ديوان الغائبين ديوان الغائبين : علي الغَرّاوي - العراق - 1904 - 1943 م

ولد علي صافي الغراوي في أرياف جنوبي العراق، وتوفي في مدينة النجف ولما يبلغ الأربعين.
تلقى دراسة دينية بسيطة في بلدته، ثم هاجر إلى النجف لتلقي العلوم، فوجد فيها مثل ما وجد في قريته من تحكم الإقطاع، ولكن بهيمنة رجال الدين، فكتب مظالمه في شعره وانتقد جور السلطة وتحكم المتزعمين باسم الدين، حتى صار صاحب دعوة لاستنهاض الشعب.

نشط بشعره في المحافل والمناسبات داعيًا إلى يقظة العراق.
الإنتاج الشعري:
- له عدد من القصائد وردت ضمن كتاب: «شعراء الغري»، وأخرى نشرت في جرائد ومجلات

عصره.

شاعر مجدد، ثائر على الخذلان، متمرد على الظلم والجور، جعل شعره منبرًا لأفكاره، وهو في ذلك متنوع في بنيته، فقد ينظم على الموزون المقفى، وقد ينوع
في قوافيه فينظم المزدوجات، وهو في كل الأحوال يشتغل على المعنى العام (السياسي والاجتماعي)، ناقدًا متمردًا محرضًا على التغيير، ومبشرًا بثورة يقودها الشباب.
وإذا كانت معانيه واضحة أميل إلى المباشرة، فإنها لا تخلو من جمال، فقصائده تمتاز بلغة سلسة موحية متشحة بغلالات مجازية طريفة ومرصعة ببعض أساليب البديع، وكثيرًا ما يعتمد على المفارقة، وقد ينظم قصيدة حوارية، بما يجعل شعره قوي الإيقاع حسن الجرس.

مصادر الدراسة:

1 - علي الخاقاني: شعراء الغري (جـ 6) - المطبعة الحيدرية - النجف 1954.
2 - محمد هادي الأميني: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام - مطبعة الآداب - النجف 1964.
3 - الدوريات: محسن جمال الدين: مقالة عن الشاعر - مجلة العرفان اللبنانية - المجلد رقم 36 - 1368هـ/ 1948م.



نقد اجتماعي

إذا ما الشمسُ قاربَها الـمَغيبُ
تذكَّرَ عاشقٌ وصَبا حبيبُ
وحَنَّ بلوعةٍ وزفيرِ شوقٍ
لبيئتِه وجيرتهِ الغريب
وإن جَنَّ الظلام تنازَعَتْهُ
هواجسُ في الفؤاد لها دبيب
هواجس لو يُبَثُّ البعضُ منها
لضاق بوجدها الصدرُ الرَّحيب
أُصيحابي بربّكما اسمَعاني
فإن نداء ذي الشكوى مُريب
يعالجُنا الطبيب إذا مرِضنا
فكيف بنا إذا مرِض الطبيب؟
ولا حيفٌ إذا فسَدَ الزواني
وكل الحيف لو فسد النجيب
وقل لبني الخمول ألا انتباهٌ
وشمسُ الدين قاربَها المغيب؟
أيصبح قلبُ قومي مستقِرّاً
وقلبُ الحقِّ معتلٌّ وجيب؟
شبيهُ الحيِّ لا حيٌّ فيُرجى
ولا مَيْتٌ فيعلوه النحيب
رقدتمْ والعيونُ على قذاها
كأن الأمرَ ليس لكم يؤوب
على التهويم ما للعين ذنبٌ
إذا من قبلِها غفَتِ القلوب
أقولُ وفي الحشا نارٌ تلَظّى
ودمعُ العين مُنهلٌّ سَكوب
ألا يا ذئبُ دونك فافترِسْها
فقد نام المحافظُ والرقيب

***

مَن لي؟

من لي لأمزجةِ النفوسِ أطبَّةٌ
عرفوا الدواءَ لكلِّ داءٍ معضِلِ؟
جَسّوا جراثيمَ الفسادِ فعالجوا
مَنْ كان أزمنَ بالطريقِ الأسهَل
ومن البليّة أن ترى ما بينكم
فرخَ النعام يحوز وَكْرَ الأجدَل
وترى الهزارَ على الخرائب حائمًا
والبُومَ فوق خميلةٍ أو مقفل
لا عيشَ يهنأ للغيور إذا رأى
صوتَ المحقِّ عَلاهُ صوتُ الـمُبطِل


***

يا لشعوب العرب

إن أنكرَتْ ليلى غرامي بها
فالنُّكر منها لغرامي عُجابْ
كيف ولي جفنٌ جفاه الكرى
ولي بنار الشوق قلبٌ مُذاب؟
عاتبتُها مذ أنكرت وُدَّنا
قالت لك الويلاتُ فاطوِ العتاب
وانظرْ بهذا الكون كيما ترى
كيف اعتلَت هامَ الرؤوس الذُّناب؟
فانظرْ شعوبَ الغربِ كيف ارتقتْ
بجِدِّها فوقَ سَنامِ السحاب
قد أدركتْ بالعلم غاياتِها
وأشحذت فيه جميع الرقاب
تخافها في البحر حيتانُه
والوحشُ منها في الصحارى تَهاب
واستحكمتْ في الجوِّ طيرُ السما
فصافحَ العصفورُ كفَّ العُقاب
جَدَّت بمسعاهُ فنالت به
عزًا له ذلّت جميعُ الصِّعاب
يا لَشعوب العُرب من رقدةٍ
أمست بها كالشاةِ بين الذئاب
ينتاش منها كلُّ ذي عزمةٍ
وظل يُدَمِّيها بظفرٍ وناب
يلعب في ناموسها مثلما
تلعب بالأُكرَةِ رِجْلُ الشباب
إن وهَنَ العزمُ بقومي فلي
عزمٌ سيشتدُّ بعزمِ الشباب
فيا شبابَ العصر هُبّوا إلى
نهجٍ أماط العلمُ عنه الحجاب
هيّا أعيدوا عزَّ أسلافكم
فقد يعود العزُّ بعد الذهاب
جِدّوا فَداكمْ يا بني بيئتي
قومٌ رَضوا بالقشرِ دون اللُّباب
ولا يُعيقُ العذلُ أقدامكم
وهل يعوقُ الأُسْدَ طَنُّ الذباب؟
وها بني قوميَ أُهدي لكم
تحيّةَ الوُدِّ فردّوا الجواب

***

من قصيدة: يا فجر

يا فجرَ ليلٍ تبلَّجْ
فقد سئمتُ المناما
متى شعاعُكَ يبدو
لنا فيجلو الظلاما؟
متى نراك منيرًا
لظلمةِ الليلِ سائقْ؟
فينجلي كلُّ غَيٍّ
وتستبينُ الحقائقْ
يا فجرُ بُلبلُ صدري
يرعى شعاعَ ذكائكْ
إن لاحَ برقُ سناها
لبّاهُ فوقَ الأرائكْ
يا فجرُ سَدَّتْ وُلاتي
عليَّ نهجَ الطريقِ
كأنما لم يكن لي
حَقٌّ بدار الحقوقِ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...