سؤال: كيف يكتب الروائي عن أدب السجون و هو لم يعش حياة السجون و المعتقلات؟
أثارت رواية "قناع بلون السماء" للروائي الفلسطيني باسم خندقجي و التي حصلت على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية في دوراتها السبعة عشر بالعاصمة الإماراتية جدلا بين القراء و النقاد و حظيت بقراءات عديدة و من بزوايا و رؤى مختلفة ـ لاسيما و الرواية كتبها صاحبها و هو أسير بين القضبان الحديدية و فاقد للحرية، حيث أثارت ضجة ليس لأنها كتبت من داخل السجن، بل كيف تم تسريبها نحو الخارج و كيف تم طبعها ، و هذا يقود إلى الحديث عن مفهوم تسريب المقاومة الفلسطينية في الرواية العربية التي أرّخت للمشهد الفلسطيني و مراحل المقاومة و الانقسام الفلسطيني و الذي لا محالة سيظل خالدا في ذاكرة القارئ العربي، و من القراء الذين أعادوا قراءة الرواية و بتفصيل دقيق الدكتور لونيس بن علي ، تناول فيها أدب المقاومة من خلال هذه الرواية متحدثا عن زمنية التناقض الذي يرسخ لثقافة الخراب، و ما الذي يمكن إضافته و العالم يعيش زمن النكبة في تكرارها و بأبشع الطرق و ما يحدث اليوم في غزة ، و قال الدكتور لونيس بن علي أن رواية باسم خندقجي تستحق وقفة تأملية عن زمن الحدث ومكان الكتابة، لأنه من الصعب قراءة الرواية بموضوعية و قراءتها يجب ان تكون في إطارها و بشروطها، متسائلا: كيف لروائي أن يكتب رواية من داخل السجن؟ بوصفها أداة للحرية و المقاومة ، و لذا تم التعامل مع هذه الرواية بعاطفة ، مشيرا أن القراءة الأدبية إن تغلب عليها الجانب العاطفي قد تقصي الأدب، لأن الرواية بنيت على جدلية الهوية، و بالتالي هي ضمن الروايات العالمية التي تشتغل على الجانب الهوياتي.
فباسم خندقجي في روايته كان يهاجم الوحش الكولونيالي كما سمّاه الإعلامي مراد بوكرزازة الذي نشط المنتدى و قال ان الرواية تعالج إشكالية تقمص الهوية، و قد أطلق عليها مراد بوكرزازة بالأعمال الممانعة، وقد فضل بوكرزازة هذا المصطلح بدلا من أن يقول أعمال المقاومة، و هي الأعمال التي تحتاج إلى إعادة قراءة و تحتاج إلى قراءة متأنية ، خاصة و أن رواية باسم خندقجي تطرح عدة تساؤلات و تبحث لها عن إجابات أمام تعددية القراءات و تنوعها و ما ينشر عن الرواية الثورية أو أدب المقاومة و أدب السجون في الصحافة العربية و بين قارئ و محلل و ناقد، سواء كانت الأعمال الأدبية رواية أو قصة أو قصيدة، و كيف يتم التلاعب بالكلمات أو الألقاب و الأسماء و توظيفها ، كما لوحظ في رواية باسم خندقجي ( نور و أور)، فالمفاهيم عادة ما تربط بين الهويات، فتظهر هوية جديدة عكس الهوية الأصلية ( يهودي فلسطيني )، يقول الروائي لونيس بن علي في مقطع من رواية باسم خندقجي: إنّ أكبر تحوّل طرأ على مفهوم "الهوية" عند "نور الشهدي" هو عندما عثر داخل معطف قديم اقتناه من سوق الخرداوات على بطاقة هوية زرقاء لفرد إسرائيلي يُدعى "أور شابيرا"، فقرر "نور" أن ينتحل شخصية "أور" مع العلم أنّ هذا الاسم العبري يعني بالعربية "نور" أيضاً، وهذه مفارقة عجيبة، وضعت "الهوية" في حالة من الالتباس الدلالي.
