المحامي علي ابوحبله - قرارات “العدل الدولية” ضد الاحتلال.. استثنائية وسيكون لها تداعيات

صوره تعكس حقيقة وواقع ما تعيشه " إسرائيل " وهي باتت تقف وحيده ومنبوذة وهي صورة من داخل محكمة العدل الدولية للوفد الإسرائيلي” وقد أثارت تفاعل لدى جمهور واسع من المتابعين ، وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورتان من داخل قاعة محكمة العدل الدولية خلال تداولات جلسة النطق بالحكم في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لوقف الحرب على غزة، تظهر الفرق بين فريقي البلدين في دعم الأعضاء.

وأظهرت الصورة الأولى وفد جنوب أفريقيا، يقف خلفه عدد كبير من ممثلي الدول الأعضاء بالمحكمة، بينما أظهرت صورة الفريق الإسرائيلي أنه لا يقف خلفه أحد.

الصورتان أثارتا تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل، إذ علّق ناشطون قائلين إن "إسرائيل تقف وحيدة منبوذة، والعالم يؤيد دعوى جنوب أفريقيا ويقف خلفها"

قرار المحكمة الدولية وان كان مجتزأ ومقتصر على جزئية اجتياح رفح إلا أن للقرار أهميه يمكن البناء عليه ، فقد أمرت محكمة العدل الدولية أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، الجمعة 24 مايو/أيار 2024، إسرائيل بوقف هجومها العسكري في رفح جنوب قطاع غزة، في قرار عد استثناءا ويمكن البناء عليه للتوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار وفتح أفق للحراك السياسي لينهي تمرد إسرائيل على قرارات الشرعية الدولية

أمرت محكمة العدل الدولية في لاهاي، الجمعة 24 مايو/أيار، دولة الاحتلال بوقف هجومها العسكري على رفح في جنوب قطاع غزة بشكل فوري، مشددة على ضرورة فتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في موقف عد استثنائيا وشكل ضربه للكيان الإسرائيلي وقادته تُضاف إلى سلسلة الضربات التي يتلقاها الكيان المحتل منذ بداية حرب غزة وهناك خشيه حقيقية لدى قادة الكيان الإسرائيلي من تداعيات هذا القرار الذي يراكم من أخطاء الكيان الإسرائيلي ويمكن أن يكون دافع لمحكمة الجنايات الدولية في التوسع في تحقيقاتها والتوسع في إصدار مذكرات اعتقال تشمل قده عسكريون

استند رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام، في قراره خلال جلسة النطق بالحكم، إلى أن الوضع الحاليّ ينطوي على مخاطر جديدة بإلحاق “أضرار بحقوق الناس في غزة لا يمكن إصلاحها”، وأن الظروف المعيشية لسكان قطاع غزة تدهورت بشكل ملحوظ منذ قرار 28 مارس/آذار الماضي الذي أمر “إسرائيل” باتخاذ إجراءات تمنع أعمال الإبادة.

المحكمة شددت في قراراتها على تنفيذ الأوامر الواردة في قراري يناير/كانون الثاني ومارس/آذار الماضيين، داعية في الوقت نفسه إلى إطلاق سراح الأسرى فورًا ودون شروط، مانحة الكيان المحتل مهلة زمنية لا تتخطى الشهر من أجل تقديم تقرير بشأن الخطوات التي يتخذها لتنفيذ الإجراءات الاحترازية المطلوبة.

القرار الاستثنائي التنفيذي الاحترازي جاء استجابة للطلب الذي قدمته جنوب إفريقيا للمحكمة في 10 من مايو/آيار الحاليّ لإصدار أمر عاجل يقضي باتخاذ تدابير إضافية لحماية الفلسطينيين في غزة، وذلك بعد إصرار الاحتلال على شن عملية برية في رفح، وتعريض حياة أكثر من مليون ونصف إنسان للخطر.

القرار رغم أنه لم يلبِ بعد طموحات جنوب إفريقيا ولا الفلسطينيين، من حيث الدعوة لوقف إطلاق نار شامل والانسحاب الكامل من كل القطاع، ولا تملك المحكمة الدولية القوه الضاغطة والتنفيذية لإلزام الكيان الصهيوني وانصياعه لتنفيذ قرارات العدل الدولية ، إلا أن القرار في مضمونه وحيثياته يمكن البناء عليه وقد قوبل بالرضي في الأوساط الداعمة للقضية الفلسطينية، ووصف بـ”التاريخي”..

