هو "درجة التَّقوى". وهذا يعني أن اللهَ، سبحانه وتعالى، عندما أراد أن يتساكنَ ويتعايشَ الناسُ داخل المجتمعات، فالمهم عند الله ليس الاختلافات الاجتماعية والثقافية، لكن درجة التَّقوى، أي الإيمان بالله وبوحدانيته وطاعته والامتثال لأوامره… وأن ما تمَّ الاتفاقُ عليه من أدوات وآلِياتٍ وترتيب وعمل… يصبُّ في الصالح العام وما فيه خيرٌ للناس المُتساكنين والمتعايشين داخل المجتمعات، أي الذين يقومون بواجباتهم أحسن قيامٍ وينفعون أنفسَهم وينفعون الآخرين، آخذين بعين الاعتبار ما أراده الله، سبحانه وتعالى، من تآخي بين الناس وما يفرضُه حسنُ التَّساكن والتَّعايش، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" (النساء، 124).
وفي الختام، أليستِ الآيةُ رقم 13 من سورة الحجرات تعبيرٌ واضحٌ عن المواطنة، دون ذكرِها حرفيا؟ والمواطنة، كما سبق الذكرُ، هي التَّشبُّثُ بالانتماء إلى بقعة من بقاع الأرض والتساكن والتعايش فيها بسلامٍ و وئامٍ وتكون فيها القِيم الإنسانية هي القاسم المشترك بين الناس، وليس الاختلافات كيفما كانت، دينية، اجتماعية، مادية، عِرقية، لغوية… المواطنة تُلغي كل الاختلافات وتُساوي بين الناس من حيث الحقوق والواجبات. ولهذا، فالدين أمرٌ محصورٌ بين خالقٍ ومخلوقٍ، أي بين فردٍ وخالقِه بينما المواطنة هي أساسُ استقامةِ وحسنِ التَّساكن والتَّعايش.