كما تحدث الدكتور لونيس بن علي عن نشأة "السردية التخييلية" إذ يقول أن المسكون بهاجس الحرية لا يجد سوى "السرد" ليعبر عن رغبته في الحرية عن طريق استرجاع الذكريات، و يقارب الدكتور لونيس بن علي و من شاركه اللقاء هذا النوع من السرديات بكتابات مالك حداد و ارتباط الكتابة السردية بالأرض و المعطف كما هو الشأن في رواية باسم خندقجي أو كما يقابله عندنا بالبرنوس، فالأرض و المعطف يرمزان للهوية باعتبارها واحدة من المقدسات، و هي القيمة الأساسية ، و الصراع كله كان و لا يزال يدور حول الأرض، لذا نجد أن الحركة الأدبية لازمت الثورات بنوع من الثورية ، حيث كان الأدباء يتبادلون الرسائل يعبرون فيها عن الجرح و ألمه و مواجهته بالمقاومة، ذلك ما نلمسه عند كثير من أدباء المقاومة الفلسطينية ، و أدب الثورة في فلسطين كان له اثر بليغ في نفوس الأدباء العرب، دون أن نستثني أدب الرسائل ، التي ظهرت مع محمود درويش و رفيق دربه سميح القاسم اللذان كانا يتبدلان الرسائل ، فأدب المقاومة هو أدب التعديل في صراع الأنا و كشف الآخر و مواجهته، و الانتصار عليه، فهو يحقق أهدافا من خلال مناهج متباينة، فهو بمثابة الدعوة إلى النضال و توثيق التاريخ و نقل المعاناة، و الدعوة إلى الصمود و رفض الهجرة و رفض التعامل مع المحتل، و اللجوء إلى الكفاح المسلح، علاوة على تمجيد البطولات، مما جعل العديد من النقاد يسلطون الضوء على هذا النوع من الأدب، الذي بدا لأول وهلة لونًا جديدًا من ألوان الأدب الحديث.
لقد اختلفت التسميات في أدب المقاومة عبر مراحله التاريخية، فمن أدب المنافي و أدب الانتفاضة إلى أدب النكبة و أدب البطولة و أدب السجون.. الخ، مما جعل العديد من النقاد يسلطون الضوء على هذا النوع من الأدب، الذي بدا لأول وهلة لونًا جديدًا من ألوان الأدب الحديث، فالفلسطيني المقاوم حسب القراءات النقدية هو شبح لأنه ذاب في قضيته، و الذي يتبنى الجهاد يتحول الى شبح من أجل قضيته، أو كما سمّاه مراد بوكرزازة بالوحش و قد تطرق العديد من الكتاب و لنقاد إلى أدب المقاومة كما نراه في كتابات الدكتور راوية يحياوي من تيزي وزو ، تقول الدكتورة راوية يحياوي إن الكتابة ليست مجرد كتابة بل هي مسؤولية، و الكاتب و هو يكتب فهو يبحث عن المعنى، ما يجعلنا نتساءل إن كان بإمكان روائي ( ايّ روائي) أن يكتب عن أدب السجون و هو لم يعش حياة السجون، بمعنى أنه لم يسبق له و أن دخل السجن، و لا يعرف شيئا عن حياة المعتقل ، خاصة و نحن أمام ما يمكن تسميته بأدب المعتقل و هو مرادف لأدب السجون ، يكون فيه الكاتب مقيدا في مكان منعزل ضد إرادته، ، لاسيما و كاتب الرواية هو معتقل سياسي و ليس مجرما و قد يكون مجرما في المخيال الكولونيالي فقط ، تجدر الإشارة أنه كان لمعتقلين سياسيين تجارب و هم داخل الزنزانة و فيها كتبوا مذكراتهم التي تعتبر نوعا من السرد الأدبي، و الدكتور لونيس بن علي ناقد و روائي جزائري يلقب نفسه بالقارئ الذي يقاوم طواحين الهواء، و هو استاد محاضر بجامعة بجاية عاصمة الحَمّاديين مختص في الدراسات النقدية و المقارنة و عضو بمخبر التماثلات الثقافية بجامعة تيزي وزو الجزائر.
علجية عيش