هو بحق استثناني من حيث الشكل والمضمون وموضع ترحيب فلسطيني وعربي وإقليمي ودولي في مقابل تنديد إسرائيلي وأمريكي وبعض من حلفاء إسرائيل الذين مازالوا يدعمون إسرائيل ويتمسكون بمبرر للحرب التي تشنها إسرائيل وتتسم بحرب الاباده ويعتبرونها حق مشروع للدفاع عن النفس متناسين حقيقة أن إسرائيل تفتقد لأدنى مبرر لاعتداءاتها لانها دولة احتلال غير شرعي وعدوانها وحربها على غزه غير مبرره بالمطلق وتتعارض مع كافة القوانين والمواثيق الدولية وقد أعطت الحق لسكان الاقليم المحتل حق ومشروعية مقاومة المحتل

القرار بهذا التوقيت له دلالات مهمة لعدة أسباب منها :-

أولًا:- جاء القرار بالتزامن مع تحركات دولية وعربيه وإسلاميه ضد الكيان الإسرائيلي المحتل وقياداته، أبرزها:

فقد شرع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أحمد خان، بالتحقيقات الجنائية وإصدار مذكرة جلب وإحضار بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيره يوآف غالانت، بسبب مسؤوليتهما بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وهي المرة الأولى التي تقدم عليها محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرات اعتقال الدولية بحق قادة إسرائيليين.

ثانيًا: يمكن تسجيل العديد من النقاط لمضمون ونص وروح القرار واجمالها :

1:- القرار هو الأول من نوعه الذي تأمر فيه محكمة العدل الدولية “إسرائيل” بتعليق عملياتها العسكرية في رفح.

2:؛_ يكتسب القرار الدرجة القطعية كونه نهائيًا وملزمًا وغير قابل للطعن عليه من الكيان الإسرائيلي سواء بالنقض أم الاستئناف.

3:- كذلك الولايات المتحدة التي استخدمت ورقة “حق النقض” في عرقلة أي تحركات دولية ضد الحليف الإسرائيلي منذ الحرب، تفتقد اليوم استخدام هذا السلاح أمام قرارات العدل الدولية، ما يزيد من التعقيدات لحلفاء إسرائيل وارتداد مجمل التطورات على الوضع الداخلي الإسرائيلي وهو يعيش مازق داخلي وصراعات داخلية بات يصعب على قادته الحروج منها

4:- يفضح هذا القرار الصادر عن المحكمة المكونة من 15 قاضيًا من عدة دول، إجرام “إسرائيل” ويعريها ويجعلها منبوذة عالميا ، ويفند ادعاءاتها وادعاءات مسوقيها على أنها الكيان الديمقراطي الداعم للمبادئ الحقوقية والإنسانية والنموذج الحضاري الوحيد في الشرق الأوسط، الأمر الذي يطيح بعقود طويلة بذلت فيها الصهيونية العالمية أموالًا وجهودًا مضنية للترويج لتلك الصورة المزيفة.

إسرائيل تعيش عزله حقيقية بعد حربها على غزه وفقدت إنسانيتها بسبب التعالي الذي عليه غلاة المتطرفين فيها وممعنين باستمرار الحرب وما ينطوي عليه استمرار الحرب من جرائم وحرب أباده وتجسيد للكراهية وسياسة الفصل العنصري ، ، وهو ما يفسر الهجوم الإسرائيلي والأمريكي على محكمة الجنائية الدولية بين الحين والآخر بصفتها جهة غير مختصة، لكن الوضع يختلف كثيرًا مع العدل الدولية المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة.

قرار محكمة العدل الدولية كانت موضع تأييد وترحيب أمين عام الأمم المتحدة ، أنطونيو غوتيريش، وأكد أنه سيحيل تلك القرارات بشأن وقف العملية البرية الإسرائيلية في رفح وفتح المعبر وإدخال المساعدات إلى مجلس الأمن، الأمر الذي يفاقم ويزيد من عزلة إسرائيل ويعري حلفاء إسرائيل ويضع أمريكا في موقف لا تحسد عليه خاصة إذا استعملت حق النقض الفيتو ضد قرار المحكمة الدولية

هناك تحول غربي تجاه القضية الفلسطينية وهناك وعي جماهيري أوروبي لدعم الحقوق الوطنية والتاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وسنشهد تعاطي مختلف من بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا،وقد سبق لهذه الدول أن أعلنت في بيانات رسمية لها التزامها باحترام أي قرارات تصدرها العدل الدولية، ما يرجح أن نشهد مواقف مغايره للسابق وأن تدعم الغالبية داخل مجلس الأمن قرار وقف العملية العسكرية في رفح فورًا.

هذا التأييد الدولي للحقوق المشروعة التاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني هو نتاج معركة طوفان الأقصى وما نشهده من تغيرات يفترض أن يبنى عليها واستثماره عبر توحيد الصف الفلسطيني خاصة أن التأييد الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة، والإجماع الذي تحظى فيه القضية وقد كشفت حقيقة نظام الفصل العنصري وجرائمه مما يدع دول العالم أجمع ، لفرض عزله على “إسرائيل” المحتلة، وبجرائمها ، التي تجاوزت الأروقة السياسية الرسمية إلى الشوارع والميادين والجامعات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، في انقلاب قل نظيره وتغير عالمي لدعم القضية الفلسطينية وهو غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

عرى وكشف قرار المحكمة الدولية والصادم لـ”إسرائيل”، عن العنصرية التي تهيمن على صناع القرار السياسي في تل أبيب، وبين حقيقة المجتمع الإسرائيلي الذي يجنح غالبيته للتطرف والنزاعة العنصرية ، حيث الرفض بالإجماع والإصرار من المكون السياسي الإسرائيلي على مواصلة العملية البرية في رفح، رغم معارضة البعض من قدامى السياسيين والعسكريين لاستمرار الحرب وتداعياتها على "إسرائيل "

هناك شبه إجماع على رفض قبول قرارات المحكمة الدولية والاستمرار في عملية رفح ومواصلة الحرب إلى ما لانهاية، هو إجماع من كل الأطياف السياسية الإسرائيلية، حتى تلك التي كانت رافضة في البداية لتلك العملية، وتندد بإستراتيجية نتني اهو في توسيع دائرة الحرب وعرقلة أي صفقة تقود لتبادل الأسرى ووقف القتال.

ازدواجية المعايير تكشف حقيقة النظام الدولي وسقوطه المدوي في التعامل مع القضية الفلسطينية وهي مغايرة مع حقيقة الموقف والتعاطي مع القضية الأوكرانية حتى في القرارات الدولية وتعكس تلك الازدواجية عنصرية النخبة الحاكمة الإسرائيلية بشتى أطيافها، وتوظيفها لملف الأسرى لحسابات سياسية بحتة، لا علاقة لها بالمبادئ الإنسانية وإلا الشعارات المرفوعة التي يرددها غانتس وغالانت وآيزنكوت ولبيد وغيرهم، فالجميع يتعامل مع هذا الملف كورقة ضغط ضد نتنياهو لتحقيق أهداف ومصالح سياسية، وهذا سقوط أخلاقي مدو جديد للاحتلال وقياداته.

تداعيات قرار المحكمة الدولية على الكيان الإسرائيلي وإصراره على مواصلة الحرب التي تتسم بالاباده وسياسة التجويع هو سقوط مدوي لإسرائيل ولكل الدول الداعمة لها والمشاركة معها بجرائمها ضد الشعب الفلسطيني ، لقد تجردت إسرائيل من من كل أوراق التوت التي كانت تستر عوراتها لعقود طويلة، سواء على المستوى السياسي من خلال اتساع رقعة العزلة الدولية التي تعاني منها وتحويلها إلى دولة منبوذة، أم على الجانب الأخلاقي حيث توظيف الشعارات الإنسانية لصالح حسابات شخصية وسياسية بحتة، وإن كان هناك من فضل في ذلك فيرجع إلى الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وثباته في أرضه ليفشل كل المخططات الإسرائيلية ويزيد من الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي لينصاع لقرارات الشرعية الدولية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...